الجزء الأول - كتاب المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكتبة - فصول لعمرو بن بحر الجاحظ

فصول لعمرو بن بحر الجاحظ

منها فصول في عتاب‏:‏ أما بعد فإنّ المُكافأة بالإحسان فَريضة والتفضّلَ على غير ذوي

الإحسان نافلة‏.‏


أما بعد فليكن السكوتُ على لسانك إن كانت العافيةُ من شأنك‏.‏


أما بعد فلا تَزهد فيمن رَغب إليك فتكون لحظّك مُعاندا وللنعمة جاحدا‏.‏


أما بعد فإنَّ العقل والهوى ضدان فقَرينُ العقل التوفيق وقَرينُ الهوى الخِذْلان والنفسُ طالبة

فبأيهما ظَفِرتْ كانت في حِزْبه‏.‏


أما بعد فإنً الأشخاصَ كالأشجار والحركاتِ كالأغصان والألفاظَ كالثمار‏.‏


أما بعد فإن القلوب أوعية والعقولَ معادن فما في الوعاء يَنفد إذا لم يُمدّه المعدن‏.‏


أما بعد فكَفى بالتجارب تأديباً وبتقلب الأيام عِظة وبأخلاق مَن عاشرت مَعرفة وبذِكرك

الموت زاجرا‏.‏


أما بعد فإن احتمال الصبر على لَذع الغَضب أهونُ من إطفائه بالشَّتم والقَذع‏.‏


أما بعد فإن أهل النَظر في العواقب أولو الاستعداد للنوائب وما عَظمت


نِعْمة امرىء إلا استغرقت الدنيا همتُه ومَن فَرغ لطلب الآخرة شُغله جعلَ الأيام مطايا عمله

والآخرة مَقيل مُرتحله‏.‏


أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غيرُ زائد في الرزق والأجل والاستغناءَ غير ناقص للمقادير‏.‏


أما بعد فإنه ليس كل مَن حَلُم أمسك وقد يُستجهل الحليم حين

يستخفه الهُجر‏.‏


أما بعد‏:‏ فإن أحببتَ أن تَتم لك المِقةُ في قلوب إخوانك فاستقلّ كثيراً مما توليهم‏.‏


أما بعد فإن أنظر الناس في العاقبة مَن لَطُف حتى كف حربَ عدوه بالصَّفح والتجاوز

واستلّ حقدَه بالرفق والتحبب‏.‏


وكتب إلى أبي حاتم السِّجِسْتاني وبلغه عنه أنه نال منه‏:‏ أما بعد فلو كففتَ عنّا من غَرْبك

لكنا أهلاً لذلك منك والسلام‏.‏

فلم يَعُد أبو حاتم إلى ذكره بقبيح‏:‏

وله فصول في وصاة‏:‏ أما بعد فإن أحق فَي أسعفتَه في حاجته وأجبته إلى طَلِبته مَن توسّل

إليك بالأمل ونَزع نحوك بالرجاء‏.‏


أما بعد فما أقبحَ الأحدوثة من مُستمنح حَرمْتَه وطالبِ حاجة رددتَه ومًثابر حَجبتَ

ومُنبسط إليك قبضتَه ومُقبل إليك بعًنانه لويتَ عنه‏.‏

فتثبَّت في ذلك ولا تُطِع كل حلاَّف مهين


أما بعد فإن فلاناً أسبابه متَصلة بنا يُلزمنا ذِمامُه عندنا بُلوغَ موافقته من أياديك وأنت لنا

مَوضع الثقة من مًكافأته‏.‏

فأولنا فيه ما نَعرف به موقعَنا من حُسن رأيك ويكون مُكافأةً لحقِّه

علينا‏.‏


أما بعد فقد أتانا كتابُك في فلان وله لدينا من الذًمام ما يُلزمنا مكافأته ورعايةَ حقه ونحن

من العناية بأمره على ما يُكافى حُرمته ويؤدي شكره‏.‏


وله فصول في استنجاز وعد‏:‏ أما بعد فقد رَسفنا في قُيود مواعيدك وِطال مقامنا في سُجون

مَطْلك فأطلِقنا - أبقاك الله - من ضِيقها وشديد غمَها بنعَمْ منك مُثمرة أو لا مُريحة‏.‏


