الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - الأدب في المماشاة

الأدب في المماشاة

وَجه هِشامُ بن عبد الملك ابنه على الصَّائفة ووجَّه معه ابن أخيه وأوصى كلَّ واحد منهما بصاحبه فلما قَدِما عليه قال لابن أخيه‏:‏ كيف رأيتَ ابن عمّك فقال‏:‏ إن شئت أجملت وإن شئت فسّرْتُ قال‏:‏ بل أجمل قال‏:‏ عرضتْ بيننا جادة فتركها كلُّ واحد منَّا لصاحبه فما رَكِبناها حتى رَجعنا إليك‏.‏

وقال يحيى بن أكثم‏:‏ ما شيتُ المأمون يوماً من الأيام في بُستان مُؤْنسة بنت المَهديّ فكنت من الجانب الذي يَسترٌه من الشَمس فلما انتهى إلى آخره وأراد الرجوع وأردتُ أن أدور إلى الجانب الذي يَسْترٌه من الشمس فقال‏:‏ لا تفعل ولكن كُن بحالك حتى أسترك كما سَتَرْتني فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين لو قدرتُ أن أقيك حَرَّ النار لفعلتُ فكيف الشمسُ فقال‏:‏ ليس هذا من كرم الصُحبة ومَشى ساتراً لي من الشّمس كما سترته‏.‏

وقيل لعُمَر بن ذرّ‏:‏ كيف برُ ابنك بك قال‏:‏ ما مشيتُ نهاراً قط إلا مَشى خَلفي ولا ليلاً إلا مشى أمامي ولا رَقِي سَطحاً وأنا تحته‏.‏

وقيل لزياد‏:‏ إنك تَستخلص حارثة بن بَدْر وهو يُواقع الشراب فقال‏:‏ وكيف لا أَسْتَخْلصه وما سألته عن شيء قط إلا وجدتُ عنده منه عِلْماً ولا استودعتُه سِرّاً قطْ فضيّعته ولا راكبني قطّ فمست رُكْبتي رُكْبته‏.‏

محمد بن يزيد بن عُمر بن عبد العزيز قال‏:‏ خرجتُ مع موسى الهادي أمير المُؤمنين من جُرْجان فقال لي‏:‏ إمّا أن تَحملين وإمّا أن أحْملك فعلمتُ ما أراد فأنْشدتُه أبياتَ ابن صِرْمة‏:‏ أوصيكم بالله أولَ وَهْلةٍ وأَحْسابِكِم والبرُّ باللّه أَوَّلُ وإنْ قومُكم سادوا فلا تَحْسُدوهم وإن كُنتم أهلَ السِّيادة فاعْدِلوا وإن أنتمُ أعْوَزْتُمُ فتَعفَفَّوا وإن كان فَضْلُ المال فيكم فأَفْضِلوا وإنْ نزلتْ إحدى الدَواهي بقَوْمكم فأنْفُسَكم دون العَشيرة فاجعلوا وإنّ طَلبوا عُرْفاً فلا تَحْرموهمُ وما حَمَّلوكم في المُلمّات فاحملوا قال‏:‏ فأمر لي بعشرين ألف دِرْهم‏.‏

وقيل‏:‏ إن سعيد بن سَلْم راكب موسى الهادي والحَربةُ بيد عبد الله بن مالك وكانت الريح تَسْفي التراب وعبد الله يَلْحظ موضع مَسير موسى فيتكلَّف أن يسير على مُحاذاته وإذا حاذاه ناله ذلك التراب فلما طال ذلك عليه أقبلَ على سَعيد بن سَلْم فقال‏:‏ أما ترى ما نَلقى من هذا الخائن قال‏:‏ واللّه يا أميرَ المؤمنين ما قَصَّر في الاجتهاد ولكن حُرِم التوفيق‏.‏