مـكـة المكرمـة

مكة المكرمة كما جاءت في الاعمال الكاملة للدكتور نفولا زيادة --الجزء الثالث عشر

مكة المكرمة من أشهر مدن العالم وفيها البيت العتيق الذي يحجّ إليه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها. وتُسمّى مكة وأم القرى، وهي مدينة ترتفع عن سطح البحر بنحو 330 مترًا. وتعود عمارتها إلى عهد النّبي ابراهيم. وكان يعيش بنوه في الخيام والمضارب حتى عاد قصي بن كلاب من الشّام في القرن الثاني من الهجرة فبنى فيها المساكن والبيوت حول الكعبة، ومن ثم أخذت تزيد عمرانًا إلى الآن. 

تمتدّ هذه المدينة من الغرب إلى الشرق في وادٍ مائلٍ من الشمال إلى الجنوب، مُنحصر بين سلسلتي جبال تكادان تتّصلان ببعضهما من جهة الشرق والغرب والجنوب، أي على أبواب مكة الثلاثة، ولذا لا يُشاهد أبنيتها القادم عليها إلاّ وهو على أبوابها. والسّلسلة الشّمالية منها تتركب من جبل الفلج (الفلق) غربًا ثم جبل قيقعان ثم جبل الهندي ثم جبل لعلع ثم جبل (كداء) وهو في أعلى مكـة، ومن جهته دخل رسول مكة يوم الفتح. أمّا السّلسلة الجنوبيّة فإنها تتركّب من جبل أبي حديدة غربًا يتلوه جبل أبي قبيس إلى شرقيهما ثم جبل خندمة. وكل سفوح هذه الجبال من الحرم تراها عامرةً بالبيوت والمساكن التي تتدرّج إلى قلب الوادي.

ضمن هذه المساكن بعض الدّور القديمة، فنرى دار ابن عباس في المسعى على يمين السالك إلى المروة. وفي الشّرق الشمالي للحرم آثار دار أبي سفيان المشهورة. والحرم الشريف يقع بين هذه البيوت مائلاً إلى الجهة الجنوبية ممّا يلي جبل أبي قبيس. وفي هذه الجهة دار الخيزران، يتلوها شرقًا شعب بني هاشم ويُسمّى شعب علي ثم شعب المولى ثم شعب بني عامر. وفي الجهة نفسها أيضًا كانت مساكن بني عبد المطلب، وسكن فيها أيضًا كثير من الأشراف. وأمّا باقي قريش فكانوا في الجهة الأخرى من الحرم.

يقصد مكة زمن الحج المُسلمون من العالم الإسلامي أجمع، فترى فيها جميع الجنسيات والألوان المختلفة. وقد أدت التّوسيعات الحديثة للحرم المكّي الشريف إلى جعل هذا الحرم قادرًا على استيعاب أكثر من مليوني حاج في موسم الحج، وهي تؤمّن لكل الحجيج جميع وسائل الراحة والعناية لإتمام مناسك حجّهم على خير ما يرام. وفي السنوات الأخيرة أيضًا بدأ الحرم المكي يشهد موسمًا كبيرًا مشابهًا لموسم الحج، وذلك في شهر رمضان المبارك وخاصّة في العشر الأواخر منه، حيث يؤم المسجد الحرام المسلمون من أنحاء العالم كافةً لتأدية مناسك العمرة.

جميع أهالي مكة من المسلمين، ولا يدخلها غير مسـلمٍ من السنة التاسعة للهجرة التي نزلت فيه الآية الشريفة: "يا أيّها الذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" (سورة التوبة 28). فكان عليّ رضي الله عنه ينادي في موسم الحج الذي أعقب نزول هذه الآية: "ألا لا يحجّ بعد عامنا هذا مُشركٌ". وكان المُراد بذلك منع المُشركين من الحج وعدم دخولهم البلد.

وكان من عوائد أهالي مكّة أن كبراءهم يرسلون أولادهم وهم في نعومة أظفارهم إلى البادية، فينشأون فيها على البداوة التامة دون شظف البشر حتّى إذا ترعرعوا عادوا إلى مكة وقد تعلّموا العربية الصحيحة مع بعض لهجات القبائل، وحفظوا أشعارهم وأحسنوا ركوب الخيل والرّماية.

 

ومن عادة أهل مكة التّأنق في المأكل والمشرب واللّباس. وترى في مساكنهم كثيرًا من أدوات الزّخرف والزّينة والرياش الثّمينة وخصوصًا البسط العجميّة النادرة المثيل. ومن عاداتهم تقديم الشّاي في أي وقتٍ تحيةً للقادم عليهم وإقامة المآدب ويتفاخرون بكثرة صنوف الطعام المتغايرة في شكلها وطعمها، فمنها الهندي والعربي والشّامي والمصري والتركي.

أفراح أهل مكة ومآتمهم غايةً في البساطة. فمن عاداتهم في زواجهم أنهم يدعون الأهل والأصدقاء، فيأتي الرجال ويجلسون في الأماكن المُعدّة لهم خارج البيت. أمّا النساء فيدخلن المنزل فيجدن على باب قاعة الجلوس قصعةً كبيرةً مملوءةً بمعجون الحنّاء فتحن المرأة يدها ثم تدخل وتجلس مع باقي النسوة، ثم يزففن العروس إلى عريسها ويعدن إلى بيوتهنّ. ومن عاداتهم الإصطياف بالطائف والهدى فوق جبال كرا التي ترتفع عن سطح البحر 1760 مترًا وفيه جنات كثيرة.

 

تحظى مكـة المُكرّمة بمكانةٍ ساميةٍ ومقدّسةٍ لدى المسلمين. فهي قبلتهم جميعًا وفيها الكعبة المشرّفة والمسجد الحرام. وفيها تقام مناسك الحج فيقبل عليها الحجّاج من مختلف بقاع الدّنيا وتقام فيها مناسك العُمرة. وبالقرب منها غار حراء الذي شهد نزول الوحي لأوّل مرةٍ على النّبي محمد.