الجزء الأول - كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك - باب في فضل المال

باب في فضل المال

قال الله تعالى ‏"‏ المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدًّنْيَا والْبَاقِيَاتً الصالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيرٌ أَمَلاً ‏"‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمُجاشِعيّ‏:‏ إن كان لك مال فلك حسَب وإن كان لك خُلًق فلك مُروءة وإن كان لك دِين فلك كَرم‏.‏

وقال عمرُ بن الخطّاب‏:‏ حَسَب الرجل مالُه وكرَمه دِينه ومُروءته خُلُقُه‏.‏

وفي كتاب الأدب للجاحظ‏:‏ اعلم أنّ تَثْمير المال آلةٌ للمكارم وعَوْنٌ على الدِّين وتأليف للإخوان وأنّ مَن فَقد المالَ قَلَت الرَّغبةُ إليه والرَّهبة منه ومَن لم يكن بمَوْضع رَغْبة ولا رَهْبة استهان الناسُ به فاجْهَد جَهْدك كلًه في أَنْ تكُون القلوبُ مُعَلَّقة منك برَغْبة أو رَهْبة في دِبن أو دُنيا‏.‏

وقال حكيم لابنه‏:‏ يا بُنيّ عليك بطَلَب المال فلو لم يكن فيه إلاّ أنّه عِزٌّ في قَلْبك وذُلٌ في قلب عدوّك لكفي‏.‏

وقال عبدُ الله بن عبّاس‏:‏ الدُّنيا العافية والشَّباب الصِّحة والمُروءة الصبر والكرِم التَّقْوى والحَسَب المال‏.‏

وكان سعدُ بن عُبادة يقول‏:‏ اللهم ارزقني جِدّاً ومَجداَ فإنه لا مَجد إلا بفعَال ولا فَعال إلا بمال‏.‏

وقالت الحُكماء‏:‏ لا خيرَ فيمن لا يَجْمع المالَ يَصون به عرْضه ويَحْمي به مُروءته ويَصِل به رَحِمه‏.‏

وقال عبد الرحمن بن عَوْف‏:‏ يا حَبذا المالُ أصونُ به عِرْضي وأتقربُ به إلى ربِّي وقال سُفْيان الثَّوْرِيّ‏:‏ المالُ سِلاح المُؤمن في هذا الزمان‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نِعْمَ العَوْنُ على طاعة الله الغِنى ونعَم السُّلَّم إلى طاعة الله الغنى وتَلا ‏"‏ وَلَوْ أنَهم أقامُوا التَّوْراةَ وَالإنجِيلَ وَما أنْزِلَ إِليهم مِن ربِّهم لأكًلُوا مِنْ فَوْقهم وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهم ‏"‏ وقولَه‏:‏ ‏"‏ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ‏.‏

وقال خالدُ بن صفْوان لابنه‏:‏ يا بُنَيَّ أوصيك باثنتين لن تزال بخَيْر ما تمسَّكت بهما‏:‏ درْهمك لمعاشك ودِينك لمعادك‏.‏

وقال عُروة بن الوَرد‏:‏ ذَرِيني للغِنَى أسعى فإنِّي رأيتُ النَّاسَ شَرّهُم الفقيرُ وأحقَرُهم وأهونُهم عليهم وإنْ أمسى له حَسب وخِير يُباعده القريبُ وتَزْدرِيه حَلِيلتُه ويَنْهره الصَّغير وتُلْفِي ذا الغنى وله جَلالٌ يكاد فؤادُ صاحبه يَطير قلِيل ذَنْبُه وَالذنْبُ جم ولكنْ لِلْغَني رَبٌّ غَفور قَلِيلٌ ذَنْبُه وَالذَّنْبُ جم ولكنْ لِلْغَنِي رَبُّ غَفور سأكسبُ مالاً أو أموتَ ببَلدة يَقِلُ بها قَطْرُ الدًّموع على قَبْرِي وقال آخر‏:‏ سأعْمل نَصَّ العِيس حتى يَكُفَّني غِنَى المال يوماً أو غِنَى الْحَدَثانِ فَللْموتُ خيرٌ من حياة يُرى بهاَ على المَرْء بالإقلال وَسْمُ هَوَانِ إذا قال لم يُسْمع لِحُسْن مَقاله وإن لم يَقُل قالوا عَدِيمُ بَيَانِ كأنّ الغِنَى عن أهْله - بُورك الغِنَى - بغَيْرِ لِسانٍ ناطقٌ بلسانِ الرِّياشيّ قال‏:‏ أنشدنا أبو بكر بن عَيَّاش‏:‏ حيْران يَعلم أنّ المالَ ساقَ له ما لم يَسُقْهُ له دِينٌ ولا خُلقُ لولا ثلاثون ألفاً سُقْتها بِدَراً إلى ثلاثين ألفاً ضاقت الطُرق فمن يَكُن عن كرام الناس يَسْألني فأكْرم الناس مَن كانت له وَرِق وقال آخر‏:‏ أجلّكَ قوم حين صِرْتَ إلى الغِنَى وكلُّ غَني في العُيون جَلِيلُ ولو كنتَ ذا عقل ولم تُؤْتَ ثروَةً ذَلَلْت لدًيهم والفقيرُ ذليل فشرًّف ذَوِي الأموال حيثُ لَقِيتَهم فقَوْلهُمُ قَوْلٌ وَفِعْلُهم فِعْلُ وأنشد أبو مُحَلَم لرجل من وَلد ‏"‏ طَلِبَة بن ‏"‏ قَيسى بن عاصم‏:‏ وكنتُ إذا خاصمتُ خَصماً كبَبْتُه على الوَجْه حتى خاصَمَتْني الدَّرَاهمُ فلمّا تنازعنا الخُصومة غُلِّبت عليّ وقالوا قُمْ فإنّك ظالم وأنشد الرِّياشي‏:‏ لم يَبْقَ مِن طَلب الغِنَى إلا التَّعَرضُ للحُتُوف فَلأَقْذِفَنَّ بمًهْجَتي بين الأسِنَّة والسيوف ولأطْلُبَنَّ ولو رَأيتُ الموتَ يلمعُ في الصُّفوف وكان لأحَيْحَة بن الجُلاَح بالزَّوْراء ثلثمائة ناضح فَدَخَل بستاناً له فمرَّ بتَمْرة فَلَقطها فعُوتب في ذلك فقال‏:‏ تمْرَة إلى تَمرة تَمرات وجَمل إلى جَمل ذَوْد‏.‏

