معركة جلولاء

جلولاء وكذلك تعرف بـقِزل رباط هي مدينة عراقية وهي مركز ناحية تابعة إدارياً لمحافظة ديالى تقع جنوب غرب خانقين على ضفة نهر ديالى أو سيروآن كما يسميه الاكراد. كانت تعتبر محطة هامة في طريق التجارة بين العراق وإيران. اسمها الاصلي كولالة بالكردية وهي نوع من النباتات تنبت بنهر سيروآن عند البلدة وتسكنها عشائر باجلان والزند والجاف الكردية وعشيرة العبيد العربية.

 

مدينة جلولاء الواقعة شمال شرق العاصمة العراقية بغداد تبعد مسافة حوالي 185 كم ومعظم سكانها مسلمين وفيها القومية الكردية والعربية بشكل أساسي وأيضا التركمان. كانت جلولاء آخر معاقل الساسانيين الفرس، فتحت إثر معركة كبيرة بين المسلمين بقيادة قائد جيش المسلمين هاشم بن عتبة وقائد جيش الساسانيين يزدجرد في 7ديسمبر 637م.

 

ورد في كتاب "تـاريخ الأمم والملوك" للطبري:

 

"كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقمنا بالمدائن حين هبطناها واقتسمنا ما فيها، وبعثنا إلى عمر بالأخماس، وأوطنّاها، أتانا الخبر بأنّ مهران قد عسكر بجلولاء، وخندق عليه؛ وأنّ أهل الموصل قد عسكروا بتكريت.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله ابن أبي طيبة البجلي، عن أبيه بمثله؛ وزاد فيه: فكتب سعد بذلك إلى عمر، فكتب إلى سعد: أن سرّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في أثني عشر ألفا، واجعل على مقدّمته القعقاع بن عمرو، وعلى ميمنته سعر بن مالك، وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة، واجعل على ساقته عمرو بن مرّة الجهني.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وزياد، قالوا: وكتب عمر إلى عمر إلى سعد: إن هزم الله الجندين: جند مهران وجند الأنطاق؛ فقدّم القعقاع حتى يكون بين السواد وبين الجبل على حدّ سوادكم وشاركهم عمرو وسعيد. قالوا: وكان من حديث أهل جلولاء، أنّ الأعاجم لما انتهوا بعد الهرب من المدائن إلى جلولاء، وافترقت الطرق بأهل أذربيجان والباب وبأهل الجبال وفارس، تذامروا وقالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، وهذا مكان يفرّق بيننا، فلهموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم، فإن كانت لنا فهو الذي نريد، وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا، وأبلينا عذرا. فاحتفروا الخندق، واجتمعوا فيه على مهران الرازي، ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها، ورماهم بالرّجال؛ وخلّف فيهم الأموال، فأقاموا في خندقهم، وقد أحاطوا به الحسك من الخشب إلاّ طرقهم. قال عمرو، عن عامر الشعبي: كان أبو بكر لا يستعين في حربه بأحد من أهل الرّدّة حتى مات، وكان عمر قد استعان بهم؛ فكان لا يؤمّر منهم أحدا إلى على النفر وما دون ذلك؛ وكان لا يعدل أن يؤمّر الصحابة إذا وجد من يجزى عنه في حربه؛ فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان؛ ولا يطمع من انبعث في الردّة في الرياسة؛ وكان رؤساء أهل الردّة في تلك الحروب حشوة إلى أن ضرب الإسلام بجرانه.

 