أما بعد فإن شجرة مواعيدك قد أورقت فليكن ثمرُها سالماً من جَوائِح المَطْل‏.‏


أما بعد فإنَ سحابَ وَعْدك قد بَرقت فليكن وَبْلها سالماً من صواعق المَطل

والاعتلال‏.‏


وله فصِول في الاعتذار‏:‏ أما بعد فنِعْمَ البديلُ من الزلة الاعتذار وبئس العِوَضُ من التَوبة

الإصرار‏.‏


أما بعد فإنّ أحقَّ منِ عَطفت عليه بحِلمك مَن لم يَتشفَّع إليك بغيرك‏.‏


أما بعد فإنه لا عوض من إخائك ولا خَلف من حُسن رأيك وقد انتقمتَ مني في زلَّتي


أما بعد فإنني بمَعرفتي بمبلغ حِلْمك وغاية عَفوك ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك‏.‏


أما بعد فإنَّ مَن جَحد إحسانَك بسوء مَقالَته فيك مًكذِّب نفسه بما يبدو للناس

أما بعد فقد مَسَّني من الألم بقطيعتك ما لا يشفيه غيرُ مُواصلتك مع حَبْسك الاعتذار من

هَفوتك لكن ذَنبك تغتفره مودّتك فان علينا بصلَتك تكن بدلًا مِن مَساءتك وعِوَضاً من

هَفْوتك‏.‏


أما بعد فلا خيرَ فيمن استغرقت موجدتُه عليك قَدْرَ ليُ عنده ولم يتّسع لِهنات الإخْوان

صدرُه‏.‏


أما بعد فإن أوْلى الناس عندي بالصَفح مَن أسلمه إلى مِلكك التماس رضاك من غير مَقدرة

منك عليه‏.‏


أما بعد فإن كنت ذمَمتَني على الإساءة فلمَ رَضيت لنفسك المكافأة‏.‏


وله فصول فيِ التعازي‏:‏ أما بعد فإنَّ الماضيَ قَبْلك الباقيَ لك والباقيَ بعدك المأجورُ فيك

وإنما يُوفِّى الصابرون أجرَهم بغير حِساب‏.‏


أما بعد فإنَّ في اللّه العَزاء من كل هالك والخَلف من كل مصاب وإن من

لم يتعزّ بعزَاء اللّه تَنقطع نفسه على الدنيا حَسْرة‏.‏



أما بعد فإنَّ الصبر يعقبه الأجر والجَزع يَعقبه الهلعً فتمسَّك بحظّك من الصبر تَنل به الذي

تطلب وتُدرك به الذي تَأمل‏.‏


أما بعد فقد كفى بكتاب الله واعظاً ولذَوي الألباب زاجراً فعليك بالتلاوة

تَنْج مما أوعد الله به أهلَ المعصية‏.‏


صدور إلى خليفة‏:‏ وَفق الله أميرَ المؤمنين بالظفر فيما قلّد وأيّده وأصلح به

وعلى يديه - أكرم اللهّ أميرَ المؤمنين بالظَّفر وأيده بالنَّصر قي دوام نعْمته وحاط الرعيًة بطول

مدته‏.‏


صدور إلى ولي عهد‏:‏ مَتَّع اللهّ أميرَ المؤمنين بطُول مدًّة الأمير وأجرى على يديه فِعْل الجميل

وانسَ بولايته المؤمنين - مدَّ اللّه للأمير النِّعمة وأسعد بطُول عمره

الأمة وجعله غياثاً ورَحمة - أكمل اللهّ له الكرامة وحاطه بالنِّعمة والسلامة ومتَع به الخاصّة

والعامَّةَ - متَّع اللهّ بسَلامتِك أهلَ الحرْمة وجَمع لك شَمْل الأمة‏.‏

واستَعْمَلك بالرَأفَةِ والرحمة‏.‏


صدور إلى ولي شرطة‏:‏ أنصف اللهّ بك المظلوم وأغاث بك الملهوف وأيَّدك بالتثبّت ووفّقك

للصواب - أرشدك اللّه بالتوفيق وأنطقك بالصواب وجعلك عِصمة للدِّين وحصناً للمسلمين

- أعانك اللهّ على ما قلّدك وحَفظ لك ما استعملك بما يًرضي من فعلك - سدَّدك اللّه


وأرشدك وأدام لك فضل ما عَوّدك - زادك اللهّ شرفاً في المنزلة قدراً في قلوب الأمة وزُلفة

