هاموكار رائدة الحرب المتطورة

أعلنت بعثة آثار أميركية – سورية مشتركة في منتصف شهر كانون الاول / ديسمبر 2005 عن إكتشاف موقع في الاطراف الشمالية لوادي نهري الفرات ودجلة جرت فيه اول حرب متطورة في التاريخ . وقال المدير المشارك الاميركي كليمنس رايشيل من جامعة شيكاغو ان كامل المنطقة المكتشفة كانت مسرحاً لحرب طاحنة ومنظمة جرت حوالى 3500 سنة قبل الميلاد ووصفها بأنها الاولى من نوعها في تاريخ العالم .

وكانت الحفريات الأثرية قد بدأت عام 1999 م . في منطقة تل هاموكار القديمة والواقعة على الحدود الشمالية الشرقية العليا بين سوريا والعراق على مقربة من جبال طوروس . وكانت البعثة المشرفة على الحفريات مؤلفة من اميركيين من جامعة شيكاغو بقيادة كليمنس رايشيل ومن سوريين تابعين لمديرية الاثار السورية . وكان هدف البعثة منذ البدء الوصول الى كشف العلاقات التي قامت بين الجزئين الشمالي والجنوبي من بلاد ما بين النهرين . وقد أظهرت التنقيبات ان القسم الشمالي ضم مدناً مزدهرة منذ اربعة الآف سنة قبل الميلاد . وكان الاعتقاد السائد قبلاً ان القسم الجنوبي وحده ضم مدناً كبيرة وان حضارة بلاد ما بين النهرين بدأت جنوباً وامتدت شمالاً بفعل انتقال الناس وازدهار التجارة والاحتلال .

أظهرت الحفريات الجديدة ان القسمين الشمالي والجنوبي تمتعا بقدر كبير من الازدهار والتقدم الحضاري بمقياس ذلك الزمان . فقد وجد المنقبون في تل هاموكار بقايا جدران مبنية من الأجر ومجموعة كبيرة من الخزفيات . وبينت الحفريات ان المعركة التي دارت في هاموكار كانت شرسة جداً استعملت فيها " قنابل " بيضاوية الشكل اطلق صغيرها بالمقلاع ( وقد وجدت 1200 قنبلة من هذا النوع في ارض الموقع). أما القنابل الكبيرة التي وجد منها حوالى 120 قذيفة فمصنوعة من الصلصال الصلب .

علّق عالم الأثار الاميركي غويلرمو ألغاز من جامعة كاليفورنيا في سان دياغو والذي يُعتبر مرجعاً في تاريخ بلاد ما بين النهرين ان الاكتشافات الجديدة في هذه المنطقة وبينها اكتشاف موقع تل هاموكار تسد الفراغ الذي كنا نفتش عنه عن حضارة تلك البلاد الممتدة من شواطىء الخليج جنوباً حتى جبال طوروس شمالاً . وأضاف هذا العالم ان الشمال والجنوب كانا جاهزان للانطلاق قدماً حضارياً وعسكرياً ، الا ان الجنوب تمكن بعد خمسمئة سنة من ان يجتاح الشمال وان يلغي دور هذا القسم . وتظهر الحفريات التي أجرتها بعثة تنقيب بريطانية في تل براك في الجزء الشمالي الواقع حالياً في شمال سوريا ان هذا التل انهار هو الاخر في نفس تاريخ انهيار تل هاموكار . وقال ألغاز ، الذي لم يشارك في حفريات تل هاموكار ، ان الجنوب كان يفتقر الى مواد أولية مثل المعادن والاحجار والخشب لذلك تطلع شمالاً ليضع يده على هذه الثروات .

ومن جهته قال نائب مدير وزارة الثقافة السورية عبد الرزاق معز إن هاموكار كانت واحدة من أهم المواقع في الشرق الاوسط وفي العالم القديم ، وان الحفريات الجديدة " سلطت الانوار على نقطة تحول بارزة في تاريخ الحضارة البشرية " . وأكد أن الحفريات تساعد على تفهم اسباب قيام هذه المدينة القديمة ودورها الحضاري اكثر مما تسرده من وقائع حربية وتنافس بين الجنوب والشمال .

ومع استمرار اعمال التنقيب ، يؤكد العالم الاثري الاميركي رايشيل ان تل هاموكار سيوضّح بعضاً من جوانب الحرب المتطورة التي دارت رحاها هناك وهل كان الهجوم الجنوبي الكاسح مباغة ومفاجئاً وبالتالي اندثرت آثار ومعالم حياة البشر هناك تحت الانقاض وغابت بالتالي قدرتنا على فهم دور المباني والمنشأت العامة في مدينة هاموكار القديمة التي بنيت على ما يبدو على حوالى 62.4 هكتاراً. وقد بدأ المنقبون ، بحسب قوله ، دراسة المناطق السكنية ونشاطات الشعب الدينية والمدنية .

 

يُستدل من التنقيبات الجارية ان هاموكار كانت مدينة مزدهرة في منتصف العصر الالفي الرابع ق.م .وذلك قبل ان تبدأ حضارة اورك الجنوبية في توسعها وتسلطها على كامل بلاد ما بين النهرين والبلدان المجاورة . ويقول رايشيل ان العلاقات بين هاموكار والجنوب ما تزال تخضع للبحث والتنقيب والتحليل . فبعض المباني في المنطقتين تتشابه معمارياً . على انه يبدو ان الخزف الذي استعمل غي هاموكار كان محلي الصنع بخلاف بعض المصنوعات اليدوية الجنوبية الصنع والتي وجدت في ارض المعركة . لذلك يقول هذا العالم الاميركي " ان بامكاننا الافتراض ان نوعاً من العلاقات كانت قائمة بين الجزئين ولكن ليس لدينا اي دليل قاطع يفيد بان اورك كان لها نفوذ قوي في هاموكار قبل تدميرها ". ومن جهته قال العالم الاميركي الآخر ألغاز ان لا دليل قاطع لدينا ان المدينة الشمالية انهارت لوحدها او انها دمرت في حرب طاحنة متطورة ، مع اننا نميل الى الافتراض الاخير .

الفرات#