ثم اشترك عمرو ومحمد والمهلب وطلحة وسعيد، فقالوا: ففصل هاشم ابن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ستّ عشرة، في اثنى عشر ألفا؛ منهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن ارتدّ وممن لم يرتدّ؛ فسار من المدائن إلى جلولاء أربعا، حتى قدم عليهم، وأحاط بهم، فحاصرهم وطاولهم أهل فارس، وجعلوا لا يخرجون عليهم إلاّ إذا أرادوا؛ وزاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفا، كلّ ذلك يعطى الله المسلمين عليهم الظّفر، وغلبوا المشركين على حسك الخشب، فاتّخذوا حسك الحديد.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عقبة بن مكرم، عن بطان بن بشر، قال: لما نزل هاشم على مهران بجلولاء حصرهم في خندقهم، فكانوا يزاحفون المسلمين في زهاء وأهاويل، وجعل هاشم يقوم في الناس، ويقول: إنّ هذا المنزل منزل له ما بعده؛ وجعل سعد يمدّه بالفرسان حتى إذا كان أخيرا احتفلوا للمسلمين؛ فخرجوا عليهم، فقام هاشم في الناس، فقال: أبلوا الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الأجر والمغنم، واعملوا لله. فالتقوا فاقتتلوا، وبعث الله عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد فلم يستطيعوا إلا المحاجزة، فتهافت فرسانهم في الخندق؛ فلم يجدوا بدّا من أن يجعلوا فرضا مما يليهم؛ تصعد منه خيلهم؛ فأفسدا حصنهم؛ وبلغ ذلك المسلمين، فنظروا إليه، فقالوا: أننهض إليهم ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه! فلما نهد المسلمون الثانية خرج القوم، فرموا حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا يقدم عليهم الخيل، وتركوا للمجال وجها، فخرجوا على المسلمين منه، فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله إلا ليلة الهرير، إلا أنه كان أكمش وأعجل؛ وانتهى القعقاع بن عمرو في الوجه الذي زاحف فيه إلى باب خندقهم، فأخذ به، وأمر مناديا فنادى: يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل خندق القوم وأخذ به فأقبلوا إليه؛ ولا يمنعنّكم من بينكم وبينه من دخوله. وإنما أمر بذلك ليقوّى المسلمين به، فحمل المسلمون ولا يشكّون إلا أن هاشما فيه، فلم يقم لحملتهم شيء، حتى انتهوا إلى باب الخندق، فإذا هم بالقعقاع بن عمرو، وقد أخذ به؛ وأخذ المشركون في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم؛ فهلكوا فيما أعدّوا للمسلمين فعقرت دوابّهم، وعادوا رجّالة؛ وأتبعهم المسلمون، فلم يفلت منهم إلا من لا يعدّ، وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسمّيت جلولاء بما جللها من قتلاهم؛ فهي جلولاء الوقيعة.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفّز، عن أبيه، قال: إني لفي أوائل الجمهور، مدخلهم ساباط ومظلمها، وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة، ودخلوا المدائن؛ ولقد أصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسدّ منهم مسداّ، عليه جوهر، فأدّيته؛ فما لبثنا بالمدائن إلاّ قليلا حتى بلغنا أنّ الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعا عظيما، وقدّموا عيالتهم إلى الجبال، وحبسوا الأموال؛ فبعث إليهم سعد عمرو بن مالك بن عتبة بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وكان جند جلولاء اثنى عشر ألفا من المسلمين، على مقدّمتهم القعقاع بن عمرو، وكان قد خرج فيهم وجوه الناس وفرسانهم؛ فلما مرّوا ببابل مهرود صالحه دهقانها، على أن يفرش له جريب أرض دراهم؛ ففعل وصالحه. ثم مضى حتى قدم عليهم بجلولاء، فوجدهم قد خندقوا وتحصنوا في خندقهم، ومعهم بيت مالهم، وتواثقوا وتعاهدوا بالنيران ألاّ يفرّوا، ونزل المسلمون قريبا منهم، وجعلت الأمداد تقدم على المشركين كلّ يوم من حلوان، وجعل يمدّهم بكلّ من أمدّه من أهل الجبال، واستمدّ المسلمون سعدا فأمدّهم بمائتي فارس، ثم مائتين، ثم مائتين. ولما رأى أهل فارس أمداد المسلمين بادروا بقتال المسلمين. وعلى خيل المسلمين يومئذ طليحة بن فلان، أحد بنى عبد الدار، وعلى خيل الأعاجم خرّ زاد بن خرّ هرمز -فاقتتلوا قتالا شديدا، لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن، حتى أنفذوا النبل؛ وحتى أنفدوا النشّاب، وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطّبرزينات. فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر؛ ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء، حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها، فأقبل القعقاع بن عمرو على الناس، فقال: أهالتكم هذه؟ قالوا: نعم؛ نحن مكللون وهم مريحون، والكالّ يخاف العجز إلا أن يعقب؛ فقال: إنا حاملون عليهم ومجادّوهم وغير كافّين ولا مقلعين حتى يحكم الله بيننا وبينهم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى تخالطوهم، ولا يكذبنّ أحد منكم. فحمل فانفرجوا، فما نهنه أحد عن باب الخندق، وألبسهم الليل رواقه، فأخذوا يمنة ويسرة؛ وجاء في الأمداد طليحة وقيس بن المكشوح وعمرو بن معد يكرب وحجر بن عدىّ، فوفقوهم قد تحاجزوا مع الليل، ونادى منادى القعقاع بن عمرو: أين تحاجزون وأميركم في الخندق! فتفارّ المشركون، وحمل المسلمون، فأدخل الخندق، فآتى فسطاتا فيه مرافق وثياب؛ وإذا فرش على إنسان فأنبشه، فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس، فأخذتها وثيابها، فأدّيت الثياب، وطلبت في الجارية حتى صارت إلىّ فاتخذتها أمّ ولد.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن حماد بن فلان البرجمي، عن أبيه، أنّ خارجة بن الصّلت أصاب يومئذ ناقة من ذهب أو فضة موشحة بالدرّ والياقوت مثل الجفرة إذا وضعت على الأرض، وإذا عليها رجل من ذهب موشّح كذلك، فجاء بها وبه حتّى أدّاهما.

