الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في الصمت

باب في الصمت

كان لُقمان الحكيم يجلس إلى داود صلى اله عليه وسلم ‏"‏ مُقْتَبسا ‏"‏ وكان عبداً أسود فوجده وهو يَعمل دِرْعاً من حديد فعجب منه ولم يَرَ درْعاً قبل ذلك فلم يسأله لُقمان عما يَعمل ولم يُخبره داود حتى تمَّت الدِّرع بعد سنة فقاسها داودُ على نفسه وقال‏:‏ زِرْد طافا ليوم قِرَافا‏.‏

تفسيره‏:‏ درع حَصينة ليوم قِتال‏.‏

فقال لُقمان‏:‏ الصمت حُكم وقَليل فاعله‏.‏

وقال أبو عبيد الله كاتبُ المهدىِّ‏:‏ كُن على التماس الحظ بالسكوتِ أحرصَ منك على التماسه بالكلام إِنّ البلاء موَكَلٌ بالمنطق‏.‏

وقال أبو الدَّرداء‏:‏ أنْصف أُذنيك مِن فيك فإنما جُعل لك أُذنان اثنان وفَم واحد لِتسمع أكثر مما تقوله ابن عَوْف عن الحسن قال‏:‏ جلسوا عند مُعاوية فتكلّموا وسكت الأحنف فقال مُعاوية‏:‏ مالك لا تتكلّم أبا بَحْر قال‏:‏ أخافُك إن صدقتُ وأخاف الله إن كذبت‏.‏

وقال المُهلَّب بن أًبي صُفْرة‏:‏ لأن أرى لعقل الرجل فضلاً على لسانه أحبُّ إليَّ من أن أرى للسانه فضلا على عقله‏.‏

وقالوا‏:‏ مَن ضاق صدرُه اتسع لسانُه ومَن كثُر كلامُه كثُر سَقَطه ومَن ساء خُلقه قلَّ صديقُه‏.‏

وقال هَرم ابن حيّان‏:‏ صاحبُ الكلام بين إحدى مَنْزلتين إن قصَّرَ فيه خصم وإن أَغْرق فيه أَثِم‏.‏

وقال شَبيب بن شَيبة‏:‏ مَن سمع الكلمة يَكرهها فسكتَ عنها انقطع ضرُّها عنه‏.‏

وقال أكثمُ بن صَيْفيّ‏:‏ مَقْتل الرجل بين فَكًيه‏.‏

وقال جعفر بن محمد بن عليِّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللهّ عنهم‏:‏ يَموت الفتَى من عَثْرة بلِسانِه وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْل فعثرته مِن فِيه تَرْمِي برأْسه وعثرتُه بالرِّجْل تَبرا على مَهْل وقال الشاعر‏:‏ الْحِلم زَيْنٌ والسكُوتُ سلامةٌ فإذا نَطقتَ فلا تَكُنْ مكثَارَا ما إن نَدِمْتُ على سُكُوتي مَرّةً لكن نَدِمْتُ على الكلام مِرَارا وقال لحسن بن هانيء‏:‏ خَلّ ِجنبيك لِرَامِي واْمض عنه بسَلاَم ربَّ لفظ ساق آجا ل فِئَام وفئام إنما الساِلمُ من أَلْ جَم فاهُ بِلِجَام وقال بعض الحكماء‏:‏ حَظّي من الصّمت لي ونَفْعُه مَقْصور عَلَيَّ وحظّي من الكلام لغيري وَوَباله راجع عَليَّ‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا أعجبك الكلامُ فاصمُت‏.‏

وقال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز‏:‏ متى أتكلم قال‏:‏ إذا اشتهيتَ أن تَصْمُت قال‏:‏ فمتى أصمُتَ قال‏:‏ إذا اشتهيتَ أن تتكلّم‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أعْطيَ العبدُ شرّا مِن طَلاقة اللّسان‏.‏

وسَمِع عبد الله بن الأهتم رجلا يتكلم فيُخْطىء فقال‏:‏ بكلامك رُزِق الصمتُ المحبة‏.‏