الأرابيسك

تُعتَبر النّقوش والزخارف الخشبية -أو ما يُسمى بالأرابيسك أو الرّقش- لوحاتٌ فنّيةٌ وعناصر جمالية وبصمة فنّية تُميّز البيوت التقليدية بمحافظة الباحة في السّعودية عن غيرها. فهذه الزخارف تكاد تُسيطر وتشكّل الفراغ البصري داخل البيت التقليدي وخارجه في شكل مَنظوماتٍ كتليّةٍ فراغيةٍ جميلةٍ.

الهدف الأساسي من دراسة فنّ الزّخرفة بالبيت التقليدي هو توثيقه أوّلاً كفنٍ يحمل بصمةً مُتفرّدةً، ثم التوفيق في تحقيق الغَرض الوظيفي من المبنى وبين التشكيل الجمالي له. وهنا تظهر العلاقة الضّرورية بين المضمون النّفعي والشّكل. فالمضمون النّفعي للبيت التقليدي يعني ما له من أنشطةٍ مُختلفةٍ تُؤدّى بداخله. أمّا الشّكل فهو العنصر الذي يعطي الحسّ داخل المبنى وخارجه. وهذا الحسّ يتحدّد بتشكيل الخامات المُستعملة، كما يتأثّر بظروف المجتمع والإنتاج والإتّجاهات والميول الفنّية.

إنّ أهمّ ما يميّز بناء هذا النوع من البيوت هو استخدام الأحجار الصّلدة المائلة للزرقة في عملية البناء.

ويتمّ تزين أعالي الحصون التّي تتوسّط المباني بأحجار المرمر البيضاء والرّمادية على هيئة زخارف إسلامية أو هندسية. وتُصنَع أبواب ونوافذ وأعمدة البيت من أشجار العرعر التّي يتمّ قطعها والنَّقش عليها قبل أن تجفّ. وهذا العمل يتطلّب جهدًا شاقًا جدًا. كما تتمّ زخرفة أسطح الأبواب والنوافذ الخشبية من الخارج فقط. أمّا الأعمدة المُسمّاة بالزافر أو المدكاة، وهو عمود يحمل سقف البيت الخشبي المُغطّى بالطين، فيتمّ زخرفته بأشكال مستقيمات وورقياتٍ وأشكالٍ هندسيةٍ استطاع معها الفنان أن يقضي على وحشة الفراغ. كما إنّ حجم العمود يُصمَّم حسب مكانة العائلة الإجتماعية والمادية.

يتمّ طلاء هذه الأخشاب بمادة القطران، وهي مادّة أشبه بالزّيت المحروق، تُستَخرج من تقطير الأخشاب بعد حرقها. وهي مادة عازلة تحمي الأخشاب من الحشرات بطريقةٍ عجيبةٍ لمدةٍ طويلةٍ من الزّمن ولها رائحة جميلة حيث يستخدمها الأهالي لتحسين طعم مياه الشرب. وتُستخدم أيضًا كمادةٍ للعلاج من التّشققات الجلدية.

كما يتمّ طلاء البيت التّقليدي من الداخل بالطّين المخلوط ببعض الأعشاب حيث يُصبح عازل حراريّ فعّال من الجو البارد ثم يتمّ تجميله بألوانٍ فاتحةٍ.

النّوافذ هي المُسمّاة بالخلف عبارة عن قطعةٍ من الخشب مُسمّكة من الداخل ومزخرفةٍ من الخارج. أمّا المفروشات والسّجاد فهي أثاث البيت التّقليدي. ويُصنع السّجاد عادةً من الصوف بعد صباغته يدويًا.

يتمّ تصميم حواجز خشبية مُزخرفة ومُلوّنة كفواصل تقسم فراغات البيت حسب الحاجة من دون الإخلال بالشّكل الجمالي، وهذا يدلّ على درجة التّذوق الجمالي لدى الفرد وبحثه الدّائم لإمتلاك الفنّ داخل مسكنه.

أمّا الإضاءة فهي عبارة عن إضاءةٍ تقليديةٍ تعتمد كليًا على الفانوس والإتريك، حيث يتمّ تشغيلها فقط بعد صلاة المغرب لمدةٍ قصيرةٍ جدًا وتعمل بالغاز. وهنا نجد عدم الحاجة إلى الطّاقة الكهربائية ومُلوثّات البيئة كما هو الحالة عليه اليوم.

تصميم عناصر المساكن الجماعية للعائلة داخل القرية حيث تجتمع كلّ عائلةٍ كبيرةٍ في جهةٍ من القرية، تستقلّ تمامًا في تصميم المسكن لما تحتاجه من حمايةٍ ووظيفةٍ من دون الحاجة إلى بناء سورٍ على حدود المساكن، وهذا يدلّ على قوّة الروابط الإجتماعية بين العوائل. وتتخلّل المساكن فراغات لتوفير الدّفء وانسياب التيارات العليلة إلى داخلها وتسهم في سهولة التنقل الآمن لأهلها حيث يذهب في الصباح الرجل والمرأة للحقل ويبقى في البيوت كبار السّن والأطفال. ويتمّ زراعة أطراف المساكن بنبات التّين الشكوي أو الصّبار لحمايتها من دخول الغرباء.

أمّا عن الرموز وبعض الرسوم من الأحرف المنقوشة على أسطح النوافذ والأبواب الخشبية، فهي لغة ورموز مجهولة تحتاج إلى مَن يفكّ غموضها، ومن المُحتمَل أنّها تكون لغةً كان يتداولها قديمًا بعض أهالي هذه القُرى.