المدينة المنورة

المدينة المنورة كما جاءت في الاعمال الكاملة للدكتور نفولا زيادة --الجزء الثالث عشر

المدينة المنورة هي مدينة النّبي واسمها "طيبة"، وكانت تُسمّى قبل الهجرة بـ"يثرب". ترتفع عن سطح البحر نحو 619 مترًا، ودرجة حرارتها في الصيف تصعد إلى 38 درجة وتهبط في الشتاء إلى عشر درجاتٍ فوق الصّفر نهارًا.

 

رأى بعضهم أنّ كلمة "يثرب" مُحرّفة عن الكلمة المصرية "إتربيس" وأنّ العمالقة قد بنوها بعد خروجهم من مصر. وذهب غيرهم إلى أنّ موسى في طريقه إلى فلسطين، أرسل فرقة من قومه لتكتشف له تلك الجهة، فساروا إليها، وبلغهم موته فبنوا مدينة إتربيس وأقاموا فيها. وعليه فعمران المدينة يبتدىء من سنة ألف وستمائة قبل الميلاد أو ألفين ومائتينٍ واثنتينٍ وعشرين قبل الهجرة.

كانت المدينة مركز لواء مُلحَق بولاية الحجاز ثم جُعِلت متصرفية قائمة بنفسها. وكان فيها عاملان كبيران يقومان بإدارة شؤونها وهما شيخ الحرم والمحافظ، وهذا الأخير في يده السّلطة العسكرية التي هي أهم السّلطات. ويتبع المدينة قضاء الوجه أو قضاء ينبع والكور وتيماء ودومة الجندل والفرع وذو الرمة ووادي القرى وقرى عرينة والسيالة والرهط وكحل ومدين وفدك وخيبر.

المدينة مبنية في وسط وادٍ شاسعٍ يمتدّ إلى الجنوب. وأغلب مبانيها من الحجر المجلوب إليها من المحاجر القريبة.

وحارات المدينة نظيفة وضيّقة. وكان سوق المدينة يبتدىء من الباب المصري إلى الحرم الشّريف في شارعٍ ضيقٍ طوله 500 مترٍ تقريبًا والحركة فيه تكاد تنحصرُ في مدّة الحج والموسم الرّجبي وهو موسم الزيارة الرّسمية في بلاد العرب. وتجارة المدينة مدارها على وارداتها الخارجية، لا سيّما واردات جاوة والهند والشام، وعلى الخصوص في الأقمشة القطنية والصوفية والحريرية والسجاجيد وغيرها. وتجارة البلح فيها هي أكبر التجارات وأوسعها لأن ضواحيها فيها كثير من البساتين وفيها نخيل كثيرة تنتج نحو سبعين صنفًا من التّمر.
كان في المدينة سابقًا مكتباتٌ كثيرةٌ أحسنها مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، وهي قريبةٌ من باب جبريل إلى جهة القبلة. وهذه المكتبة آية في نظافة مكانها وحسن تنسيقها وترتيب كتبها وأرضها المفروشة بالسجاد العجمي الفاخر. وفي باب السلام مكتبة للسّلطان محمود ومقدار الكتب التي فيها 4569 كتابًا. وفيها مكتبة للسلطان عبد الحميد الأول تضم 1659 كتابًا. وفيها أيضًا مكتبة بشير أغا، في زقاق الخياطين، وفيها 2603 كتابًا. ويُقدّر مجموع هذه الكُتُب بثلاثين ألف كتابٍ من الكُتُب النّادرة المثال.

كان في المدينة حمامان تركيان أحدهما داخل المدينة وهو من عمل السّلطان سليمان القانوني والثاني بالمناخة. وفيها خمس تكايا أهمّها التكية المصرية والباقي يسمّونها رباطات. وللمدينة المنوّرة حرم مثل حرم مكّـة كان يبلغ قطر دائرته قبل التوسيعات الحديثة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد وسلفه الراحل الملك خالد نحو كيلومترين.

