الغساسنة

 الغساسنة سلالة عربية يمنية الأصل هجرت بلادها بعد انفجار سد مأرب في القرن الثالث ميلادي متجهة إلى بلاد الشام. كانوا من أوائل العرب الذين تنصروا. والغساسنة بطون متعددة من الأزد وغير الأزد نزلوا ماءً يقال له غسان فنسبوا إليه. ومن أكبر شعرائهم امرئ القيس وجذم بن سنان الغساني وعبد المسيح بن عمرو وعدي بن الرعلاء الغساني.


امتد نفوذ الغساسنة إلى بلاد الشام فقامت أبنيتهم، وهو كانوا بناة مشهورين، على طول حزام السهوب-البادية الممتدة من الفرات إلى خليج العقبة. وشهدت هذه المنطقة على أيدي الغساسنة عمليات تجديد كبيرة للأبنية والمنشآت كما أضافوا إليها بتشجيع من الحكام الأمويين. وشيدوا كذلك أديرة عديدة. وقد بقي من تلك المباني حتى يومنا هذا: برج الدير في قصر الحير الغربي بين دمشق وتدمر، والإيوان بالرصافة. وهذه الأخيرة كانت مدينة شفيع الغساسنة في الحرب القديس سرجيوس. 

كان الغساسنة من القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح. وقام أشهر ملوكهم الحارث بن جبلة (529-569م) بإحياء الكنيسة المونوفيزية وتولى سيامة يعقوب البرادعي الذي سارت الكنيسة المونوفيزي ة (اليعاقبة) تنسب إليه. واستعمل الغساسنة كتاب قراءات من الكتاب المقدس باللغة العربية. وهذا ما يشهد لهم على تعلقهم بالهوية العربية. وقد وجدت نقوش عربية في أديرة وكنائس تابعة لهم بينها النقش الطويل في دير هند بالحيرة فضلاً عن نقش حرّان، وهو النقش العربي المسيحي الوحيد الذي بقي من ديار غسان.

ظلّت الجابية التي كانت تقع في هضبة الجولان السورية عاصمة للغساسنة ومركزاً سياسياً وعسكرياً مهماً طوال العهد الاموي. وكان الغساسنة كالتنوخيين والسليحيين موالين أصلاً للبيزنطيين فاكتسبوا من هؤلاء مهارات إدارية وعسكرية وضعوها تحت تصرف الأمويين اللذين اعتمدوا على هذه القبائل وبخاصة غسان وجيزان وكلب في أعمال إدارية وعسكرية. وكانت غسان قد حمت الحدود السورية لصالح الامبراطورية البيزنطية.

 

جاء في كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (الجزء الأول ص635) عن الغساسنة:

 

حكم عرب بلاد الشام في دولة البيزنطيين، عرب عرفوا ب "آل غسان"، وب "آل جفنة" وب "الغساسنة". وقد استمر ملكهم إلى الإسلام. فلما فتح المسلمون بلاد الشام، زالت حكومتهم، وذهب سلطانهم كما ذهب ملك "آل لخم" منافسوهم في العراق

.

وقد نقلت كلمة "غسان" في زعم الأخبارين من اسم ماء يقال له "غسان"، ببلاد "عك" بزبيد وربيع، نزل عليه ال غسان، وأصلهم من الأزد، بعد خروجهم من اليمن قبيل حادث سيل العرم أو بعده، فلما أقاموا عليه وشربوا منه ،أخذوا  اسمهم منه ،فسموا  "غسان"، وعرف نسلهم بالغساسنة وب "آل غسان". ولم يحدد أهل الأخبار زمان حدوث سيل العرم، وتهدم السد. لذلك لا نستطيع ان نستنبط شيئا من رواياتهم عن هذا الحادث في تحديد وقت وصول الغساسنة إلى بلاد الشام. وحادث تصدع السد لم يكن حادثا واحدا، حتى نعتبره مبدأ لتأريخ هجرة الأزد وغيرهم من قبائل اليمن فى الشمال. فقد تصدع السد مرارا ورم مرارا. والذي يفهم من أقوال الإخياريين أن هذا التصدع كان قد وقع قبل الإسلام بزمن، وقد بقيت ذكراه عالقة في الذاكرة إلى أيام الإسلام.

 

وأما سبب تسميتهم بآل جفنة وبأولاد جفنة، فلانتسابهم الى جد أعلى يدعونه "جفنة بن عمرو مزيقياء ين عامر" على رأي، أو إلى "جفنة" قبيلة من غسان من اليمن. ويذكر "ابن دريد" إن "جفنة" إما من "الجفنة" المعروفة، أو من "الجفن"، وهو "الكرم"، وجفن السيف وجفن الإنسان. ويذكر إن المثل المشهور بين الناس: "وعند جهينة الخبر اليقين"، هو خطأ تقوله العامة، وان صوابه: "وعند جفينة الخر اليقين ".

 

ولم نظفر حتى الان باسم غسان في نصوص المسند، كذلك لم نظفر به في الأرضين التي عدها الإخباريون في جملة ممتلكات هذه القبيلة.

 

ويزعم الأخياريون إن الذي قاد الغساسنة في خروجهم من اليمن، هو عمرو المعروف ب "مزيقياء"، وهو ابن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث. ولهم في نسبه على هذا النحو من ذكر الآباء والأجداد والألقاب أقوال وحكايات.

 

وروى "ابن قتيبة الدينوري" إن "عمرو بن عامر مزيقياء" لما خرج من اليمن في ولده وقرابته ومن تبعه من الأزد، أتوا بلاد عك، وملكهم "سملقة"، وسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام حتى يبعثوا من يرتاد لهم المنازل ويرجعوا إليهم، فأذنوا لهم. فوجه عمرو بن عامر ثلاثة من ولده: الحارث بن عمرو، ومالك بن عمرو، وحارثة بن عمرو، ووجه غيرهم روادا فمات عمرو إبن عامر بأرض عك قبل أن يرجع إليه ولده ورواده، واستخلف ابنه ثعلبة بن عمرو ،وان رجلا من الأزد يقال له جذع بن سنان احتال في قتل سملقة "سملقة"، ووقعت الحرب بينهم، فقتلت عك أبرح قتل وخرجوا هاربين فعظم ذلك على ثعلبة بن عمرو، فحلف أن لا يقيم، فسار ومن اتبعه حتى انتهوا إلى مكة وأهلها يومئذ جرهم، وهم ولاة البيت، فنزلوا بطن مر وسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام معهم، فقاتلتهم جرهم، فنصرت الأزد عليهم، فأجلوهم عن مكة، ووليت خزاعة البيت، فلم يزالوا ولاته حتى صار "قصي" إلى مكة، فحارب خزاعة بمن تبعه، وأعانه قيصر عليها، وصارت ولاية البيت له ولولده، فجمع قريشا، وكانت في الأطراف والجوانب، فسمي مجمعا، وأقامت الأزد زمانا. فلما رأوا ضيق العيش شخصوا، فصار بعضهم إلى السواد، فملكوا بها. منهم "جذيمة بن مالك بن الأبرش" ومن تبعه. وصار قوم إلى عمان، وصار قوم إلى الشام، فهم "آل جفنة" ملوك الشام. وصار جدع بن سنان قاتل لسمقة إلى الشام أيضا، وبها سليح، فكتب ملك سليح. إلى قيصر يستأذنه في انزالهم، فأذن له على شروط شرطها لهم، وأن عامل قيصر قدم عليهم ليجيبهم فطالبهم وفيهم جذع، فقال له جذع خذ هذا السيف رهنا أن نعطيك. فقال له العامل: اجعله في كذا وكذا من أمك، فاستل جدع السيف فضرب به عنقه. فقال بعض القوم: خذ من جذع ما أعطاك، فذهبت مثلا".

 

فمضى كاتب العامل إلى قيصر فأعلمه، فوجه إليهم ألف رجل وجمع له جذع من الأزد من أطاعه، فقاتلوهم فهزموا الروم، واخذوا سلاحهم، وتقووا بذلك، ثم انتقلوا الى يثرب وأقام بنو جفنة بالشام وتنصروا. ولما صار جذع إلى يثرب وبها اليهود، حالفوهم، وأقاموا بينهم على شروط فلما نقضت اليهود الشروط، أتوا تبعا الآخر، فشكوا إليه ذلك، فسار نحو اليهود حتى قتل منهم وأذلهم وصار الأمر في يثرب للازد.

 

وللإخباريين تفاسير في سبب تلقيب عمرو بن عامر بمزيقاء. وقد ذكر "حمزة" بعض الآراء الواردة في ذلك، فقال: "وتزعم الأزد أن عمرا انما سمي مزيقياء لأنه كان يمزق كل يوم من سني ملكه حلتين لئلا يلبسهما غيره، فسمي هو مزيقياء. وسمي ولده المزاقية. فهذا قول وقيل: إنما سمي مزيقياء، لأن الأزد تمزقت على عهده كل ممزق عند هربهم من سيل العرم، فاتخذت العرب افتراق الأزد عن أرض سبأ بسيل العرم، فقالوا: ذهبت بنو فلان أيادي سبأ". ومال "نولدكه" إلى هذا التفسير الأخير، فرأى أنه مأخوذ من الآية. (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).

 

ويظهر أن الغساسنة اخترعوا أسطورة تمزيق الثياب، للإشارة إلى غنى جدهم "عمرو" واقتداره. وأما ما ذهب إليه "نولدكه"، فهو في نظري نوع من الظن، استخرجه من هذا التفسير الثاني الذي رواه الإخباريون في تفسير الكلمة الخاص بتفرق الأزد عن أرض سبأ لحدوث السيل.

 

وقد زعم أنه نزح معهم من اليمن قومهم من الأزد.، فنزل المدينة رهط " ثعلبة العنقاء بن عمرو بن عامر ومنهم الأوس والخزرج، ونزل مكة رهط حارثة ابن عمرو بن عامر، وهم من خزاعة، ونزل جفنة بن عمرو بن عامر بالشام ،وهم الغساسنة ونزل لخم في العراق ومنهم المناذرة أو آل نصر". فوصل اهل الأخبار بذلك تأريخ خزاعة والأوس والخزرج وآل لخم بآل غسان. وجعلوا ابتداء ظهورهم في أماكنهم منذ ذلك العهد، أي منذ وقوع حادث "سيل العرم".

 

وقد روى الإخباريون في ذلك شعرا لنفر من الأنصار، ورد فيه انتساب أهل يثرب إلى "عمرو بن عامر"، واتصال نسبهم بنسب غسان. من ذلك شعر للشاعر الأنصاري المعروف "حسان بن ثابت"، يقول فيه:

 

ألم ترنا أولاد عمرو بن عامر لنا شرف يعلو على كل مرتقى

 

ومن ذلك شعر زعم ان قائله أحد الأنصار هو:

 

أنا ابن مزيق يا عمرو، وجدي أبوه عامر ماء السماء

 

فالأنصار، أي أهل يثرب، وهم من الأوس والخزرج، هم من الدوحة التي أخرجت الغساسنة، وقد ظهر تأريخهم في يثرب بعد حادث سيل العرم على نحو ما رأيت.

 

وافتخار أهل يثرب بآل جفنة يزيد كثيرا على افتخارهم بآل لخم، مع انهم على حد قولهم من أصل واحد، وقد افترقوا جميعا في وقت واحد، وهم في درجة واحدة من القرابة. ونجد لحسان بن ثابت شعرا في الغساسنة، هو أضعاف ما قاله في المناذرة. ويظهر إن لقرب الغساسنة من يثرب، وللمصالح الاقتصادية، وللهبات والعطايا التي كان ينالها حسان وأمثاله من الغساسنة بيسر وسهولة، لقربهم منهم، أثر كبير في هذا المدح والتعصب لغسان على ال لخم.. وأما عن نعت عامر بماء السماء، فقال حمزة: "انه انما سمي ماء السماء لأنه أصابت الأزد مخمصة، فمانهم حتى مطروا، فقالوا -: عامر لنا بدل ماء السماء". وقد عرف أشخاص آخرون ب "ماء السماء" من غير غسان، منهم "المنذر بن امرئ القيس اللخمي" و "ماء السماء بن عروة" من ملوك "الحيرة" على زعم "ابن الكلبي". وقد نعت "حسان بن ثابت" الغساسنة الذين جاءوا من بعده ب "أولاد ماء المزن". و"المزن=المطر". يريد بذلك "أولاد ماء السماء"، أي: "بني ماء السماء"، وماء السماء هو المطر، وذلك كناية عن الجود والكرم والإغاثة. والمطر هو غوث للناس ورحمة والجود هو غوث لمن يجاد عليه، فهو بمنزلة المطر للأرضين فقصد الشاعر بذلك إن "ال غسان"، للناس بمنزلة المطر للأرض. وقد يكون جد الغساسنة قد عرف بكرمه وسخائه، فنعت بهذا النعت الدال على السخاء والجود. ولا أستبعد أن تكون هذه النعوت من النعوت التي أطلقها الشعراء على المذكورين، فلازمتهم حتى اليوم.

 

ونسب آل غسان إلى جد آخر، يعرف ب "ثعلبة". وقد أشير إلى "عرب الروم من آل ثعلبة". وقد ذكر "محمد بن حبيب"، أن رئيس غسان الذي قضى على "الضجاعمة"، وانتزع الملك من "سليح"، هو "ثعلبة" ابن عمرو بن المجالد بن عمرو بن عدي بن مازن بن الأزد. ومن نسله كان ملوك غسان، فهو اذن "ثعلبة" المذكور.

 

ويظهر من روايات الإخباريين أن الغساسنة اخذوا الحكم بالقوة من أيدي عرب كانوا يحكمون هذه المنطقة قبلهم، ويدعون ب "الضجاعمة"، وهم من "سليح ابن حلوان".

 

وبنو سليح، هم عرب ينسبهم النسابون إلى "سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة". وقد نسبهم “ابن دريد" إلى "سليح بن عمران ابن الحاف"، وجعل ل "سليح" شقيقا هو "تزيد" جد "التزيديين". ونسبهم "السكري" إلى "سليح بن عمرو بن الحاف ين قضاعة". ولكن اختلاف النسابين هذا في نسبهم، يقف عند نهاية سلاسل النسب، إذ تنتهي هذه النهاية في "قضاعة" حيث يتفق الكل أن "سليحا"، هم من قضاعة. أما صاحب كتاب المعارف، فقد جعل سليحا من غسان، إلا أنه عاد فاستدرك على ذلك بقوله: "ويقال من قضاعة ".

 

وقد ذكر أهل الأخبار إن "بني سليح" بقوا في بلاد الشام، اذ ذكروهم في أخبار الفتوح، وكانوا في جملة من أقام على النصرانية من عرب الشام. وقد أسلم قسم منهم، وكانوا في "قنسرين" في ايام المهدي.

 

ومن ملوك سليح الذين ذكرهم الإخباريون زياد ين الهبولة ملك الشام، جعلوه من معاصري حجر بن معاوية ين الحارث الكندي اكل المرار، وذكروا انه سمع بغارة قام بها حجر على البحرين، فسار إلى أهل حجر ومن تركهم، فأخذ الحريم والأموال وسبى هند بنت ظالم بن وهب بن الحرث بن معاوية. فلما سمع حجر وكنده وربيعة بغارة زياد، عادوا عن غزوهم في طلب ابن هبولة، ومع حجر أشراف ربيعة: عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان، وعمرو ين أبي ربيعة ابن ذهل بن شيبان وغيرهما. فأدركوا قوم زياد ب "البردان" دون عين أباغ، فحمل أتباع حجر على أتباع "ابن الهبولة"، فانهزموا، ووقع زياد اسيرا ثم قتل.

 

وتذكر رواية إن "حجرا" أرسل "سدوس ين شيبان" و "صليع بن عبد غنم" إلى عسكر "زياد" يتجسسان له. الخبر، ويعلمان علم العسكر، ثم عادا فأخبراه بخبره، فسار على جيش ابن الهبولة، واقتتلوا قتالا عنيفا، فشد "سدوس" على زياد واعتنقه وصرعه، وأخذه أسيرا، فلما رآه "عمرو بن أبي ربيعة" حسده فطعن زيادا فقتله، فغضب سدوس لأنه قتل أسيره، وطالب بديته، دية الملوك، فتحاكما إلى حجر، فحكم على عمرو وقومه لسدوس بدية ملك، وأعانهم من ماله.

 

ويقتضي على هذه الرواية إن يكون ملك "زياد بن الهبولة" في وقت متأخر اذ لا ينسجم هذا القول مع ما يذكره أهل الأخبار من إن ملك "بني سليح" كان قبل الغساسنة. ولو أخذنا بالخبر المتقدم، وجب علينا القول بأن زيادا كان يحكم في ايام الغساسنة لا قبل ذلك.

