معركة بني قينقاع

وقعت غزوة بني قينقاع في شوال من السنة الثانية للهجرة. وكان سبب الغزوة لما حدث لتلك المرأة المسلمة زوج أحد المسلمين الأنصار، التي كانت في السوق فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها، وأثناء وجودها في محل ذلك الصائغ اليهودي، حاول بعض المستهترين من شباب اليهود رفع حجابها والحديث إليها ، فتمنعت ونهرته . فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها، فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشف جسدها. فاخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من يعينها عليهم. فتقدم رجل مسلم شهم رأى ما حدث لها، فهجم على اليهودي فقتله، ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم تكاثر عليه اليهود وقتلوه.

 

فقام رسول الله والمسلمين بحصار اليهود خمسة عشر ليلة حتى اضطرهم إلى الاستسلام والنزول على حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قضى بإخراجهم من ديارهم جزاء غدرهم وخيانتهم وكان ذلك في منتصف شوال من السنة الثانية للهجرة وحاول أحد المنافقين التوسط فغضب الرسول (صلى الله عليه وسلم) واجلاهم عن المدينة.

 

وجاء في "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري عن غزوة بني قينقاع:

 

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا؛ فإنكم قد عرفتم أني نبيٌ مرسل تجدون ذلك في كتابكم؛ وفي عهد الله إليكم. قالوا: يا محمد؛ إنك ترى أنا كقومك! لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة؛ إنا والله حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.

 

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.

 

فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر: عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، أن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بني القينقاع كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة.

 

قال الزهري عن عروة: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليهما وسلم بهذه الآية: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء "، فلما فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخاف من بني قينقاع، قال عروة: فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية.

 

قال الواقدي: وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد. ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمة فيهم عبد الله بن أبي.

 

رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلني، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالاً - يعني تلوناً - ثم قال: ويحك أرسلني ! قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي. أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر؛ تحصدهم في غداة واحدة! وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.

 

قال أبو جعفر: وقال محمد بن عمر في حديثه عن محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم! فأرسلوهم. ثم أمر بإجلائهم، وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال - ولم تكن لهم أرضون؛ إنما كانوا صاغةً - فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم سلاحاً كثيراً وآلة صياغتهم؛ وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت، فمضى بهم حتى بلغ بهم دباب؛ وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى فالأقصى! وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.

 

قال أبو جعفر: وفيها كان أول خمس خمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام؛ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس وسهمه، وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول خمسٍ قبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قينقاع لواءً أبيض، مع حمزة بن عبد المطلب، ولم تكن يومئذ رايات. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحضرت الأضحى؛ فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى وأهل اليسر من أصحابه، يوم العاشر من ذي الحجة، وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم، فذلك أول صلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بالمدينة بالمصلى في عيد، وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين -وقيل ذبح شاة.

 

قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل، من ولد رافع بن خديج، عن أبي مبشر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: لما رجعنا من بني قينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وذبحنا في بني سلمة فعدت في بني سلمة سبع عشرة أضحية".

 

وجاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي عن غزوة بني قينقاع:

 

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا عليه أحدًا وإنه إذا دهمه بها عدو نصروه‏.‏

 

فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغي وقالوا‏: ‏ لم يلق محمدًا من يحسن القتال ولو لاقيناه لاقى عندنا قتالًا لا يشبهه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد‏. ‏

 

قال ابن إسحاق‏: ‏ فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم‏: ‏ ‏"‏ يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ‏"‏ فقالوا‏: ‏ يا محمد إنك ترى أنا كقومك لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس‏. ‏

 

فخرج للنصف من شوال وحمل لواءه يومئذ حمزة واستخلف على المدينة أبا لبابة فتحصنوا في حصونهم فحاصرهم خمسة عشر ليلة فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي فقال‏:‏ يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأعرض عنه فأعاد السؤال فأعرض عنه فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا رسول الله أحسن قال‏:‏ ‏"‏ ويحك أرسلني ‏"‏ قال‏:‏ لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع وقد منعوني من الأسود والأحمر تحصدهم في غداة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ هم لك ‏"‏‏.‏

 

ثم أمر بإجلائهم وغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما كان لهم من مال فكان أول مال خمس في الإسلام بعد بدر ثم انصرف إلى المدينة‏. ‏

 

وبعض العلماء يرى أن غزاة بني قينقاع كانت في سنة ثلاث وكانت قبلها غزوات‏”. ‏

 

وذكر ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" عن غزوة بني قينقاع:

 

" لما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بدر أظهرت يهود له الحسد بما فتح الله عليه وبغوا ونقضوا العهد وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجرًا‏. ‏ فلما بلغه حسدهم جمعهم بسوق بني قينقاع فقال لهم‏:‏ احذروا ما نزل بقريش وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل‏.‏ فقالوا‏: ‏ يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة‏. ‏

 

فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه فبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم إذا جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بني قينقاع فجلست عند صائغ لأجل حلي لها فجاء رجل منهم فخل درعها إلى ظهرها وهي لا تشعر فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها فقام إليه رجل من المسلمين فقتله ونبذوا العهد إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتحصنوا في حصونهم فغزاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحاصرهم خمس عشرة ليلة فنزلوا على حكمه فكتفوا وهو يريد قتلهم وكانوا حلفاء الخزرج فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول فكلمه فيهم فلم يجبه فأدخل يده في جيب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فغضب رسول الله وقال‏:‏ ويحك أرسلني‏.‏ فقال‏:‏ لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة وإني والله لأخشى الدوائر‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏: ‏ هم لك خلوهم لعنهم الله لعنة معهم‏. ‏

 

وغنم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون ما كان لهم من مال ولم يكن لهم أرضون إنما كانوا صاغةً وكان الذي أخرجهم عبادة بن الصامت الأنصاري فبلغ بهم ذباب ثم ساروا إلى أذرعات من أرض الشام فلم يلبثوا إلا قليلًا حتى هلكوا‏. ‏

 

وكان قد استخلف على المدينة أبا لبابة وكان لواء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع حمزة وقسم الغنيمة بين أصحابه وخمسها وكان أول خمس أخذه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قولٍ‏. ‏

 

ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحضر الأضحى وخرج إلى المصلى فصلى بالمسلمين وهي أول صلاة عيد صلاها وضحى فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشاتين وقيل بشاة وكان أول أضحى رآه المسلمون وضحى معه ذوو اليسار‏. ‏

 

وكانت الغزاة في شوال بعد بدر وقيل‏: ‏ كانت في صفر سنة ثلاث وجعلها بعضهم بعد غزوة الكدر"‏.‏