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلّب وعمرو وسعيد والوليد بن عبد الله والمجالد وعقبة بن مكرم، قالوا: وأمر هاشم القعقاع بن عمرو بالطلب، فطلبهم حتى بلغ خانقين، ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبال، وقدم القعقاع حلوان، وذلك أنّ عمر كان كتب إلى سعد: إن هزم الله الجندين؛ جند مهران وجند الأنطاق، فقدّم القعقاع؛ حتى يكون بين السّواد والجبل، على حدّ سوادكم. فنزل القعقاع بحلوان في جند من الأفناء ومن الحمراء، فلم يزل بها إلى أن تحوّل الناس من المدائن إلى الكوفة؛ فلما خرج سعد من المدائن إلى الكوفة لحق به القعقاع؛ واستعمل على الثغر فباذ -وكان من الحمراء، وأصله من خراسان -ونفّل منها من شهدها، وبعض من كان بالمدائن نائيا.

 

وقالوا -واشتركوا في ذلك: وكتبوا إلى عمر بفتح جلولاء وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في إتباعهم، فأبى، وقال: لوددت أنّ بين السواد وبين الجبل سداّ لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم؛ حسبنا من الرّيف السواد، إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال. قالوا: ولما بعث هاشم القعقاع في آثار القوم، أدرك مهران بخانقين، فقتله وأدرك الفيرزان فنزل، وتوقّل في الظّراب، وخلّى فرسه، وأصاب القعقاع سبايا، فبعث بهم إلى هاشم من سباياهم، واقتسموهم فيما اقتسموا من الفيء، فاتّخذن، فولدن في المسلمين. وذلك السبي ينسب إلى جلولاء، فيقال: سبي جلولاء. ومن ذلك السبي أم الشعبيّ، وقعت لرجل من بني عبس، فولدت فمات عنها فخلف عليها شراحيل، فولدت له عامرا، ونشأ في بني عبس.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب، قالوا: واقتسم في جلولاء على كلّ فارس تسعة آلاف، تسعة آلاف؛ وتسعة من الدواب، ورجع هاشم بالأخماس إلى سعد.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبيّ، قال: أفاء الله على المسلمين ما كان في عسكرهم بجلولاء وما كان عليهم، وكلّ دابة كانت معهم إلاّ اليسير لم يفلتوا بشئ من الأموال، وولى قسم ذلك بين المسلمين سلمان بن ربيعة؛ فكانت إليه يومئذ الأقباض والأقسام، وكانت العرب تسمّيه لذلك سلمان الخيل؛ وذلك أنه كان يقسم لها ويقصّر بما دونها، وكانت العتاق عنده ثلاث طبقات، وبلغ سهم الفارس بجلولاء مثل سهمه بالمدائن.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وعمرو، عن الشعبيّ، قال: اقتسم الناس فئ جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة ومحمد والمهلب وسعيد، قالوا: ونفّل سعد من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ومن أعظم البلاء ممن كان نائيا بالمدائن، وبعث بالأخماس مع قضاعي ابن عمرو الدّؤلي من الأذهاب والأوراق والآنية والثياب، وبعث بالسبي مع أبي مفرز الأسود، فمضيا.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة ومحمد بن عمرو، قالا: بعث الأخماس مع قضامي وأبى مفزّر، والحساب مع زياد ابن أبى سفيان، و كان الذي يكتب للناس و يدوّنهم، فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء له، ووصف له، فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به؟ فقال: والله ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك! فقام بالناس بما أصابوا وبما صنعوا، وبما تستأذنون فيه من الانسياح في البلاد. فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، فقال: إنّ جندنا أطلقوا بالفعال لساننا.

