قبيلة بارازان

بارزان من العشائر الكردية الكبيرة في العراق. اخذت إسمها من قرية بارزان في قضاء الزبير في محافظة اربيل . وكلمة برزان تعني بالعربية " مقابل الشمس " .


سكن هذه القرية قديماً شيوخ الطريقة النقشبندية الصوفية ومنها نشروا طريقتهم بين سكان المنطقة ، وإستقطبوا العديد من العشائر المحيطة حتى أصبحت بارزان عشيرة كبيرة تتألف من العشائر المختلفة الساكنة في قضاء الزيبار .

تتكون عشاشر بارازان من اربعة فروع هي :

1 – عشيرة بروش التي تقطن اليوم جنوب جبل شيرين . وكانت تسكن سابقاً في قرية بارزان.

2 – عشيرة شيروان التي تتوزع على العديد من القرى بينها ريزان وشروان مازن ومركه سور .

3 – عشيرة مزورى وهي أكبر العشائر البارزانية ، ويقال إنها تنحدر من مضر العربية .

4 – عشيرة هيركي بناجي . وبناجي تعني المستوطن . ويقال إنها من تفرعات عشائر الهركية .


بارزان قرية صغيرة تابعة لعشيرة الزيبار التي هي إحدى العشائر الكردية الضاربة الكبيرة التي تسكن المنطقة الواقعة في شمال
مدينة عقرة، حيث تقع ديارها سابقا غرب نهر الزاب الكبير وشرقه وتمتد إلى الجبال المشرفة على عقرة حيث يقسم جبل بيرس منطقة الزيبار إلى قسمين رئيسيين . وقد ورد اسم هذه العشيرة في بعض مصادر الجغرافية الإسلامية، ويشير المؤرخ الموصلي الدملوجي إلى هذه العشيرة عند حديثه عن عشائر بهدينان بقوله :-

أما عشيرة بارزان او بالاحرى إتحاد قبائل بارزان ، فإن ديارهم تقع شرقي نهر الزاب الكبير وبخصوص قرية بارزان والعشيرة البارزانية فقد اختلفت المصادر حول سبب تسمية بارزان، وهل كانت بارزان عشيرة بحد ذاتها أم تتبع عشيرة الزيبار، بجانب التباين في أصل شيوخ بارزان وسلسلة آبائهم، وهل هم من سكن هذه الديار أم هم هاجروا إليها من منطقة أخرى. فقد سلط مسعود البارزاني الضوء على هذه النقطة في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية).قائلاً: سميت عشيرة بارزان نسبة إلى قرية بارزان مركز المشيخة. وينتسب شيوخ بارزان إلى سلالة أمراء العمادية (إمارة بهدينان) حيث نزح جدهم مسعود إلى قرية هفنكا القريبة من بارزان واستقر هناك وتزوج من إحدى فتيات القرية فخلف ابناً وسماه سعيد وبقي هو الآخر هنا حتى انتقل حفيده الشيخ تاج الدين وكان هذا الأخير عالماً دينياً مرهوباً فالتف حوله عدد كبير من المريدين وأسس تكية في بارزان وعاش فيها حتى وافته المنية فخلف أبنه الشيخ عبد الرحمن وبعد وفاته خلفه إبنه الشيخ عبد الله الذي كان قد اشتهر بالزهد والتقوى وأرسل ابنه الشيخ عبد السلام (الأول) إلى مدرسة (نهري- في كردستان تركيا حاليا ) لتلقي علومه الدينية على يد الشيخ الكبير (سيد طه النهري) وبعد وفاة والده أدار هو شؤون تكية بارزان وزاد عدد مريديه ازدياداً كبيراً ، وأسس مدرسة دينية في بارزان ذاع صيتها في أنحاء المنطقة فكان يتوافد عليها الطلاب بأعداد غفيرة. وبقي على علاقة حميمة مع السيد طه النهري. وفي إحدى زياراته للتكية قام حضرة مولانا خالد النقشبندي بزيارة تكية بارزان

