الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في سوء الأدب

باب في سوء الأدب

دخل عُرْوة بن مَسعود الثَقفيّ على النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يُحدَثه ويُشير بيده إليه حتى تَمسّ لحيته والمُغيرة بن شُعبة واقفٌ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده السيفُ فقال له‏:‏ اقبض يدك عن لِحْيَة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا ترجع إليك‏.‏

فَقبض عُروة يده‏.‏

وعُروة هذا ‏"‏ هو ‏"‏ عظيم القريتين الذي قالت ‏"‏ فيه ‏"‏ قريش‏:‏ لَولا نُزِّل هذا القرآنُ على رجُل من القَرْيتين عظيم‏.‏

ويقال إنه الوليد بن المغيرة المخزوميّ‏.‏

ولما قَدِم وفدُ تميم على النبي صلى الله عليه وسلم ناداه رجل ‏"‏ منهم ‏"‏ من وراء الجدار‏:‏ يا محمد اخرج إلينا‏.‏

فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنّ الذينَ يُنَادُونَكَ مِن ورَاء الحُجُراتِ أكثرُهم لا يَعْقِلُون ‏"‏‏.‏

وفي قراءة ابن مسعود‏:‏ ‏"‏ بنو تميمٍ أكثرُهم لا يَعْقلون ‏"‏‏.‏

وأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏"‏ لا تَجْعَلوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكم كدُعاء بَعْضكم بَعْضاً ‏"‏‏.‏

ونظر أبو بكر ‏"‏ الصدِّيق رضي الله عنه إلى ‏"‏ رجل يَبيع ثَوْباً فقال له‏:‏ أتبيع الثوبَ قال‏:‏ لا عافاك اللهّ قال‏:‏ لقد علمتم لو تتعلّمون‏!‏ قل‏:‏ لا وعافاك اللّه‏.‏

وخطب الحسن في دَم‏.‏

فأجابه صاحب الدم فقال‏:‏ قد وضعتُ ذلك الدم للّه ولوُجوهكم‏.‏

قال له الحسن‏:‏ ألا قلت‏:‏ قد وضعتُ ذلك للّه خالصاً وذكر إعرابيّ رجلاً بسوء الأدب فقال‏:‏ إن حدّثتَه سابقَك إلى ذلك الحديث وإن تركتَه أخذ في لمن الدِّيار بقُنَة الحِجْرِ فأنشدها حتى أتى على آخرها‏.‏

فقال له المهديُّ‏:‏ ذَهب واللّه مَن كان يقول هذا فقال له‏:‏ كما ذَهب واللّه من يُقال فيه‏.‏

فاستجهله واستَحمقَه‏.‏

ولما رَفع قُطْرُبٌ النحوي كتابه في القران إلى المأمون أمرَ له بجائزة وأذن له‏.‏

فلما دخل عليه قال‏:‏ قد كانت عِدَةُ أمير المؤمنين أرفع من جائزته‏.‏

فغَضب المأمون وهَمَّ به‏.‏

فقال له سهل بن هارون‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ إنه لم يَقُل بذات نَفْسه وإنما غَلب عليه الحَصرَ‏.‏

ألا تراه كيف يَرْشَح جبينُه ويكْسِر أصابعه فَسَكَن غضبُ المأمون واستجهله واستحمقه وكان الحسنُ اللؤلئيّ ليلةً عند المؤمون بالرقَّة وهو يُسامره إذ نَعَس المأمونً والحسن يُحَدِّثه فقال له‏:‏ نَعَست يا أمير المؤمنين‏.‏

فانتبه فقال‏:‏ سُوقيٌ وربِّ الكعبة يا غلام خُذ بيده‏.‏

ودخل أبو النًجْم على هشام بن عبد الملك بأرْجوزته التي أوّلها‏:‏ الحمد للّه الوَهُوب المُجْزِل وهي من أجود شِعْره‏.‏

‏"‏ فاستحسنها هشام وأصغى إليها ‏"‏ فلما أتى على قوله‏:‏ والشمسُ في الجوِّ كعَيْن الأحْول غَضب هشام وكان أحولَ فأَمر بصفْع قَفاه وإخراجه‏.‏