ثم أنشأ يقول‏:‏ إني مُقيم على الزَّوْراء أعمرُها إنّ الحبيب إلى الإخوان ذو المال فلا يَغُرَّنك ذو قُرْبى وذو نَسب من ابن عمّ ومن عمٍ ومن خال كلّ النداء إذا ناديتُ يَخْذًلني إلا نِدَائي إذا ناديتُ يا مالي قالوا نأيتَ عن الإخوان قلتُ لهم مالِي أخٌ غَير ما تًطْوَى عليه يَدِي ‏"‏ كان الرُّمَاحِس بن حَفْصة بن قَيْس وابن عمِّ له يُدْعى رَبيعة بن الوَرْد يَسْكًنان الارْدُن وكان رَبيعة بن الوَرْد مُوسِراً والرُّمَاحسُ مُعْسِراً كثيراً ما يَشْكو إليه الحاجة ويَعْطف عليه ربيعةُ بعضَ العَطْف فلما أكثر عليه كَتب إليه‏:‏ إِذَا المَرْء لم يَطْلُب مَعاشاً لنَفْسه شكاَ الفَقْرَ أوْ لامَ الصَّدَيقَ فأكْثرا وصار عَلَى الأدنين كَلاًّ وأوشَكت صِلاتُ ذَوي القرْبىَ له أن تَنَكَرا فَسِرْ في بِلاد الله والتَمس الغنَى تَعِشْ ذا يَسَارٍ أو تموتَ فَتُعْذَرا فما طالبُ الحاجات مِنْ حيثُ تبتغى من المال إلا مَنْ أََجدَّ وشَمَّرا ولا تَرْضَ مِنْ عَيْش بدُونٍ ولا تَنمَ وكيف يَنام الليلَ من كان مُعْسرا وقال بعضُ الُحَكَماء‏:‏ المالُ يُوَقَر الدنئ والفَقْر يُذِل السَنيّ‏.‏

وأنشد‏:‏ أرَى ذا الغِنَى في النَّاس يَسْعَون حولِه فإِنْ قال قولا تَابَعُوه وصدَقُوا فذلك دَأْبُ النَّاس ما كان ذا غِنَى فإنْ زال عنه المال يومًا تَفَرقوا وأنشد‏:‏ ما النَّاس إلا مع الدُّنيا وصاحبها فحيثُما انقلبتْ يوماً به انقلَبُوا صنوف المال قال مُعاوية لصَعْصعة بن صُوحان‏:‏ إنما أنت هاتِف بلسانك لا تَنْظُر في أود الكلام ولا في استقامته فإن كنتَ تَنْظُر في ذلك فأخْبرني عن أفضل المال‏.‏

فقال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين إني لأدع الكلامَ حتى يَخْتمر في صَدْرِي فما أرْهِف به ولا أتَلَهَق فيه حتى أقيم أوده وأحَرِّر مَتْنه‏.‏

وإنّ أفضلَ المال لبرة سَمْراء في تُرْبة غَبْراء أو نَعْجَة صَفْراء في رَوْضة خضراء أو عَينْ خَرَّارة في أرض خَوَّارة‏.‏

قال معاوية‏:‏ للّه أنتَ‏!‏ فأين الذِّهب والفِضِّة قال‏:‏ حَجَران يَصْطَكان إن أقبلتَ عليِهما نَفدا وإن تركتَهما لم يزيدا‏.‏

وقيل لأعرابيَّة‏:‏ ما تَقُولين في مائة من المَعز قالتِ‏:‏ قني قيل لها‏:‏ فمائة من الضّأن قالت‏:‏ غِنَى قيل لها‏:‏ فمائة من الإبل قالت‏:‏ مُنَى‏.‏

وقال عبدُ الله بن الحسن‏:‏ غَلّةُ الدُور مسألة وغَلّة النَّخل كَفاف وغَلة الحَبّ مِلْك‏.‏