وجعل الشيخ عبد السلام خليفته، وأخذه معه إلى نهري لزيارة سيد طه الذي أصبح هو الآخر خليفة مولانا خالد. في حين أن الشيخ ايوب بن بابو ابن عم مسعود البارزاني وخصمه في زعامة العائلة البارزانية (المنحاز الى اسرة عميه الاخرين الشيخ احمد البارزاني وابنائه والشيخ عبدالسلام وابنائه ) الف كتابين احدهما تحت عنوان : بارزان وحركة الوعي القومي الكردي 1826-1914م، وذكر اسما مستعارا له وهو بي ره ش , والكتاب الثاني : (المقاومة الكردية للاحتلال 1914-1958) ذكر سلسلة أخري لنسب شيوخ بارزان تختلف الى حد ما عن السلسلة التي ذكرها مسعود البارزاني، حيث يشير إلى أن الملا محمد هو أول من وضع الخلية الصوفية في بارزان ، وبعد وفاته خلفه ابنه الملا عبدالله وخلفه ملا عبد الرحمن الذي استلم إجازة الطريقة النقشبندية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر من مولانا خالد النقشبندي، ويضيف بأن الشيخ عبد السلام الأول هو شقيق ملا عبد الرحمن. بينما ينحو الباحث الكردي العراقي معروف جياووك منحاً آخر في تفسير مصطلح بارزان حيث يقول بهذا الصدد في كتابه ( بارزان المظلومة ) ما نصه : ((كلمة بارزان على ما أخال نسبة إلى عشيرة (به رازي) أو أنها اسم جدهم الأعلى ومعناه (حامل الحق) أو (عارف الحق) أو مقلوبة من (بارسان) أي الدراويش أو (برازان) أي (إخوان الصفا). وهو على كل حال اسم لعشيرة كبيرة في شمال العراق. وإني أعتقد بأنهم بالأصل من عشائر (هكاري) الخالدة الأصل والنبل. سكنت الجبال البعيدة عن غوائل العشائر وهجمات المغول. وهم ينقسمون إلى أسر وأفخاذ وشعب أهمها (شيرواني، مزوري، هركي) … ثم يتطرق إلى نسب شيوخ بارزان ويرجح بأن الشيوخ الحاليين هم من أحفاد الشيخ تاج الدين النقشبندي الخالدي الذي اشتهرت أسرته في منطقة بهدينان عامة والزيبار خاصة، وهو في هذا يتفق مع السيد مسعود البارزاني في تحديد الجد الأعلى لشيوخ بارزان.

أما المؤرخ الكردي العراقي محمد البريفكاني فيذكر في كتابه (حقائق تاريخية عن القضية البارزانية ) معلومات أخرى بصدد تعريف كلمة بارزان وعن كيفية انتشار الطريقة النقشبندية فيها: ((وقد ذهب كثير من الناس إلى أن بارزان عشيرة كبقية العشائر … ولكن الواقع خلاف ذلك فليست هناك عشيرة تسمى بهذا الاسم بل أن بارزان قرية تقع في قضاء الزيبار يطلق على سكانها (البروزيين) ومعناه بالعربية (مقابل الشمس) وقد استوطنها شيوخ الطريقة النقشبندية منذ القديم وانتشرت دعوتهم منها وسيطروا بمرور الزمن على العشائر التي تحيطها ، ومنذ ذلك الحين سموا باسم القرية هذه حيث أطلق عليها اسم (شيوخ بارزان) وأضيف اسم النسبة إلى هذا اللقب الجديد الذي حصلوا عليه فأصبح الشيخ منهم يسمى بـ ((الشيخ – فلان – البارزاني) وعلى مرور الأيام أصبح هذا اللقب شاملاً للأفراد والعشائر التي انضوت تحت لواء الشيوخ )).

