نصيبين

مدينة نصيبين هي إحدى مدن مابين النهرين.إنها مدينة عريقة بالقدم، وجاء اسمها في العهد القديم. واسمها الخاص عند سكان ما بين النهرين صوبا أو نصيبين، وهي مشتقة من اسم " غلات " نصو، ومعناها نصب أو زرع. وقد دعيت بهذا الاسم لأجل ما فيها من البساتين والجنان. وقال عنها مار أفرام النصيبيني أنها هي أكاد المذكورة في سفر التكوين، وينسب تأسيسها إلى نمرود الجبار. ولنصيبين أهمية متميزة لأنها محطة قوافل، ومركز تجاري مرموق، وبقعة زراعية خصبة. وكانت عاصمة لمملكة وطنية، حتى جددها سلوقس الأول نيقاطور (284_305 ق. م)، وقد دعاها اليونان أنطاكيا مقدونية. وأصبحت سنة 297 م بأيدي الرومان، فجعلها ديوقلسيانس (284_305 م) قلعة الشرق الحصينة، ومقراً لقائد بلاد ما بين النهرين.

 

تقع نصيبين على سفح جبل إيزلا، ومعناه الشبكة. يخترقها نهر مقدونيا أو الهرماس، ويعرف اليوم بنهر الجغجغ. وإلى شمال مدينة نصيبين يقع وادي بونصرا، ويعتقد البعض أن تسمية الوادي جاءت من اسم الملك نبوخدنصر، الذي جمع في الوادي المذكور أعداداً كبيرة من سبايا اليهود. وبحكم موقعها كحد فاصل بين المملكتين الرومانية والفارسية قديماً، إذ كانت تارةً تقع بيد الفرس، وتارة بيد الرومانيين. دعيت مدينة الحدود، ثم أصبحت عاصمة ديار ربيعة، واحتلها المسلمون في القرن السابع، عندما فتحها عياض بن غنم سنة 640 م.

 

جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: " نصيبين: بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح ومن العرب من يجعلها بمنزلة الجمع فيعربها في الرفع بالواو وفي الجر والنصب بالياء والأكثر يقولون نصيبين ويجعلونها بمنزلة ما لا ينصرف من الأسماء والنسبة إليها نصيبين ونصيبيني فمن قال نصيبينى أجراه مجرى ما لا ينصرف وألزمه الطريقة الواحدة مما ذكرنا ومن قال نصيبي جعله بمنزلة الجمع ثم رده إلى واحده ونسب إليه.

وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان بينها وبين سنجار تسعة فراسخ وبينها وبين الموصل ستة أيام وبين دنيسر يومان عشرة فراسخ وعليها سور كانت الروم بنته وأتمه أنوشروان الملك عند فتحه إياها، وقالوا كان سبب فتحه إياها أنه حاصرها وما قدر على فتحها فأمر أن تجمع إليه العقارب فحملوا العقارب من قرية تعرف بطيرانشاه من عمل شهرزور بينها وبين سمرداذ مدينة شهرزور فرسخ فرماهم بها في العرادات والقوارير وكان يملأ القارورة من العقارب ويضعها في العرادة وهي على هيئة المنجنيق فتقع القارورة وتنكسر وتخرج تلك العقارب ولا زال يرميهم بالعقارب حتى ضج أهلها وفتحوا له البلد وأخذها عنوة وذلك أصل عقارب نصيبين وأكثر العقارب في جبل صغير داخل السور في ناحية من المدينة ومنه تنتشر العقارب في المدينة كلها. ذكر ذلك كله أحمد بن الطيب السرخسي في بعض كتبه، وطول مدينة نصيبين خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة وعرضها ست وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة في الإقليم الرابع طالعها سعد الأخبية بيت حياتها إحدى عشرة درجة من الثور تحت اثنتي عشرة درجة وثمان وأربعين دقيقة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي، وقال صاحب الزيج طول نصيبين سبع وعشرون درجة ونصف، ونصيبين مدينة وبئة لكثرة بساتينها ومياهها وقد روي في بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رفعت ليلة أسري بي فرأيت مدينة فأعجبتني فقلت يا جبرائيل ما هذه المدينة قال هذه نصيبين فقلت اللهم عجل فتحها واجعل فيها بركة للمسلمين. وسار عياض بن غنم إلى نصيبين فامتنعت عليه فنازلها حتى فتحها على مثل صلح أهل الرها. قال كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين الذين معه أصيبوا بالعقارب فكتب إليه يأمره أن يوظف على كل حيز من أهل المدينة عدة من العقارب مسماة في كل ليلة ففعل فكانوا يأتون بها فيأمر بقتلها حتى قلت. وقال سيف بعث سعد بن أبي وقاص سنة 17 من الكوفة عياض بن غنم لفتح الجزيرة وغير سيف يقول إنما بعث أبو عبيدة من الشام فقدم عبد الله بن عبد الله بن عتبان فسلك على دجلة حتى إذا انتهى إلى الموصل عبر إلى بلد وهي بلط حتى إذا انتهى إلى نصيبين أتوه بالصلح فكتب بذلك إلى عياض فقبله فعقد لهم عبد الله بن عبد الله بن عتبان وأخذوا ما أخذوا عنوة ثم أجروا مجرى أهل الذمة قال عند ذلك ابن عتبان:

ألا من مبلغ عني بـجـيراً          فما بيني وبينك من تعادي

فإن تقبل تلاق العدل فينـا           فأنسى ما لقيت من الجهاد

وإن تدبر فما لك من نصيب            نصيبين فتلحق بالـعـبـاد

وقد ألقت نصيبـين إلـينـا            سواد البطن بالخرج الشداد

لقد لقيت نصيبين الدواهـي           بدهم الخيل والجرد الوراد

 

وقال بعضهم يذكر نصيبين وظاهرها مليح المنظر وباطنها قبيح المخبر، وقال آخر يذم نصيبين فقال:

نصيب نصيبين من ربهـا          ولاية كل ظلوم غشـوم

فباطنها منهم في لـظـى           وظاهرها من جنان النعيم

 

 وينسب إلى نصيبين جماعة من العلماء والأعيان. منهم الحسن بن علي بن الوثاق بن الصلب بن أبان بن زرين بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم النصيبي الحافظ قدم دمشق وحدث بها في سنة 344 عن عبد الله بن محمد بن ناجية البغدادي وأبي يحيى عناد بن علي بن مرزوق البصري وإسحاق بن إبراهيم الصواف ومحمد بن خالد الراسبي البصري وعبدان الجواليقي وأبي يعلى الموصلي وأبي خليفة الجمحي وغيرهم روى عنه تمام بن محمد وأبو العباس ابن السمسار وأبو عبد الله بن مندة وأبو علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ ولم يذكر وفاته ونصيبين أيضاً قرية من قرى حلب، وتل نصيبين أيضاً من نواحي حلب. ونصيبين أيضاً مدينة على شاطئ الفرات كبيرة تعرف بنصيبين الروم بينها وبين آمد أربعة أيام أو ثلاثة ومثلها بينها وبين حران ومن قصد بلاد الروم من حران مر بها".

 

وكانت الديانة المسيحية قد انتشرت فيها انتشاراً عجيباً، فبنيت فيها الكنائس الفاخرة، وكثرت فيها وفي أطرافها الأديار، وفتحت فيها المدارس. فسميت ترس كل المدن المحصنة و رئيسة ما بين النهرين و رئيسة المغرب و أم العلوم و مدينة المعارف و أم الملافنة.

 

أما نصيبين اليوم، فهي ضمن الدولة التركية، وهي بلدة صغيرة، يبلغ عدد سكانها ما يقارب الثلاثين ألف نسمة. ومن آثارها الباقية اليوم: كنيسة مار يعقوب النصيبيني ، دير مار أوجين على جبل إيزلا المجاور ، دير الشهيدة فبرونيا الذي تحول إلى جامع زين العابدين.