حـماه

حماة كما جاءت في الاعمال الكاملة للدكتور نفولا زيادة --الجزء الثالث عشر

حماه هي رابع مدينةٍ سوريةٍ من حيث عدد السكان بعد دمشق وحلب وحمص، إذ يبلغ عدد سكّانها نحو نصف مليون نسمةٍ.

 

تقع المدينة وسط منطقةٍ خصبةٍ على ضفاف العاصي وتبعد عن العاصمة دمشق 209 كيلومترات، وترتفع نحو 300 مترٍ عن سطح البحر، ويمرّ فيها الطريق الرّئيسي الواصل بين دمشق وحلب. وأهمّ ما يميّزها ويقترن بإسمها نهر العاصي ونواعيره، والذي يقسمها إلى قسمين: الحاضر في شرقيه والسّوق في غربيه، وتتناثر بيوتها على ضفّتيه، وفي وسطها قلعة أثرية تحتوي على كثيرٍ من القطع الأثرية النّفيسة. 

أُطلِقَ على مدينة حماه "مدينة النّواعير" لكثرتها في المدينة وضواحيها. ويعود تاريخ النّواعير إلى عهد الآراميين؛ وبلغ عددها في محافظة حماه 102 ناعورة، بما فيها 16 ناعورة في المدينة نفسها. وفي حماه موقعان أثريان مهمّان، هما قصر ابن وردان الذي يبعد 70 كيلومترًا شرقي مدينة حماه، وقد بُني في عهد الإمبراطور البيزنطي جوستنيانوس الأوّل  (527ـ565)، وقلعة شيزر الواقعة على بعد 25 كيلومترًا شمال غربي حماه، وقد وُرِدَ ذكرها للمرّة الأولى حوالى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد أحد الفراعنة، وإسمه "تحوتمس".

تاريخ حماه حافل بالحوادث نظرًا لموقعها الإستراتيجي. وتُعتبر المدينة سوقًا تجاريًا مهمًا، وخصوصًا للفلاّحين. فمنطقتها زراعية خصبة. وهي كذلك مدينة سياحية، تجتذب نواعيرُها السّياح، ومركز منجميّ للحديد وصناعيّ كصناعة الأقمشة القطنية والحريرية والأشغال اليدوية والصّناعات الغذائية والجلود.

تُعتبر حماه ومنطقتها، وادي نهر العاصي، من أقدم مواقع سكن الإنسان في سورية. يرجع تاريخها إلى الألف الخامس ق.م، وتعاقب على حماه عدد كبير من الشعوب. فمن السّومَريين إلى العمالقة (قدماء العرب) الذين طردهم الأموريون 2500 ق.م، وإلى الحثييّن (من العرق الآري) ثم الهكسوس ثم الفراعنة ثم الآراميين 1100 ق.م وإلى الأشوريين ثم الإسكندر المقدوني. ثم احتلّها الرّومان في 64 ق.م. وعاشت في ظلّ الإحتلال البيزنطي من سنة 395م إلى الفتح الإسلامي، حيث عقدت المدينة صلحًا على يد الصّحابي أبو عبيدة بن الجراح، وبقيت في العهدين الرّاشدي والأموي تابعةً لحمص، ثم أصابها الإهمال كسائر بلاد الشّام لإنتقال مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد. وفي أيّام صلاح الدين الأيوبي أصبحت مركزًا أيوبيًا، وسادها استقرارٌ وازدهارٌ، خاصةً في عهد ملكها الأيوبي المُؤرّخ والجغرافي العربي عماد الدين اسماعيل المؤيّد  (1273ـ1331م). غير أنّ هولاكو وتيمورلنك قضيا على هذا الإستقرار والإزدهار. ثم أصبحت حماه تحت سلطة المماليك ثم العثمانيين، ومن بعدهم الإنتداب الفرنسي.