الجزء الأول - كتاب المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكتبة - فصول في الأدب

فصول في الأدب

كتب سعيدُ بن حُميد‏:‏ إنَ مِن أمارات الْحَزْم وصحة الرأي في الرجل تركَه التماس ما لا سبيلَ

إليه إذ كان ذلك داعيةً لعناء لا ثمرة له وشقاء لا دَرَك فيه وقد سمحت في أمرٍ تُخبرك أوائلُه

عن أواخره وُينبيك بَدْؤُه عن عواقبه لو كان لهذا الخبر الصادق مُستمِع حازم‏.‏

ورأيتُ رائدَ


الهوى مال بك إلى هذا الأمر ميلًا أيأس من رَغب فيك ودل عدوّك على مَعايبك وكشف له

عن مَقاتلك‏.‏

ولولا عِلْمي بأنّ غِلْظة الناصح تؤدي إلى نَفْع في اعتقاد صواب الرأي لكان غير

هذا القول أولى بك‏.‏

والله يوفَقك لما يحب وُيوفق لك ما تحب

وفصل‏:‏ أنت رجل لسانُك فوق عقلك وذكاؤك فوق عَزْمك فقدم على نَفْسك مَن قدمك

على نفسه‏.‏


وفصل‏:‏ من أخطأ في ظاهر دُنياه وفيما يُؤخذ بالعين كان أحرى أن يُخطىء في أمر دينه وفيما

يُؤخذ بالعَقْل‏.‏


وفصل‏:‏ قد حَسدك مَن لا ينام دون الشِّفاء وطَلبك من لا ينام دون الظَّفر فاشدُد حيازيمَك

وكُن على حَذر‏.‏


وفصل‏:‏ قد آن أن تدعَ ما تَسمع بما تعلم ولا يكن غيرُك فيما يُبلِّغه أوثقَ من نفسك فيما تَعرفه‏.‏


وفصل‏:‏ لستَ بحال يرضىَ بها حُرّ ولا يُقيم عليها كريم وليس يَرْضى لك

بهذا إلا مَن يَبتغي لك أن ترْضى به‏.‏


وفصل‏:‏ أنت طالب مُقيم وأنا دافع مُغرم فإن كنتَ شاكراً فيما مضى فاعذُر فيما بقى‏.‏


وفصل‏:‏ للعتابي أما بعد فإن قريبك من قَرُب منك خيرُه وابن عمّك من عَمّك نفعُه وعشيرَك



فصول إلى عليل

ليست حالي - أكرمَك الله - في الاغتمام بعلتك حالَ المُشارِك فيها بأن ينالني نصيب منها

وأسلمُ مِن أكثرها بل اجتمع علي منها أني مخصوص بها دونك مُؤلَم منها بما يُؤلمك فأنا عليل

مَصْروف العِناية إلى عليل كأني سليم يسهر على سليم فأنا أسأل اللّه الذي جَعل عافِيتي في

عافيتك أن يخصني بها فيك فإنها شاملةٌ لي ولك‏.‏

وفصل‏:‏ إن الذي يعلم حاجتي إلى بقائك

قادر على المُدافعة عن حَوْبائك‏.‏

فلو قلتُ إن الحق قد سَقط عني في عِيادتك لأني عَليل بعلتك

لقام لي بذلك شاهدٌ عَدْل في ضميرك وأثر بادٍ في حالي لِعينك‏.‏

وأصدق الخَبر ما حقَقه الأثر

وأفضلُ القول ما كان عليه دليل مِن العقل‏.‏


وفصل‏:‏ لئن تخلَفتُ عنِ عيادتك بالعُذر الواضح مِن العفة لمَا أغْفَلَ قلبي ذِكْرَك ولا لساني

فَحْصاً عن خبرك فَحْص من تقسم جوارحَه وصبُك وزاد

في ألمها ألمُك ومن تَتّصل به أحوالُك في السّراء والضّراء‏.‏

ولما بَلغتْني إفاقتًك كتبتُ مُهنِّئاً

بالعافية مُعفِيًا من الجواب إلا بخَبرِ السلامة إن شاء اللهّ‏.‏


ولأحمد بن يوسف‏:‏ قد أذهب اللّه وَصَب العلَة ونصبها ووَفّر أَجْرها وثوابَها وجعل فيها من


فصول إلى خليفة وأمير

منها‏:‏ كتب الحجَّاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان‏:‏ يا أمير المؤمنين إنَّ كُلّ من عنَّيت به

فِكْرتَك فما هو إلا سعيد يُوثْر أو شقيُّ يُوتر‏.‏


كتب الحسنُ بن لسَهْل يَصف عقل المأمون‏:‏ وقد أصبح أميرُ المُؤمنين عمودَ السِّيرة عفيفَ

الطُّعْمة كريمَ الشِّيمة مُبارك الضَّريبة محمودَ النَّقيبة مُوفِّيا بما أخذ اللّه عليه مُضطلعاً بما

حَمَّله منه مُؤدِّيا إِلى اللّه حقَّه مُقرًّا له بنِعْمته شاكراً لآلائه لا يأمُر إلا عَدْلا ولا ينطِق إلا

فَصْلا راعيا لدينه وأَمانته كافًّا ليده ولسانه‏.‏

وكتب محمدُ بن عبد الملك الزيّات‏:‏ إن حقّ

الأولياء على السلطان تنفيذُ أمورهم وتقويمُ أَودهم ورياضةُ أخلاقهم وأن يَميزَ بينهم فيقدِّم