وقد ذكر "ابن الأثير" أن "زياد بن هبولة" لم يكن ملكا على الشام، لأن ملوك سليح كانوا بأطراف الشام مما يلي البر من فلسطين إلى قنسرين والبلاد للروم، ولم تكن سليح ولا غسان مستقلين بملك الشام ولا بشبر واحد، وزياد ابن هبولة السليخي من أقدم من حجر آكل المرار بزمان طويل. ولم يكن زياد آخر ملوك سليح. ثم خلص من قوله برأي توفيقي، بأن افترض إن زياد بن هبولة المعاصر لحجر كان رئيسا على قوم او متغلبا على بعض أطراف الشام، فهو غير ذلك الملك المذكور.

 

وقد تحدث "أبو عبيدة" عن ذلك اليوم، ولم يذكر إن ابن هبولة من سليح، بل قال: هو غالب بن هبولة ملك من ملوك غسان.

وقد تحدثت بعض الروايات عن "زياد بن هبولة" على هذا النحو: "منهم داوود اللثق بن هبالة بن عمرو بن عوف بن ضجعم. كان ملكا، ومنهم زياد ابن هبالة بن عمرو بن عوف بن ضجعم. كان ملكا. وهو الذي أغار على حجر آكل المرار. وهو محرق، وكان أول من حرق بالنار ". فجعلت والد زياد رجلا اسمه "هبالة"، وجعلت "داوود اللثق" شقيقا له. اما الروايات الشائعة، فتجعل "داوود اللثق" ابنا ل "هبالة" اي انه أخو "هبولة ابن عمرو بن عوف"، فهبولة على هذا وهبالة أخوان، وزياد وداوود  ابنا عم. وأما ملوك "سليح" على رواية "0 أبن قتيبة الدينوري"، فهم: "النعمان ابن عمرو بن مالك"، وقد عينه ملك الروم على قومه - على حد قوله - بعد إن دانوا بالنصرانية، ثم مالك وهو ابنه، ثم "عمرو"، وهو ابن مالك. قال: ولم يملك منهم غير هؤلاء الثلاثة. اذ انتقل الملك فيما بعد "عمرو" إلى الغساسنة.

 

ونسب الإخباريون "الضجاعمة" إلى "بني ضجعم بن حماطة بن سعد بن سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة". فهم على هذا النسب، ومن "بني سليح" ومن قبائل قضاعه، وقد حكموا بعد حكم "بني سليح".

 

ونسب بعض الأخباربين "ضجعم" الى "سعد بن سليح"، أي بأسقاط اسم "حماطة" من النسب، بأن جعلوا "سعد بن سليح" والدا لضجعكم. وقد ذ كروا إن منهم "داوود اللثق بن هبولة بن عمرو" وهو شقيق "زياد بن هبولة" المذكور. وذكر بعض منهم إن "داوود بن هبولة" هو شقيق "هبالة بن عمرو ابن عوف بن ضجعم".

 

ويظهر إن "داوود اللثق" كان قد أعتنق النصرانية، وكان قد عمل للروم. واليه ينسب "دير داوود" "دير الداوود".

 

ويظهر من بعض الروايات إن "زياد بن هبولة" الذي حارب "حجرا آكل المرار"، كان أخا ل "داوود". ويظهر من روايات أخرى انه كان ابن عم له. واذا اخذنا برواية من زعم إن "زيادا" هذا حارب "حجرا آكل المرار"، فمعنى هذا إن "جفنة"، وهو مؤسس إمارة ا ل جفنة، أي الغساسنة، قد حكم بعد "زياد". وقد زعم "حمزة" إن ملكا من ملوك الروم اسمه "نسطورس" هو الذي ملك جفنة على عرب الشام. وذهب بعض أهل الأخبار إلى إن القيصر الذي عين "جفنة" على عرب بلاد الشام هو "أنسطاسيوس" "A nastasius" الأول، الذي حكم من سنة "491" حتى سنة "518" للميلاد. فتكون نهاية حكم الضجاعمة وبداية حكومة "ال جفنة" في هذا العهد.

 

و "ضجعم" هو "Zocomus" أحد "العمال" "P hyiarch" الذين نصبهم الروم على عرب بلاد الشام، حر ف اسمه فصار على الشكل المذكور. وقد حكم في أواخر القرن الرابع للميلاد. وقد ذكره "ثيوفلكتوس" "T heophylactus" على هذه الصورة: "Zeokomos" "وذكر انه هو وقبيلته دخلوا في النصرانية وان الله وهبه ولدا بفضل دعاء النساك النصارى.

 

وقد كان الضجاعم من القبائل العربية المعروفة عند ظهور الإسلام. وقد كانوا مثل سائر القبائل المستعربة المستنصرة ضد الإسلام، وقد وقفوا مع "دومة الجندل" في عنادهم ومقاومتهم لخالد بن الوليد، وكان رئيسهم اذ ذاك هو "ابن الحدرجان". لقد أشار المؤرخون اليونان والسريان إلى ملكة عربية دعوها "ماوية" "Mavia" "Mawiya" "Mauia"، حكمت القبائل العربية الضاربة في بلاد الشام، وهاجمت فلسطين و "فينيقية"، ويظهر إن هذا الهجوم كان قد حدث بعد ترك القيصر "والنس" "V alens" "4 36 - 378م" انطاكية وذلك سنة "378 م". وقد حاربت الروم مرارا، وانتصرت غير مرة، ثم تصالحت معهم. وكان من جملة ما اشترطته عليهم أن يسقف على عربها راهب يدعى موسى كان يتعبد في بادية الشام.، فوافق القيصر على ذلك، وكان هذا الراهب كاثوليكيا معارضا لمذهب أريوس.

 

ويذكر المؤرخون أن غارات تلك الملكة على حدود الروم، كانت عنيفة كاسحة، أنزلت الدمار والخراب بقرى وبمدن عديدة، والحقت خسائر فادحة بالأرواح والمال. وقد شملت تلك الغارات أرض فلسطين و "الحدود العربية" "A rabici Limites". وتذكر أن عربها كانوا من ال "سارسين" "سرسين" "Saracene".

 

وقد وليت "ماوية" الحكم بعد وفاة زوجها، ويظهر أن نزاعا وقع بينها وبين الروم أدى إلى توتر العلاقات بينهما، آل إلى هجوم الملكة على حدود الروم. ولما عجز الروم من الانتصار عليها، استعانوا ببعض سادات القبائل للتغلب عليها، ولما وجدوا إن القبائل لم تفعل شي، اضطروا على التفاوض معها، وعلى ترضيتها على نحو ما ذكرت.

 

وقد قام موسى "Moses" بنشاط كبير في نشر النصرانية بين العرب. وقد كان من مصلحة الروم تنصر الأعراب، لأن في تنصرهم تأييدا لهم، حتى وان خالف مذهبهم مذهب الروم.

 

وقد حكم قبل "ماوية" "عامل" عربي أشار إليه المؤرخ " أميا نوس" "Ammianis"، غير أنه لم يذكر اسمه، قال إنه "Assanitarum" وإنه من "السرسين"، " Phylarchus Saracenorum Assanitarum"، وقد حكم في أيام "يوليان" "جوليان" "J ulian" "1 36 - 363 م". ويظن البعض أن مراد المؤرخ ب "اسانيته" "Assanitae" الغساسنة، أي إن الكلمة من أصل "غسان".

 

غير أن هذا الظن معناه أن حكم الملكة "ماوية"، كان في أيام الغساسنة، وأنها ازعجت الروم في وقت كان فيه "آل جفنة" على عرب بلاد الشام. وهذا ما لا تؤيده الموارد التاريخية المتوفرة لدينا الان. لذلك أرى إن حكم "ملوية" كان قبل تولي "الغساسنة" الحكم رسميا من الروم، أو إن الملكة كانت تحكم في الأقسام الجنوبية من بادية الشام، ومنها أخذت تهاجم حدود الروم المؤلفة لكورة فلسطين، وتتوغل بها حتى بلغت "فينيقية" و "مصر"، ولم يكن حكم الغساسنة متمكنا إذ ذاك، فاستغلت هذا الضعف، وأخذت تهاجم الحدود.

وزعم المسعودي أن ملك العرب بالشام يعود إلى أيام "فالغ بن هور" "فالغ ابن يغور". وقد صيره من صميم أهل اليمن، ملك ثم ترك الحكم إلى "يوتاب" "سومات"، وهو "أيوب بن رزاح". ثم انتقل ملك الشام على رأيه أيضا إلى الروم. وكانت قضاعة من مالك بن حمير أول من نزل الشام، وانضافوا إلى ملوك الروم، فملكوهم بعد أن دخلوا في النصرانية على من حوى الشام من العرب. وكان النعمان بن عمرو بن مالك أول من تولى من تنوخ بالشام. ثم ملك بعده عمرو، ثم "الحواري بن النعمان". تم انتقل الملك إلى سليح. وانتقل الملك منهم الى آل غسان.

 

وقد كانت سليح - كما يذكر الإخباريون - يجبون من نزل بساحتهم من مضر وغيرها للروم. فأقبلت غسان في جمع عظيم يريدون الشام حتى نزلوا بهم، فقالت سليح لهم: إن أقررتم بالخرج، وإلا قاتلناكم. فأبوا عليهم، فقاتلهم سليح، فهزموا غسان. ورئيس غسان يومئذ! ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن عمرو بن عدي بن مازن بن الأزد. فرضيت غسان بأداء الخرج إليهم. فكانوا يجبونهم لكل رأس دينارا، ودينارا ونصفا، ودينارين في كل سنة على أقدارهم فلبثوا يجبونهم. حتى قتل "جذع بن عمرو الغساني" جابي سليح، وهو سبيط بن المنذر بن عمرو ابن عوف بن ضجعم بن حماطة. فتنادت سليح بشعارها وتنادت غسان بشعارها. فالتقوا بموضع يقال له "المحفف"، فأبارتهم غسان. وخاف ملك الروم أن يميلوا مع فارس عليه، فأرسل إلى ثعلبة، فقال: أنتم قوم لكم بأس شديد وعدد كثير. وقد قتلتم هذا الحي، وكانوا أشد حي في العرب وأكثرهم عدة وإني جاعلكم مكانهم، وكاتب بيني وبينكم كتابا: إن دهمك دهم من العرب أمددتكم بأربعين ألف مقاتل من الروم بأداتهم، وان دهمنا دهم من العرب فعليكم عشرون ألف مقاتل على أن لا تدخلوا بيننا وبين فارس. فقبل ذلك ثعلبة، وكتب الكتاب بينهم. فملك ثعلبة وتوجه. وكان ملك الروم يقال له "ديقيوس".

 

وقد تحدث الإخباريون وأصحاب كتب الأمثال عن هذا الحادث في معرض كلامهم عن المثل: "خذ من جذع ما أعطاك". وقد اتفقوا كلهم في اسم القائل، وهو منصوص عليه في المثل، ولكنهم اختلفوا في اسم المقتول، فقال بعضهم انه سبيط، وقال آخرون: انه سبطة، ويقول بعض آخر: انه كان رجلا من الروم.

 

وقد زعم بعض أهل الأخيار، إن اليوم الذي انتصر فيه الغساسنة على الضجاعمة هو "يوم حليمة". وذلك أن الحرب لما ثارت بين الضجاعمة والغساسنة للسبب الذي ذكرته وقالوا " خذ من جذع ما أعطاك"، كان لرئيس غسان ابنة جميلة يقال لها "حليمة". فأعطاها خلوقا لتخلق به قومها، وانتصر الغساسنة بذلك اليوم على الغساسنة. فقالوا: "ما يوم حليمة بسر".


ونسب ابن خلدون "سبطة" القتيل إلى المنذر بن داود، ويظهر انه قصد "داوود اللثق". والى داوود ينسب دير داوود، وذلاك يدل على انه كان نصرانيا. كما أشرت إلى ذلك قبل قليل.

 

وعندي أن "سبطة"Aspehetos" "Aspehbet" "Aspatylatos" الذي قيل إنه كان عاملا "فيلارك" "Phylarch " عربيا من عمال الفرس. فأغار على "الكورة العربية" "Arabia Provincia"، وذلك في أواسط القرن الخامس للميلاد، وأعلن نفسه عاملا على الأرضين التي استولى عليها، واعترف به وبأبنائه عمالا عليها.

 

وزعم المؤرخ حمزة أن أول ملك من غسان هو جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد بن الغوث. وقد زعم انه ملك في أيام نسطورس، وهو الذي ملكه على عرب الشام. فلما ملك، قتل قضاعة من سليح. الذين يدعون الضجاعمة، ودانت له قضاعة ومن بالشام من الروم، وبني جلق والقرية وعدة مصانع، ثم هلك. وكان ملكه خمسا واربعين سنة وثلاثة أشهر.

 

وقد ابتدأ "حسان بن ثابت" بجفنة هذا في قصيدته الني افتخر فيها بنسبه. وبجفنة هذا سمي ملوك الغساسنة "1ل جفنة"، كما سمي خصومهم "المناذرة" ب "آل لخم". والى هذا الرأي ذهب "الأصمعي"، حيث قاله: "وجفنة أول ملك من غسان، واليه تنسب ملوك غسان الني ذكرها حسان بن ثابت الأنصاري في شعره. وقد "نسب الأصمعي له وصية زعم أنه أوصى بها بنيه في كيفية السير بالناس، وتسيير الملك.

 

وعند المسعودي إن اول من ملك من بني غسان بالشام الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن غسان بن الأزد بن الغوث، ومن بعده الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة، وهو ابن مارية ذات القرطين. أما ابن قتيبة، فذهب الى إن أول من ملك منهم هو الحارث ابن عمرو المعروف ب "محرق". وسمي بمحرق لأنه أول من حرق العرب في ديارها، وهو الحارث الأكبر ويكنى بأبي شمر.

 

وقد ذكر ابن دريد إن الحارث بن عمرو بن عامر، "هو محرق، وهو أول من عذب بالنار". فأيد بذلك رواية من يرى انه أول من عذب وحرق الناس بالنار.

 

وذهب "محمد بن حبيب" إلى أن أول من ملك من الغساسنة بالشام هو "ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد"، وذلك بعد فتك "جذع" بالضجاعمة فعهد إليه ملك الروم "ديقيوس" أمر تولي رئاسة عرب بلاد الشام، وملكه وتوجه، فصار بذلك أول ملك من ملوك غسان، على نحو ما ذكرته قبل قليل.

 

و "جفنة" الذي صيره حمزة أول من ملك من غسان، هو "جفنة بن عمرو، وهو مزيقيا بن عامر ماء السماء". وقد نجل عمرو بن عامر على رواية ابن خلدون، جملة أولاد، منهم: جفنة، والحارث وهو محرق، وثعلبة وهو العنقاء "العنقاه"، وحارثة، وأبو حارثة، ومالك، وكعب، ووادعة، وعوف، وذهل، وواكل. فيكون جفنة على هذه الرواية أخا للحارث بن عمرو الذي عده المسعودي وابن قتيبة أول من تملك من الغساسنة في ديار الشام. وتولى الحكم بعد جفنة على رواية حمزة ابنه عمرو بن جفنة، وكان ملكه خمس سنين. ونسب حمزة إليه بناء عدة أديرة، منها: دير حالي، ودير أيوب، ودير هند.

 

أما "الأصمعي" فقد أورد اسم "الحارث بن جفنة بن ثعلبة ين عمرو"، بعد اسم "جفنة". وقال عنه "وهو الحارث الأكبر" ثم ذكر له وصية وصى بها ابنه "عمرو بن الحارث" وهي وصية نظمها شعرا. وقد قال له فيها إن هذه الوصية هي وصية أبي لي، وبها يا عمر أوصي وفيها الملك مرسوم.

 

وأما "محمد بن حبيب"، الذي جعل ثعلبة أول من ملك من الغساسنة، فقد جعل الحكم للحارث بن ثعلبة من بعده، ثم لابنه جبلة بن الحارث بن ثعلبة، ثم لابنه الحارث، وهو ابن مارية ذات القرطين، ثم للنعمان بن الحارث ثم للمنذر ابن الحارث ثم للمنيذر بن الحارث، ثم لجبلة بن الحارث.