في المدينة وضواحيها مزارات كثيرة أشهرها مسجد قباء ومسجد سيّدنا حمزة والبقيع. أمّا مسجد قباء فيبعد عن المدينة مسافة خمسة كيلو متراتٍ. وهو أوّل مسجدٍ بُنِيَ في الإسلام، بناه رسول الله في الجنوب الغربي للمدنية عند دخوله إليها في هجرته، وقد جدّد بناءه السلطان عبد الحميد الأول. وبوسط صحنه قبة أُقيمَت على مبرك ناقة النّبي حين قدومه إليها في هجرته من مكة. وأما مسجد سيّدنا حمزة فإنه يوجد في شمال المدينة في وادي أحد. وهذا الوادي مشهور بالواقعة التي حصلت بين المُسلمين والمُشركين في 15 شوّال سنة 2 للهجرة، وأبلى فيها المسلمون بلاءً حسنًا واستشهد فيها سيدنا حمزة عم النبي ودُفن فيها، شرقي مسجده الحالي. ومن حول قبره أُقيمَت قبور الشّهداء الذين قُتِلوا في هذه الواقعة وعددهم نيّف وسبعون. وفي نهاية الوادي إلى الشمال جبل أحد. وهو جبلٌ صخريٌ من الغرانيت، وهو وإن كان من السلسلة الجبلية التي تخترق بلاد العرب إلاّ أنّه يكاد يكون منفصلاً عنها وطوله من الشرق إلى الغرب نحو ستة كيلومتراتٍ. والبقيع له عند المسلمين مكانة عظيمة ويقال له بقيع الغرقد لأنّه كان يكثر فيه هذا النوع من الشجر، وبه دُفِنَ نحو عشرة آلاف من الصحابة الكرام، وكثير من آل بيت النّبوة منهم سيّدنا علي زين العابدين بن الحسين وولده محمد الباقر وولده جعفر الصّادق.

ومن مساجد المدينة المباركة مسجد الرّاية ومسجد الفتح ومسجد القبلتين ومسجد السقيا ومسجد الغمامة ومسجد علي في  طريق قباء، ومسجد المائدة أمام البقيع من جهة الشرق ومسجد الأحزاب وراء جبل سلع الذي هو على يسار الخارج من الباب الشامي، ثم مسجد عروة.

كان أهل المدينة يشربون من آبار كثيرةٍ منها: بئر الأعواف وبئر أنس بن مالك وبئر رومة التي اشتراها عثمان بن عفان ليُشرِب  المسلمين منها في صدر الإسلام. وفيها بئر القويم وبئر العبّاسية وبئر صفية وبئر البويرة وبئر فاطمة وبئر عروة.

في المدينة عيون ماء عذبةٍ منها عين الزرقاء نسبةً إلى مروان بن الحكم الذي أجراها بأمر مُعاوية، وقتَ أن كان عاملاً له على المدينة،  وكان يُسمّى "الأزرق" لزرقة عينيه. ويمدّ ماء هذا العين مجرى مأخوذ من عينٍ في قباء أيضًا يسمّونها "عين النبي"، وماؤها يسير إلى المدينة.

وفي ضواحي المدينة، عدا العين الزرقاء، عين كهف غربي جبل سلع، وعين الخيف وتجري من عوالي المدينة، وعين الوادي بجوار قبر حمزة ثم عين السلطان وهي مالحة وتجري من قباء إلى المدينة.

كان في المدينة بالجهة الشّمالية حدائق كثيرة بالقرب من السّور. كما كانت توجد حدائق رومية داخل السّور. وفي الجهة الشرقية بساتين وكروم كثيرة من النّخيل.

وحول المدينة أودية كثيرة ينزل فيها كثير من مجاري السّيول التي تروي البساتين خصوصًا في الجهات المنخفضة منها.