وفي الحديث‏:‏ أفْضل أموالكم فَرَسٌ في بَطْنها فرس يَتْبعها فرس وعَينْ ساهرة لعَيْن نائمة‏.‏

وأنشد فَرج بن سلام لبعض العِراقيّين‏:‏ ولقد أقولُ لحاجب نُصْحاً له خَلِّ العُروض وبِعْ لنا أرْضا إني رأيتُ الأرض يَبقى نَفْعُها والمال يأكل بعضه بعضا واحذَرْ أناساً يظْهرون محبَّة وعُيونُهم وقُلوبُهم مَرْضىَ تدبير المال قالوا‏:‏ ‏"‏ لا مالَ ‏"‏ لأخرَق ولا عَيْلة على مُصلح وخيرُ المال ما أطعمك لا ما أطعمتَه‏.‏

وقال صاحبُ كليلة ودِمْنة‏:‏ لِيُنْفِق ذو المال مالَه في ثلاثة مواضع‏:‏ في الصَّدقة إن أراد الآخرةَ وفي مُصانعة السُّلطان إن أراد الذِّكْر وفي النِّساء إن أراد ‏"‏ نَعيم ‏"‏ العيش‏.‏

وقال‏:‏ إنّ صاحبَ الدنيا يَطْلب ثلاثة ولا يُدْركها إلاّ بأربعة فأما الثلاثة التي تُطلب‏:‏ فالسَّعة في المعيشة والمنزلة في النَّاس والزاد إلى الآخرة‏.‏

وأما الأربعة التي تُدرك بها هذه الثلاثة‏:‏ فاكتساب المال من أحسن وُجوهه وحُسْن القيام عليه ثم التَّثْمير له ثمّ إنْفاقه فيما يُصْلِح المَعِيشةَ ويُرْضى الأهلَ والإخوان ويَعًود في الآخرة نَفْعه فإن أضاع شيئاً من هذه الأربعة لم يُدْرك شيئاً من هذه الثلاثة إن لم يَكْتسب لم يكنْ له مالٌ يِعيش به وإنْ كان ذا مال واكتسابِ ولم يُحسن القيامَ عليه يُوشِك أن يَفْنى ويَبْقى بلا مال وإن هو أَنْفقَه ولم يُثَمِّره لم تمنعَه قِلّةُ الإنفاق من سُرْعة النَّفاد كالكُحْل الذي إنما يُؤخذ منه على المِيل مثلُ الغبار ثم هو مع ذلك سرَيعٌ نفادُه وإن هو اكتَسب وأَصْلح وثَمِّر ولمِ يُنفق الأموالَ في أبوابها كان بمنزلة الفقير الذي لا مالَ له ثم لا يَمنع ذلك مالَه من أن يُفارقَه ويَذهب حيثُ لا مَنْفعة فيه كحابس الماء في المَوْضع الذي تَنْصَبّ فيه المياه إن لم يَخْرج منه بقَدْر ما يَدْخل فيه مَصَل وسال من نواحيه فيَذْهب الماء ضَياعا‏.‏

وهذا نظير قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ والذينَ إِذَا أَنْفَقُوا لمْ يُسْرِفوا ولَم يَقْتُرُوا وَكانَ بَين ذلِكَ قَوَاماً ‏"‏ و وقولِه عز وجلّ لنبيّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وَلا تجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كلً البسطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ‏"‏‏.‏

ونظر عبد اللهّ بن عباس إلى دِرْهم بيد رَجُل فقال له‏:‏ إنه ليس لك حتى يَخْرُج من يدك‏.‏

يريد أنه لا ينتفعُ به حتى يُنْفِقَه ويَسْتفيد غيرَه مكانَه‏.‏

وقال الحُطَيئة‏:‏ مفيد ومِتْلاف إذا ما سألتَه تَهلَّل وأهتزّ اهتزازَ المُهَنّدَ وقال مُسْلِم بن الوَليد‏:‏ لا يَعْرِف المالَ إلا رَيْثَ يُنْفِقه أو يومَ يَجْمعه للنَّهب والبَدَدِ وقال آخر‏:‏ مُهْلِكُ مالٍ ومُفِيدُ مال وقال سُفْيان الثَّوْرِيّ‏:‏ مَن كان في يده شيءٌ فَلْيُصْلِحْه فإنّه في زمان إن احتاجَ فيه كان أولَ ما يَبْذُله دينُه‏.‏

وقال المُتلَمِّس‏:‏ وحَبْسُ المال أَيْسَرُ من بُغَاهُ وضَرْب في البِلادِ بغَيْر زاد سَعْد القَصِير قال‏:‏ وَلاّني عُتْبة أموالَه بالحِجاز فلما ودّعته قال لي‏:‏ يا سَعْد تعاهدْ صغير مالي ‏"‏ فَيَكْثُرَ ‏"‏ ولا تُضيِّع كثيرَه فَيَصْغُر فإنه ليس يَشْغلني كثير مالي عن إصلاح قَليله ولا يَمْنعني قليلُ ما في يدي عن الصبر على كثير مما يَنُوبني‏.‏

قال‏:‏ فقَدمْت المدينةَ فحدّثت بها رجالاتِ قُريش ففرَّقوا بها الكُتب على الوُكلاء‏.‏