 

وأما "ابن قتيبة" "الذي جعل "الحارث بن عمرو بن محرق" أول ملوك آل غسان، فقد وضع "الحارث بن أبي شمر" من بعده. وقال: انه الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر، وأمه مارية ذات القرطين. وكان خير ملوكهم، وأيمنهم طائرا، وأبعدهم مغارا. وكان غزا "خيبر"، فسبى من أهلها، ثم أعتقهم بعد ما قدم الشام. وكان سار إليه المنذر بن ماء السماء في مئة ألف، فوجه إليهم مئة رجل، فيهم لبيد الشاعر وهو غلام، وأظهر انه انما بعث بهم لمصالحته، فأحاطوا برواقه فقتلوه، وقتلوا من معه في الرواق، وركبوا خيلهم فنجا بعضهم وقتل بعض وحملت خيل الغسانيين على عسكر المنذر فهزموهم، وكانت له بنت يقال لها "حليمة" كانت تطيب اولئك الفتيان يومئذ وتلبسهم الأكفان والدروع وفيها جرى المثل: "ما يوم حليمة بسر ". وكان فيمن أسر يومئذ أسارى من بني أسد، فأتاه النابغة، فسأله اطلاقهم، فأطلقهم، وأتاه علقمة ابن عبدة في اسارى من بني تميم، فأطلقهم اكراما لشأنه. وفي جملة من أطلق حريتهم شاس بن عبدة شقيق علقمة.

 

وروى "ابن قتيبة" أيضا إن "علقمة بن عبدة" قال في "الحارث بن أبي شمر هذه الأبيات:

 

إلى الحارث الوهاب أعلمت ناقتي بكلكلها، والقصرين وجبيب

وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لشأس كل من نداك ذنوب

 

فقال الحارث: نعم وأذنبة.

 

وزعم "ابن قتيبة" إن الذي ولي الملك بعد "الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر"، هو ابنه "الحارث بن الحارث بن الحارث" ويسميه بالحارث الأصغر ابن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر. وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث، يقول، وهو الذي قال فيه النابغة:

 

هذا غلام حسن وجهه مستقبل الخير سريع التمام

للحرث الأكبر والحارث الأصغر والحرث الأعرج خير الأنام

 

وله يقول النابغة أيضا، وكان خرج غازيا:

 

إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ويأتي معدا ملكها وربيعها

ويرجع الى غسان ملك وسؤود وتلك المني لو أننا نستطيعها

 

 

وقد وهم "ابن قتيبة" في "الحارث بن أبي شمر" إذ صيره الملك الثاني، وجبلة هو أول من يمكن أن نطمئن إلى وجوده من ملوك الغساسنة كل الاطمئنان وهو "جبلس" "Jabalac" عند ثيوفانس. وقد ذكر عنه أنه غزا فلسطين حوالي سنة 550 للميلاد. ولا نعرف من أمر هذا الرجل شيئا يستحق الذكر. وقد نسب حمزة والبطليوسي إليه بناء القناطر وأدرج والقسطل. وقالا إنه حكم عشر سنين. وذكره "ابن دريد" على هذا النحو: "ومنهم جبلة بن الحارث الملك. وهو ابن مارية التي يقال لها قرطا مارية".

 

وجاء بعد "جبلة" ابنه "الحارث بن جبلة"، الذي يمكن عده اول ملك نعرف من أمره شيئا واضحا يذكر من ملوك آل جفنة. وهو في نظر "نولدكه" "اريتاس" "Aretas" "Arethas" الذي ذكره المؤرخ السرياني "ملالا" "Malalas". وقد ذكر انه كان عاملا للروم. ويظن أن حكمه كان من حوالي سنة "529" حتى سنة "569" للميلاد تقريبا. وأرى إن حكمه كان قبل سنة "529" للميلاد بقليل، اذ ذكر أنه حارب "المنذر" "Alammundarus" في حوالي السنة "528" للميلاد. ومعنى ذلك أنه ولي الحكم في هذه السنة، أو قبلها بقليل.

وقد عرف الحارث هذا عند أهل الأخبار ب "الحارث الأعرج" وب "الحارث الأكبر".

 

وذكر حمزة والبطليوسي وآخرون أن والدة الحارث هي "مارية ذات القرطين، بنت عمرو بن جفنة". وذكر المسعودي ومحمد بن حبيب أنها "مارية بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة". واستدرك "محمد بن حبيب" على ذلك بقوله: "ويقال: بل هي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية ابن ثور، من كندة". وهي أخت هند الهنود امرأة حجر الكندي، وقد ضرب المثل بحسنها، فقيل: "خذوه ولو بقرطي مارية ". وقالو: وكان في قرطيها مئتا دينار.

 

وذكر البطليوسي إن الحارث كان يسكن البلقاء، وبها بنى "الحفير" ومصنعة بين "دعجان" وقصر أبير ومعان. و كان حكمه على رأيه عشرين سنة. وهو دون العدد الذي يقدره الباحثون لحكمه، حيث قدر بأربعين سنة. إذ حكم على تقديرهم من حوالي السنة "9 2 5" حتى السنة "569" للميلاد.

 

ويشك بعض الباحثين في صحة نسبة الأبنية المذكورة إلى الحارث، اذ يرون أنها من عمل شخص آخر. غير أنهم يرون احتمال، بنائه للقصر الأبيض في "الرحبة". ولقصر الطوبة.

 

وجعل "ابن دريد" للحارث بن جبلة من الولد: النعمان والمنذر والمنيذر وجبلة وأبا شمر، ذكر انهم ملوك كلهم.

 

وذكر الإخباريون ان الحارث بن مارية الغساني، كان قد اجتبى أخوين من بني نهد اسمهما حزن وسهل، وهما ابنا رزاح، فحسدهما زهير بن جناب الكلبي وسعى بهما لدى الحارث، وأظهر له انهما عين للمنذر ذى القرنين عليه حتى قتلهما. ثم تبين له فيما بعد بطلان قول زهير، فطرده من عنده. واسترضى الحارث والد القتيلين رزاح.، وأبقاه عنده، فلم يطق زهير على ذلك صبرا، حتى تخلص منه بمكيدة انتهت بقتل الحارث له وبرجوع زهير إلى ما كان عليه. وهي قصة من هذه القصص التي يرويها الإخباريون تشير إلى معاصرة زهير للحارث وللمنذر الأكبر ذي القرنين، أي المنذر بن ماء السماء.

 

وقد ذكر ملالا إن الحارث بن جبلة حاربت "المنداروس" Alamundarus " "Alamoundros" أمير عرب الفرس، وانتصر عليه في شهر نيسان من سنة "528م"، وذكر معه اسم أميرين، هما: "جنوفاس" "Jnophas"، و "نعمان" "Naaman". و يرى "نو لدكه" ان "جنوفاس" هو "جفنة" وهو اسم أحد الأمراء الجفنيين، سمي باسم جفنة مؤسس تلك الأسرة. وأما نعمان فهو أيضا اسم أمير من أولئك الأمراء الجفنيين.

 

وقد تحدث الطبري عن الحرب التي وقعت بين المنذر بن النعمان ملك الحيرة، والحارث بن جبلة، الا انه وهم في اسمه فصيره "خالد بن جبلة". وقال عن الحرب: "وقع بين رجل من العرب كان ملكه يخطيانوس على عرب الشام، يقال له خالد بن جبلة، وبين رجل من لخم، كان ملكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز ومن فيها من العرب، يقال له المنذر بن النعمان نائرة، فأغار خالد بن جبلة على حيز المنذر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وغنم أموالا من أمواله، فشكا المنذر إلى كسرى، وسأله الكتاب إلى ملك الروم في انصافه من خالد، فكتب كسرى إلى يخطيانوس، الا انه لم يحفل بكتاباته فغزا كسرى بلاده، وتوغل فيها واضطر يخطيانوس" عندئذ إلى عقد صلح معه، والى ارضائه.

 

ويرى "نولدكه" أيضا إن هذا الحارث هو الحارث الذي ذكر عنه المؤرخ ملالا انه أخمد ثورة السامربين الذين ثاروا في فلسطين في سنة "529".

 

وقد ورد في تأريخ "بروكوبيوس" "Procopius" إن المنذر ملك العرب "سركينوى" "Sarakynou" الذين كانوا في مملكة الفرس، لما أكثر من الغارات على حدود إمبراطورية الروم، وعجز قواد الروم من أرباب لقب " Duxi" "Duce" "Dux" وسادات القباب من أرباب لقب "فيلارخ" "Phylarchus" المحالفين للروم عن صده والوقوف أمامه، رأى القيصر "يسطانوس""Justinianus" ان يمنح الحارث بن جبلة الذي كان يحكم عرب العربية "Arabia" لقب "ملك" ليقف بوجه "المنذر" "Alamoundaros". وقد ذكر إن هذا اللقب لم يمنح لأحد من قبل. ولكن المنذر لم يرعو مع ذلك عن غزو الحدود الشرقية لبلاد الشام والعبث بها مدة طويلة من الزمن. وقد ذهب "نولدكه" إلى أن هذه الحوادث كانت في سنة "529م".

 

وقد بلغ المنذر في هجومه على بلاد الشام أسوار "انطاكية"، ولكنه تراجع بسرعة حينما سمع بمجيء قوات كبيرة من قوات الروم، تراجع بسرعة أعجزت الروم عن اللحاق به. ويشك نولدكه في رواية بروكوبيوس بشأن منح الحارث لقب ملك، ذلك لأن لقب ملك كان خاصا بقياصرة الروم، فلا يمنح لغيرهم.

 

ويلاحظ أن بعض كتبة اليونان أطلقوا أيضا لقب ملك على الأمراء العرب، مثل "ماوية"، فقد لقبت ب "ملكة". ولم يستعملوا كلمة "فيلارخوس" "Phylarkos" "Phylarque" "Phylarcos" التي تعني العامل أو سيد قبيلة. وأما الكتبة السريان، فقد لقبوا رؤساء القبائل العربية بلقب "ملك" في بعض الأحيان على نحو ما نجده في الشعر العربي. ولكن نولدكه يرى أن هذا الاستعمال لا يمكن أن يكون سندا لأثبات أن الروم أطلقوا لقب ملك على الحارث أو على خلفائه رسميا، لأن الوثائق الرسمية لم تطلق هذا اللقب عليهم.

 

والذي صح اطلاقه من الألقاب على أمراء الغساسنة " وثبت وجوده في الوثائق الرسمية، هو لقب "بطريق" "Patricius"، ولقب "عامل" أو سيد قبيلة "فيلارخوس" "Phylarchus" "Phylarkos" "Phylarcos" مقرونا بنعت من النعوت التابعة له، أو مجردا منه، كالذي جاء عن المنذر الذي حكم بعد الحارث بن جبلة البطريق الفائق المديح، ورئيس القبيلة "فيلارخوس المنذر"، و "المنذر البطريق الفائق المديح"، وما ورد عن الحارث "الحارث البطريق ورئيس القبيلة".

 

ولقب "البطريق" من ألقاب الشرف الفخمة عند الروم، ولذلك فلم يكن يمنح إلا لعدد قليل من الخاصة، ولصاحبه امتيازات ومنزلة في الدولة حتى ان بعض الملوك كانوا يحبذون الحصول على هذا اللقب من القيصر. وقد منح القيصر "يسطنيانوس" "Justinianus" "الحارث" هذا اللقب، وكذلك لقب "فيلارخ" فكان بذلك أول رجل من الغساسنة يمنح هذين اللقبين اللذين انتقلا منه إلى أبنائه فيما بعد.

 

ويلاحظ إن نص أبرهة الذي ذكر في جملة ما ذكره إن الحارث بن جبلة أرسل رسولا عنه إلى مدينة مأرب ليهنئه بترميمه سد مأرب، لم يدون كلمة "ملك" مع اسم الحارث، ولكن ذكر "ورسل حرثم بن جبلت"، أي: "ورسول الحارث بن جبلة". فلم يلقبه بلقب "ملك"، ويدل عدم اطلاق أبرهة لقب ملك على الحارث على انه اتبع الأصول الدبلوماسية المقررة عند البيزنطيين وان لقب ملك لم يكن لقبا رسميا له مقررا دوليا. وقد كان وصول رسول الحارث أو رسله في سنة "542م".

 

ويتبين من رواية المؤرخين بروكوبيوس وملالا إن الحارث بن جبلة كان قد اشترك في المعركة التي نشبت بين الفرس والروم في 19 نيسان سنة "531م"، وانتهت باندحار الروم، وكان قائدهم "بليزاريوس". وذكر إن الفرس أسروا رجلا اسمه "عمرو" "Amros"، وكان حائزا على درجة "قائد" "Dux". وقد أثار تصرف الحارث في الحرب التي نشبت في سنة "541م" بين الفرس والروم، شك الروم في إخلاصه لهم، والحذر منه، اذ ما كان يعبر هذا الأمير نهر دجلة مع القائد بليزاريوس حتى بدا له فرجع إلى مواضعه بعد أن سلك طريقا آخر غير الطريق الذي اتبعه معظم الجيش دون أن يقوم بعمل يذكر في هذه الحرب. وهذا مما حمل الروم على الشك في صداقته لهم، وجعلهم في يحذرون منه ويراقبون حركاته، خوفا من انقلابه عليهم وإلحاقه الأذى بهم واتفاقه سرا مع الفرس.

 

وقد عاد النزاع فتجدد بين الحارث والمنذر حوالي سنة "544م"، وانتهى بسقوط ملك الحيرة قتيلا في معركة حدثت في سنة "554م"، على مقربة من "قنسرين" بالقرب من الحيار. وهذه المعركة هي معركة يوم حليمة على رأي نولدكه. ويظهر أن المنذر كان قد هاجم بلاد الشام، وتوغل فيها حتى وصل إلى حدود قنسرين، فصرع هناك. حدث ذلك في السنة السابعة والعشرين من حكم "يسطنيانوس" "Justinianus "على رواية ابن العبري.

 

وقد كان سبب اختلاف الحارث مع المنذر، تنازعهما على ارض يطلق الروم عليها اسم "Strata" جنوب تدمر، تمر بها الطرق البرية الموصلة إلى بلاد الشام وهي من الطرق العسكرية المهمة ومرعى مهم للأعراب، يرعى فيها أعراب العراق وأعراب بلاد الشام. وقد ألف "جستنيان" لجنة تحكيم، لم تتمكن من فض النزاع. وقد اتهم الفرس أعداءهم الروم بأنهم يريدون الاتصال سرا بالمنذر ورشوته لتحريضه على القيام على الفرس.

 

وقد ذكر ابن العبري في أثناء كلامه على هذه الحرب أن "برحيرت"، "Bar-Herath" أي "ابن الحارث" سقط قتيلا في الحرب. وكان قد ذكر قبل كلمات إن المنذر بن النعمان، لما هاجم منطقة "Rhomaye" وتوغل فيها، نازله "الحارث بن جبلة" "Herath bar Gebala" بهجوم مقابل، فهزمه وقتله في قنسرين. ثم ذكر إن ابن الحارث سقط قتيلا في هذا الموضع. ويعرف هذا الولد باسم جبلة.

 

ونجد في شعر "حسان بن ثابت" إشارة الى "زمين حليمة" أي زمن حليمة. كما نجد في الأمثال "ما يوم حليمة بسر"، دلالة على شهرة ذلك اليوم.

 

و كان الحارث من أنصار "المنوفستيين" "'Monophysites"، أي القائلين بوجود طبيعة واحدة في المسيح، ويقال انه سعى لدى الإمبراطورة "ثيودورا" في تعيين "يعقوب البرادعي" ورفيقه "ثيودورس"، أسقفين للمقاطعات السورية العربية. فنجح في مسعاه هذا في سنة "542 - 543م"، وبذلك وطد هذا المذهب في بلاده.

 

ونسب المؤرخ السرياني "ميخائيل الكبير" إلى الحارث محاورة جرت بينه وبين البطريق "افرام" "526 - 545م" في السريانية أو اليونانية في طبيعة المسيح وفي مذهبه القائل بوجود طبيعة واحدة فيه. وهو مذهب "يعقوب البرادعي" المتوفي سنة "578م". وقد “صيغت" الحكاية بأسلوب يفهم منه انه تغلب بأدب ولطف على خصمه البطريق.

 

ولمعارضة مذهب اليعاقبة أتباع يعقوب البرادعي لمذهب الكنيسة الرسمي للإمبراطورية عد الروم هذا المذهب من المذاهب المنشقة المعارضة فقاوموه وناضلوا أصحابه ولا سيما في أيام القيصر يسطنيانوس، باعتباره مذهبا من المذاهب المناهضة لسياسة الملوك والدولة، كمعارضة الأحزاب السياسية في الزمن الحاضر، الا إن الحارث سعى جهد امكانه في تخفيف حدة غضب الحكومة على رجال هذا المذهب، ومن التقريب ما أمكن بين آراء رجال الكنيستين. ولجهود الحارث ومسعاه في حماية هذا المذهب، فضل كبير ولاشك في بقائه، وفي انتشاره بين السريان وعرب الشام.

