الجزء الأول - كتاب اليتيمة في النسب - فضل قريش

فضل قريش

قال النبي عليه الصلاة والسلام‏:‏ الأئمة من قُريش‏.‏

وقال‏:‏ وقَدِّموا قُريشاً ولا تَقْدًموها‏.‏

ولما قتل النضر بن الحارث بن كَلَدة بن عَبْد مناف قال‏:‏ لا يُقْتَل قُرَشيٌّ صَبْرًا بعد اليوم‏.‏

يُرِيد أنه لا يُكَفّرُ قرَشي فَيُقْتَل صبْراً بعد هذا اليوم‏.‏

الأصمعيّ قال‏:‏ قال مُعاوية‏:‏ أي الناس أفْصَح فقال رجل من السِّماط‏:‏ يا أمير المؤمِنين قوم ارتفعوا عن رُتَة العِرَاق وتياسرُوا عن كَشكَشَة بَكْرِ وتيامنوا عن شَنشَنة تغلب ليست فيهم غَمْغَمَة قُضَاعَة ولا طمطمانِيّة حِمْير قال‏:‏ مَنْ هُم قال‏:‏ قَوْمُك يا أمير المُؤمنين قال‏:‏ صدَقْتَ قال‏:‏ فمِمّن أنت قال‏:‏ من جَرْم‏.‏

قال الأصمعيّ‏:‏ وجَرْم فُصْحى العَرَب‏.‏

قدم محمد بن عُمَير بن عُطارد في نَيِّف وسَبعين راكباً فاستزارهم عَمْرو بن عُتْبَة‏.‏

قال‏:‏ فسمعتُه يقول‏:‏ يا أبا سُفْيَان ما بالُ العَرب تُطِيل كلامَها وأنتُمْ تَقْصرُونه مَعاشرَ قُريش فقال عمرٍ و بن عُتْبة‏:‏ بالجَنْدَل يُرْمى الجَنْدَل إن كلامَنَا كلام يَقِلّ لَفْظُهُ وَيَكثر مَعْناه ويُكتَفي بأولاه ويُسْتَشْفي بأخْراه يَتَحَحِّر تَحَدُر الزُلال على الكَبِد الحَرَّى ولقد نَقَصُوا وأطال غيرُهم فما أخلُوا ولله أقوامٌ أدرَكْتُهم كأنّما خُلِقوا لتَحْسين ما قَبحت الدنيا سهُلَت ألفاظُهم كما سهُلت عليهم أنفاسُهم فآبتذلوا أموالَهم وصانوا أعراضَهم حتى ما يجد الطاعنُ فيهم مَطعنا ولا المادحُ مَزِيدا ولقد كان آل أبي سُفْيان معِ قلّتهم كثيراً منه نِصِيبُهم وللّه درُّ مَوْلاهم حيث يقول‏:‏ وَضعَ الدهرُفيهمُ شَفْرتيه فَمَضى سالماً وأمْسَوْا شًعُوِبَا شَفْرتَان واللّه أفْنَتا أبدانَهم وأبقتا أخبارَهم فَتَركتَاهم حديثاً حسناً في الدنيا ثوابُه في الآخرة احسنُ وحديثاً سيّئاً في الدُّنيا عقابُه في الآخرة أسوأ فيَا مَوعوظاً بمَنْ قَبْلَه مَوْعُوظاً به من بعده ارْبَحْ نَفْسَك إذا خَسرَها غيرُك‏.‏

قال‏:‏ فظننتُ أنه أَرَاد أن يُعْلمه أنّ قُريشاً إذا شاءت أن تتكلّم تكلّمَت‏.‏

العُتبيّ قال‏:‏ شَهِدْتُ مجلس عمرو بن عُتْبَة وفيه ناسٌ من القُرَشييّن فتشاحُّوا في مَواريث وتجاحدوا فلما قاموا من عنده أقبل علينا فقال‏:‏ إن لِقُرَيش دَرَجاً تَزْلَقُ عنها أقدامُ الرجال وأفعالاً تَخْضَع لها رقاب الأقوال وغاياتٍ تَقْصرٌ عنها الجِيَاد المَنْسوبة وألسنةً تَكِلُّ عنها الشَفار المَشْحُوذة ولو آحتفلت الدنيا ما تَزَيَّنَت إلا بهم ولو كانت لهم ضاقت عن سَعة أحلامهم‏.‏

ثم إنّ قوماً منهم تَخَلَّقُوا بأخلاق العَوَام فصار لهم رٍفق باللْؤم وخُرْق في الحِرْص ولو أمكنهم لقاسَمُوا الطيرَ أرزاقها وإن خافُوا مَكْرُوهاَ تَعًجّلوا له الفَقْر وإن عجلت لهم النِّعم أخروا عليها الشُّكر أولئك ‏"‏ أنْضَاء ‏"‏ فكرة الفَقْر وعَجَزَة حَمَلَة الشُّكر‏.‏

قال أبو العَيْناء الهاشميّ‏:‏ جَرى بين محمد بن الفَضل وبين قَوْم من أهل الأهْوَاز كلام فلما أَصبح رَجع عنه‏.‏

قالوا له‏:‏ ألم تَقُل أمس كذا وكذا قال‏:‏ تَخْتلف الاقوالُ إذا اختلفت الأحوال‏.‏

ودخَل محمد بن الفَضْل على وَالي الأهْوَاز فَسَمِعَه يقول‏:‏ إذا كان الحقُّ استوى عندي الهاشِمِيُّ والنَّبَطِيِّ‏.‏

فقال محمد بن الفضل‏:‏ لئن استوت حالتاهما عندك فما ذلك بزائد النّبطيَّ زينةَ ليست له ولا ناقص الهاشميَّ قَدْراً هو له وإنما يَلْحَقُ النقصُ المُسَوِّيَ بينهما‏.‏

العُتبي قال‏:‏ قال عمرو بن عُتبة‏:‏ اْختصم قوْمٌ من قُرَيش عند مُعاوية فمنعوا الحقَّ‏.‏

فقال مُعاوية‏:‏ يا معشرَ قُرَيش ما بال القَوْم لِأمّ يَصلون بينهم ما انقطع وأنتم لعَلاَّت تَقْطعون بينكم ما وَصَلَ اللّه وتُباعدون ما قرب بلِ كيف تَرْجُون لغيركم وقد عَجَزتم عن أنفسكم‏!‏ تقولون‏:‏ كَفانا الشَّرَفَ من قَبْلنا فعِنْدَها لَزِمَتْكم الحُجة فآكفوه مَن بعدكم كما كفاكم مَن قبلكم‏.‏

أَوَ تعلمون أنكم كنتم رِقاعاً في جُنوب العَرَب وقد أُخْرجتم من حَرَم ربكم ومُنِعتبِم ميراث أبيكم وبَلَدِكم فأخَذَ لَكم اللّه ما أُخِذَ مِنكمِ وسمّاكم باجتماعكم اسماً به أبانَكم من جميع العرَب وردَّ به كيد العَجَم فقال جل ثناؤُه‏:‏ ‏"‏ لإيلاَفِ قُرَيش إيلاَفهِمْ ‏"‏ فآرْغَبُوا في الائتلاف أَكْرَمَكم اللهّ به فقد حَذرَتْكم الفُرْقَةُ نَفْسَهَا وكفي بالتَّجْربة وَاعِظاً‏.‏