المهدية

المهدية كما جاءت في الاعمال الكاملة للدكتور نفولا زيادة --الجزء الثالث عشر

تمتدّ الطريق من المُنستير بمُحاذاة السّاحل نحو المهدية، المدينة التّونسيّة، مارّةً بقرى يعمل سكانها بتجفيف الصّوف والعناية بأشجار
الزيتون، مثل سعيدة وقصر هلال، وهي قرى زراعية يعمل السّكان فيها بحياكة الصوف والقطن. ثم بلدة المكّين وسط المسافة تقريبًا من المنستير والمهدية، حيث بساتين الزيتون وأعمال الفضّة. بعدها تأتي المهدية المدينة التونسية الواقعة على مرتفعٍ ساعدها في الماضي لتكون حصنًا. جعلها الفينيقيون والرومان قاعدةً استراتيجيةً لهُم. لكن مجدها تحقّق على أيدي العرب، لأن القائد الفاطمي الأول، عُبيد الله الذي دُعِيَ بالمهدي، بنى فيها حصنًا سنة 916م مواجهًا لمصر التي كانت هدفًا لرغباته، وسُمّيَت "المهدية" بإسمه.

هاجمها الفرنجة ودمّروها بنهاية القرن العاشر، ثم جعلها الصّقليّون والبربر قاعدةً لهم، وخرّبها الإسبان في القرن السّادس عشر. بعد ذلك جاء الأتراك وأعادوا بناءها كحصنٍ مرةً أخرى.

تمّ تأسيس صناعة تعليب السّمك في المهدية. وبالإمكان زيارة الحصن ولكن بإذنٍ رسميٍ من البلدية القريبة. كما يوجد فيها الجامع الكبير والقصبة التي تمّ بناؤها أواخر القرن السادس عشر. وبين الجامع والقصبة آثار رومانية قديمة كثيرة.

تسير طريق جنوب المهدية عبر مزارع كثيرةٍ يتمّ ريّها بواسطة الدّلو الذي تقوم الحيوانات بتشغيله، واستخراج المياه من الآبار الكثيرة الموجودة في المنطقة، وهي عادةً للرّي معروفة ومنتشرة في كل أنحاء المغرب، حتى تصل الطريق إلى قصر عساف بمسافة 12 كلم جنوب المهدية، وهي مدينة صغيرة، يتفرّع شارعٌ إلى الشرق ناحية الجم. والجم مدينة صغيرة تقع في وسط سهلٍ كان خصيبًا في الماضي، ويُبذل حاليًا مجهودٌ عظيمٌ لإعادته خصيبًا، تدريجيًا. تقوم على جزءٍ من الموقع مدينة رومانية قديمة كانت الأغنى في إفريقيا، وكانت تدعى ثيسدروس. أتت ثروتها من أعمال الزراعة، خصوصًا الزّيتون. أهمّيتها تظهر من المسرح الهائل فيها والذي كان يتّسع ل 30.000 مشاهدًا. كما توجد آثار خارج الجم على الطريق إلى صفاقس تدل على وجود فيلاّت الرومانيين الكبيرة والرائعة من الداخل والخارج، مع حدائق داخلية، ممّا يُبيّن المستوى المعيشي الراقي لأولئك المُستعمرين.

تستمرّ الطريق بمحاذاة السّاحل إلى "شِبّه" فوق الشاطئ الذي ينتهي داخل البحر برأس قبّودية مع وجود ميناءٍ صغيرٍ فيه، وبرج قديم من العصور الوسطى. ثم تتابع الطريق عبر التلال الخضراء حول جبنيانه، حتّى تصل جنوبًا إلى مدينة صفاقس.