 

وقد زار الحارث القسطنطينية في تشرين الثاني من سنة "563م"، فاستقبل استقبالا حافلا. وأثر أثرا عميقا في نفوس أهل العاصمة وفي رجال القصر والحاشية، ويقال إن رجال البلاط كانوا يخوفون القيصر "يسطانوس" "Justinius" بعد خرفه بالحارث، فكان يهدأ ويسكت روعه حين سماعه اسمه. والظاهر إن الغاية التي من أجلها ذهب الحارث إلى القسطنطينية هي مفاوضة رجال الحكم فيمن سيخلفه على عرشه بعد وفاته من أولاده، وفي السياسة التي يجب سلوكها تجاه عمرو ملك الحيرة.

 

والى هذا الحارث قصد امرؤ القيس الكندي الشاعر، ليوصله إلى القيصر يشكو له ظلامته، ويطلب منه مساعدته في استرجاع حقه واخذه بالثأر حسب رواية الإخباريين. واليه تنسب أيضا قصة مطالبة السموأل بن عاديا بإعادة دروع امرئ القيس التي أودعها لديه في القصة الشهيرة التي يحكيها الإخباريون في معرض كلامهم على امرئ القيس وقصة السموأل والوفاء. وهناك جماعة من الإخباريين ترى إن الحارث الذي طالب بتسليم دروع امرئ القيس إليه، هو شخص آخر اسمه الحارث بن ظالم. ولكنها لم تذكر الصلة التي كانت بين الحارث بن ظالم وامرئ القيس، وحملته على المطالبة بتلك الدروع.

 

وقد ذكر "الجمحى" أن "الحارث بن أبي شمر الغساني" هو الذي طلب إلى "السموأل بن عادياء" أن يدفع إليه سلاح "أمرئ القيس" الذي استودعه عنده، فأبى السموأل أن يسلمه إليه. وقد ذكر "أبو زبيد الطائي" أنه زاره ونعته بأنه "الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام". وقد كان "أبو زبيد" هذا "من زوار الملوك، ولملوك العجم خاصة. وكان عالما بسيرها ".

 

وقد تعرض "ابن قتيبة" لموضوع "امرى القيس"، فقال: "وكان امرؤ القيس في زمان أنو شروان ملك العجم، لأني وجدت الباعث في طلب سلاحه الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الحارث الأكبر، والحارث هو قاتل المنذر بن امرئ القيس الذي نصبه أنو شروان بالحيرة. ووجدت بين أول ولاية أنو شروان وبين مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، أربعين سنة".

 

وذكر أيضا إن "الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الحارث الأكبر، لما بلغه ما خلف امرؤ القيس عند السموأل، بعث إليه رجلا من اهل بيته يقال له "الحارث بن مالك" وأمره إن يأخذ منه سلاح امرئ القيس وودائعه فلما انتهى إلى حصن السموأل أغلقه دونه، وكان للسموأل ابن خارج الحصن يتصيد فأخذه الحارث، وقال للسموأل: إن انت دفعت إلى السلاح وإلا قتلته، فأبى إن يدقع إليه ذلك. وقال له: اقتل أسيرك، فإني لا ادفع اليك شيئا، فقتله، وضربت العرب المثل بالسموأل في الوفاء".


وذكر الإخباريون أن الحارث الأعرج - وهو في روايتهم هذه الحارث بن أبي شمر الغساني - غزا قبيلة تغلب، وكان السبب الذي حمله على هذا الغزو مروره بجماعات منها لم تهتم به كما كان يجب إن يكون. وقد نصحه الشاعر "عمرو بن كلثوم"-على حد قولهم-بعدم غزوهم، واعتذر عنهم إليه. ولكنه لم يأخذ بنصيحته، فلما تقابل معهم، انهزم مع قومه من غسان، وقتل منهم عدد كثير كان في جملتهم أحد إخوة الحارث.

 

ويظن بعض الباحثين إن الحارث هو الذي أمر ببناء كنيسة الرصافة الكبرى لا الملك يسطنيانوس، ذلك. لأن المؤرخ "بروكوبيوس" لم يشر في أثناء كلامه على هذا القيصر الى أي أثر له في هذه المدينة، على حين أشار إلى تسوير الحارث لها والى احترامه العظيم للقديس "سرجيوس" المدفون بها، وهو قديس له منزلة كبرى في نفوس نصارى عرب الشام.

 

وينسب إلى الحارث اصلاح ذات البين فيما بين قبائل طيء، وكانت متخاصمة متحاربة، فلما هلك عادت إلى حربها، ووقع بينها يوم اليحاميم حيث دارت الدائرة فيه على جديلة من طيء، ويعرف أيضا بقارات حوق.

 

ومن الأمراء العرب الذين عاصروا الحارث بن جبلة، أمير اسمه "أبو كرب ابن جبلة"، لعله شقيق الحارث. وقد ورد اسمه في نص "أبرهة"، حيث كان "أبو كرب" قد أرسل إليه رسولا لتهنئته بترميمه سد مأرب. والأمير "قيس" "Kaisus" وكان عاملا على "فلسطين الثالثة" في حوالي سنة 530م. والأسود، ويظهر انه كان قد تحارب مع الحارث.

 

وعثر في احدى الكتابات في حران على اسم أمير يدعى "شرجيل بن ظالم" يرى نولدكه انه أمير كندي، لأن هذين الاسمين من الأسماء الشائعة في كنده ويرجع تأريخ هذه الكتابة المدونة باليونانية والعربية إلى حوالي سنة "568م". وقد دونت عند تدشين هذا العامل بناء اقامه للقديس يوحنا المعمدان، فيكون "شراحيل" شرحبيل اذن من المعاصرين للحارث بن جبلة. ويستنتج نولدكه من ذلك إن عددا من المشايخ ظلوا يتمتعون بسلطانهم حتى بعد تألق نجم آل غسان. ويرى إن ذلك مما يوافق سياسة الروم الذين لم يكن من مصلحتهم ظهور أمير واحد قوي وإنما كان من مصلحتهم وجود جملة امراء متنافسين، ليتمكنوا بذلك من السيطرة عليهم جميعا بضرب بعضهم ببعض.

 

وقد دعي الأمير المذكور ب "Asaraelus" ودعي أبوه به "Talemus" وكان يحكم "اللجاة"، فيظهر من ذلك إن إمارات كانت تنافس، امارة الغساسنة في هذا العهد.

 

وقد توفي الحارث في سنة "569م" او "570م" على رأي نولدكه، استنتج ذلك من ورود اسمه في الوثائق الكنسية التي يعود تأريخها إلى سنتي "568 و 569"، والى ربيع سنة "570م" حيث حل اسم ابنه المنذر في محله، فاستدل من هذا التغيير على أنه توفي في هذا الزمن.

وقد حكم "المنذر" من سنة "569 - 0 57م" حتى سنة "1 58م"، على تقدير بعض الباحثين.

 

وقد عرف المنذر ب "Alamoundaros" "Alamundaros" عند اليونان والسريان وقد استهل حكمه بالحرب مع ملك الحيرة قابوس. والظاهر إن عرب الحيرة كانوا هم البادئين بها، فانتصر عليهم في يوم 20 أيار "مايس" من سنة 570م.

 

ثم انتصر عليهم في معركة أخرى فيما بعد. ويرى نولدكه إن المعركة الأولى هي عين أباغ.

 

والمنذر هو أبو كرب الذي ذكر اسمه في نص سرياني عثر عليه في احدى ضواحي تدمر، وهو نص ديني ورد فيه اسم الأسقفين يعقوب وثيودور، وهما: يعقوب البرادعي وصاحبه.

 

لقد حدث سوء تفاهم بين القيصر "يسطانوس". "Justinus" وبين المنذر تطور حتى صار قطيعة. ولما أحس المنذر بأن القصر قد دبر له مؤامرة، وأنه أمر عامله البطريق "مرقيا نوس" "Marcianus" بأن يحتال عليه ليقتله، تمرد على الروم، وغادر أرضهم إلى البادية. فانتهز عرب الحيرة هذه الفرصة المواتية فأمعنوا في غزو بلاد الشام، وايقاع الرعب في نفوس سكان القرى المجاورة لهذه الحدود مما حمل الروم على مراسلة المنذر والتودد إليه لاسترضائه، حتى إذا ما تلطف الجو أرسلوا إليه البطريق "يسطنيانوس" ليجتمع به في مدينة الرصافة عند قبر القديس "سرجيوس" لأقناعه بترك موقفه والموافقة على العودة إلى محله. وعند القبر المقدس عقد الصلح بينهما في صيف سنة "578م". فعاد المنذر إلى أرضه، ليقوم بالدفاع عن حدود الشام.

 

وقد أشار ابن العبري إلى هذا الحادث، فذكر أن العرب "طيابة" كانوا منقسمين إلى جماعتين: جماعة المنذر بن الحارث "منذر برحيرت" Mundar bar Herath، وكان نصرانيا وكذلك كان جنوده وجماعة قابوس، فهاجم قابوس وجنوده العرب النصارى، وقصد بذلك الغساسنة، واستاق ما وجده أمامه من ماشية، ثم قفل إلى بلاده. فلما رأى المنذر ما حدث، جمع جيشا هجم به على قابوس، فتغلب عليه، ورجع بغنائم عديدة وعدد كبير من الابل. وعاد قابوس فهاجم المنذر، غير أنه مني بهزيمة ثانية اضطرته إلى طلب النجدة من الفرس. فأخبر القيصر بسطينوس بذلك، وطلب منه امداده بالمال ليؤلف به جيشا يقف أمام الفرس، فاستاء القيصر منه، وقرر التخلص منه بقتله، لظنه أنه كان السبب في غزو الفرس ل "Rhomaye" وكتب إلى عامله مرقيا نوس وكان معسكرا يومئذ في منطقة "نصيبين" "Nisibis" أن يتربص بالمنذر فيقبض عليه، ويقطع رأسه. وقد أخطأ كاتب الرسالة، فأرسل الرسالة الخاصة بالبطريق مرقيا نوس إلى المنذر، وأرسل الرسالة الخاصة بالمنذر إلى البطريق. فلما قرأ المنذر الكتاب وعرف بما أراد القيصر أن يفعله به، غضب غضبا شديدا، وتصالح مع قابوس، وصارا يهاجمان بلاد الشام. فظن بسطينوس إن مرقيا نوس قد خانه، وانه أخبر المنذر بالمؤامرة، فأمر بالقبض عليه، وحبسه ولما صار "طبياريوس" "Tiberius" قيصرا، ذهب المنذر إلى القسطنطينية، فلامه القيصر على ما صنع، ولكنه قدره واحترمه كثيرا حينما أراه رسالة يسطينوس التي أراد توجيهها إلى عامله لاغتيال المنذر، وأنعم عليه بهدايا كثيرة، وألطاف سنية، ثم عاد مكرما إلى مركزه السابق.

 

لقد قام المنذر بالزيارة المذكورة للقسطنطينية في اليوم الثامن من شباط سنة580 م مصطحبا معه ابنين فن أبنائه. فلما بلغها، استقبل بكل احترام وتبجيل، وأنعم القيصر " طبياريوس" "Tiberius" عليه بلقب "Rex" وبالتاج وهو لقب كان له شأن كبير في امبراطورية الروم. ويرى نولدكه إن الروم لم يمنحوا عمالهم العرب على بلاد الشام من قبل الا "الاكليل"، ودرجته دون درجة "التاج". وقد أغدق القيصر عليه بالهدايا. الثمينة النفيسة ومن بينها مصوغات من ذهب وفضة، مما لم ينعم. على أي ملك عربي من قبل. كما أنعم على ولديه بدرجات عسكرية.

 

وكان المنذر مثل والده من القائلين بمذهب "الطبيعة الواحدة" والمدافعين عنه، ولذلك انتهز فرصة وجوده في القسطنطينية، فسعى في اقناع رجال القصر بالتسامح مع رجال مذهبه والصفح عنهم. ويظهر انه عقد هناك مجمعا في اليوم الثاني من شهر آذار سنة "585م" لمعاضدة هذا المذهب والدفاع عنه، كما اتصل بالبطاركة للتوفيق بين رجال الكنيستين، غير انه خابت مساعيه بالرغم من اظهار البطاركة رغبتهم في ذلك وعدم ممانعتهم فيه.

 

وقد ذكر إن المنذر بنى صهاريج لإيصال الماء إلى الرصافة مدينة القديس "سرجيوس" ذي المكانة العظيمة عند عرب الشام. وظهر من كتابة عثر عليها في أنقاض كنيسة في الرصافة إن المنذر بنى أو جدد بناء تلك الكنيسة. وأما بناؤها فهو على الطراز البيزنطي.

 

ولم تمنع قدسية مدينة الرصافة الأعراب، ولا سيما أعراب العراق من التحرش بها، فغزتها مرارا، وأخذت قبيله تغلب صورة القديس بعد عودتها من غزو المدينة، وهدم أهل الحيرة صهاريج المدينة مرارا، ولحمايتها من الهجمات أحاطها القيصر "يسطنيانوس" بسور قوي، بدلا من سورها القديم.

 

وذكر إن المنذر لما كان في القسطنطينية طلب من البيزنطيين مساعدته في بناء قصر يكون أعظم قصر غساني بني حتى أيامه، وذلك بأن يرسلوا إليه أحسن المعمارين والبنائين الحاذقين. فلبى البيزنطيون طلبه فأمدوه بما يحتاج إليه من معمارين ومن مواد بناء. ومن أبنيته الخربة المعروفة اليوم بناء يعرف باسم "البرج". وقد عثر على اسمه مدونا على حجارة من ذلك البناء. ولما حاول الروم غزو حدود الفرس في سنة "585م"، وجدوا الجسر المنصوب على نهر الفرات مهدما، فاضطروا إلى التراجع وترك الغزو. وكان المنذر معهم في هذه الحملة، فذهبوا إلى إن المنذر كان على اتفاق سري مع الفرس، وانه هو الذي اوعز بهدم الجسر، ليكتب للحملة الاخفاق، وقرروا القبض عليه والايقاع به، انتقاما منه. للخيبة التي منوا بها. ولما عاد المنذر فغزا أرض الحيرة بنفسه فيما بعد ملحقا بالمدينة أذى كثيرا، جاعلا اياها طعمة للنيران، اتخذ الروم هذه الغزوة دليلا" على تحدي المنذر لهم، ورغبته في الخروج على طاعتهم فقرروا الانتقام منه بقتله فأصدروا إلى حاكم بلاد الشام "ماكنوس" Magnus" صديق المنذر أمرا سريا بالعمل على قتله. وصادف إن الروم كانوا قد انتهوا من بناء كنيسة في "حوارين"، وقد عزم "ماكنوس" على تدشينها، فكتب يدعو صديقه إلى الاحتفال بذلك. فلما كان على مقريه منه، قبض عليه وأرسله مخفورا إلى العاصمة حيث أجبر على الاقامة فيها مع احدى نسائه وبعض أولاده وبناته، وذلك في أيام القيصر طباريوس وفي ابتداء السنة "582" للميلاد. ولما انتقل العرش إلى موريقيوس، وكان يكرهه ويعاديه، أمر بنفيهما إلى صقلية وبقطع المعولة التي كان الروم يدفعونها إلى الغساسنة في كل عام.

 

وقد لقب حمزة المنذر بلقب الأكبر، وجعل مدة حكمه ثلاث سنين، ونسب إليه بناء "حربا"، وموضع "زرقا" على مقربة من الغدير. وقد أخطأ "حمزة" في مدة حكم المنذر، إذ هي تزيد على تلك المدة، فقد حكم على رأي الباحثين من سنة "569" حتى سنة "582" للميلاد.

 

أثار عمل الروم هذا ثائرة أبناء المنذر، فتركوا ديارهم، وتحصنوا بالبادية، وأخذوا يهاجمون منها حدود الروم ملحقين بها أذى شديدا، فاضطر القيصر على أثره أن يوعز إلى القائد "ماكنوس" بتجهيز حملة من أبناء المنذر ألحق بها أحد إخوة المنذر. وكان قد أعد ليتولى مقام أخيه، غير انه توفي بعد أيام. ولما كان من الصعب على الروم مهاجمة أبناء المنذر في البادية، عمد القائد إلى المكيدة فأرسل إلى النعمان كبير أبناء المنذر انه يريد مقابلته للاتفاق معه على وضع شروط للصلح. وقد ظن الأمير أن القائد صادق فيما دعا إليه فذهب لمقابلته، فقبض الروم عليه، وأرسلوه مخفورا إلى العاصمة حيث حجروا فيها عليه.