الإقلال قال أَرِسْططاليس‏:‏ الغِنَى في الغُرْبة وَطَن والمقلّ في أهله غريب‏.‏

أخذه الشاعرُ فقال‏:‏ لَعَمْرُك ما الغريبُ بذي التنائي ولكنّ المُقِلَّ هو الغريبُ إذا ما المرء أَعْوزَ ضاقَ ذَرْعاَ بحاجته وأَبعدَه القريب وقال إبراهيمُ الشَّيباني‏:‏ رأيتُ في جدار من جُدًر بيت المقدس ‏"‏ بيتين مكتوبين بالذَّهب‏:‏ وكُلّ مُقلٍّ حين يَغْدو لحاجةٍ إلى كُل مَن يَلْقى من النَّاس مُذْنِبُ وكان بَنُو عَمِّي يقولون مَرْحباً فلمّا رأوْني مُقْتِراً مات مَرْحب ومِن قَوْلنا في هذا المعنى‏:‏ اقد أسْقطتْ حقّي عليك صَبابتي كما أسْقط الإفْلاسُ حقَّ غَرِيم وأعذَرُ ما أدمى الجُفُونَ من البُكا كريمٌ رأى الدًّنيا بكفِّ لَئِيم أرى كلّ فَدْمٍ قد تَبَحْبَح في الغِنَى وذو الظَّرف لا تَلْقاه غيرَ عَديم قال الحسن بن هانئ‏:‏ الحمدُ للّه لَيس لي نَشَبٌ فَخَفَّ ظَهْري ومَلَّني وَلدِي مَن نَظَرتْ عَيْنُه إليّ فَقَد أحاطَ عِلْماً بما حَوَته يَدِي وكان أبو الشَمَقْمق الشاعر أديباً ظريفاً محارفاً صُعْلوكاً مُتبرَماً قد لَزم بيتَه في أطْمار مَسْحوقة وكان إذا استَفْتح عليه أحدٌ بابَه خرج فَنَظر من فُرَج الباب فإن أعجبه الواقفُ فَتح له وإلا سَكَت عنه‏.‏

فأقبل إليه بعضُ إخوانه فدخل عليه فلما رأى سُوء حاله قال له‏:‏ أبْشر أبا الشَّمَقْمق فإنّا رَوَينا في بَعض الحديث أنّ العارين في الدنيا هم الكاسُون يومَ القيامة‏.‏

قال‏:‏ إن كان والله ما تقول حقًّا لأكونَنَّ بَزَازاً يوم القيامة ثم أنشأ يقول‏:‏ أنا في حالٍ تعالى الله ربِّي أيّ حالِ ولقد أهزلت حتى محت الشَّمسُ خَيالي مَن رَأى شَيْئاً مُحالاَ فأنَا عَين المحال ولقد أفلستُ حتّى حَلَّ أكلي لِعيَالَي في حِرام النَّاس طُرًّا مِن نِسَاء ورجال لو أرَى في النَّاس حُرًّا لَم أكنْ في ذا المِثَال وقال أيضاً‏:‏ أتُراني أرَى من الدَّهر يوماً ليَ فيه مَطِيَّة غيرُ رِجْلي ًكلّما كُنتُ في جَميع فقالوِا قًرِّبُوا للرَّحيل قَرًبتُ نَعْلِى حيثُما كنت لا أخَلِّف رَحْلا مَن رآني فقد رآني ورَحْلي وقال أيضاً‏:‏ لو قد رأيتَ سَرِيري كنتَ تَرْحمني الله يَعلم ما لي فيه تَلْبيسُ واللّه يَعلم ما لي فيه شابكةٌ إلا الحَصيرة والأطْمار والدِّيسُ وقال أيضاً‏:‏ بَرَزت من المَنازل والقِباب فلم يَعْسُر على أحدٍ حِجَابي فمنزليَ الفضاءُ وَسقفُ بَيْتي سماءُ الله أو قِطَع السَّحاب ولا انشَقَّ الثرى عن عُود تَخْتٍ أؤمِّل أنْ أشُدّ به ثِيابي ولا خِفتُ الإبَاقَ على عَبِيدي ولا خِفْتُ الهلاك على دَوَابي ولا حاسَبْتُ يوماً قَهْرماناً مُحاسبةً فأَغْلَظ في حِسابي وفي ذا راحةٌ وفَراغُ بالٍ فَدابُ الدَّهرِ ذا أبداً ودَابي وفي كتاب للهِنْد‏:‏ ما التَّبَع والإخْوان والأهلُ والأصدقاء والأعوان والحَشم إلا مع المال وما أرى المُروءة يُظهرها إلا المال ولا الرّأيَ والقُوّة إلا بالمال ووجدتُ مَن لا مَالَ له إذا أراد أن يتناول أمراً قَعد به العُدْم فيبقى مقَصرأً عما أراد كالماء الذي يَبْقى في الأوْدية من مَطر الصَّيف فلا يَجْري إلى بحر ولا نهر بل يَبْقى مكانَه حتى تَنشَفَه الأرضُ ووجدتُ مَن لا إخوانَ له لا أهلَ له ومَن لا وَلد له لا ذِكر له ومَن لا عَقْل له لا دُنيا له ولا آخرةَ له ومَن لا مال له لا شيءَ له لأن الرجل إذا افتقر رَفَضَه إخوانُه وقَطعه ذوو رَحمه وربما اضطرتْه الحاجة لِنفْسه وعياله إلى التماس الرِّزق بما يُغَرِّر فيه بدينه ودُنياه فإذا هو قد خَسِر الدُّنيا والآخرةَ فلا شيء أشدُّ من الفقر‏.‏