عِند الخليفة - نصر اللهّ بعدلك المظلوم وكشف بك كربة الملهوف وأعانك على أداء الحقَوق‏.‏


صدور إلى قاضي‏:‏ ألهمك اللّه الحُجة وأيدك بالتثبّت وردّ بك الحقوق‏.‏

- ألهمك اللّه

الاعتصام بحَبله بالعلم والتثبّت في الحُكم - ألهمك اللهّ الحِكْمة وفَصل الخطاب وجلك إماماً

لذوي الألباب - زيَّن اللّه بفَضلك الزِّمان وأنطق بشُكرك اللسان وبَسط يدك في اصطناع

المعروف وأدام اللّه لك الإفضال وحقّق فيك الآمال‏.‏


صدور إلى عالم‏:‏ جَعل اللهّ لك العِلْم نوراً في الطاعة وسبباً إلى النجاة وزُلفة عند اللهّ - نفع

اللهّ بعلمك المستفيدين وقضى بك حوائج المُتحرّمين وأوضح بك سُنن الدّين وشرِائع المُسلمين

- أدام اللّه لك التطوّل بإسعاف الراغب وأنجح بك حاجة الطالب وأمِّنك مكروه العواقب‏.‏


صدور إلى أخوان‏:‏ مَتًّع الله أبصارنا برُؤيتك وقلوبنا بدوام الفتك ولا أَخْلانا من جَميل

عِشْرتك ووَهب لك من كريم نَفسك بحسب ما تنطوي عليه مودّتك وأبهج اللّه إخوانك بقُربك

وجمع ألفتهم بالأنس بك وصَرف اللّه عن ألفتنا عواقبَ القدَر وأعاذ صَفْو إخائنا من الكَدر

وجعلنا ممن أنعم اللهّ عليه فشَكر - مَنَّ اللّه علينا بطول مُدتك وآنس أيامنا بمواصلتك وهنأنا

النِّعمة بسلامتك - قَرّب اللّه منّا ما كُنا نأمل منك وجَمع شِمل السُّرور بك - نَزَّه اللهّ بقُربك


القلوب وبرُؤيتك الأبصار وبحديثك الأسماع - أقبل اللّه بك على أودَّائك ولا ابتلاهم بطُول

جفائك - أدال اللهّ حِرْصَنا من فُتورك عنّا ورَغبتنا فيك من تَقصيرك في أمورنا - حَفظ اللّه

لنا منك ما أَوْحشنا فقدُه وردّ إلينا ما كُنا نَألفه ونَعهده - رحم الله فاقةَ الحَنين إليك وما بي

من تَباريح الحُزن عليك وجَعل حُرمتنا منك الشًفيعَ لديك - يَسَر الله لنا من صَفحك ما يَسع

تقصيرنا ومن حلمك ما يرد سخطك عنّا زَين الله ألفتنا بمُعاودة صِلتك واجتماعنا بزيارتك -

أعادَ اللهّ علينا من إخائك وجميل رأيك ما يكون معهوداً منك ومألُوفاً لك‏.‏


صدور في عتاب‏:‏ أنصف الله شوقنا إليك من جَفائك لنا وأخذ لبرنا بك من تَقصيرك عنّا‏.‏


وكتب معاوية إلى عمرو بن العاص وبلغه عنه أمر‏:‏ وفّقك اللهّ لرًشدك‏.‏


بلغني كلامُك فإذا أوّله بَطر وآخره خَوَر ومن أبطره الغِنى أذلّه الفقر وهما ضدَّان مُخادعان

للمرء عن عَقله وأولى الناس بمَعرفة الدَّواء من يَبين له الداء والسلام‏.‏

فأجابه‏:‏ طاولتْك النِّعمِ

وطاولت بك‏.‏

عُلو إنصافك يُؤمَن سطوة جَورِك ذكرتَ أني نطقتُ بما تكره وأنا مخدوع وقد

علمتُ أني مِلْت إلى محبتك ولم أخدع ومثلُك من شَكر سعي مُعتذر وعفا زَلّة مُعترف‏.‏