ودخل كُثَيِّر عَزّة على يَزيد بن عبد الملك فبينا هو يُحدِّثه إذ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما معنى قول إذا الأرْطَى تَوَسَّد أبرديْه خُدُودُ جوازيء بالرمْل عِينِ فقال له يزيد‏:‏ وماذا على أمير المؤمنين ألا يعرفَ ما قال هذا الإعرابيّ الجِلْف مثلُك واستحمقه وأمر بإخْراجه‏.‏

ودخل كُثَيِّر عَزّة على عبد العزيز بن مَرْوَان فأنشده مِدحَته التي يقول فيها‏:‏ وأنتَ فلا تُفْقَدْ ولا زال مِنْكًم إمامٌ يُحيَّا في حِجَاب مُسَدَّنِ أشَمُّ منَ الغادين في كُلِّ حُلَّة يَميسون في صَبْغ من العَصب مُتْقن لهم أُزُرٌ حُمْرُ الحَواشي يَطَوْنَها بأقدامِهم في الحَضرميّ المُلَسَّن فاستَحْسنَها وقال له‏:‏ سَلْ حاجَتك فقال‏:‏ تُولَيني مكانَ ابن رُمَّانة كاتبك فقال له‏:‏ ويلك‏!‏ ذا كاتبٌ وأنت شاعر فكيف تَقوم مَقامه وتَسُد مَسدَّه فلما خرج من عنده ندم وقال‏:‏ عَجِبتُ لأخذِي خَطَة العَجْز بعدما تَبَينَّ من عبد العزيز قَبُولُها لئن عاد عبدُ العزيز بمثْلها وأَمْكنني منها إذاً لا أقولها ووقف الأحنف بنُ قيس ومحمدٌ بن الأشعث بباب معاوية فأذِن للأحنف ثم لمحمد بن الأشعث فأسرع محمدٌ في مشْيته حتى دَخل قبل الأحنف‏.‏

فلما رآه مُعاوية قال له‏:‏ والله إنِّي ما أذنتُ له قبلَك وأنا أريد أن تَدْخل قبلَه وإنّا كما نَلى أمورَكم كذلك نلى أدبكم ولا يزيد مُتَزَيِّد في أمره إلا لنقْص يجده في نَفْسِه‏.‏

وقال عبدُ الملك بن مروان‏:‏ ثلاثة لا يَنبغي للعاقل أن يَستخِفَّ بهم‏:‏ العُلماء والسُّلطان والإخْوان‏.‏

فمن اْستخفَّ بالعُلماء أفْسد دينَه ومَن استخفَّ بالسُّلطان أفسد دُنياه ومن استخفَّ بالإخوان أفسد مرُوءته‏.‏

وقال أبو الزِّناد‏:‏ كنتُ كاتباً لعُمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد عامله على المدينة في المَظالم فيُراجعه فيها فكتَب ‏"‏ إليه ‏"‏‏:‏ إنه يُخيَّل إلي أَنِّي لو كتبتُ إليك أن تُعطِي رجلاً شاةٍ لكتبتَ إليّ‏:‏ أضأنا أم مَعزاً ولو كتبتُ إليك بأحدهما لكتبتَ إليَّ‏:‏ أذكراً أم أنثى ولو كتبتُ إليك بأحدهما لكتبت‏:‏ أصغيراً أم كبيراً فإذا كتبتُ إليك في مَظْلمة ‏"‏ فنَفِّذ أمري ‏"‏ ولا تراجعني فيها‏.‏

وكتب أبو جعفر إلى سَلْم بن قُتيبة يأمره بهَدْم دور مَن خَرج مع إبراهيم ‏"‏ بن عبد الله ‏"‏ وعَقْر نخلهم فكتب إليه‏:‏ بأيّ ذلك تَبدأ بالدُّور أو بالنّخل فكتب إليه أبو جعفر‏:‏ إنِّي لو أمرتك بإفساد تَمرهم لكتبتَ‏:‏ بأيّ ذلك نبدأ بالصَّيْحاني أم بالبَرْنِيّ وعَزله وولّى محمد بن سليمان‏.‏