وكان موضع "حوارين" في جملة المواضع التي هاجمها النعمان بعد ارتحال "ماكنوس" عنها، وقد استولت عساكره عليها، وقتلوا بعض أهلها، وأسروا قسما من الباقين ثم عادوا بغنائم كثيرة إلى البادية للاحتماء بها من هجمات الروم.


وذكر ابن للعبري إن النعمان لما بلغته رسالة القائد ماكنوس لم يذهب إليه، وإنما أرسل إليه بعض الشبان وأمره أن يتظاهر له بأنه هو النعمان. فلما وصل الشاب إلى القائد، سأله: أأنت النعمان ؟ فقال له: نعم، جئتك بحسب أمرك، فقال القائد لمن معه: أقبضوا على عدو الملك، وقيدوه بالحديد. ولما تبين للقائد أنه لم يكن النعمان، هم بقتله، ثم أمر بإخراجه، فعاد إلى أهله. وتوفي ماكنوس بعد ذلك بأمد قصير.

 

ويدعي ابن العبري أن النعمان ذهب بعد ذلك إلى "موريقيوس"" Mauricius" واعتذر إليه وبين له أنه إنما حارب مع الفرس ليتمكن بذلك من انقاذ والده من الأسر. ولما طلب منه "موريقيوس" أن يدخل في المذهب الخلقيدوني، أجابه إن جميع القبائل العربية "طيابة" هي على المذهب الحنيف "الأرثدوكس" "Orthodox"، وانه إذا بدل مذهبه لا يأمن على نفسه من القتل. ولما قفل راجعا، قبض عليه ونفي.

 

لقد تصدع بناء الغساسنة وتفكك، وانقسم الأمراء على أنفسهم وذلك حوالي سنة "583" أو "584م" على تقدير نولدكه. ويشير ميخائيل السوري وابن العبري إلى انهم انقسموا بعد القبض على النعمان إلى خمسة عشرة فرقة تركت بعضها ديارها فهاجرت إلى العراق وتشتت الباقون، ولم يبق لهم شأن يذكر. ولم يشر الكتبة السريان أو البيزنطيون ولم يشر الإخباريون إلى هذا الحادث، ويظهر انهم لم يعرفوه. وقد ذكر حمزة إن الذي حكم بعد المنذر هو شقيقه النعمان. وقد جعل مدة حكمه خمس عشرة سنة وستة أشهر.

 

وزاد في ربك وضع الغساسنة وفي انقسامهم على أنفسهم، غزو الفرس لبلاد الشام سنة "613 - 4 1 6 م"، فقد اكتسح الفرس كل بلاد الشام، وصار عرب بلاد الشام أمام حكام جدد، لم يألفوا حكمهم من قبل، ولكن ألفوهم دائما في جانب عرب الحيرة أعداء الغساسنة ومنافسيهم.

 

وقد تمكن الغساسنة من رؤية وجوه البيزنطيين مرة أخرى وذلك في حوالي سنة "629 م"، فقد تمكن البيزنطيون من طرد الفرس من الأرضين التي استولوا عليها ومن إجلائهم نهائيا عنها، وإعادة فرض حكمهم عليها، غير أن الأقدار أبت إن تبقيهم هذه المرة مدة طويلة في بلاد الشام، فأكرهتهم على فتح أبوابها للإسلام، فتساقطت مدنها في أيدي المسلمين تساقط ورق الشجر في أيام الخريف. وصارت دمشق درة بلاد الشام من أهم حواضر الإسلام. أما ملك الغساسنة، فقد ولى، ولم يبق للغسانيين حكم في هذه البلاد منذ هذا الزمن.

 

وقد خمد اسم رؤساء غسان في الموارد اليونانية والسريانية منذ قبض على النعمان، فعدنا لا نجد في تلك الموارد شيئا يذكر عنهم. وفي سكوت هذه الموارد عن ايراد أخبارهم، دليل على زوال شوكتهم وهيبتهم وعدم اهتمام الروم بأمرهم، حيث ضعف امرهم بمسبب تفرق كلمتهم وتنازعهم بينهم. أما الموارد الاسلامية، فإنها بقيت تذكر أسماء رجال منهم زعمت انهم ملكوا وحكموا، بل زعمت أن بعضهم حكموا دمشق، وبقيت تذكر أسماءهم إلى ايام الفتح الاسلامي. ومن هذه الموارد تأريخ حمزة الاصفهاني، الذي استمر يذكر أسماء من ملك من آل غسان حتى انتهى بآخرهم وهو جبلة بن الأيهم. وفي هذه الأسماء تكرار وزيادات، لذلك زاد عدد من ذكرهم من ملوك غسان على عدد ما ورد عند سواه من المؤرخين.

 

وأنا لا أستطيع أن اوافق حمزة على العدد المذكور، واخالفه في مدد حكمهم وفي ترتيبهم على النحو المدون في تأريخه. فالذين ذكرهم على أنهم ملوك لم يكن مجال حكمهم كبيرا واسعا، وهم لم يكونوا في الواقع إلا سادات بيوت أو سادات عشائر منشقة، تمسكت باللقب القديم الموروث: لقب ملك. وقد كان بعضهم يعاصر بعضا، ويدعي الرئاسة لنفسه، وذلك بسبب تخاصمهم، ولهذا كثرت أسماؤهم في قائمة حمزة. وقد انحسر مد حكمهم وانكمش فاقتصر على البوادي، ولا يتعارض ذلك بالطبع مع ورود أخبار بسكناهم في قصورهم عند أطراف المدن ومشارف القرى، فإن سادات القبائل في هذا اليوم أيضا يحكمون القبائل ويعيشون في قصور في المدن، وهم لا يحكمون المدن بالطبع.

 

والذي يظهر من روايات أخرى من روايات أهل الأخبار من غير حمزة إن أبين رجل من غسان ظهر بعد النعمان، هو "الحارث" المعروف ب "الأصغر" ثم "عمرو بن الحارث"، وهو الذي مدحه "النابغة"، ثم "النعمان بن الحارث" وهو شقيق "عمرو"، وقد مات مقتولا كما يظهر ذلك من شعر للنابغة الذبياني، ثم "شرحبيل بن عمرو الغساني"، و "جبلة بن. الأيهم".

 

ولما كنا قد سرنا على قائمة حمزة في ترتيب الملوك، فأننا نجاريه في ترتيبه لهم فنذكر أسماء من حكم الغساسنة بعد النعمان على وفق هذه القائمة، فنقول: حكم بعد النعمان على رواية حمزة وآخرين "المنذر بن الحارث" أي شقيق المنذر والنعمان، وجعل حمزة مدة حكمه ثلاث عشرة سنة، ولقبه بلقب "الأصغر" وكناه ب "أبي شمر".

 

وتولى بعده على رواية حمزة أخوه جبلة، وجعل منزله ب "حارب" ونسب إليه بناء "قصر حارب" و "محارب" و "صنيعة"، وكانت مدة حكمه على رأيه أربعا وثلاثين سنة.

 

وحكم بعد جبلة على رواية حمزة أخوه الأيهم وقد حكم على رأيه ثلاث سنين ونسب إليه بناء "دير ضخم" و "دير النبوة" و"دير سعف".

 

ثم انتقل الحكم على رواية حمزة أيضا إلى عمرو، وهو أيضا على رأيه أحد أبناء الحارث بن جبلة. وقد حكم ستا وعشرين سنة وشهرين، وذكر انه نزل السدير، وبنى قصر "الفضاء" "قصر الفضة" و "صفاه العجلات" و "قصر منار".

 

وعمرو هذا هو الذي مدحه النابغة الذبياني، وقد كان متكبرا دميما قبيح السيرة أنشأ في دمشق وضواحيها - على حد قول أهل الأخبار - عدة قصور شامخات، منها: قصر الفضة، وقصر "صفات العجلات"، وقصر منار. وقد صور في بعض هذه القصور مجالسه وجلساءه ورؤساء دولته، وأشكال صورته. ثم اتعظ وتغير على أثر شعر قاله له عمرو بن الصعق العدواني، وكان قد أسر الأمير أخته، وحسنت سيرته ومات بعد أن حكم ستا وعشرين سنة.

 

ويقول أهل الأخبار إن من قديم الشعر الذي قاله النابغة في مدح عمرو بن الحارث، قصيدته البائية التي يقول في جملة ما يقول فيها: على لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب.

 

وقد أوغل فيها في مدح الغساسنة وفي ذكر ملوكهم، وهي من عيون شعره. وقد قال هذا الشعر حينما اختلف مع النعمان بن المنذر في موضوع الشعر الذي وصف به زوجة النعمان "المتجردة"، وصفا استغله أعداؤه، فوشوا به إلى النعمان، فهرب منه، وانحاز إلى خصومه آل غسان. ولجأ إلى زعيمهم في تلك الأيام، وهو "عمرو بن الحارث".

 

وللنابغة أشعار أخرى في مدح "عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني"، في جملتها أبيات يعتذر النابغة فيها إليه من وشاية أثارت حنق عمرو عليه، فنظمها في استرضائه، وقد ذكر فيها انه أكرمه وحباه بمئة من الابل، وانه يريش قوما ويبري اخرين، وانه يجزي الناس على أفعالهم.

 

ونجد في قصيدة للنابغة مطلعها:

 

أهاجك من أسماء رسم المنازل بروضته نعمى فذات الأجاول

 

خبر غزو قام به "عمرو بن الحارث" لبني مرة، وقد أوجعهم فيها على ما يظهر من هذه القصيدة.

 

هؤلاء الستة الذين ذكرهم حمزة بعد الحارث بن جبلة، هم أبناؤه إذن، وقد حكموا على زعمه بالتعاقب دون فترة. ثم نقل الحكم من عمرو الى رجل دعاه جفنة الأصغر، وهو على رأيه ابن المنذر بن الحارث. ولم يذكر أي منذر قصد. وذكر أنه كان سيارة جوابا. ثم هلك، وكان ملكه ثلاثين سنة.

 

وحكم بعد جفنة الأصغر على رواية حمزة النعمان الأصغر بن المنذر الأكبر. حكم سنة واحدة، ولم ينسب اليه بناء ما.

 

ثم انتقل الحكم على زعم حمزة إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ولم يكن أبوه عمرو على رأي حمزة ملكا، وانما كان غازيا يغزو بها بالجيوش، وكان ملكه سبعا وعشرين سنة، ونسب إليه بناء "السويدا" و "قصر حارب".

 

وذكر حمزة إن "عمرو" المذكور، أي والد النعمان على زعمه، هو الذي مدحه النابغة بقوله:

 

 

على لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب

 

وذكر انه، أي النابغة "ذكر أباه المنذر بقوله":

 

وقصر بصيداء التي عند حارب

 

وقد أخطأ حمزة في ذهابه إلى أن الشخص الممدوح هو "النعمان بن عمرو"، فان رواة هذا الشعر يذكرون إن الملك الممدوح الذي قصده النابغة بمديحه، هو "عمر بن الحارث بن أبي شمر" المتقدم ذكره، وهو شقيق "النعمان بن الحارث ابن أبي شمر" الذي مدحه النابغة كذلك، وكانت له صلات حسنة وثيقة به.

 

وجعل حمزة بعد النعمان ابنه جبلة وزعم إن منزله ب "صفين"، وانه صاحب "عين أباغ"، وقاتل المنذر بن ماء السماء، وكان ملكه ست عشرة سنة.

 

ثم ملك - بعد جبلة - النعمان بن الأيهم بن الحارث بن مارية، وكان ملكه إحدى وعشرين سنة لم يحدث خلالها على حد قول حمزة شيء، فتولى من بعده النعمان بن الحارث، وهو الذي أصلح صهاريج الرصافة، وكان بعض ملوك لخم خربها، وكان ملكه ثماني عشرة سنة.

 

ويرى "الويس موسل" إن النعمان هذا كان قد حارب الفرس من حوالي سنة "4 0 6" حتى سنة "16 6 م"، وانه قد احتمى مرارا بأسوار الرصافة. وبهذه المناسبات على ما يظهر قام بترميم صهاريج المدينة لخزن الماء.

 

وذكر حمزة اسم "المنذر بن النعمان" بعد النعمان بن الحارث، وهو ابنه. قال: ولم يحدث شيء في أيامه، ثم هلك وكان ملكه تسع عشرة سنة.

 

ثم صار الحكم من بعده - على رأي حمزة- إلى عمرو بن النعمان. وهو شقيقه ولم يحدث شيئا في أيامه، ثم هلك، وكان ملكه ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر. ثم انتقل الحكم إلى حجر بن النعمان، وهو شقيق عمرو، وجعل حمزة ملكه اثنتي عشرة سنة. ثم صير الملك إلى ابنه من بعده، وهو الحارث بن حجر. وجعل ملكه ستا وعشرين سنة.

 

وصير حمزة الملك إلى جبلة بن الحارث " بعد وفاة والده "الحارث بن حجر". وجعل مدة حكمه سبع عشرة سنة وشهرا واحدا.

 

ثم صير حمزة الحكم إلى "الحارث بن جبلة"، وهو على رأيه ابن الملك المتوفى "جبلة بن الحارث". وذكر حمزة أنه يسمى أيضا ب "الحارث بن أبي شمر"، وهو الذي أوقع ببني كنانة، وكان يسكن الجابية. وكان ملكه إحدى وعشرين سنه وخمسة أشهر. ويجب إن يكون هذا الحارث هو "الحارث اين أبي شمر الغساني"، الذي ذكر أن الرسول وجه كتابا إليه، حمله إليه: شجاع بن وهب كما سياتي فيما بعد.

 

وذكر حمزة أن الذي حكم بعد "الحارث بن جبلة"، هو ابنه "النعمان بن الحارث"، وكنيته "أبو كرب"، ولقبه "قطام"، وهو الذي بنى ما أشرف على "الغور الأقصى". وكان ملكه سبعا وثلاثين سنة وثلاثة أشهر.

 

وقد أخطأ حمزة في إضافة لقب "قطام" الى النعمان بن الحارث، ولا نعرف إن أحدا اضاف هذا اللقب إليه.

 

ونجد للنابغة الذبياني أشعارا في مدح "النعمان" المذكور، وكان يزوره ويتوسط لديه في فك أسرى قومه الذين كانوا يقعون في أسر الغساسنة، وذلك بسبب غاراتهم المتوالية على بني غسان وأعرابهم. وكان قومه "بنو ذبيان" وحلفاؤهم "بنو أسد" إلى جانب عرب الحيرة، وكانوا ينقمون على الغساسنة ويغيرون دوما على أرضهم، فيتدخل النابغة لدى الغساسنة للصفح عن قومه، ويتوسل إليهم في فك أسرهم. ولما أغار قومه على وادي "ذي اقر"، نهاهم النابغة عن هذه الغارة، وحذرهم من عواقبها، وهولهم بكثرة ما لدى "النعمان بن الحارث"، من جموع وحشود، غير انهم لم يهتموا بنصح النابغة، ولم يحفلوا بتخويفه لهم، بل عدوا نصيحته هذه لهم من امارات الخوف والجبن، فتصدت لهم أعراب "النعمان" بقيادة "النعمان ين الجلاح الكلبي"، وأوقعت بهم خسائر فادحة، ويذكر بعض الرواة أن "ابن الجلاح" سبى ستين أسيرا وأهداهم إلى قيصر الروم. ولم يتطرقوا لبيان الأسباب التي أدت بالغساسنة إلى اهداء هؤلاء الأسرى إلى الروم. وأعتقد إن اقحام "قيصر الروم" في هذا الاهداء، هو من مبالغات الرواة، وقد عودونا أمثال هذه المبالغات. إلا أن يكون أولئك الأعراب قد غزوا حدود الروم، فأوجعوا أهلها، فقدم "ابن الجلاح" الذي تعقبهم، من وقع في أسره إلى حاكم من حكام الروم لتأديبهم.

 

وقد طلب "النابغة" في شعره في وصف هذه الغارة من "حصن بن حذيفة" سيد "ذبيان" ومن "ابن سيار" فك من وقع أسيرا من النساء دفعا للخزي والعار من وقوعهن "أسيرات في أيدي العضاريط من الأتباع والأجراء.

 

ونجد النابغة يحذر "النعمان" من غزو "بني حن بن حرام"، وينصحه بعدم التورط في قتالهم، لأنهم أناس محاربون صعاب. فلما أبى إلا قتالهم، بعث النابغة إلى قومه يخبرهم بغزو النعمان لهم، ويأمرهم أن يمدوا بني حن، ففعلوا. فلما غزاهم النعمان، هزم بنو حن وبنو ذبيان جمعه، وحازوا ما معهم من الغنائم، فقال النابغة في ذلك شعرا منه:

 

لقد قلت للنعمان يوم لقيته يريد بني حن ببرقة صادر

تجنب بني حن فان لقاءهم كريه، وإن لم تلق إلا بصابر

 

فهو يعاتب بذلك النعمان، ويذكره بعدم اهتمامه بنصحه له، وتخويفه اياه من عاقبة هذه الغارة.