 

كتب إلى السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن زهرة ومحمد، عن أبى سلمة، قال: لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء، قال عمر: و الله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد، فلما أصبح جاء في الناس فكشف عن جلابيبه -وهي الأنطاع -فلما نظر إلى ياقوته وزبرجدة وجوهره بكى، فقال: عمر: والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلاّ ألقي بأسهم بينهم. وأشكل على عمر في أخماس القادسيّة حتى خطر عليه ما أفا الله -يعني من الخمس -فوضع ذلك في أهله، فأجرى خمس جلولاء مجرى خمس القادسيّة عن ملا وتشاور وإجماع من المسلمين، ونفّل من ذلك بعض أهل المدينة.

 

كتب إلى السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وسعيد وعمرو، قالوا: وجمع سعد من وراء المدائن، وأمر بالإحصاء فوجدهم بضعة وثلاثين ومائة ألف، ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت، ووجد قسمتهم ثلاثة لكلّ رجل منهم بأهلهم؛ فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن أقرّ الفلاحين على حالهم؛ إلاّ من حارب أو هرب منك إلى عدوّك فأدركته، وأجر لهم ما أجريت للفلاحين قبلهم؛ وإذا كتبت إليك في قوم فأجروا أمثالهم مجراهم. فكتب إليه سعد فيمن لم يكن فلاحا فأجابه: أما من سوى الفلاّحين فذاك إليكم ما لم تغنموه -يعني تقتسموه -ومن ترك أرضه من أهل الحرب فخلاّها فهي لكم؛ فإن دعوتموهم وقبلتم منهم الجزاء ورددتموهم قبل قسمتها فذّمة؛ وإن لم تدعوهم ففيء لكم لمن أفاء الله ذلك عليه. وكان أحظى بفيء الأرض أهل جلولاء؛ استأثروا بفيء ما وراء النّهروان، وشاركوا الناس فيما كان قبل ذلك، فأقرّوا الفلاحين ودعوا من لجّ، ووضعوا الخراج على الفلاحين وعلى من رجع وقبل الذّمة، واستصفوا ما كان لآل كسرى ومن لجّ معهم فيئا لمن أفاء الله عليه، لا يجاز بيع شئ من ذلك فيما بين الجبل إلى الجبل من أرض العرب إلاّ من أهله الذين أفاء الله عليهم، ولم يجيزوا بيع ذلك فيما بين الناس - يعني فيمن لم يفئه الله تعالى عليه ممن يعاملهم من لم يفئه الله عزّ وجلّ عليه - فأقرّه المسلمون؛ لم يقتسموه؛ لأن قسمته لم تتأتّ لهم؛ فمن ذلك الآجام ومغيض المياه وما كان لمن قتل، والأرحاء؛ فكان بعض من يرقّ يسأل الولاة قسم ذلك؛ فيمنعهم من ذلك الجمهور، أبوا ذلك، فانتهوا إلى رأيهم ولم يجيبوا، وقالوا: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لفعلنا؛ ولو كان طلب ذلك منهم عن ملا لقسمها بينهم.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة بن الأعلم، عن ماهان، قال: لم يثبت أحد من أهل السواد على العهد فيما بينهم وبين أهل الأيام إلاّ أهل قريات، أخذوها عنوة، كلهم نكث؛ ما خلا أولئك القريات، فلما دعوا إلى الرّجوع صاروا ذمّة، وعليهم الجزاء، ولهم المنعة، إلا ما كان لآل كسرى ومن معهم، فإنه صافية فيما بين حلوان والعراق؛ وكان عمر قد رضى بالسّواد من الرّيف.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كتبوا إلى عمر في الصوافي، فكتب إليهم: أن اعمدوا إلى الصوافي التي أصفاكموها الله، فوزّعوها على من أفاءها الله عليه؛ أربعة أخماس للجند، وخمس في مواضعه إلىّ، وإن أحبّوا أن ينزلوها فهو الذي لهم. فلما جعل ذلك إليهم رأوا ألاّ يفترقوا في بلاد العجم، وأقرّوها حبيسا لهم يولونها من تراضوا عليه، ثم يقتسمونها في كلّ عام، ولا يولونها إلا من أجمعوا عليه بالرّضا، وكانوا لا يجمعون إلاّ على الأمراء، كانوا بذلك في المدائن؛ وفي الكوفة حين تحوّلوا إلى الكوفة.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله ابن أبي طيبة، عن أبيه، قال: كتب عمر: أن احتازوا فيئكم فإنكم إن لم تفعلوا فتقادم الأمر يلحج؛ وقد قضيت الذي علىّ. اللهمّ إنّي أشهدك عليهم فاشهد.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن الوليد بن عبد الله، عن أبيه، قال: فكان الفلاّحون للطرق والجسور والأسواق والحرث والدّلالة مع الجزاء عن أيديهم على قدر طاقتهم؛ وكانت الدّهاقين للجزية عن أيديهم والعمارة، وعلى كلهم الإرشاد وضيافة ابن السبيل من المهاجرين، وكانت الضّيافة لمن أفاءها الله خاصّة ميراثا.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت بنحو منه، وقالوا جميعا: كان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ستّ عشرة في أولها، بينها وبين المدائن تسعة أشهر. وقالوا جميعا: كان صلح عمر الذي صالح عليه أهل الذمة؛ أنهم إن غشّوا المسلمين لعدوّهم برئت منهم الذّمة، وإن سبّوا مسلما أن ينهكوا عقوبة، وإن قاتلوا مسلما أن يقتلوا؛ وعلى عمر منعتهم؛ وبرئ عمر إلى كلّ ذي عهد من معرّة الجيوش.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله والمستنير، عن إبراهيم بمثله.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن طلحة، عن ماهان، قال: كان أشفى أهل فارس بجلولاء أهل الري؛ كانوا بها حماة أهل فارس ففنى أهل الري يوم جلولاء. وقالوا جميعا: ولما رجع أهل جلولاء إلى المدائن نزلوا قطائعهم، وصار السواد ذمة لهم إلا ما أصفاهم الله به من مال الأكاسرة، ومن لجّ معهم. وقالوا جميعا: ولما بلغ أهل فارس قول عمر ورأيه في السواد وما خلفه، قالوا: ونحن نرضى بمثل الذي رضوا به، لا يرضى أكراد كلّ بلد أن ينالوا من ريفهم.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير بن يزيد وحكيم بن عمير، عن إبراهيم بن يزيد، قال: لا يحلّ اشتراء أرض فيما بين حلوان والقادسيّة؛ والقادسيّة من الصوافي، لأنه لمن أفاءه الله عليه.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبيّ مثله.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن المغيرة بن شبل، قال: اشترى جرير من أرض السواد صافية على شاطئ الفرات، فأتى عمر فأخبره، فردّ ذلك الشراء وكرهه، ونهى عن شراء شيء لم يقتسمه أهله.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، قال: قلت للشعبيّ: أخذ السواد عنوة؟ قال: نعم، وكلّ أرض إلاّ بعض القلاع والحصون؛ فإن بعضهم صالح وبعضهم غلب، قلت: فهل لأهل السواد ذمّة اعتقدوها قبل الهرب؟ قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمّة.

