الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في الإعراب واللحن

باب في الإعراب واللحن

أبو عُبَيدة قال‏:‏ مَرً الشِّعبيُّ بقَوْم من المَوالي يَتذاكرون النحوَ فقال لهم‏:‏ لئن أَصْلحتموه إنكم لأوَّل من أفسده‏.‏

قال أبو عُبيدة‏:‏ ليته سَمِع لحنَ صَفْوان وخالد بن صَفْوان وخاقان والفتح بن خاقان والوليدِ بن عبد الملك‏.‏

وقال عبد الملك بن مروان‏:‏ اللحنُ في الكلام أقبح من التَّفتيق في الثوب والجُدَريّ في الوجه‏.‏

وقيل له‏:‏ لقد عَجِل عليك الشيبُ يا أميرَ المؤمنين قال‏:‏ شَيَّبنى ارتقاءُ المنابر وتوقع اللحن‏.‏

وقال الحجَّاج لابن يَعْمَر‏:‏ أتَسمعني ألحن قال‏:‏ لا إلاّ أنه ربما سَبَقكَ لسانُك ببعضه في آن وآن قال‏:‏ فإذا كان ذلك فعَرِّفني‏.‏

وقال المأمون لأبي عليّ المعروف بأبي يَعْلى المِنْقريّ‏:‏ بلغني أنك أُمِّيّ وأنك لا تقيم الشِّعر وأنك تَلحن في كلامك فقال‏:‏ يا أميرَ المؤمنين أمّا الَّلحن فربما سَبَقني لساني بالشيء منه وأما الأمِّيَّة وكَسْر الشعر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أًمّياً وكان لا يُنشد الشعر قال المأمون‏:‏ سألتُك عن ثلاثة عيوب فيك فزدْتني عَيباً رابعاً وهو الجهل ياجاهل إنّ ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة وفيك وفي أمثالك نَقيصة وإنما مُنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لنَفْي الظِّنَّة عنه لا لِعَيب في الشِّعر والكتاب وقد قال تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَا لارْتَابَ اْلمُبْطِلُونَ ‏"‏‏.‏

وقال عبدُ الملك بن مروانً‏:‏ الإعراب جمالٌ للوَضِيع واللحن هُجْنة على الشَّرِيف‏.‏

وقال‏:‏ تَعلَّموا النحوَ كما تتعلّمون السًّنن والفرائض‏.‏

وقال رجلٌ للحسن‏:‏ إنَّ لنا إماماً يلحن قال‏:‏ أمِيطوه ‏"‏ عنكم فإن الإعراب حِلْية الكلام ‏"‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ النَّحوُ يَبْسُط من لسان الأَلْكن والمرءُ تُكْرمه إذا لم يَلْحَنِ فإذا طلبتَ من العُلوم أَجلَّها فأَجلُّها منها مُقِيم الألسن وقال آخر‏:‏ النَّحو صَعْب وطويل سُلًمه إذا ارتقى فيه الذي لا يَعْلمُهْ زَلَّتْ به إلى الحَضِيض قَدَمُه يُريدُ أن يُعْربه فَيُعْجِمه وقال رجل للحسن‏:‏ يا أبو سَعِيد فقال‏:‏ أحْسَبُ أنّ الدَّوانِق شَغَلتْك عن أن تقول‏:‏ يا أبا سعيد‏.‏

وكان عمرُ بنُ عبد العزيز جالساً عند الوليد بن عبد الملك وكان الوليد لَحَّاناً فقال‏:‏ ياغلام ادعُ لي صالح فقال الغلام‏:‏ ياصالحا قال له الوليد‏:‏ انُقص ألفاً فقال عمر‏:‏ وأنت يا أميرَ المؤمنين فزِدْ ألفاً‏.‏

ودخل على الوليد بن عبد الملك رجلٌ من أشراف قُريش فقال له الوليد‏:‏ من خَتَنَك قال له‏:‏ فلانٌ اليهودي فقال‏:‏ ما تقول ويحك‏!‏ قال‏:‏ لعلّك إنما تَسْأل عن خَتَني يا أمير المؤمنين هو فلان بن فلان‏.‏

وقال عبدُ الملك بن مروان‏:‏ أضرّ بنا في الوليد حُبُّنا له فلم نُلْزمه البادية‏.‏

وقد يَستثقل الإعرابُ في بعض المواضع كما يستخفّ اللحنُ في بعضها‏.‏

وقال مالك بن أسماء بن خارجة الفَزاريّ‏:‏ منطقٌ بارعٌ وتَلحنُ أحيا ناً وخير الحديث ما كان لحنا وذلك أنه من حَكى نادرةً مُضحكة وأراد أن يُوفِّي حروفها حظَّها من الإعرِاب طَمس حُسنها وأَخرجها عن مِقدارها ألا ترى أن مُزَبِّدا المَدِينيّ أكل طَعاماَ فكظَّه فقيل له‏:‏ أَلا تَقِي قال‏:‏ وما أَقي خبز نقي ولحم طَرِي مَرَتي طالق لو وَجدت هذا فيئاً لأكلته‏.‏

قال‏:‏ وكذلك يُستقبح الإعراب في غير موضعه كما استُقبح من عيسى بن عمر إذ قال وابن هُبيرة وحُكي عن بعض المغربين في الَّلحن أن جارية له غنّته‏:‏ إذا ما سَمعتُ اللومَ فيها رفضته فَيَدْخل من أُذْنٍ ويَخرج مِن أُخرَى فقال لها‏:‏ مِن أُخرِى يا فاعلة أما علّمتِكٍ أن ‏"‏ من ‏"‏ تَخفض‏.‏

وقال رجل لشُرَيح‏:‏ ما تقول في رجل توفي وترك أباه وأخيه فقال له‏:‏ أباه وأخاه فقال‏:‏ كم لأباه وأخاه قال لأبيه وأخيه قال‏:‏ أنت علّمتني فما أصْنَع وقال بعضُ الشعراء وأَدرك عليه رجل من المُتفصّحين يقال له حَفْص لحناً في شِعْره وكان حَفْص به اختلاف في عَينيه وتَشويه في وجهه فقال فيه‏:‏ لقد كان في عَينيك يا حَفْصً شاغلٌ وأنفٌ كمِثْل الطَّود عما تَتَبَّع تَتَبّع لحناً من كلامٍ مُرَقَّش وخَلقْك مبْنيّ من اللَّحْن أَجمع فعينك إقواء وأنفك مكفأ ووجهك إبطاء فما فيك مرقع