والشَّجَرةُ النابتة على الطريق المأْكولة من كلِّ جانب أمثلُ حالاً من الفقير المُحتاج إلى ما في أيْدي الناس والفَقرُ داعٍ صاحِبَه إلى مقْت الناس ومُتْلِف للعَقْل والمُروءة ومُذْهب لِلعلْم والأدب ومَعْدن للتُّهمة ومَجْمَع للبَلايا‏.‏

ووجدتُ الرجلَ إذا افتقر أساء به الظنَّ مَن كان له مُؤْتمناً وليس مِن خَصلة هي للغنيِّ مَدْح وزَيْن إلا وهي للفَقِير ذَمٌ وشَيْن فإن كان شُجاعاً قيل أهْوج وإن كان جَواداَ قيل مُفْسد وإن كان حَليماً قيل ضَعيف وإن كان وَقُوراً قيل بليد وإن كان صَمُوتاً قيل عَي وإن كان بليغاً قيل مِهْذار‏.‏

فالموت أهونُ من الفقر الذي يَضْطر صاحبَه إلى المسألة ولا سيَّما مسألة اللئام فإنَّ الكريم ‏"‏ لو كُلِّفَ ‏"‏ أن يدخل يده في فَم تنِّين ويْخرجَ منه سُمًّا فيَبْتَلِعَه كان أخفَّ عليه من مسألة ‏"‏ البَخيل اللئيم‏.‏

السؤال قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لأنْ يأخذ أحدُكم أحْبُلَه فَيَحْتطب بها على ظَهره أهونُ عليه من أن يَأتيَ رجلاً أعطاهُ اللهّ من فَضْله فيسأله أعْطاه أو منعه‏.‏

وقال‏:‏ مَن فَتح علٍى نفسه باباً من السًّؤال فَح الله عليه سَبْعين باباً من الفَقر‏.‏

وقال أكثم بن صَيْفِيّ‏:‏ كلّ سُؤال وإن قَلَّ أكثرُ منِ كلّ نَوَال وإن جَلَّ‏.‏

ورَأى عليُّ بن أبي طالب كَرَّم الله وجهَه رجلا يَسأل بعَرفات فقَنَّعَه بالسَّوط وقال‏:‏ وَيلك‏!‏ أفي مِثل هذا اليوم تَسأل أحداً غيرَ اللّه وقال عبدُ الله بن عباس‏:‏ المساكينُ لا يَعُودون مَريضاً ولا يَشْهَدُون جِنازةً ولا يَحْضُرُون جُمعة وإذا اجتمع الناسُ في أعيادهم ومَساجدهم يَسألون الله منِ فَضْلِه اجتمعُوا يسألون الناسَ ما في أيديهم‏.‏

وقال النّعمان بن النُذر‏:‏ مَن سأل فوْق حَقِّه استحقَّ الحِرْمان ومَن أَلْحَف في مَسْألته استحقَّ المَطْل والرِّفق يُمْن والخُرْق شُؤْم وخَير السَّخاء ما وافق الحاجة وخَير العَفْو مع المَقْدِرة‏.‏

وقال شُرَيح‏:‏ مَن سأل حاجةً فقد عَرض نفْسَه على الرِّق فإن قَضَاها المسئولُ استعبده بها وإن رَدًه عنها رجعَ كلاهما ذليلاً‏:‏ هذا بذُلِّ البُخْل وذاك بذُلِّ الرَّد‏.‏

وقال حَبيب‏:‏ كُلّ السُّؤال شَجىً في الحَلْقِ مُعْترض من دونه شَرَقٌ من تحته جَرض الخُشَنى قال‏:‏ قال أبو غَسان‏:‏ أخبرني أبو زيد قال‏:‏ سأل سائلٌ بمسجد الكوفة وقتَ الظهر فلم يُعْطَ شيئاً فقال‏:‏ اللهم إنّك بحاجتي عالم لا تُعَلَّم أنت الذي لا يُعْوِزك نائل ولا يُحفيك سائل ولا يَبْلغ مَدْحَك قائل أسألك صبراً جميلا وَفَرَجاً قريباً وبصَراً بالهُدى وقُوَّة فيما تُحب وتَرْضى‏.‏