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: ليس لأحد من أهل السواد عقد إلاّ بني صلوبا وأهل الحيرة وأهل كلواذى وقرى من قرى الفرات، ثم غدروا، ثم دعوا إلى الذمّة بعد ما غدروا. وقال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء:

 

يوم جلولاء ويوم رسـتـم ويوم زحف الكوفة المقدّم

ويوم عرض النهر المحرّم من بين أيّام خلون صرّم

شيّبن أصداغي فهنّ هرّم مثل ثغام البلد المـحـرّم

 

 

وقال أبو بجيذ في ذلك:

 

ويوم جلولاء الوقيعة أصبـحـت كتائبنا تردى بـأسـد عـوابـس

ففضّت جموع الفرس ثمّ أنمتهـم فتبا لأجساد المجوس النّجـائس!

وأفلتهنّ الـفـيرزان بـجـرعة ومهران أردت يوم حزّ القوانس

أقاموا بدار للـمـنّـية مـوعـد وللتّرب تحثوها خجوج الرّوامس

 

كتب إلىّ السرىّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب ومرو وسعيد، قالوا: وقد كان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد: إن فتح الله عليكم جلولاء فسرّح القعقاع بن عمرو في آثار القوم حتى ينزل بحلوان، فيكون ردءا للمسلمين ويحرز الله لكم سوادكم. فلما هزم الله عزّ وجلّ أهل جلولاء، أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين في جند من أفناء الناس ومن الحمراء، فأدرك سبيا من سبيهم؛ وقتل مقاتلة من أدرك، وقتل مهران وأفلت الفيرزان؛ فلما بلغ يزدجرد هزيمة أهل جلولاء ومصاب مهران، خرج من حلوان سائرا نحو الرّيّ، وخلف بحلوان خيلا عليها خسروشنوم؛ وأقبل القعقاع حتى إذا كان بقصر شيرين على رأس فرسخ من حلوان خرج إليه خسروشنوم، وقدم الزيني دهقان حلوان، فلقيه القعقاع فاقتتلوا فقتل الزيني، واحتقّ فيه عميرة بن طارق وعبد الله، فجعله وسلبه بينهما، فعدّ عميرة ذلك حقره وهرب خسروشنوم، واستولى المسلمون على حلوان وأنزلها القعقاع الحمراء، وولّى عليهم قباذ، ولم يزل القعقاع هنالك على الثغر والجزاء بعد ما دعاهم، فتراجعوا وأقرّوا بالجزاء إلى أن تحوّل سعد من المدائن إلى الكوفة، فلحق به، واستخلف قباذ على الثغر، وكان أصله خراسانياّ".

