الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في تحنك الفتى

باب في تحنك الفتى

قِيلَ لعُمَر بن الخطَّاب‏:‏ إِن فُلاناً لا يَعْرِف الشَر‏.‏

قال‏:‏ ذلك أحْرَى أن يَقَع فيه‏.‏

وقال سُفْيان الثَورِيّ‏:‏ مَن لم يُحْسن أن يَتفتَى لم يُحسن أن يَتَقَرَّى‏.‏

وقال عمرو بن العاص‏:‏ ليس العاقلُ الذي يعرف الخيرَ من الشر إنما العاقلُ الذي يَعرف خيَر الشرَّين‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر‏:‏ رَضِيتُ ببعض الذل خوفَ جَمِيعه كذلك بعضُ الشَر أهونُ من بعض وسُئِل المُغيرة بن شُعبة عن عُمَر بن الخَطّاب ‏"‏ رضي الله عنه ‏"‏ فقال‏:‏ كان واللّه له فَضْلٌ يمنعه من أن يَخدع وعَقل يَمنعه من أن يَنخدع‏.‏

قال إياس‏:‏ لستُ بِخَبّ والخب لا يَخْدعني‏.‏

وتَجادَل إياس والحَسنُ - وكان الحَسنُ يَرى كلَّ مُسْلم جائزَ الشهادة حتى تَظْهر عليه سَقْطةٌ أو يُجَرِّحه المشهود عليه وكان إِياسٌ لا يَرى ذلك - فأقبلَ رجلٌ إلى الحَسن فقال‏:‏ إنّ إياساَ رَدّ شهادتي‏.‏

فقام معه الحسنُ إليه فقال‏:‏ أبا وائلة لمَ رددت شهادة هذا المُسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صلى إلى قبلتتا فهو المُسلم له مالنا وعليه ما علينا فقال له إياسٌ‏:‏ يا أبا سَعيد يقولُ الله تعالى‏:‏ ‏"‏ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداء ‏"‏ وهذا ممن لا نَرْضاه‏.‏

وكان عامرُ بنُ عبد الله بن الزًبَير في غاية الفَضْل والدِّين وكان لا يَعْرف الشرًّ فبينا هو جالسٌ في المَسْجِد إذ أتي بعَطائه فقام إلى مَنْزله فَنَسيه‏.‏

فلما صار في بَيْته ذَكَره فقال لخادمه‏:‏ اذهبْ إلى المَسْجد فائْتني بعَطائي فقال له‏:‏ وأين نجِده قال سُبحان اللّه‏!‏ أو بَقي أحدٌ يَأخذ ما ليس له وقال أيُّوب‏:‏ مِن أصحابي مَن ارتجى بركةَ دُعائِه ولا أقْبل شهادَته‏.‏

وذًكِرت فاطمةُ بنتُ الحُسين عليهما السلامُ عند عُمَر بن عبد العَزيز وكان لها مُعظِّماً فقيل إنها لا تَعْرِف الشَّرَّ فقال عُمر‏:‏ عَدمُ مَعْرِفتها بالشرِّ جَنَبها الشَّرً‏.‏

وكانوا يَسْتَحْسِنُون الحُنْكة للفَتى والصَّبْوة للحَدَث ويَكرهون الشَّيب قبل أوانه وُيشَبِّهون ذلك بيُبوسِ الثَّمرة قبل نُضْجها وأنِّ ذلك لا يَكُون إلا مِن ضرَر فيها‏.‏

فأنفع الإخوانِ مجلساَ وأكرمُهم عِشْرةً وأشدُهم حِذقاً وأنبَهُهم نَفْساَ مَن لم يكن بالشاطِر المُتَفَتِّك ولا الزًاهِد المتنَسِّك ولا الماجن المتَظَرِّف ولا العابد المتقَشِّف ولكن كما قال الشاعر‏:‏ يا هِنْدً هَلْ لك في شَيْخٍ فَتًى أبداً وقد يكونُ شبابٌ غير فِتْيانِ وقال آخر‏:‏ وفتًى وهْوَ قد أَنافَ عَلى الْخم سِينَ يَلْقالك في ثيابِ غلام وقال آخر‏:‏ فَلِلنُّسْكِ مني جانبٌ لا أًضِيعُه وللَهْو مني والبَطالة جانبُ كهْلُ الأناةِ فَتى الشَّذاة إذا عَدا للرَّوْع كان القَشْعَمَ الغِطْرِيفَا ومن قولنا ‏"‏ في هذا المعنى ‏"‏‏:‏ إذا جالسَ الفِتْيانَ ألفيتَه فتًى وجالسَ كَهْلَ الناس ألفيتَه كهْلاَ ونظيرُه قول ابن حِطّان‏:‏ يوماً يَمانٍ إذا لاقيتَ ذا يَمن وإن لَهقيت مَعديا فَعَدْناني وقولُ عمران بن حِطّان هذا هذا يَحتمل غيرَ هذا المعنى إلا أنّ هذا أقربُ إليه وأشبهُ به لأنّه أراد أنه مع اليَمانيّ يمانيّ ومَع العَدناني عدناني فيُحتمل أنّ ذلك لخوف منه أو مُساعدة وكل ذلك داخلٌ في