وعن الوسيلة التي انتقلت بها الطريقة النقشبندية إلى ربوع بارزان وإنشاء أول تكية فيها يذكر: "بدأ نفوذ الشيوخ في بارزان سنة 1825م وذلك حينما سلم الشيخ طه النهري خلافة الطريقة النقشبندية إلى الشيخ تاج الدين البارزاني رأس عائلة الشيوخ في بارزان …… الشيخ تاج الدين البارزاني من أسرة عريقة في الزيبار وبعد وفاته انتقلت المشيخة إلى ابنه الشيخ عبد السلام الذي لم يعمر كثيراً وتسلم زمام المشيخة من بعده ابنه الشيخ محمد الذي جمع السلطتين الدينية والزمنية في يده واتسع نفوذ الشيوخ على عهده حيث سيطر سيطرة تامة على رؤساء عشائر الزيبار …"

ولكن الغريب أن الجنرال حسن أرفع رئيس الأركان الإيراني الأسبق في منتصف الاربعينيات من القرن العشرين يذكر في كتابه (الأكراد) الصادر عن جامعة إكسفورد باللغة الانكليزية بأن شيوخ بارزان يرجعون في أصولهم إلى قرية بحركي الواقعة على بعد عشرة كيلومترات شمال غرب مدينة اربيل عاصمة اقليم كردستان، ولم يذكر المصدر الذي استقى منه هذه المعلومة ، ولكن يعتقد بانه استقاها من البارزانيين الذين كانوا بمعية ملا مصطفى البارزاني اثناء هروبه من العراق عقب فشل تمرده عام 1945 والتجائه الى ايران حيث شارك في الدفاع عن الجمهورية الفتية التي انشأها القاضي محمد في مدينة مهاباد الايرانية بدعم سوفيتي .

ولكن مهما يكن من أمر فإن مصطلح عشيرة بارزان لم يكن شائعاً بعد في القرن التاسع عشر، وإنما ظهر إلى عالم الوجود في العقد الأول من القرن العشرين حينما انقسمت العشيرة الزيبارية إلى قسمين إثر النزاع الذي حدث بين أغوات الزيبار وشيوخ بارزان، وتحول إلى صراع دموي كان النصر فيه حليف شيوخ بارزان، مما أدى الى تشعب الزيباريين إلى قسمين: قسم بقي خاضعاً للأغوات وهؤلاء استقروا في المنطقة الواقعة غرب نهر الزاب، والقسم الآخر انتصروا لشيوخ بارزان وهم المعروفون بالبروزيين الساكنين أصلاً شرق نهر الزاب. ومنذ ذلك الوقت عرف الشيخ بالبارزاني. ولقب أتباعه بالبارزانيين. ومما يؤكد هذا الأمر ما نقل عن الشيخ عبد السلام الأول قوله: "إني خالدي الطريقة زيباري العشيرة، بارزاني المسكن".

ومن جانب آخر هناك ظاهرة ملفتة للنظر عند الاشارة الى تاريخ الطريقة النقشبندية في منطقة بارزان وهي تطرق بعض المؤرخين والضباط الإنجليز العاملين في العراق أثناء الانتداب البريطاني إلى حدوث حالات من الغلو والمروق من الدين عند بعض أتباع هذه الطريقة، والتي كثيراً ما انتابت أتباع طرق صوفية أخرى في بقاع عديدة من العالم الإسلامي. ويعزو كثير من الباحثين وجود هذه الظاهرة إلى الجهل وقلة العلم المبني على الكتاب والسنة، وما يكنه المريدون من الحب والتعلق والشغف الزائد بشيوخهم، إضافةً إلى وجود تأثيرات لمعتقدات سماوية أو أرضية تجسدت في ظاهرة الفناء أو وحدة الوجود أو الحلول وغيرها من اللمعتقضات الصوفية.

والحقيقة أن هناك سجل طويل للمثبتين للظاهرة الباطنية عند شيوخ بارزان، ابتدا من الشيخ عبدالسلام الاول جد ملا مصطفى البارزاني ومرورا بالشيخ محمد والده وانتهاءا بالشيخين عبدالسلام الثاني والشيخ احمد اخوان ملا مصطفى , وبين الذين ينفونها ويدرجونها تحت باب المؤامرات والأساطير التي كان يبثها خصوم شيوخ بارزان من أغوات الزيبار في العهد العثماني في المرحلة الأولى، وفيما بعد شيوخ الطريقة القادرية المنافسة للطريقة النقشبندية من الصوفيين التابعين للشيخ رشيد لولان في المرحلة الثانية في العهد الملكي العراقي.