 

وفي كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي ورد:

 

" لما توطن المسلمون المدائن وبعثوا إلى عمر بالأخماس أتاهم الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت‏. ‏ فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي اللّه عنه فكتب إليه‏: ‏ أن سرح هاشم بن عتبة إلى جَلُولاء في اثني عشر ألفًا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته سعد بن مالك وعلى ميسرته عمرو بن مالك بن عتبة وعلى ساقته عمرو بن مرة الجهني‏. ‏

 

وكان الأعاجم لما هربوا من المدائن إلى جلولاء قالوا‏: ‏ إن افترقتم لم تجتمعوا أبدًا فهلموا فلنجتمع للعرب ولنقاتلهم فإن كانت لنا فهو الذي نريد وإن كانت علينا كنا قد قضينا الذي علينا فاحتفروا الخندق واجتمعوا على مهران الرازي ونفذ يزدجرد إلى حلوان فنزل بها ورماهم بالرجال والأموال‏. ‏

 

ففصل هاشم بن عتبة بالناس من المدائن في صفر سنة ست عشرة في اثني عشر ألفًا فيهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب فقدم جلولاء فحاصرهم فخرجوا على المسلمين فاققتلوا وبعث اللّه عز وجل عليهم ريحًا أظلمت عليهم البلاد فتهافتت فرسانهم في الخندق ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا لم ير مثله وانهزموا واتبعهم المسلمون وقتل منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديهما حوله فسميت جلولاء لما جللها من قتلاهم‏. ‏

 

وطلبهم القعقاع حتى بلغ خانقين فأدرك مهران فقتله ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الجبل واقتسم في جلولاء على كل فارس سبعة آلاف وتسعة من الدواب‏. ‏

 

أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي وإسماعيل بن أحمد السمرقندي قالا‏: ‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ بن سيف أخبرنا السري بن يحيى أخبرنا شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر التميمي عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ اقتسم الناس في جلولاء على ثلاثين ألف ألف وكان الخمس ستة آلاف ألف‏.‏

 

وحدَثنا سيف عن زهرة ومحمد عن أبي سلمة قال‏: ‏ لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء قال عمر‏: ‏ والله لا يُجنّه سقف بيت حتى أقسمه‏. ‏

 

فباتَ عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في المسجد فلما أصبح عمر جاء فكشف عنه الأنطاع فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده ولؤلؤه وجوهره بكى فقال له عبد الرحمن‏:‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين والله إن هذا لموطن شكر فقال عمر‏:‏ واللّه ما ذاك يبكيني وتالله ما أعطى اللّه هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم‏.‏

 

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكيِ قال‏:‏ حدَثنا محمد بن زكريا قال‏:‏ حدَثنا عبد اللهّ بن سلمان قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن يحيى الحنيني قال‏:‏ حدَّثنا أبو أسامة عن الصلتَ قال‏:‏ حدَثني جميع بن عمير الليثي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ شهدت جلولاء وابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقدمت بها إلى المدينة على عمر فقال‏:‏ ما هذا فقلت‏:‏ ابتعت من الغنائم بأربعين ألفًا فقال‏:‏ يا عبد الله لو انطلق بي إلى الناس كنت مفتدى قلت‏:‏ نعم بكل شيء أملك قال‏:‏ فإني مخاصم وكأني بك تبايع والناس بجلولاء يقولون‏:‏ هذا عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهمًا أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريِش‏.‏ ثم أتى باب صفية بنت أبي عبيد فقال‏: ‏ يا بنت أبي عبيد اقتسمت عليك أن تخرجي من بيتك شيئًا أو تخرجن منه وإن كان عنق ظبية فقالت‏: ‏ يا أمير المؤمنين لك ذلك‏. ‏

