الجزء الأول - كتاب المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكتبة - تأريخ الكتاب

تأريخ الكتاب

لا بد من تأريخ الكتاب لأنه لا يُدَلّ على تحقيق الأخبار وقُرْب عهد الكِتاب وبُعْده إلا

بالتأريخ‏.‏

فإذا أردتَ أن تُؤَرّخ كتابَك فانْظُر إلى ما مَضى منِ الشَهر وما بِقِي منه فإن كان ما

بَقي أكثر من نصف الشهر كتبت‏:‏ لكذا وكذا ليلةً مضت من شهر كذا وإن كان الباقي أقلَّ

من النصف جعلتَ مكان‏:‏ مَضت بقيت‏.‏

وقد قال بعضُ الكتاب‏:‏ لا تكتب إذا أرّخت إلا بما

مَضى من الشهر لأنه معروف وما بقي منه مجهول لأنك لا تدري أيتمّ الشَّهر أم لا‏.‏


ولا تَجعل سِحاءة كتابك غليظة إلا في كُتب العُهود والسجلاّت التي يُحتاج إلى بقاء خواتيمها

وطَوابعها فإنَّ عبد اللّه بن طاهر كتب إليه بعضُ عمّاله على العراق كتاباً وجعل سِحَائته

غليظة فأمر بأشخاص الكاتب إليه فلما ورَد عليه قال عبدُ الله بن طاهر‏:‏ إن كانت معك

فأس فاقطع خَتم كتابك ثم ارجعِ إلى عملك وإن عُدت إلى مثلها عُدنا إلى إشخاصك لقطعها‏.‏


ولا تُعظِّم الطَينة جداً وطِنْ كُتُبكَ بعد كَتْبك عناوينها فإن ذلك من أدب الكاتب فإن طِينت


تفسير الأمي

فأما الأمي فمجازُه على ثلاثة وجوه‏:‏ قولهم أمي منسوب إلى أُمّة رسول اللّه صلى الله عليه

وسلم

ويقال‏:‏ رجل أمي إذا كان من أم القُرى‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ لِتُنْذِر أمّ القُرَى ومَن حَوْلَها ‏"‏ وأما قوله

تعالى‏:‏ النبيّ الأمي فإنما أراد به الذي لا يقرأ ولا يكتب‏.‏

والأمية في النبيّ صلى الله عليه وسلم

فضيلة لأنها أدلُّ على صِدْق ما جاء به أنه من عند اللّه لا من عنده وكيف يكون مِن عنده

وهو لا يَكْتب ولا يقرأ ولا يقول الشَعر ولا يُنشده‏.‏

قال المأمون لأبي العلاء المِنْقري‏:‏ بَلَغني أنك

أمي وأنك لا تُقيم الشَعر وأنك تلحن في كلامك‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أمّا اللّحن فربما سَبقني

لساني بالشيء منه وأما الأمية وكَسْر الشعر فقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أميّاً وكان لا

يُنشد الشعر‏.‏

فقال المأمون‏:‏ سألتُك عن ثلاثة عُيوب فيك فزِدتني رابعاً وهو الجهل أمَا علمتَ

يا جاهل أن ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فَضيلة وفيك وفي أمثالك نَقيصة‏!‏