ففي حين يؤكد المؤرخ الموصلي صديق الدملوجي ظاهرة الغلو عند شيوخ بارزان وأتباعهم نقلاً عن سالنامات الدولة العثمانية، حيث يذكر في كتابه (إمارة بهدينان) ما نصه: "ففي سنة 1293هـ الموافق 1876م استدعى الوالي العثماني في مدينة الموصل الشيخ عبد السلام (الأول) ابن الشيخ تاج الدين إلى الموصل إثر تسرب معلومات عن قيام حركة باطنية في منطقة الزيبار شمال شرق مدينة الموصل، ترمي إلى الغلو في شيوخ بارزان النقشبنديين والاعتقاد بمالا يتفق وما هو معلوم في الدين الإسلامي بالضرورة، وكانت الحكومة العثمانية قد تلقت هذه الحركة باهتمام زائد وخافت من عواقبها حيث أمضى الشيخ عبد السلام (الجد) ثلاثة أشهر في الموصل، وكان من نتيجتها مجيء حوالي ثلاثمائة من أفراد العشيرة الزيبارية التابعين بالولاء له، وقد مات أكثرهم بمرض التيفوئيد حيث لم تهتم الحكومة العثمانية بهم ولكنهم ظلوا على عقائدهم ……".

ومن جهة أخرى فإن الباحث الكردي بي ره ش (ايوب بن بابو البارزاني) يشير إلى حادثتين من هذا النوع تخص إحداهما الشيخ عبد السلام الأول ولكن بتوقيت مخالف لتوقيت الدملوجي، والثانية تخص الشيخ محمد بن الشيخ عبد السلام، وكلتا الحادثتين من بنات أفكار أغوات الزبيار حسب رواية ايوب البارزاني ( خصم الزيباريين والمنحاز لبني عمومته البارزانيين ) الذين آلمهم زيادة سطوة شيوخ بارزان النقشبنديين على حسابهم، وانضمام الكثير من أتباعهم إلى هذه الطريقة، لذا قدموا شكوى رسمية إلى الوالي العثماني في مدينة الموصل اتهموا فيها شيوخ بارزان – بالمروق من الدين وتزعم طريقة جديدة مضللة في التصوف تؤدي بالمسلمين إلى الزندقة – وفي المرة الأولى أرسلت الدولة العثمانية لجنة تحقيق معززة بقوة عسكرية لكون المنطقة نائية وبعيدة، استقرت في قرية شانيك الواقعة على الضفة الغربية لنهر الزاب الكبير قبالة قصبة بله مركز قضاء الزيبار آنذاك ، وأرسل قائد المفرزة يطلب مثول الشيخ عبدالسلام أمام لجنة التحقيق، إلا أن الشيخ اعتذر وأرسل ولديه قاسم ومحمد، حيث خص الثاني منهما بنصائح وتعليمات حول كيفية الإجابة على أسئلة المحققين، وانتهى التحقيق باعتذار مسؤولي التحقيق ورجوعهم من حيث أتوا. أما في المرة الثانية فإن الرواية تكاد تكون مطابقة لرواية الدملوجي، مع الاختلاف في التوقيت حيث يحددها بي ره ش سنة 1885م وكانت تخص الشيخ محمد بن الشيخ عبد السلام وفحواها: أن يهود بارزان اشتكوا إلى الشيخ محمد من سوء تصرفات وكيل آغا الزيبار فتاح آغا المدعو بابير كرافي وكيف أنه يسومهم الظلم والهوان، وهذا ما حدا بالشيخ إلى الطلب من أتباعه بالوقوف في وجه الظالمين والانتصاف للمظلومين. وكانت هذه الحادثة بمثابة خروج السلطة من أيدي الأغوات وانتقالها إلى الشيوخ لأول مرة، لذا قاموا بتلفيق تهمة الزيغ والانحراف عن الدين الإسلامي وإلصاقها بالشيخ محمد البارزاني وأتباعه، وهذا ما أدى إلى استدعائه من قبل السلطات العثمانية إلى مدينة الموصل، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية، وبقية الرواية مطابقة لما أورده الدملوجي.