 

ثم تركني سبعة أيام ثم دعي التجار ثم قال‏: ‏ يا عبد اللّه بن عمر إني مسؤول قال‏:‏ فباع من التجار متاعًا بأربعمائة ألف فأعطاني ثمانين ألفًا وأرسل ثلاثمائة وعشرين ألفًا إلى سعد فقال‏:‏ اقسم هذا المال في من شهد الوقعة وإن كان أحدهم مات فابعث نصيبه إلى ورثته‏.‏

وكان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ست عشرة وبينها وبين المدائن تسعة أشهر‏. ‏

 

وورد في كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير:

 

" لما سار كسرى، وهو‏: ‏ يزدجرد بن شهريار من المدائن هارباً إلى حلوان، شرع في أثناء الطريق في جمع رجال وأعوان وجنود، من البلدان التي هناك، فاجتمع إليه خلق كثير، وجم غفير من الفرس، وأمر على الجميع مهران، وسار كسرى إلى حلوان فأقام الجمع الذي جمعه بينه وبين المسلمين في جلولاء، واحتفروا خندقاً عظيماً حولها، وأقاموا بها في العَدد والعُدد وآلات الحصار، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك‏. ‏

 

فكتب إليه عمر أن يقيم هو بالمدائن، ويبعث ابن أخيه هاشم بن عتبة أميراً على الجيش الذي يبعثه إلى كسرى، ويكون على المقدمة القعقاع بن عمرو، وعلى الميمنة سعد بن مالك، وعلى الميسرة أخوه عمر بن مالك، وعلى الساقة عمرو بن مرة الجهني‏. ‏ ففعل سعد ذلك وبعث مع ابن أخيه جيشاً كثيفاً يقارب اثني عشر ألفاً من سادات المسلمين ووجوه المهاجرين والأنصار، ورؤوس العرب‏.‏ وذلك في صفر من هذه السنة بعد فراغهم من أمر المدائن، فساروا حتى انتهوا إلى المجوس وهم بجلولاء قد خندقوا عليهم، فحاصرهم هاشم بن عتبة، وكانوا يخرجون من بلدهم للقتال في كل وقت فيقاتلون قتالاً لم يسمع بمثله‏.‏

 

وجعل كسرى يبعث إليهم الأمداد، وكذلك سعد يبعث المدد إلى ابن أخيه مرة بعد أخرى، وحمي القتال واشتد النزال، واضطرمت نار الحرب، وقام في الناس هاشم فخطبهم غير مرة، فحرضهم على القتال والتوكل على الله‏. ‏

 

وقد تعاقدت الفرس وتعاهدت وحلفوا بالنار أن لا يفروا أبداً حتى يفنوا العرب‏. ‏

 

فلما كان الموقف الأخير وهو يوم الفيصل والفرقان، تواقفوا من أول النهار، فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يعهد مثله حتى فني النشاب من الطرفين، وتقصفت الرماح من هؤلاء ومن هؤلاء، وصاروا إلى السيوف والطبرزينات، وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون إيماءاً، وذهبت فرقة المجوس، وجاءت مكانها أخرى‏. ‏ فقام القعقاع بن عمرو في المسلمين فقال‏: ‏ أهالكم‏؟ ‏ ما رأيتم أيها المسلمون ‏؟‏ قالوا‏: ‏ نعم، إنا كالون وهم مريحون‏. ‏ فقال‏: ‏ بل إنا حاملون عليهم ومجدون في طلبهم، حتى يحكم الله بيننا، فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم، فحمل وحمل الناس‏. ‏

 

فأما القعقاع بن عمرو فإنه صمم الحملة في جماعة من الفرسان والأبطال والشجعان، حتى انتهى إلى باب الخندق، وأقبل الليل بظلامه وجالت بقية الأبطال بمن معهم في الناس، وجعلوا يأخذون في التحاجز من أجل إقبال الليل‏. ‏ وفي الأبطال يومئذ‏: ‏ طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن مكشوح، وحجر بن عدي‏. ‏ ولم يعلموا بما صنعه القعقاع في ظلمة الليل، ولم يشعروا بذلك، لولا مناديه ينادي‏: ‏

أين أيها المسلمون، هذا أميركم على باب خندقهم‏. ‏

 