فتبادَروا إليه يُعْطونه فقال‏:‏ وإلله لا رَزأتكم الليلةَ شيئاً ‏"‏ وقد رفعتُ حاجتِي إلى الله ‏"‏ ثم أنشأ يقول‏:‏ ما نالَ باذلُ وَجْهه بِسُؤاله عِوَضاَ ولو نال الغِنى بِسُؤال إذا النًوَال مع السُّؤَال وَزَنْتَه رجَح السؤال وشالَ كلُّ نَوال وقال مسْلم بن الوليد‏:‏ ِسل الناسَ إني سائِلُ الله وَحده وصائنُ عِرْضي عن فُلانٍ وعن فُل وقال عَبيد بن الأبرص‏:‏ َمنْ يَسْأَل الناس يَحْرِموه وسائلُ الله لا يَخِيبُ وقال ابن أبي حازم‏:‏ َلطَيُّ يومٍ ولَيْلتين ولُبْس ثَوْبين بالبَين أَهْوَنُ من مِنَةٍ لقَوْم أغضُّ منها جفُونَ عَيْني لأحْمَدُ اللهّ حين صارتْ حوائجي بَيْنه وبَيْني ومن قولنا في هذا المعنى‏:‏ سُؤَالُ الناس مِفْتَاح عَتِيدٌ لِبَاب الفَقْرِ فألطف في السًّؤَال ‏"‏ وَرَوَى أشعبُ الطَّمَّاع عن عبد الله بن عُمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ يَحْشرٌ اللهّ عز وجل يوم القيامة قوماً عاريةً وجوههم قد أذهب حياءَها كثرةُ السؤال ‏"‏‏.‏

سؤال السائل من السائل مدح أبو الشَّمَقْمق مروانَ بن أبي حَفصة فقال له‏:‏ أبا الشَّمقمق أنت شاعرٌ وأنا شاعر وغايتنا كلَّنا السؤال‏.‏

وذَكر أعرابيٌ رجلاً بالسُّؤال فقال‏:‏ إنّه أسألُ من ذي عَصَوَين‏.‏

وقال حبيب‏:‏ لم يَخْلُق الرحمنُ أحمقَ لِحْيةً من سائلٍ يَرْجو الغِنى من سائل الأصمعيُّ عن عيسى بن عمر النّحويّ قال‏:‏ قَدِمْتُ من سَفر فدخل عليّ ذو الرُمة الشاعر فعَرضتُ أن أعطيه شيئاً فقال‏:‏ ‏"‏ كل ‏"‏ أنا وأنتَ نأخذ ولا نُعْطى‏.‏

الشيب قال قيسُ بن عاصم‏:‏ الشيبُ خِطَامُ المَنيّة‏.‏

وقال غيرُه‏:‏ الشيبُ نذيرُ الموت‏.‏

وقال النُّميريّ‏:‏ الثيبُ عُنوان الكِبَر‏.‏

وقال المُعْتَمر بن سُليمان‏:‏ الشيبُ مَوت الشّعَر ومَوت الشّعَر عِلّة لمَوْت البَشر‏.‏

وقال أعرابيّ‏:‏ كنتُ أنكِر البَيْضاء فصِرْتُ أنكِر السَّوداء فيا خيرَ مَبْدول ويا شَرَّ بَدَل‏.‏

وقيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ عَجِل عليك الشّيبُ يا رسولَ اللّه‏!‏ قال‏:‏ شَيَّبَتْني هُود وأخواتُها‏.‏

وقيل لعبد الملك بن مَرْوَان‏:‏ عَجِل عليك الشيبُ يا أميرَ المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ شَيَّبَني اْرتقاء المَنابر وتَوَقُّع اللّحن‏.‏

وقيل لرجل من الشًّعراء‏:‏ عَجِل عليك الشّيبُ‏!‏ فقال‏:‏ وكيف لا يَعْجَل وأنا أَعْصرُ قَلْبي في عمل لا يُرْجَى ثَوابُه ولا يُؤْمَن عِقابُه‏.‏