غير ان القنصل الروسي باسيل نيكيتين يروي نقلا عن الملا سعيد في كتابه القيم المؤلف باللغة الفرنسية (الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية) الصفحة 262-263 ما نصه :" كان الشيخ محمد وريث الشيخ عبدالسلام (الاول) رجل دين (ملا) قليل الثقافة أي (نصف ملا) كما يطلق على امثاله في كردستان . كان رجلا لجوجا, ولكنه بدأ بالتبشير. فكثر عدد اتباعه، وكان الرجال والنساء يجتمعون في يومي الثلاثاء والجمعة في بارزان، ويعمل الشيخ لهم (التوجه) . ويتلخص هذا العرف الديني عند الكرد في ان الشيخ يجلس بين اتباعه المريدين ويتلو عليهم سلسلة اسماء الشيوخ من طريقته, بينما يعمل مريدوه بعض الضوضاء ويطلقون صيحات خاصة. وباختصار –يضيف الملا سعيد- ان هذا يعتبر مخالفا للتمدن وللعقل الرزين. ومع ذلك فان الشيخ موضوع البحث (الشيخ محمد والد ملا مصطفى البارزاني) كان يلجأ الى هذه الاساليب الفظة, المقبولة مع ذلك لدى عقلية مستمعيه وغيرهم للوصول الى قيادة الكرد من اتباعه. وفي الحقيقة ازداد نفوذ الشيخ محمد هذا كثيرا بعد ابعاد الشيخ عبيدالله نهري من قبل الروم (العثمانيين بعد فشل ثورته في عام 1880) , وقد اقر الكثير من اغوات العشائر المحيطة به بسلطته , واخذ اتباعه يذكرون اسمه مع اسم المهدي بحجة انه بموجب بعض الاحاديث يجب ان يكون اسم المهدي محمدا, وهكذا تحول شيخنا هذا الى مهدي فعلي (ادعى المهدية). وقد اعلنت (الدولة العثمانية) الحرب المقدسة وسيقت الحملات العسكرية الى جانب الموصل (منطقة بارزان) اكثر من مرة وقتل المعارضون لهذا الاعلان (مهدية الشيخ محمد البارزاني) جميعا. وكان من ضمن المعارضين شخص يدعى (ملا بيريزي) , وقد كان معروفا بسعة اطلاعه وغزارة علمه وبمكانته بين ابناء عشيرته (الزيبار) , وكان يرتبط بهم بعلاقة القرابة والنسب (ومع ذلك) فقد بدأ اتباع الشيخ محمد البارزاني حملتهم به, فبعد ان وضعوه داخل ساق شجرة جوز قديمة منخورة , اشعلوا النار فيها ثم اخذوا يمرون الى جانب الشجرة ويضربونها بعصيهم التي في ايديهم ويصيح البعض منهم : هذا هو الجهاد المقدس لجثة الحاج! ويرد عليهم اخرون بالقول : اجل , لا فرق بين هذا وبين الجهاد الحقيقي وسيكتب الله عملك ضمن اعمالك الصالحة".

مما ذكرناه آنفا يؤكد صحة رواية المؤرخ الموصلي صديق الدملوجي, حول زندقة الشيخ محمد البارزاني جد مسعود البارزاني ويؤكد ادعائه المهدية , ويثبت ان لهذا الاسرة سجل حافل ومتوارث من الزندقة والتجديف والكفر وادعاء الالوهية حسب التسلسل التاريخي , وينفي في الوقت نفسه تخرصات الكاتب البارزاني بى ره ش (ايوب بن محمد بابو البارزاني) حول تقوى وزهد هذه الاسرة.