فلما سمع ذلك المجوس فروا وحمل المسلمون نحو القعقاع بن عمرو، فإذا هو على باب الخندق قد ملكه عليهم، وهربت الفرس كل مهرب، وأخذهم المسلمون من كل وجه، وقعدوا لهم كل مرصد، فقتل منهم في ذلك الموقف مائة ألف حتى جللوا وجه الأرض بالقتلى، فلذلك سميت جلولاء‏. ‏ وغنموا من الأموال والسلاح والذهب والفضة قريباً مما غنموا من المدائن قبلها‏. ‏

 

وبعث هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو في إثر من انهزم منهم وراء كسرى، فساق خلفهم حتى أدرك مهران منهزماً، فقتله القعقاع بن عمرو، وأفلتهم الفيرزان فاستمر منهزماً، وأسر سبايا كثيرة بعث بها إلى هاشم بن عتبة، وغنموا دواب كثيرة جداً‏. ‏ ثم بعث هاشم بالغنائم والأموال إلى عمه سعد بن أبي وقاص فنفل سعد ذوي النجدة، ثم أمر بقسم ذلك على الغانمين‏. ‏

 

قال الشعبي‏: ‏ كان المال المتحصل من وقعه جلولاء ثلاثين ألف ألف، فكان خمسه ستة آلاف ألف‏. ‏

 

وقال غيره‏: ‏ كان الذي أصاب كل فارس يوم جلولاء نظير ما حصل له يوم المدائن - يعني‏:‏ اثني عشر ألفاً لكل فارس - وقيل‏:‏ أصاب كل فارس تسعة آلاف وتسع دواب‏.‏ وكان الذي ولي قسم ذلك بين المسلمين وتحصيله، سلمان الفارسي رضي الله عنه‏.‏ ثم بعث بالأخماس من المال والرقيق والدواب مع زياد بن أبي سفيان، وقضاعي بن عمرو، وأبي مقرن الأسود‏. ‏

 

فلما قدموا على عمر سأل عمر زياد بن أبي سفيان عن كيفية الوقعة فذكرها له، وكان زياد فصيحاً، فأعجب إيراده لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأحب أن يسمع المسلمون منه ذلك، فقال‏: ‏ أتستطيع أن تخطب الناس بما أخبرتني به ‏؟‏ قال‏: ‏ نعم يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد على وجه الأرض أهيب عندي منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك‏؟ ‏ فقام في الناس فقص عليهم خبر الوقعة، وكم قتلوا، وكم غنموا، بعبارة عظيمة بليغة‏. ‏ فقال عمر‏: ‏ إن هذا لهو الخطيب المصقع -يعني‏:‏ الفصيح - فقال زياد‏:‏ إن جندنا أطلقوا بالفعال لساننا‏. ‏

 

ثم حلف عمر بن الخطاب أن لا يجن هذا المال الذي جاؤوا به سقف حتى يقسمه، فبات عبد الله بن أرقم، وعبد الرحمن بن عوف يحرسانه في المسجد، فلما أصبح جاء عمر في الناس بعد ما صلى الغداة وطلعت الشمس، فأمر فكشف عنه جلابيبه، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وذهبه الأصفر وفضته البيضاء، بكى عمر‏. ‏

 

فقال له عبد الرحمن‏: ‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين ‏؟ ‏‏! ‏ فوالله إن هذا لموطن شكر‏. ‏ فقال عمر‏: ‏ والله ما ذاك يبكيني، وتالله ما أعطي الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم‏. ‏ ثم قسمه كما قسم أموال القادسية‏. ‏

 

وروى سيف بن عمر، عن شيوخه أنهم قالوا‏: ‏ وكان فتح جلولاء في ذي القعدة من سنة ستة عشر، وكان بينه وبين فتح المدائن تسعة أشهر‏. ‏

وقد تكلم ابن جرير ههنا فيما رواه عن سيف على ما يتعلق بأرض السواد وخراجها، وموضع تحرير ذلك كتاب ‏(‏الأحكام‏) ‏‏. ‏

وقد قال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء‏: ‏

 

يوم جلولاء ويم رستم * ويوم زحف الكوفة المقدم

ويوم عرض الشهر المحرم * وأيام خلت من بينهن صرم

شيبن أصدغي فهي هرم * مثل ثغام البلد المحرم

 

وقال أبو نجيد في ذلك‏: ‏

 

ويوم جلولاء الوقيعة أصبحت * كتائبنا تردى بأسد عوابس

فضضت جموع الفرس ثم أئمتهم * فتباً لأجساد المجوس النجائس

وأفلتهن الفيرزان بجرعة * ومهران أردت يوم حز القوانس

أقاموا بدار للمنية موعد * وللترب تحثوها خجوج الروامس