 

وكان في جملة ما قاله النابغة عن بني حن بن حرام، وهم من عذرة، انهم كانوا قد منعوا "وادي القرى" عن عدوهم ومن أهله وحموه منهم، وهو كثير النخل، فتمنعوا بثمره، وطردوا "بليا"، وهم من "بني القين" وهم أصحابه من هذا الوادي، واستولوا على نخيلهم، ونفوهم إلى غير بلادهم، وهم الذين ضربوا أنف الفزاري، وهم الذين منعوها من قضاعة كلها ومن "مضر الحمراء"، وقتلوا الطائي بالحجر عنوة، ويريد به "أبا جابر الجلاس ابن وهب بن قيس بن عبيد، وكان ممن اجتمع عليه جديلة طيء. ومثل هؤلاء قوم لا يغلبون.

ويظهر من شعر للنابغة إن "النعمان" كان قد غزا تميما وقيس وائل، وانه أوجعهم، وقد غزاهم في الربيع.

 

وللنابغة أشعار أخرى في مدح "النعمان" هذا، منها أبيات استهلها بقوله:

 

والله لنعم الفتى إذ أعرج، لا النكس ولا الخامل

 

وقد أدرك النابغة أجل "النعمان بن الحارث بن أبي شمر"، اذ مات مقتولا فرثاه بقصيدة، يظهر منها انه كان يكنى ب "أبي حجر"، وانه قبر في موضع يقع بين "بصري" و "جاسم".

 

وقد غزا "النعمان" العراق، ولا يستبعد "نولدكه" أن يكون هو الذي قصده المؤرخ "ثيوفلكتوس" حين تحدث عن غزو قام به عرب الروم على العراق في زمن الصلح أي حوالي سنة "600 م".

 

وقد مدح النابغة "النعمان بن الحارث الأصغر" في القصيدة التي تبدأ بقوله:

 

إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ويأت معدا ملكها وربيعها

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد وتلك التي لو اننا نستطيعها

 

ورثى "النابغة" النعمان في قصيدة جاء فيها إن شيبان وذهلا وقيس بني ثعلبة وتميما سروا بوفاته، لأنهم أمنوا بذلك على أنفسهم من غاراته ومن غزوه لهم. ويظهر من شعر النابغة فيه انه كان محاربا يغزو القبائل، ولذلك هابته. وقد بكاه بقوله:

 

بكى حارث الجولان من فقد ربه وجوران منه خاشع متفائل

 

وذكر "ابن قتيبة" إن النابغة لما صار إلى غسان، انقطع إلى "عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني" والى أخيه "النعمان بن الحارث"، فأقام النابغة فيهم فامتدحهم، فغم ذلك النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وبلغه إن الذي قذف به عنده باطل، فبعث إليه من يسأله أن يعود، فاعتذر النابغة في شعر، وقدم عليه مع زياد بن سيار ومنظور بن سيار الفزاريين، وقبل عذره ورحب به.

 

ثم ملك بعده -على رأي حمزة -الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر، وهو على حد تعبيره صاحب "تدمر" و "قصر بركة" و "ذات أنمار" وغير ذلك.

 

ثم ملك بعد الأيهم بن جبلة شقيقه المنذر بن جبلة، وكان ملكه على رواية حمزة ثلاث عشرة سنة.

 

ثم صار الملك إلى شقيقه "شراحيل بن جبلة" على رواية حمزة. وكان ملكه خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر.

 

ثم انتقل الحكم إلى "عمرو بن جبلة" بعد وفاة "شراحيل" وهو على رأي حمزة شقيقه، وقد حكم عشر سنين وشهرين.

 

ثم حول حمزة الحكم إلى "جبلة بن الحارث"، بعد وفاة "عمرو بن جبلة"، وهو على رأيه ابن أخيه. وجعل حكمه أربع سنين.

 

ثم صير حمزة الملك إلى "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن مارية"، وهو على رأيه آخر ملوك غسان. وكان ملكه ثلاث سنين. وهو الذي كان أسلم ثم تنصر، ولجأ إلى الروم. وقد سرد المسعودي نسبه على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم ابن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة"، وسرده على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن مازن" في مكان آخر.

 

وذكره "ابن عبد ربه" على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني". وذكر "الذهبي" أن الأصل هو "الأهيم"، لا  "الأيهم"، وكناه ب "أبي المنذر"، وقال إنه كان ينزل "الجولان".

 

وقد وصف بأنه كان طويلا، طوله اثني عشر شبرا، وكان إذا ركب مسحت قدمه الأرض.

 

وقد ورد اسم "جبلة بن الأيهم" في أخبار الفتوحات الاسلامية لبلاد الشام، إذ ذكر في "فتوح البلدان" للبلاذري: أن "هرقل" لما سمع بتجمع المسلمين ومقدمهم "يوم اليرموك"، بعث على مقدمته "جبلة بن الأيهم الغساني" في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم لمقاتلة المسلمين، غير أن "جبلة" انحاز في القتال إلى الأنصار قائلا: "أنتم إخوتنا وبنو أبينا، وأظهر الإسلام ".

 

أما الطبري فقد ذكر: أن خالدا لما صار إلى "مرج الصفر"، لقي عليه غسان، وعليهم "الحارث بن الأيهم". ولم يشر إلى جبلة. فيظهر أن وهما في الاسم قد وقع للرواة، فصار "جبلة" عند بعض، وصار "الحارث" عند بعض آخر، ولعل مرده إلى سهو وقع من النساخ.

ولحسان بن ثابت شعر في مدح "جبلة بن الأيهم"، وفي ذكر ملكه وملك "آل جفنة "، يظهر منه شدة تعلقه بهم على بعده عنهم وزوال ملكهم وابتعاده عنهم بالإسلام. وقد أورد المسعودي بعض الأشعار التي مدح حسان بها "جبلة ابن الأيهم" منها:

 

أشهرنها فإن ملكك بالشام إلى الروم فخر كل يماني

 

وقد ورد في رواية من روايات أهل الأخبار أن حسان بن ثابت زار "جبلة ابن الأيهم"، وعنده "النابغة" و "علقمة بن عبدة" فانشده شعرا، فأعطاه ثلاثمئة دينار وعشرة أقمصة لها جيب واحد، في كل عام مثلها. وتذكر رواية أخرى إن الشخص الذي زاره "حسان" هو "عمرو بن الحارث الأعرج"، وأنه مدحه فأعطاه الف دينار مرجوحة، وهي التي في كل دينار عشرة دنانير.

 

وذكر إن "جبلة بن الأيهم" لما سمع، وهو ببلاد الروم، أن حسانا قد صار مضرور البصر كبير السن، أرسل إليه خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج، فلما سلمها الرسول الذي حمل الهدية إليه، نظم شعرا في مدحه أوله:

 

إن ابن جفنة من بقية معشر لم يغزهم آباؤهم باللؤم

لم ينسني بالشام إذ هو ربها كلا ولا متنصرا بالروم

 

وأخذ يراجع ذكريات تلك الأيام الخالية التي قضاها معه ومع بقية آل غسان.

 

وقد اتفقت روايات أهل الأخبار في موضوع دخول جبلة في الإسلام، ثم في ارتداده، إلا رواية واحدة ذهبت إلى انه لم يسلم. وقد ذهب أكثرهم في سبب ردته إلى إن أعرابيا من فزارة وطيء فضل إزار جبلة وهو يسحبه في الأرض بمكة، فلطمه جبلة، فنابذه الأعرابي إلى عمر،

فحكم عمر له بالقصاص، فعد" جبلة القصاص اهانة له وهو ملك، ففر إلى بلاد الروم وارتد بها، وبقي بها مرتدا حتى وافته منيته. ولكن رواية "ابن قتيبة"، تختلف عن رواية أكثر أهل الأخبار في موضوع المكان الذي كان السبب في ارتداده عن الإسلام، اذ جعلته مدينة "دمشق"، قالت: "وكان سبب تنصره انه مر في سوق دمشق، فأوطأ رجلا فرسه، فوثب الرجل فلطمه، فأخذه الغسانيون فأدخلوه على أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم سيدنا. فقال أبو عبيدة بن الجراح: البينة إن هذا لطمك. قال: وما تصنع بالبينة؟ قال: إن كان لطمك لطمته بلطمتك. قال: ولا يقتل؟ قال: لا. قال: ولا تقطع يده. قال: لا. انما أمر الله بالقصاص، فهي لطمة بلطمة. فخرج جبله ولحق بأرض الروم وتنصر".

 

ونجد خبر "ابن قتيبة" المذكور مدونا في كتاب "الطبقات" لابن سعد، حيث جاء: "وكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، واهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب، فبينما هو في سوق دمشق اذ وطيء رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبيلة قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل ؟ قال: لا، قالوا: فما تقطع يده؟ قال: انما أمر الله، تبارك وتعالى بالقود. قال جبلة: أو ترون اني جاعل وجهي ندأ لوجه جدي جاء من عمق ! بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانيا! وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر، فشق عليه، وقال لحسان بن ثابت: أبا الوليد، أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟ قال: وحق له، فقام اليه عمر بالدرة فضربه بها".

 

وذكر بعض أهل السير والأخبار، أن الرسول كتب إلى جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان، كتابا دعاه فيه إلى الإسلام. فلما وصل الكتاب أسلم، وكتب إلى الرسول يعلمه بإسلامه. و ذكر أن "شجاع بن وهب" انما بعثه رسول الله إلى جبلة، فأسلم، وأرسل إلى رسول الله هدية. وكان ينزل بالجولان.

 

وتزعم بعض الروايات أنه زار المدينة في خلافة "عمر". وقد عد يوم مجيئه اليها من الأيام المشهورة، اذ جاء اليها في موكب حافل كبير فيه خيول كثيرة لم تر المدينة مثلها من قبل، وخرج الناس إلى الطرق لرؤية موكبه. وفرح عمر بمجيئه، وعد ذلك توفيقا من الله للإسلام، وأكرمه غاية الاكرام. وبعد أن قابل الخليفة، استأذن منه بالذهاب إلى الحج، فوقع له عندئذ حادث الإزار مع الأعرابي، ففر إلى بلاد الروم، ويقال: انه توفي بالقسطنطينية سنة عشرين من الهجرة. وذكر أنه لما قدم المدينة كان في خمسمئة فارس من عك وجفنة. فلما دنا من المدينة ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبس تاجه وفيه قرط مارية وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد الا خرج ينظر إليه.

 

وقد ذكر "البلاذري" أن "جبلة بن الأيهم" حكم بعد "الحارث بن أبي شمر". وروى أنه لما قدم "عمر" الشام سنة "17" للهجرة، حدث أن لطم "جبلة" رجلا من مزينة على عينه، فأمره عمر بالاقتصاص منه، فقال: او عينه مثل عيني! والله لا أقيم ببلد علي به سلطان. فدخل بلاد الروم مرتدا. وروى رواية أخرى خلاصتها أن جبلة أتى عمر على نصرانية، فعرض عمر عليه الإسلام، ولكنه لم بتفق مع عمر. فلما قال له عمر: ما عندي لك الا واحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما أداء الجزية، وإما الذهاب إلى حيث شئت. فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفا فلما بلغ ذلك عمر ندم.

 

وتذكر رواية أن "جبلة بن الأيهم" عاش في القسطنطينية حتى مات سنه عشرين من الهجرة.

 

فنحن أمام روايتين بشأن مكان ردة جبلة، وتجاه رواية عن إسلامه. رواية تجعل ارتداده في مكة، ورواية تجعل ارتداده بدمشق، ورواية تذكر أنه لم يدخل مطلقا في الإسلام. ويظهر أن رواية دمشق هي أقرب إلى المنطق، اذ لا يعقل فرار جبلة من مكة إلى بلاد الروم بمثل هذه السهولة التي تخيلها أهل الأخبار، وبينه وبين بلاد الروم مسافات شاسعة ما كان في امكانه قطعها قط والنجاة من تعقب المسلمين له، لو كان موضع هربه هو مكة. أما دمشق، فأنها قريبة من حدود الروم، ولدى جبلة فيها وسائل كبيرة تساعده على الهرب.

والرأي عندي أن جبلة، لم يدخل ابدا في الإسلام، وانما بقي مع الروم. وغادر بلاد الشام معهم، وكان يحارب المسلمين إلى جانبهم، وانتقل بأتباعه ممن بقوا على دينهم إلى بلاد الروم فأقاموا بها، وقد مات هناك ودفن في تلك البلاد. وما هذا الذي روي عن اسلامه وعن زيارته ليثرب ولمكة إلا من قصص القصاص وضعوه فيما بعد.

 

إن ما يذكره أهل الأخبار من ملك "جبلة"، لا يخلو من مبالغة. وما يقال عن ملكه وعن استقبال "هرقل" له، ذلك الاستقبال العظيم، لا- يخلو من مبالغة أيضا. نعم من الجائز أن الروم قبلوه لاجئا، ورحبوا به وساعدوه على أمل استخدامه لمهاجمة المسلمين، واسترداد بلاد الشام منهم. غير أننا لا نستطيع أن نوافق على ما ورد في روايات. أهل الأخبار من ذلك الوصف الذي ذكروه من احتفال الروم في القسطنطينية. ومن المعيشة التي كان يعيشها في عاصمتهم إلى حين وفاته. بل لقد شك بعض المستشرقين مثل "نولدكه" حتى في موضوع تملكه وتولية الحكم له على عرب الشام.

 

ونجد في خبر فتح دومة الجندل، رجلا من غسان كان قد تزعم قومه وجاء في "طواف من غسان وتنوخ" لنجدة أهل "دومة الجندل". وقد دعاه "الطبري"، "ابن الأيهم". ولم يشر إلى اسمه.

 

ونجد في "العقد الفريد" وصفا لمجلس "جبلة" ولمسكنه في القسطنطينية لا يخلو من مبالغة، وقد كتب وصفه إلى الرسول ذكر أن الخليفة عمر كان قد أرسله إلى "هرقل" ليدعوه إلى الإسلام. ويذكر الرسول الموفد أن "هرقل"" هو الذي أشار عليه بزيارة قصر "جبلة" فلما ذهب إليه، وجد على بابه من القهارمة والحجاب وكثرة الجمع مثل الذي على باب "هرقل"، ثم وصف مجلسه وأرائكه المرصعة بالجواهر، وغناء الجواري في مجلسه بغناء حسان بن ثابت مما يجعله في ثراء الملوك الحاكمين لا الملوك الفارين.

 

واسم الرسول المذكور هو "جثامة بن مساحق الكناني". ويذكر بعض أهل الأخبار أن الخليفة معاوية أرسل "عبد الله بن مسعود الفزاري" إلى ملك الروم فوجد عنده "جبلة بن الأيهم "،فوصف مجلسه وما كان عليه من فاخر الملبس والمأكل والمسكن، وهو كلام فيه مبالغات وغلو في الكلام، على نمط ما رأيناه في وصف "جثامة". وهو يتفق معه في الخبر. والظاهر أن الرواة قد أخطأوا في هذا الخبر، فنسبوه مرة إلى رسول عمر ونسبوه مرة أخرى إلى رسول معاوية.

 

ملوك الغساسنة

 

وعدة ملوك الغساسنة على رواية حمزة اثنان وثلاثون ملكا، ملكوا ستمائة وست عشرة سنة. أما "المسعودي"، فجعل عددهم أحد عشر ملكا.

 

وقد رتب المسعودي اسماء الملوك على هذا النحو: "الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس."، ثم "الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو" ثم "النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة"، ثم "المنذر أبو شمر بن جبلة بن ثعلبة"، ثم "عوف بن أبي شمر"، ثم "الحارث بن أبي شمر"، وكان ملكه حين بعث رسول الله، ثم جبلة بن الأيهم. والأسماء المذكورة هي أقل من الرقم المذكور كما نرى بكثير، إذ هي سبعة فقط، على حين يجب أن تكون بحسب روايته أحد عشر اسم.

 

وفي الذي ذكره حمزة عن مدة حكم الغساسنة، مبالغة فلو أخذنا بالعدد الذي ذكره لمجموع ملوكهم، وهو ست عشرة وستمائة سنة، لوجب علينا القول بأن ابتداء حكمهم كان حوالي الميلاد. وهو قول لم يقله أحد، ولا يؤيده أي سند أو دليل. والذي نعرفه أن مدة حكهم هي دون المدة المذكورة بكثير، كما أن في الترتيب الذي ذكره حمزة لملوكهم تكرارا وزيادات. وهو يخالف ما نراه عند المؤرخين الآخرين الذين تعرضوا لآل غسان.