وقال حبيبٌ الطائي‏:‏ غَدَا الشّيْبُ مختَطًّا بِفَودِيَ خُطّةً طريقُ الرّدىَ منها إلى النَّفْس مَهْيَعُ هُو الزَوْرُ يُجْفي والمُعاشر يُحْتوى وذو الإلْف يُقْلَى والجديدُ يُرِقّعُ له مَنْظر في العَينْ أبيضُ ناصعٌ ولكنه في القلْب أسْود أسْفع بَكيتُ لقُرْبِ الأجلْ وبُعْدِ قَوات الأملْ ووَافِدِ شيْب طَرَا بعِقْبِ شبابٍ رَحَل شَباب كأنًْ لم يَكُن وشيبٌ كأنً لم يزَل طَواك بَشِيرُ البَقا وجاء بشير الأجل ‏"‏ وقال أيضاً‏:‏ لا تَطْلُبَنْ أثراً بعَينْ فالشَيْب إحدَى الميتَتَين أبْدَى مَقابحَ كلِّ شَين ومَحَا مَحاسِنَ كل زَيْن فإذا رَأتكَ الغانيا تُ رَأينَ منك غُرابَ بَين ولرُيما نافَسْنَ في ك وكُنَّ طَوْعاً لليَدَين أيامِ عممك الشَّبا بُ وأنا سَهل العارِضيَنْ حتى إذا نزل المَشي بُ وَصِرْتَ بين عِمَامتين سَوْدَاءَ حالكةٍ وبَي ضاءِ المَناشرِ كاللُجَين َمزَج الصُّدُودُ وِصاله ن كُنَّ أمراً بَين بَين وصَبرن ما صَبر السَّوا د على مُصانَعة ومَينْ قَفين شرّ َقَفِيَّة وأخذْن منك الأطيَبَينْ فاقْنَ الحَياءَ وَسَلِّ نف سك أو فَنادِ الفَرْقَدَين ولَئِنْ أصابتْك الخُطو بُ بكل مكروه وشَين فلقد أَمِنْتَ بأن يُصِب بك ناظرٌ أبداً بعين وقال حبيب الطائيّ‏:‏ نظرتْ إليّ بعين مَن لم يَعْدِل لمّا تَمَكّن حبُّها من مَقْتَلي لمِّا رأتْ وَضَح المَشِيب بلِمَّتي صَدَّت صُدودَ مُجانِب مُتحمِّلَ فجعلتُ أطلب وصلها بتلطفٍ والشَّيْبُ يَغْمِزُها بأنً لا تَفْعلي وقال آخر‏:‏ صَدَّت أمامةُ لمَّا جِئتُ زائرَها عنِّي بمَطْروفةٍ إنسانُها غَرقُ وراعها الشيبُ في رأسي فقلتُ لها كذاكَ يَصفرُّ بعد الخُضْرة الوَرَق وقال محمد بن أميّة‏:‏ رأتني الغواني الشّيبُ لاح بعارضي فأَعرضنَ عنِّي بالخُدود النّواضِرِ عَيرتني بشيب رأسي نَوار يا ابنةَ العمِّ ليس في الشّيب عارُ إنَّما العارُ في الفِرار من الزّح ف إذا قِيل أينَ أينَ الفِرار ومن قولنا في الشّيب‏:‏ بِدا وَضَحُ المَشيبِ على عِذَارِي وهَل ليلٌ يكونُ بلا نَهارِ وأِلبسني النُّهى ثوباً جديداً وجَرَّدني من الثَوْب المُعار شرَيت سوادَ ذا ببياض هذا فَبدَّلتُ العِمامةَ بالخِمَار وما بِعْتُ الهوَى بَيْعا بشَرْط ولا استثنيت فيه بالخِيَار ومن قولنا فيه‏:‏ قالوا شَبابُك قد وَلَّى فقلتُ لهمٍ هل من جديدٍ على كَرِّ الجَديدَيْنِ صِلْ من هَوِيتَ وإن أبدى مُعاتبة فأطيبُ العَيْش وصلٌ بين إلْفَين وَاقطَعْ حَبَائلَ خِدْنٍ لا تُلاَئمهُ فرَّبمَا ضاقَتِ الدُّنيا على اثنين ومن قولنا فيه‏:‏ جارَ المَشيبُ على رَأسي فَغَيَّره لمّا رَأَى عندنا الحُكَّامَ قد جارُوا َسوادُ المَرْءِ تُنْفِدُه اللَّيَالِي وإِنْ كانت تَصير إلى نَفَادِ فأَسوده يَعود إلى بَياض وأبيضه يَعود إلى سَواد ومن قولنا أيضاً‏:‏ أطلالُ َلهْوك قد أَقوَتْ مَغانيها لم يَبْقَ من عَهدها إلا أَثافيها هذِي المَفَارق قد قامت شواهدُها على فَنائِك والدُّنيا تُزَكِّيها الشَّيبُ سُفْتَجة فيها مُعَنْونة لم يَبْقَ إلاّ أن يسحيها ومن قولنا أيضاً‏:‏ ُنجوم في المَفارق ما تَغُور ولا يَجْرِي بها فلكٌ يَدُورُ كأنّ سواد لِمَّته ظلاً أغارَ من المَشيبِ عليه نُور ألا إنَّ القَتِيرَ وَعِيدُ صِدْق لنا لو كان يَزْجُرنا القَتير نذيرُ الموت أرسلَه إلينا فكذَّبْنا بما جاء النَّذير وقُلنا للنُّفوس لعلِّ عُمْراً يطول بنا وأطولُه قَصير متى كُذبتْ مواعدُها وخانت فأوَّلُها وآخرُها غُرور ولم ألقَ المُنَى في ظلِّ لَهْوٍ بأقمارٍ سحائبُها السُّتور ‏"‏ ولآخر‏:‏ والشّيبُ تَنْغيصُ الصِّبا فاقض اللبابةَ في الشَّبابْ وقال ابن عبّاس‏:‏ الدنيا الصحّة والشباب‏.‏

ولبعضهم‏:‏ في كل يوم أرى بَيضاء قد طَلَعتَ كأنَّما طَلعت في ناظِر البَصرِ لَئن قصَصْتُكِ بِالمِقْرَاض عن نَظري لَمَا قَصصتًكِ عن هَمِّي ولا فِكَري ولابن المُعتزّ‏:‏ جاء المَشيب فما تَعِسْتُ به ومَضى الشَّباب فما بُكايَ عليْه وقال أيضَاَ‏:‏ ماذا تُريدين من جَهْلي وقد غَبَرت سِنُو شَبابي وهذا الشًيبُ قد وَخَطَا أرفِّع الشَّعرة البَيْضاء مُلْتقطاً فيُصْبِح الشَيبُ للسوداء مُلتقِطا وسَوفَ - لا شَكّ - يُعْييِني فأتْركه فطالما أعْمِل المِقْراضَ والمُشُطا ‏"‏ الشباب والصحة قال أبو عمرو بن العَلاء‏:‏ ما بَكت العربُ شيثاً ما بَكَت الشباب وما بلغت به ما يستحقّه‏.‏