‏"‏ ولمحمود الورّاق‏:‏ كم قد رأيتَ مَساءةً من حيثُ تَطْمع أن تُسَرّا ولربما طَلب الفَتى لأخيه مَنْفعة فَضَرا ‏"‏ ودخل عَدِيّ بن أرْطأة على شرَيح القاضي فقال له‏:‏ أين أنت أصلحك اللّه قال‏:‏ بينك وبين الحائط قال‏:‏ اسمع منِّي قال‏:‏ قُلْ نَسمع قال‏:‏ إني رَجل من أهل الشام قال‏:‏ مكان سَحيق قال‏:‏ وتزوّجتُ عندكم قال‏:‏ بالرِّفاء والبَنين قال‏:‏ وأردتُ أن أرحِّلها قال‏:‏ الرَّجلُ أحقُّ بأهله قال‏:‏ وشرَطتُ لها دارها قال‏:‏ الشَرْط أَمْلك قال‏:‏ فاحكم الآن بيننا قال‏:‏ قد فعلتُ قال‏:‏ فعلى مَن حكمتَ قال‏:‏ على ابن أمّك قال‏:‏ بشهادة من قال بشهادة ابن أخت خالتك - أراد شُريح إقرارَه على نفسه بالشَّرْطِ - وكان شِريح صاحب تعريض عويص‏.‏

ودخل شريك بنُ عبد الله على إسماعيل وهو يتَبخَر بعود فقال للخادم‏:‏ جئنا بعود لأبي عبد الله‏.‏

فجاء بِبَربط فقال له إسماعيل‏:‏ اكْسِرْه ‏"‏ ويلك ‏"‏‏!‏ وقال لشَريك‏:‏ أخَذُوا البارحةَ في الحرس رجلاً ومعه هذا البَرْبط‏.‏

وقال بعض الشعراء في عيّ الخادم‏:‏ وَمَتَى أدْعها بكأْسٍ من الما ء أتَتْني بصَحْفَة وزبِيبِ وقال حَبيبٌ في بني تَغْلِب من أهل الجَزِيرة يَصفُهم بالجفاء وقِلَةِ الأدب مع كرم النُّفوس‏:‏ لا رِقَّةُ الحَضَرِ اللَّطيف غَذَتْهمُ وتَباعدُوا عن فِطْنة الأعْراب فإذا كشفتَهمُ وجدتَ لديهمُ كَرَم النُّفوس وقِلَّة الآدابَ وكان فَتًى يُجالسُ الشَّعْبيّ وكان كثيرَ الصَّمت فالتفت إلى الشَّعبيّ فقال له‏:‏ إني لأجد في قَفاي حِكِّة أفتأمُرني بالحِجامة فقال الشَعبِيُّ‏:‏ الحمدُ لله الذي حوَلنا من الفِقْه إلى الحِجامة‏.‏

‏"‏ قال‏:‏ وأتى أحمدَ بن الخَصيب بعضُ المتظلّمين يوماً فأخرج رِجْلَه من الرِّكاب فَركله بها‏.‏

فقال فيه قلْ للخليفَةِ يابن عَمِّ محمدٍ اشْكُل وزيرَك إنَّه رَكَّالُ ‏"‏ وبعثَ رجلٌ من التّجار وكيلاً له إلى رَجل من الأشراف يَقْتضيه مالاً عليه فَرَجَع إليه مَضروباَ فقال له‏:‏ ويلك‏!‏ مالك قال‏:‏ سَبك فسببته فضَرَبَني‏.‏

قال‏:‏ وما قال لك قال قال‏:‏ أدخَل الله هَنَ الحِمار في حِرِ أمَ مَن أرسلك قال‏:‏ دَعْني مِن افترائه عليّ وسَبّه لي وأخبرني كيف جعلتَ أنتَ لأيْرِ الحِمار من الحُرْمة ما لمِ تجعله لِحِر أمّ مَن أرسلك هلا قلتَ‏:‏ أيْر الحِمار في هَنِ أم مَن أرْسلك