 

وتختلف قائمة "ابن قتيبة الدينوري" بأسماء ملوك غسان اختلافا كبيرا عن قائمة "حمزة" وعن قائمة "المسعودي". وقد ذكرت فيما مضى أنه جعل "الحارث بن عمرو" المعروف بمحرق أول ملك من ملوك غسان، ثم جعل من بعده الحارث الأعرج، ثم الحارث الأصغر، ثم النعمان وهو شقيق الحارث الأصغر. وقد ذكر أنه كان للنعمان بن الحارث ثلاثة بنين هم: حجر بن النعمان وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان. وقال إن فيهم يقول حسان ابن ثابت:

 

من يغر الدهر أو يأمنه من قتيل بعد عمرو وحجر

ملكا من جبل الثلج إلى جانبي أيلة من عبد وحر

 

وقال "ابن قتيبة الدينوري": ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث الذي كان النابغة صار إليه حين فارق النعمان بن المنذر وفيه يقول النابغة:

 

على لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات العقارب

 

قال: وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر، ومن ولده المنذر بن الحارث، والأيهم بن الحارث، وهو والد جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان.

وقد ذكر في كتب السير والتواريخ اسم أمير غساني، هو الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الذي أرسل الرسول إليه شجاع بن وهب ليطلب إليه الدخول في الإسلام، وكان ملكه على ما يذكره الاختباريون في الشام، وكان له قصر منيف وحجاب. وذكر الطبري أنه كان "صاحب دمشق". وقد أدخله "محمد بن حبيب" في جملة "العرجان الأشراف. وقد عرف ب "الحارث الأصغر" في شعر لحسان بن ثابت.

وأرى إن الحارث بن أبي شمر هدا هو "الحارث" معاصر "جبلة بن الأيهم" الذي أشار حسان إليه.

 

وقد كان "حسان بن ثابت " زار الحارث بن أبى شمر الغساني، وكان النعمان بن المنذر اللخمي يساميه، فقال له وهو عنده: يا ابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان علي فقال: وكيف أفضله عليك ثم أخذ يشرح تفضيله له على النعمان حتى سر الحارث، ثم عاد حسان فنظم ما قاله نثرا فيه في أبيات زادت من سروره، وحصل، على جوائزه وعطاياه.

 

وذكر أن حسان بن ثابت كان يفد على جبلة بن الأيهم سنة، ويقيم سنة في أهله. فقال: "لو وفدت على الحارث أبي شمر الغساني فإن له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس مني ان أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة. فخرج في السنة التي كان يقيم فيها بالمدينة، حتى قدم على الحارث، وقد هيأ له مديحا. فقال له حاجبه وكان له ناصحا: "إن الملك قد سر بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإياك أن تقع فيه، فانما يريد أن يختبرك، وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك، وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدئ بذكره، وإن سألك عنه، فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعيبه، امسح ذكره مسحا وجاوزه إلى غيره. ثم نصحه بنصائح أخرى تنم عن سلوك الحارث، وقد أفادته كثيرا. فلما دخل عليه، حسنت منزلته عنده وصار يدعوه ثم حباه وأعطاه خمسمئة دينار وكسي وألطافا وعاد إلى أهله. ولو صح هذا الخبر، فانه يدل على إن أمر الغساسنة في هذا ألوقت لم يكن واحدا، وان حكمهم كان قد تبدد وتشتت. وان جبله بن جبلة كان يحكم على جماعة من غسان، والحارث بن أبي شمر كان يحكم في الوقت نفسه على جماعة أخرى، وكل منهما كان يحلي نفسه بحلية الملك، ومن يدري فلعل أشخاصا آخرين. كانوا ينازعونهما الحكم أيضا، ويحلون أنفسهم بلقب "ملك"، اللقب الحبيب الذي لم يكن يرتفع في الواقع عن درجة سيد قبيلة أو "شيخ" عشيرة في اصطلاحنا في الوقت الحاضر.

 

وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل قالوا انه كان قائدا من قواد "الحارث بن ابي شمر"، ودعوه ب "النعمان بن وائل بن الجلاح الحلي"، وذكروا انه أغار على بني فزارة وبني ذبيان، فاستباحهم، وسبي سبيا من غطفان. وأخذ "عقرب" بنت النابغة الذبياني. فلما سألها، فانتسبت إلى أبيها، من عليها ثم أطلق له سبي غطفان. فلما سمع بذلك النابغة، مدحه بقصيدة. وسبق أن تحدثت عن النعمان بن الجلاح الكلبي" في أثناء كلامي على الملك "النعمان بن الحارث" حين أغار قوم النابغة على أعراب "النعمان بن الحارث" بوادي أقر، وكان النابغة قد نهى قومه وحذرهم من التحرش بهم فخالفوا رأيه فأوقع بهم "ابن الجلاح" خسائر فادحة.

 

وفي ديوان حسان قصيدة، مطلعها:

 

إني حلفت يمينا غير كاذبة لو كان للحارث الجفني أصحاب

 

يذكر شراحها أنه نظمها في رثاء الحارث الجفني"، وقالوا إن الحارث الجفني المذكور هو الحارث بن أبي شمر الغساني. وقد ذكروا أنه دافع فيها عن هزيمة أدركت الحارث في إحدى حروبه، فعاد ومن معه بغير أسلاب ولا أسرى بل يظهر من أبياتها أن العدو أوقع به فقتل من جمعه، وقد اعتذر الحارث بأن من معه لم يكونوا من "جذم غسان" وإنما كانوا من "مأشبة الناس" اي جماعة أوشاب الناس وأوباشهم أي الأخلاط التي تجتمع من كل أوب. ومثل هؤلاء لا تكرثهم الهزيمة، ولا يبالون بذلك، إذ لا أحساب لهم ولا شرف، فلا عجب إن أصيب بخيبة في هذه المعركة ومعه مثل هؤلاء الناس. ويظهر من القصيدة المذكورة، أن الحارث ين أبي شمر، كان قد توفي قبل "جبلة بن الأيهم ". وذلك لرثاء حسان له ولإجماع أهل الأخبار على إن جبلة عاش أمدا بعد ظهور الإسلام، وأنه مات في بلاد الروم بعيدا عن بلاد الشام وعن أرض آبائه وأجداده. وبدليل ما ورد في تأريخ الطبري من أن الرسول أرسل شجاعا بن وهب إلى رجل من غسان اسمه "المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني". يدعوه إلى الإسلام. وهذا الرجل هو أحد أبناء الحارث المذكور. وذكر الاختباريون رجلا آخر من غسان، دعوه "عديا"، وقالوا إنه ابن اخت الحارث بن أبي شمر الغساني، وإنه اغار على بنى أسد، فلقيته "بنو سعد ابن ثعلبة بن دودان" بالفرات، ورئيسهم "ربيعه بن حذار الأسير “، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتلت بنو سعد عديا. وقد سمي "محمد بن حبيب" هذا اليوم الذي وقع فيه القتال "يوم الفرات".

 

وأشار الواقدي إلى ملك غساني اسمه "شرحبيل بن عمرو الغساني". وذكر أنه قتل رسول الله الى ملك بصرى في مؤتة. ويشك "نولدكه “في نسبة هذا الأمير إلى الغسانيين، وحجته في ذلك أن الواقدي ذكره في موضع اخر مع أخويه "سدوس" و "بر"، ونسبه في هذا الموضع الى الأزد. ثم انه لم يكن من عادة الغساسنة على رأيه ذكر لقب الغساني بعد الاسم.

 

وأشير في كتب الأدب إلى اسم ملك من ملوك "غسان" قالوا له "قرص"، لم يذكروا عنه شيئا ذكروه في حديثهم عن. "عدي" قالوا: انه ابن "أخي قرص الغساني"، وكان "عدي" هذا قد غزا "بني أسد" فقتلوه وأوردوا في ذلك شعرا نسبوه إلى الغساني:

 

لعمرك ما خشيت على عدي رماح بني مقيدة الحمار

ولكني خشيت على عدي رماح الجن أو اياك حار

 

ولم يرد اسم هذا الملك في القوائم التي وضعها المؤرخون أمثال اليعقوبي والطبري والمسعودي وابن خلدون وامثالهم لملوك غسان. وعدي المذكور في خبر "قرص"، هو "عدي" المتقدم ولا شك.

 

وقد وفد " حسان بن ثابت" على "عمرو بن الحارث"، فاعتاص الوصول إليه، فلما طال انتظاره، قال للحاجب: "إن أذنت لي عليه، وإلا هجوت اليمن كلها، ثم انقلبت عليكم". فأذن له ودخل عليه، فوجد عنده "النابغة" وهو جالس عن يمينه، و "علقمه بن عبدة" وهو جالس عن يساره، فقال له "عمرو": "يا ابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فاني باعث اليك بحلة سنية ولا احتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي" ثم تلا عليه شعرا مما قاله الشاعران في مدحه. فأبى إلا إن يقول شعرا فيه، وطلب من الشاعرين أن يسمحا له بالقول، فقال في قصيدته التي تبدأ بقوله:

 

أسألت رسم الدار أم لم تسأل بين الجوابي فالبضيع فحومل

 

وقد أورد في هذه القصيدة أسماء مواضع، منها: "الجوابي"، أي "جابية الجولان"، و "البضيع" أو "البصيع"، وهو جيل قصير أسود على تل بأرض البلسة فيما بين "سيل" و "ذات الصنمين" و "حومل" و "مرج الصفرين"، وهو موضع بغوطة دمشق، و"جاسم"، وهي قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. وكل هذه الأماكن الي ذكرها هي منازل كانت لآل جفنة، الا انها خربت، وتركها أهلها حتى صارت دوارس تعاقبها الرياح.

 

ثم تطرق إلى ذكر من كان يناديهم ب "جلق "، وهو موضع قيل انه بقرب دمشق، وقيل انه "دمشق": كيف كانوا كرماء أجوادا يجودون على من يفد عليهم، لا فرق عندهم بين غني وفقير، يمشون في الحلل القشيبة المضاعف نسجها، ويجيرون من يستجير بقبر أبيهم "ابن مارية الكريم المفضل “، فلا يخاف من عدو ولا يخشى من اعتداء يقع عليه. كلابهم لا تهر، لأنها ألفت الضيوف وأنست بهم من كثرة تدفقهم عليهم، يسقون ماء باردا من "البريص"، ومن "بردا"، وهما نهران بدمشق، ممزوجا بالرحيق. ثم تذكر "قصر دومة" أي دومة الجندل، وكيف شرب الخمر في حانوتها من ساق متنطف أي مقرط وضع القرط في أذنه، والمنطقة في وسطه.

 

وجلق كما ذكرت موضع من مواضع الغساسنة، ويشير أن سلطان البيزنطيين لم يكن كبيرا عليه. وقد اشتهر ببساتينه وبكثرة أشجار الزيتون به، وبوفرة مياهه وقد تغنى به الشعراء في الإسلام، فورد ذكره في شعر أبي نواس. وكان الغساسنة يدفنون فيه موتاهم. ولهم ضريح ضم رفات ملوكهم. ومع شهرة المكان فقد اختلف الناس في تثبيت موضعه وتعيينه. والرأي الغالب انه ليس من أطراف دمشق كما ذهب، إلى ذلك بعض أهل الأخبار.

 

وقد ترك الروم ساقتهم ب "ثنية جلق"، وعليها صاحب الساقة، وذلك ليراقب المسلمين حينما تقدموا لطردهم من بلاد الشام. ولم يرد للغساسنة أي ذكر في الدفاع عن هذا المكان.

 

ويظهر من نظم هذه القصيدة، ومن أسلوبها ونفسها ومن تذكر "حسان" لآل جفنة بعد أن كبر وتقدمت به السن، إن هذا الشعر هو من الشعر ألمتأخر، ولا أستبعد أن يكون قد نظمه بعد زوال ملك "الغساسنة"، وقد أنشده أمام أحد الغساسنة المتأخرين، ولم يكن ملكا بالمعنى المفهوم من الملك.

 

وقد رثى حسان بن ثابت رجلا من غسان قتله كسرى، ولم يذكر اسمه، ولا الأسباب التي حملت كسرى على قتله، ولا الأحوال التي قتل فيها. ويظهر من سياق الشعر الذي رثي به ذلك القتيل أن هذا القتيل قد وقع بعد أفول نجم آل غسان وادبار الدنيا عنهم. ولعله كان قد قتله بعد احتلال الفرس لبلاد الشام. فكان هذا الغساني من المعارضين للفرس المناوئين لهم، ولذلك قتلوه في فترة احتلالهم لها.

 

وقد اشار "أبو الفرج الأصبهاني" إلى أمير غساني سماه: "يزيد بن عمرو الغساني"، ذكر أنه قتل الحارث بن ظالم. ولا نعرف من أمر هذا الأمر شيئا يذكر. وهناك روايات أخرى تنسب قتل الحارث إلى "النعمان الغساني"، على حين تنسبه روايات ثالثة إلى آل لخم ويرجح نولدكه الرأي الأخير.

 

وقد ورد في شعر لحسان بن ثابت هجاء ل"سلامة بن روح بن زنباع الجذامي"، وكان يلي العشور للروم، ولا بد أن يكون ذلك في أيام الغساسنة المتأخرين. وفد شبهه ب "سمية في لوح باب"، أي كأنه صورة مصورة، أو صنما معلقا على لوح باب.

 

ومن الأماكن التي وردت في شعر "حسان ين ثابت" على أنها من مواضع للغساسنة " الجواء" و "عذراء"، وهما موضعان بالشام بأكتاف دمشق. والى "عذراء" هذه يضاف "مرج عذراء"، وكانت في هذه المواضع منازل بني نجنة، لذلك ذكرها "حسان" في شعره. وذكر كذلك "بطن جلق" و "البلقاء"، و "المحبس" و "السند" و "بصرى" و "جبل الثلج".

 

أما ما يفهم من شعر، حسان وغير حسان من شمول ملك الغساسنة مدينة “دمشق" أو تجاورها ومن وصوله مواضع قريبة منها أو ملتصقة بها، فيجب أن نحمله محمل المجاز أو محمل مبالغات الشعراء في التفاخر والتباهي والمدح. فإذا استثنينا هذا الشعر لا نجد أي مورد تأريخي يقول باستيلاء الغساسنة على "دمشق" أو على مواضع متصلة بها. وكل ما نعرفه من الموارد التاريخية أن سلطانهم كان على أطراف بلاد الشام، أي على المواضع التي رأى الروم إن من الأصلح لهم تركها إلى أمراء غسان، لصعوبة ضبطها من الوجهة العسكرية بالنسبة إليهم. ولعل ما يذكره أولئك الشعراء هو تعبير عن قصور وأملاك اشتراها ملوك الغساسنة وأمراؤهم في "دمشق" وفي مواضع حضريه أخرى لقضاء بعض الوقت فيها كما يفعل الأمراء في الزمن الحاضر من شراء بيوت وقصور في لبنان وفي اوروبة يقيمون فيها بعض الوقت للتسلية والراحة. فزارهم فيها أولئك الشعراء، ووصفوها وصفا شاعريا، صور الشام وما حولها كأنها ملك من أملاك الغساسنة.

 

لقد كان "آل جفنة" كلهم على النصرانية عند ظهور الإسلام، وكانوا أصحاب دين وعقيدة، يدافعون عن مذهبهم كما رأينا. وكانت لهم بيع وكنائس بنوها لهم ولرعيتهم. وقد أشير إلى رجل عرف ب "أرطبان المرني"، قيل انه كان "شماسا،" في "بيعة غسان"، مما يدل على انها كانت بيعة خاصة بآل غسان.

 

وقد نسب بعض اهل الأخبار أماكن أخرى إلى الغساسنة، وذلك بالإضافة إلى الأماكن التي سبق إن تحدثت عنها. ومن هذه الأماكن: صفين. وقد زعموا إن منزل "جبلة بن النعمان" كان به، وقد كان في الوقت نفسه صاحب عين أباغ.

 

ومن الأماكن المنسوبة الى الغساسنة موضع "حارب". وقد ورد اسمه في شعر ينسب إلى النابغة حيث يقول: لئن كان للقبرين قبر بجلق وقبر بصيداء التي عند حارب.