وقال الأصمعيّ‏:‏ أحسن أنماط الشِّعر المَرائي والبُكاء على الشَباب‏.‏

وقيل لكُثَيِّر عَزًة‏:‏ ما ‏"‏ لك لا ‏"‏ تقول الشعر قال‏:‏ ذهب الشبابُ فما أطرب ومات عبدُ العزيز فما - أرغب‏.‏

وقال عبد الله بن عبّاس‏:‏ الدُّنيا العافية والشّباب الصحة‏.‏

وقال محمود الورّاق‏:‏ أليسَ عَجِيباً بأن الفَتَى يُصاب ببَعضٍ الذي في يَدَيْهِ فمن بين باكٍ له مُوجَع وبين مُغذّ مُعَزٍّ إليه ويَسْلًبه الشيبُ شَرْخَ الشبا بِ فليس يُعزِّيه خَلْقٌ عليه قال ابن أبي حازم‏:‏ َولَّى الشَّبابُ فخَلِّ الدَّمعَ ينْهملُ فَقْدُ الشِّبابِ بِفَقْدِ الروح مُتَّصلُ لا تُكْذَبنَّ فما الدُّنيا بأجمعها مِنَ الشَّباب بيومٍ واحدٍ بَدَل وقال جرير‏:‏ وَلَّى الشبابُ حَمِيدةً أيامُه لو كان ذلك يُشْترى أو يُرْجَعُ وقال صريعُ الغواني‏:‏ سَلْ عيش دهرِ قد مَضتْ أيامُه هل يَسْتطيع إلى الرُّجوع سَبيلا وقال الحسنُ ‏"‏ بن هانئ ‏"‏‏:‏ وأراني إذ ذاك في طاعة الجه ل وَفَوْقي من الصِّبا أمراءُ تِرْب عَبْث لرَبْطتي فَصْلُ ذَيْل ولرأْسي ذًؤَابةٌ فَرْعاءُ بقِناع من الشَباب جديدٍ لم ترَقَعه بالخِضاب النَساءُ قبل أنْ يَلْبَس المَشيبَ عِذارى وتبلى عمامتي السوداء وقال أعرابي‏:‏ للهّ أيامَ الشباب وعَصره لو يُستعار جديدُه فيُعارُ ما كان أقصرَ ليلَه ونَهَارَه وكذاك أيامُ السُّرور قِصارُ ومن قولنا في الشباب‏:‏ وَلّى الشبابُ وكنتَ تَسكن ظِلّه فانظُر لنفسك أَيَّ ظلٍّ تَسكنُ ونَهى المَشيبُ عن الصبا لو أنّه يُدْلى بحُجَّته إلى مَنْ يَلْقن ومن قولنا فيه‏:‏ حَسَر المَشيبُ قِناعَه عن رأسه وصَحَا العواذلُ بعد طول مَلام فكأنَّ ذاك العيشَ ظل غمامةٍ وكأنّ ذاك اللهوَ طيفُ منام ‏"‏ ومن قولنا فيه‏:‏ ولو شِئتُ راهنتُ الصَبابةَ والهوَى وأَجْريتُ في اللّذات من مائتين وأسبلتُ من ثَوْب الشّباب وللصّبا عليّ رداءٌ مُعْلَم الطَرَفَينْ ‏"‏ وقال آخر‏:‏ إِنّ شَرْخَ الشّبابِ والشّعرِ الأس ود ما لم يُعاصَ كان جُنونَا وقال آخر‏:‏ قالتْ عَهِدْتُكَ مجنوناً فقلتُ لها إنّ الشّبابَ جُنونٌ بُرؤُه الكِبَرُ ومن قولنا في الشباب‏:‏ كنتُ إلْفَ الصِّبا فَوَدَّعني وَداعَ مَن بانَ غيرَ مُنْصَرفِ أيامُ لهوِي كظِلِّ إسْحَلة وذا شَبابي كروضة أنًف ومن قولنا فيه‏:‏ شبابي كيف صِرْتَ إلى نَفَاد وبُدِّلتَ البياضَ منَ السَّوادِ فِراقُك عَرًف الأحزان قَلبي وفَرَّق بين جَفْني والرُّقاد فيا لنعيم عَيْشِ قد تَولى ويا لغليل حُزْنٍ مستفاد كأني مِنْك لم أرْبَع برَبْع ولم أَرْتَدَّ به أحْلَى مَراد سَقى ذاك الثَّرَى وَبْلُ الثَرَيَّا وغادىَ نَبْته صوْبُ الغوادِي فكم لي من غَلِيلٍ فيه خافٍ وكم لي مِن عَويلٍ فيه بادِي زمانٌ كان فيه الرُّشد غَيّا وكان الغَيُّ فيه من الرًشاد يُقبِّلني بدلٍّ من قَبُول ويُسْعدني بوٍصْل من سُعاد وأجنُبه فيُعطِيني قياداً ويَجْنُبني فأعْطيه قِيَادي