مُحسنهم ويؤخَر مُسيئهم ليزدادَ هؤلاء في إحسانهم ويزدجر هؤلاء عن إساءتهم‏.‏


وفصل له‏:‏ إنّ أعظمَ الحقّ حقًّ الدِّين وأَوْجبَ الْحُرمة حُرمة المُسلمين‏.‏

فحَقِيق لمن راعَى ذلك

الحق وحَفِظ تلك الحُرمة أن يُراعَى له حَسب ما رعاه اللّه به ويُحْفظ له حَسب ما حَفظ اللّه

على يدَيه‏.‏


وفصل له‏:‏ إنّ اللّه أَوْجب لخُلفائه على عباده حقَّ الطاعة والنَّصيحة ولعَبيده


على خُلفائه بَسط العَدْل والرَّأفة وإحياءَ السُّنن الصالحة‏.‏

فإذا أدى كلٌّ إلى كلّ حقَّه‏.‏

كان

سببا لتمام المَعونة واتصال الزِّيادة واتساق الكلمة ودوام الألفة‏.‏


وفصل‏:‏ ليس من نِعمة يُجدِّدها اللّهُ لأمير المُؤمنين في نفسه خاصَّة إلا اتصلت

برعيته عامَّة وشَملت المُسلمين كافّة وعظُم بلاء اللهّ عندهم فيها ووجب عليهم شكرُه

عليها لأنّ الله جعل بنعمته تمام نعْمتهم وبتَدبيره وذَبّه عن دِينه حِفْظَ

حَريمهم وبحياطته حَقْنَ دمائهم وأمْن سبيلهم‏.‏

فأطال اللّه بقاء أمير المُؤمنين مُؤيَّداً بالنَّصر

معزّزاً بالتمكين مَوْصول البقاء بالنَّعيم المُقيم‏.‏


فصل‏:‏ الحمد للّه الذي جَعل أميرَ المُؤمنين معقودَ النِّية بطاعته مُنطوي القَلْب على مُناصحته

مشحوذ السَّيف على عدوّه ثم وَهب له الظفرِ ودوخ له البلاد وشرّد به العَدوّ وخصَّه

بشَرف الفُتوح شرقاً وغربا وبرًّاً وبحراً‏.‏


وفصل‏:‏ أفعال الأمير عندنا مَعْسولة كالأماني مُتَّصلة كالأيَّام ونحن نُواتر الشُكر لكريم فِعْله

ونُواصل الدُّعاء له مُواصلةَ برّه إنه الناهض بكَلِّنا والحامل لأعبائنا والقائم بما ناب من حُقوقنا‏.‏


وفصل‏:‏ أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين كذا فأنكره ولا يخلو من إحدى منزلتين ليس في

واحدة منهما عُذر يوجب حُجَّة ويُزيل لائمة‏:‏ إمَّا تَقصيرٌ في عمل دعاك للإخلال بالحَزْم


والتَّفريط في الواجب وإمَا مُظاهرة لأهل الفساد ومُداهنة لَأهلِ الرِّيب‏.‏

وأيّة هاتين كانت منك

لمُحِلّة النُّكْر بك ومُوجبة العُقوبة عليك لولا ما يلقاك به أميرُ المؤمنين من الأناة والنَّظِرة والأخْذ

بالْحُجة والتقدّم في الإعذار والإنذار‏.‏

وعلى حَسب ما أقِلْتَ من عَظيم العَثْرة يجب اجتهادُك

في تلافي التَّقصير والإضاعة والسلام‏.‏


وكتب طاهرُ بن الحُسين حين أَخذ بغداد إلى إبراهيم بن المهديّ‏:‏ أما بعد

فإنه عزيز عليّ أن أكتب إلى أحد من بَيت الخِلافة بغير كلام الإمرة وسَلامها غيرَ أنه بلغني عنك

أنك مائلُ الهوى والرأي للناكث المَخلوع فإن كان كما بَلغني فكثيرُ ما كتبت به قليلٌ لك وإن

يكن غيرَ ذلك فالسلام عليك أيها الأمير ورحمةُ اللّه وبركاته‏.‏

وقد كتبتً في أسفل كتابي أبياتاً

فتدبَّرها‏:‏

رُكوبُك الهَوْلَ ما لم تُلْفِ فُرْصته جَهل رَمى بك بالإقحام تَغريرُ

أهْوِنْ بدُنيا يُصيب المخطئون بها حظ المصيبين والمَغرورُ مَغرور

فازرع صوابا وخُذ بالحَزْم حَيْطته فلن يُذَمّ لأهل الْحَزم تَدبير

فإنْ ظَفرِت مُصيباً أو هَلكتَ به فأنتَ عند ذوي الألباب مَعذور

وإن ظَفِرت على جَهلً فَفُزتَ به قالوا جَهولٌ أعانتْه المَقادير

فصل

للحسن بن وهب‏:‏ أما بعد فالحمدُ للّه مًتمِّم النَعم برحمته الهادي إلى شُكره بفَضله

وصلّى اللّه على سيدنا محمد عبدِه ورسوله الذي جَمع له من الفضائل ما فَرّقه في الرُّسل قبلَه

وجَعل تُراثَه راجعاً إلى من خَصّه بخلافته وسلّم تسليما‏.‏