 

وورد "قصر حارب". وقد نسبه "حمزة" إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ويذ كر أهل الأخبار "السويداء" في جملة الأماكن التابعة للغساسنة. وقد رجع "حمزة" بناءها إن "النعمان بن عمرو بن المنذر". وتقع في "حوران". والرصافة من المواضع المهمة عند الغساسنة، ففيها مشهد القديس "سرجيوس" وهو من القديسين الجليلين عند الغساسنة، وكانوا يتبركون بزيارة قبره ويتقربون إليه بالهدايا والنذور. وكان لآل جفنة مساكن فيها، وقد قاموا بإصلاح ما كان يتهدم منها. فقام "النعمان بن الحارث بن الأيهم" بإصلاح وترميم صهاريج المدينة. وكان "النعمان بن جبلة" فيمن أقام بها.

 

أما حدود مملكة الغساسنة، فلم تكن على وجه العموم ثابتة، بل كانت تتبدل وتتغير بحسب تبدل سلطة الملوك، وتغيرها، وهي عادة نجدها لدى جميع الممالك والامارات التي تكونت في البادية او على اطراف البوادي، حيث تكون معرضة لغزو القبائل، ولنفوذ القبائل الفتية القوية التي تطمع في ملك الامارات التي تجد فيها شيئا من الوهن والضعف، وفي رؤسائها دعة او حزما . ولهذا نجد ملك الغساسنة يتوسع ويتقلص بحسب الظروف فيصل الى مقربة من دمشق، والى فلسطين الثانية و "الكورة العربية" و "فلسطين الثالثة" و"فينيقية لبنان". والى ولايات سورية الشمالية في بعض الاحيان. وفي مساحات شاسعة من البادية الى المدى الذي يصل اليه سلاحهم. ثم نجده تارة اخرى اقل من ذلك بكثير، لضعف الامير المالك ولطمع القبائل فيه ولاختلافه مع السلطات. ويظهر من شعر حسان ابن ثابت ان ملك الغساسنة كان يمتد من حوران الى خليج العقبة.

 

وتعد منطقة الجولان من من اشهر مناطق الغساسنة , وقد ورد ذكرها في الشعر العربي، وفيها قبر بعض الامراء الغسانيين. وهي من الارضين التابعة لولاية فلسطين الثانية في التقسيم الاداري عند الروم، وبها كان في الغالب مقر آل غسان. وقد اشتهرت الجابية بأنها مقر الملوك، ولذلك عرفت بجابية الملوك، كما عرفت ايضا بجابية الجولان.

 

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن قصر المشتى الذي نقلت بعض أحجار جدرانه المحفورة بالصور الجميلة إلى متحف برلين، هو من القصور الني أنشأها الغساسنة، وكذلك بعض الآثار الأخرى الواقعة في البادية.

 

وفي "البرج" عثر على كتابة يونانية جاء فيها: "البطريق الشريف والأمير المنذر". ويدل ذلك على أنه من آثار "المنذر" . أما بقية المواضع، وهي عديدة منتشرة في أماكن واسعة، فللعلماء في أصلها نظريات وآراء.

 

أمراء غساسنة

 

وذكر الإخباريون أمرا جفنيا دعوه "جفنة بن النعمان الجفني"، قالوا إنه غزا الحرة في أثناء ذهاب النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى إلى البحرين فأصاب في الحرة ما أحب. وذكروا أنه هو الذي عناه عدي بن زيد العبادي في قصيدة مطلعها:

 

سما صقر" فأشعل جانبيها والهاك المروح والعزيب

 

وذكر "ابو حنيفة الدينوري “اسم رجل من غسان، دعاه "خالد بن جبلة الغساني". قال عنه: "قالوا: وإن خالد بن جبلة الغساني غزا النعمان بن المنذر، وهو المنذر الأخر، وكانا منذرين، ونعمانين، فالمنذر الأول هو الذي قام بأمر بهرام جور، والمنذر الثاني الذي كان في زمان كسرى أنو شروان، وكان عمال كسرى على تخوم أرض العرب، فقتل من أصحاب المنذر مقتلة عظيمة، واستاق إبل المنذر وخيله، فكتب المنذر إلى كسرى أنو شروان يخبره بما ارتكبه منه خالد بن جبلة. وقد ذكره في موضع آخر، في أثناء كلامه على ذهاب "كسرى" إلى قيصر، إذ قال: "وسار كسرى حتى" انتهى إلى اليرموك فخرج إليه خالد بن جبلة الغساني فقراه، ووجه معه خيلا حتى بلغ قيصر.

 

وقد مدح حسان بن ثابت الأنصاري أمرين من أمراء غسان، هما: عمرو وحجر. وقد ذكر أنها ملكا من "جبل الثلج حتى جانبي "أيلة" وانهما غزوا أرض فارس. ويرى "نولدكه" احتمال كون حجر هذا هو أحد أبناء النعمان الذي كني بأبي حجر.


وقد ذهب بعض الأخباربين الى أن عمرا المذكور في هذه الأبيات هو عمرو بن عدي ين حجر بن الحارث. وأما حجر، فهو حجر بن النعمان بن الحارث بن أبي شمر. والذي يتبين من هذه القصيدة أن الملكين المذكورين حكما في زمن واحد، وغزوا مشتركين أرض فارس، ويقتضي ذلك أن يكونا قريبين، كأن يكونا أبا أو ابنا، أو أخوين أو أن كل واحد منهما كان يحكم فرعا من فروع غسان، وذلك بعد تصدع أمر غسان وانقسامهم إلى جملة. "مشيخات".

 

ويرى "ابن الأثير" أن: أبا جبيلة عبيد بن مالك بن سالم، وهو ملك من ملوك غسان على رواية بعض الأخباريين، لم يكن من ال غسان، وانما كان من "بني غضب بن جشم بن الخزرج “، ذهب إلى غسان فصار عظيما عند ملكهم، مطاعا بينهم، واليه ذهب "مالك بن العجلان الخزرجي" مستجيرا به من يهود يثرب، فأنجده وسار معه حتى أوقع في اليهود، ثم رجع عائدا إلى غسان. ولعل "أبا جبيلة الغساني"، الذي ذهب إليه الشاعر الجاهلي "الرمق بن زيد ابن غنم"، هو هذا الملك الذي نتحدث عنه.


ويتبين من شعر للأعشى ميمون بن قيس أنه زار الغساسنة، وصحب ملوكهم في ديار الشام، واتصل بهم، وقد خاطب أحدهم بقوله: "اليك ابن جفنة" غير أنه لم يذكر اسمه.

 

ووصل الينا اسم أمير من غسان، هو "الشيظم بن الحارث الغساني"، قتل رجلا من قومه، وكان المقتول ذا أسرة، فخافهم فلحق بالعراق أو بالحيرة متنكرا، وكان من أهل بيت الملك، ومكث أمدا متنكرا، حتى وافق غرة من القوم فركب فرسا جوادا من خيل المنذر وخرج من الحيرة يتعسف الأرض، حتى نزل بحي، من "بهراء" فأخبرهم بشأنه، فأعطوه زادا ورمحا وسيفا وخرج حتى أتى الشام فصادف الملك متبديا، فأتى قبته، وقص قصته، فبعث إلى أولياء المقتول فأرضاهم عن صاحبهم.

 

 

قوائم ملوك الغساسنة

ولا بد لي، وقد انتهيت من الكلام على الغساسنة، من الاشارة إلى ضعف مادة الأخباربين عنهم، وقلة معرفتهم بهم، فانت إذا درست هذا الذي رووه عنهم، وحللته تحليلا علميا لا تخرج منه الا بنتائج تأريخية محدودة ضيقة تريك انهم لم يكونوا يعرفون من أمرهم الا القليل، وانهم لم يحفظوا من أسماء أفراد الأسرة الحاكمة غير أسماء قليلة، وما عداها فتكرار واعادة لهذه الأسماء القليلة، او اوهام. وأنت إذا راجعت التواريخ مثل تأريخ الطبري لا تكاد تجد فيها شيئا يذكر عن هذه الأسرة. وقد تفوق كتب الأدب كتب التأريخ في هذا الباب، ويعود الفضل في ذلك إلى الشعر، فلعدد من شعراء الجاهلية أشعار في مدح آل جفنة أو ذمهم، ولهم معهم ذكريات حفظت بفضل هذا الشعر الذي يرويه الرواة ويروون المناسبات التي قيل فيها. فلولاه ضاع أيضا هذا القليل الذي عرفناه من اخبار الغساسنة.

وحتى القوائم، وهي جافة في الغالب، لا تستند أيضا إلى علم بالرغم من هذا الترتيب الذي يحاول أصحابه اظهاره لنا بمظهر الواقع والحق. ولن تكسب سنوات الحكم المذكورة مع كل ملك ثقتنا بها. ولا اعتمادنا عليها. وقد اعتمد أكثر من رتب أسماء أمراء الغساسنة على رواية "ابن الكلبى"، غير انهم كما يظهر من مدوناتهم لم يرووها عنه رواية تامة، بل تصرفوا فيها، فزاحوا عليها أو نقصوا منها وحرفوا فيها بعض التحريف. وأخذ آخرون من موارد أخرى، واستعان بعض آخر مما رواه "ابن الكلبي" وبما رواه غيره وأضافوا إليه مما عرفوا من أسماء المذكورين في الشعر، وهم من سادات قبيلة "غسان" ولم يكونوا كلهم ملوكا، فجاءت النتيجة قوائم متعددة بتعدد مشارب أصحابها وهي على العموم شاهد عدل على ضعف الأخبارين في المحاكمات وفي منطق التاريخ.

 

وقد درس "نولدكه" معظم القوائم التي رواها الإخباريون لأمراء الغساسنة، ونقدها وغربلها، وقارن الحاصل بما وجده في الموارد السريانية والبيزنطية، واستخلص من تلك الدراسة هذه القائمة: أبو شمر جبلة. حكم حوالي سنة500م تقريبا.


الحارث بن جبلة. استمر حكمه من حوالي سنة 529حتى سنة 569م. أبو كرب المنذر بن الحارث. حكم من سنة 569حتى سنة 582م.

النعمان بن المنذر. وكان حكمه من سنة 582حتى.سنة 583م.

 

أبو حجر النعمان. بين سنة 583وسنة 614 م.

 

جبلة بن الأيهم. حوالي سنة635 م.

 

ورتب "ابن قتيبة الدينوري"، أسماء ملوك الغساسنة على هذا النحو: الحارث بن عمرو بن محرقه، وهو "الحارث الأكبر “، ويكنى ب "أبا شمر". الحارث بن أبي شكر، وهو "الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر". وأمه "ماريه ذات القرطين".

 

الحارث بن الحارث بن الحارث. وهو الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج ابن الحارث الاكبر.

 

وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث. وهو والد ثلاثة بنين: حجر ابن النعمان، وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان.

 

ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث، وكان يقال له: أبو شمر الأصغر. ومن ولده المنذر بن المنذر والأيهم بن الحارث. وهو أبو "جبلة ابن الأيهم"، وجبلة آخر ملوك غسان.

 

فاما المسعودي، فيرى أن عدة من ملكوا من آل غسان أحد عشر ملكا، ذكر مننهم:

 

1 -الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن ماس "مازن "، وهو غسان بن الأزد بن الغوث.

2 -الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة. وأمه مارية ذات القرطين بنت أرقم بن ثعلبة بن جفنة بن عمر.

3 - النعمان بن الحارث بن ثعلبلأ بن جيله بن جفنة بن عمرو.

4 -المنذر أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.

5 -عوف بن أبي شمر.

6 -الحارث بن أبي شمر. وكان ملكه حين بعث رسول الله.

7 - جبلة بن الايهم.

 

وذكر المسعودي، أن جميع من ملك من ملوك غسان بالشام أحد عشر ملكا. ولم يذكرهم في قائمته كلهم.

 

أما ملوك "الغساسنة "، على ما جاء في "كتاب المحبر"، فانهم على هذا النحو: "ثعلبة"، فابنه " الحارث"، فابنه "جبلة"، فابنه "الحارث " وهو المعروف ب "ابن مارية ذات القرطين"، و "النعمان بن الحارث"، و "المنذر" ابنه، و "المنذر بن الحارث"، و "جبلة بن الحارث"، و "أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن عمرو بن جفنة"، و "الحارث" الأعرج بن أبي شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحسحاس" وهو "حارثة بن بكر بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الزند" وليس بجفني، ولكن أمه جفنيه، فلم يزل الملك فيهم حتى كان آخرهم "جبلة بن ألأجهم بن جبلة "، وهو الذي اتصل ملكه بخلافة عمر بن الخطاب.

 

وجاء ترتيب ملوك الغساسنة في التعليقات النى طبعها "هرشفلد" مع ديوان "حسان" على هذا النحو: "كان أول من ملك من غسان: الحارث بن عمرو ابن عدي بن حجر بن الحارث، ثم عمرو بن الحارث، ثم الحارث بن عمرو، وهو أبو شمر الأكبر ثم الحارث بن الحارث بن أبي شمر، فالحارث الأصغر بن الحارث الأوسط وهو الأعرج، فالنعمان بن الحارث، فجبلة بن الأجهم، وهو الذي أدرك الإسلام.

 

قائمة حمزة

 

وأشهر قائمة ذكرها الإخباريون لملوك غسان، القائمة التي ذكرها حمزة الأصبهاني وتتألف من:

1 - جفنة بن عمرو المعروف بمزيقاء.

2 -عمرو بن جفنة.

3 -ثعلبة بن عمرو.

4 -الحارث بن ثعلبة.

5 -جبلة بن الحارث.

6 -الحارث بن جبلة.

7 -المنذر بن الحارث.

8 -النعمان بن الحارث.

9 -المنذر بن الحارث.

10-جبلة بن الحارث.

11-الأيهم بن الحارث.

12 -عمرو ين الحارث.

13 -جفنة بن المنذر الاكبر.

14 -النعمان بن المنذر الأكبر.

15 -النعمان بن عمرو.

16 -جبلة بن النعمان.

17 -النعمان بن الأيهم.

18 -الحارث بن الأيهم.

19 -النعمان بن الحارث.

20 -المنذر بن النعمان.

21 -عمرو بن النعمان.

22 -حجر بن النعمان.

23 -الحارث بن حجر.

24 -جبلة بن الحارث.

25 -الحارث بن جبلة "ابن أبي شمر".

26 -النعمان بن الحارث "أبو كرب".

27 -الأيهم بن جبلة بن الحارث.

28 -المنذر بن جبلة.

29 -شراحيل بن جبلة.

30 -عمرو بن جبلة.

31 - جبلة بن الحارث.

32 -جبلة بن الأيهم.

 

وقد نقل ابن خلدون من جملة كتب ألف منها الفصل الذي كتبه عن تأريخ آل غسان، وكذلك الفصل الذي دونه عن تأريخ الحيرة. أما الموارد التي نقل منها فصل آل غسان، فتواريخ ابن سعيد والمسعودي وابن الكلبي والجرجاني. وأما الموارد التي نقل منها ابن خلدون مادة فصله عن تأريخ الحيرة، فتواريخ السهيلي وأبي عبيد والطبري وابن اسحاق والمسعودي وابن سعيد والجرجاني والبيهقي. وأكثر اعتماده في النقل على الطبري.

 

وقد اكتفى ابن خلدون بالنبذ التي أخذها من هذه الموارد ولم يبد رأيه فيها ولم يرتبها ترتيبا زمنيا مع ذكر أهم الأعمال التي قام بها كل ملك من أولئك الملوك كما فعل حمزة مثلا، فأورد أسماء ملوك الغساسنة، كما ذكرتها الموارد التي أخذ منها، أو نقلها في شيء من الاختصار، فنقل قائمة المسعودي، والمسعودي نفسه لا يتقيد بالترتيب والتدقيق، ونقل قائمة الجرجاني وتبدأ بثعلبة بن عمرو شقيق جذع بن عمرو قاتل ملك سليح. وتنتقل بالملك بن ثعلبة إلى ابنه الحارث ابن ثعلبة، وهو ابن مارية عند بعضهم، يليه ابنه المنذر، ثم ابنه النعمان، ثم أبي شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جبلة على رواية بعض النسابين أو أبي بشر بن عوف بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن، ثم الحارث الأعرج، ثم ابن أبي شمر، ثم عمرو ابن الحارث الأعرج، ثم المنذر بن الحارث الأعرج، ثم الأيهم بن جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم ابنه جبلة.

 

وقد ناقش نولدكه في كتابه عن آل غسان هذه القوائم التي نقلها ابن خلدون كما ناقش غيرها من القوائم التي وجدها في التواريخ المخطوطة أو ألمطبوعة التي تمكن من الحصول عليها وأظهر ما فيها من خلل ونقص في نهاية ذلك البحث.