مكنـاس

مكناس كما جاءت في الاعمال الكاملة للدكتور نفولا زيادة --الجزء الثالث عشر

تقع مكناس المغربيّة بمنطقةٍ فلاحيةٍ خصبةٍ بين مُلتقى الطّرق التجارية التي كانت تربط بين عدّة جهاتٍ، ممّا جعل منها منطقة عبور واستقرار منذ عهدٍ قديمٍ خصوصًا في العصر الوسيط حيث برز اسمها لأوّل مرةٍ كحاضرةٍ، ثم في العصر الحديث كعاصمةٍ من أبرز العواصم التي لعبت دورًا مُهمًا في تاريخ الغرب الإسلامي.

ارتبط إسم مدينة مكناس في البداية بقبائل أمازيغ زناتة الذين استوطنوا وسط المغرب وسهل سايس وخصوصًا على ضفاف وادي بوفكران ووادي وسلان.

مع مجيئ المرابطين ازدهرت المدينة، وظهرت بعض الأحياء، أهمّها القصبة المرابطية "تاكرارت" كما شيّدوا مسجد النّجارين وأحاطوا المدينة بسورٍ في نهاية عهدهم. ويُعتبر الحي الذي ما زال يوجد قرب مسجد النجارين المشيّد من طرف المرابطين أقدم أحياء المدينة.

تحت حكم الموحدين عرفت المدينة ازدهارًا عمرانيًا حيث تمّ توسيع المسجد الكبير في عهد محمد الناصر (1199-1213م)، وتزويد المدينة بالماء بواسطة نظامٍ متطورٍ انطلاقًا من عين "تاكما" لتلبية حاجات الحمّامات والمساجد والسّقايات. كما عرف هذا العهد ظهور أحياء جديدة، مثل حيّ الحمام الجديد وحي سيدي أحمد بن خضرة.

خلال العهد المريني، شهدت المدينة استقرار عدد كبير من الأندلسيين قدموا إلى مكناس بعد سقوط أهم مراكز الأندلس. وقد شيّد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب (1269-1286م) قصبة خارج المدينة لم يصمد منها إلاّ المسجد.

كما عرفت مكناس بناء مدارس عتيقة كمدرسة فيلالة والمدرسة البوعنانية ومدرسة العدول.

ومساجد مثل مسجد التوتة ومسجد الزرقاء، وخزانة الجامع الكبير ومارستان الباب الجديد وحمام السويقة.

في عهد الدولة العلوية، خاصّة إبان فترة حكم السلطان المولى إسماعيل، استعادت المدينة مكانتها كعاصمةٍ للدولة، بحيث عرفت أزهى فترات تاريخها. فقد شُيّدت فيها بنايات ذات طابعٍ دينيٍ، كمسجد باب البردعيين ومسجد الزيتونة ومسجد سيدي سعيد. وتوحي منارات هذه المساجد من خلال طريقة تزيينها بتأثيرٍ سعديٍ واضحٍ. بالإضافة إلى القصور وبناياتٍ أخرى مُهمةٍ، فقد قام السلطان المولى إسماعيل بتشييد الدار الكبيرة فوق أنقاض القصبة المرينية وجزء من المدينة القديمة كما أنه أنجز حدائق عديدة (البحراوية-السّواني)، وإسطبلات للخيول ومخازن للحبوب وصهريجًا لتزويد الأحياء بالماء، وأحاط المدينة بسور تتخللّه عدّة أبراجٍ عمرانيةٍ ضخمةٍ وأبواب تاريخية، كَبَاب منصور وباب البردعييّن. وقرب هذه الأبواب قامت فنادق أو محطات لإستراحة القادمين من مناطق بعيدةٍ. أمّا الأسواق فكانت منظّمة بحسب نوع الحِرفة أو الصّناعة، مثل سوق النجارة وسوق الحدادة وغيرها.

تتميّز مدينة مكناس بشساعة مساحتها وتعدّد مبانيها التّاريخية وأسوارها، حيث أحاطها المولى اسماعيل بأسوارٍ تمتدّ على طول 40 كيلومترًا تتخلّلها مجموعة من الأبواب العمرانية الضّخمة والأبراج.
 

صنفت منظمة اليونيسكو  مكناس التاريخيةمدينة  تراثية عالمية عام 1996