الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في الغريب والتقعيب

باب في الغريب والتقعيب

دخل أبو عَلْقمة على أَعْينَ الطبيب فقال‏:‏ أصلحك الله أَكلتُ من لحوم هذه الجَوازل وطَسِئْت طَسْأَة فأصابني وَجَعٌ بين الوابلة ودأية العُنق فلم يزل يَنْمو ويَرْبُو حتى خالَطَ الخِلْب والشَّراسيف فهل عندك دواء قال‏:‏ نعم خذ خَرْبَقاً وسلفقاً وشِبْرقاً فزَهْزِقه ‏"‏ وزَقْزقه ‏"‏ و اغسله بماء ذَوْب واشربه فقال له أبو عَلقمة‏:‏ لم أفهمكَ فقال‏:‏ ما أفهمتُك إلاَّ كما أَفهمتني‏.‏

وقال له مرّة أُخرى‏:‏ إني أجد مَعْمعة وقَرْقرة فقال‏:‏ أمّا معمعة فلا أعرفها وأما القرقرة‏:‏ فضُراط لم يَنْضَج‏.‏

وقال أبو الأسوَد الدّؤلي لأبي عَلْقمة‏:‏ ما حال ابنك قال‏:‏ أخذته الحمَّى فطَبَختْه طبخاً ورَضَخته رَضْخاً ‏"‏ وفَتَخته فَتْخاً ‏"‏ فتركته فَرْخاً قال‏:‏ فما فعلت زوجتُه التي كانت تُشارّه وتُهارّه وُتمارّه وتزارّه قال‏:‏ طَلَّقها‏.‏

فتزوَّجت بعده فَحَظِيت وبظَيت فقال له‏:‏ قد عَرفنا ‏"‏ حَظِيت ‏"‏ فما ‏"‏ بظَيت ‏"‏ قال‏:‏ حرف من الغريب لم يَبْلغك فقال‏:‏ يابن أخي كل حَرْف لا يعرفه عمُّك فاستره كما تَستر السِّنور خُرْأها‏.‏

ودعا أبو عَلْقمة بحَجَّام يَحْجِمهُ فقال له‏:‏ أنْقِ غَسْلَ المحاجم واشدُد قصب المَلازم وأرْهف ظُبات المشَارِط وأسْرع الوضْع وَعجِّل النَّزع ولْيكُن شَرْطُكم وَخْزا ومَصَّك نَهْزا ولا تَرُدَّن آتياَ ولا تُكْرِهن آبياً‏.‏

فوضع الحجّام مَحاجمه في جُونته ومضى عنه‏.‏

وسَمِع أعرابيّ أبا المَكْنون النَّحوي ‏"‏ في حَلْقته ‏"‏ وهو يقول في دعاء الاستسقاء‏:‏ اللهم ربنا وإلهنا ومولانا فصلِّ على محمد نبيّنا ‏"‏ اللهم ‏"‏ ومن أراد بنا سُوءا فأحِطْ ذلك السوء به كإِحاطة القلائد بأعناق الولائد ثم أَرْسخه على هامَتِه كرسُوخ السِّجِّيل على هام أصحاب الفيل اللهم اسقنا غَيْثاً مُغيثا ‏"‏ مَرِيئا ‏"‏ مَرِيعا مُجلْجلا مُسْحَنفرا ‏"‏ هَزِجا ‏"‏ سَحَّا سفُوحا طَبَقا غَدقا مُثْعَنْجرا ناقعا لعامَّتنا وغيرَ ضار لخاصَّتنا‏.‏

فقال الأعرابيّ‏:‏ يا خليفة نوح هذا الطًّوفان وربِّ الكعبة دعني حتى آوي إلى جَبَل يَعْصمني من الماء‏.‏

وسَمعه مرة أخرى يقول في يوم برد‏:‏ إن هذا يوم بلّة عَصبْصب بارد هِلَّوْف فارتعد الأعرابي وقال‏:‏ واللّه هذا مما يَزيدني بردا‏.‏

وخطب أبو بكر المَنْكور فأغرب في خُطبته وتقَعَّر في كلامه وعند أصل المِنبر رجلٌ من أهل الكوفة يقال له حَنش فقال لرجل إلى جَنبه‏:‏ إني لأبغض الخطيب يكون فَصيحاً بليغاً مًتَقعِّراً‏.‏

وسمعه أبو بكر المنكور الخطيبُ‏.‏

فقال له‏:‏ ما أحوجك يا حنش إلى مُدَحْرج مَفْتول لي الجلاز لَدْن المَهزّة عظيم الثّمرة تُؤخذ به من مَغْرِز العنق إلى عَجْب الذًنب ‏"‏ فتُعلَى به ‏"‏ فتَكْثُر له وقال حبيب الطائي‏:‏ فما لك بالغريب يدٌ ولكن تَعاطيكَ الغَرِيبَ من الغَرِيبِ أمَا لو أن جهلك عاد عِلْما إذاً لرسختَ في عِلْم الغُيوب ومن قولنا نَمدح رجلا باستسهال اللفظ وحُسن الكلام‏:‏ قَولٌ كأن فَرِيدَه لسِحْر على ذهن الَّلبيب لا يَشمئز على اللّسا نِ ولا يَشِذّ عن القُلوب لم يَغْلُ في شَنِع الًّلغا تِ ولا توَحّش بالغريب سَيف تَقَلّد مثْلَهُ عَطْفَ القَضيب على القَضيب هذا تُجَذّ بهِ الرِّقَا بُ وَذا تُجَذّ به الخُطُوب