وفيما بعد أشارت العديد من المصادر إلى بروز هذه الظاهرة في عهد الشيخ أحمد الذي تولى المشيخة بعد إعدام السلطات العثمانية لشقيقه الشيخ عبد السلام الثاني في عام 1914م في مدينة الموصل في عهد واليها سليمان نظيف باشا الديار بكري، بسبب مطالبته المستمرة للدولة العثمانية بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية للأكراد، بجانب اتصالاته بالروس عام 1913م في مدينة تفليس (عاصمة جورجيا) حيث التقى مع الغراندوق نائب القيصر الروسي بحضور الزعيم الكردي الإيراني سمكوشكاك. وعلى نفس السياق يذكر المستشرق الإنجليزي سبنسر ترمنجهام في معرض حديثه عن الحركات الصوفية التي عمت العالم الإسلامي في القرون الأخيرة، الطريقة النقشبندية وكيف أنها سادت أجزاء من كردستان لتحل محل الطريقة القادرية حيث يقول بهذا الصدد: ((… وقام أحد خلفاء خالد المدعو تاج الدين (جد شيوخ بارزان) بتوطيد نفسه في بارزان وهي منطقة كردية في شمال العراق … وقد كسب إبن تاج الدين عبد السلام وحفيده محمد مكانة روحية سامية بين القرويين شمال نهر الزاب الذين تخلوا عن الولاء القادري (الطريقة القادرية)، وجاؤوا لتكوين تجمع قبلي جديد … وفي سنة 1927م لصقت الفرقة سمعة سيئة خاصة حين أعلن أحد تلاميذ شيخها الخامس (ملا جوجه) ابن عم الشيخ احمد ,أن شيخه أو سيده – هو تجسيد لله – وأنه هو نبيه وقد عاش هذا النبي عدة شهور فقط ومات الدين الجديد معه …)).

وقد وافق الباحث الهولندي كيريس كتشارا على هذه البينات ضمنا التي قيلت بحق الشيخ أحمد البارزاني والقائلة بأنه يعمل في سبيل دين جديد قريب أو متقارب مع المسيحية، ويعزو ذلك إلى كونه رفع الحظر عن أكل لحم الخنزير. وقد أرجع كتشارا مثل هذه الطروحات إلى الموظفين البريطانيين الذين عملوا في العراق أثناء الانتداب البريطاني حيث كتب أحدهم ويعتقد بأنه لونكريك: ((في تموز عام 1931م فقد الشيخ أحمد المعنى الكامل (كذا) … وأمر أتباعه بتطبيق القوانين الجديدة وأكل لحم الخنزير )). أما الكولونيل ويلسون الحاكم الملكي العام البريطاني على العراق فقد علق على هذه المسألة خلال معرض حديثه عن مقتل الكولونيل بيل حاكم سياسي الموصل قائلاً: ((… والظاهر أن النزاع بين فارس آغا الزيباري والشيخ أحمد البرزاني قد سوي بواسطة الأتراك مؤقتاً. وكان الوكلاء في سوريا يعملون على نشر عقائد يعيرها الشيخ أذناً صاغية (ولا يعلم الباحث ماذا يقصد المستر ولسون بهؤلاء الوكلاء, هل انهم عملاء الاستخبارات البريطانية التي كانت مهمتهم صنع زعماء باطنيين على غرار الشيخ احمد واسلافه)ً، ذلك أن هذه العقائد تفتح باب أمل بعيد وسطوة إسلامية غير فعالة، تترك الأغوات يتمتعون بسلطة حقه. والظاهر أن المزارعين العشائريين ممن سيضطرون إلى البقاء تحت سيطرة رؤسائهم التامة لم يكونوا على كل حال، ينظرون النظرة نفسها إلى تلكم القضية )). واستطرد قائلاً: ((كيف أن مؤرخين، هم على قدر من الأهمية يسجلون للتاريخ مثل هذه الروايات )). ويشير إلى أن الشيخ رشيد لولان الزعيم الديني للصوفيين ( القادريين ) في منطقة برادوست المحاذية لمنطقة ميركه سور من الشرق استقبل عميلاً سرياً نقل إليه أسطورة تقول أن جاره القريب ويقصد الشيخ أحمد البارزاني يتآمر مع الأثوريين (النساطرة) ويعد العدة للتخلص من المسلمين فدفعه إلى الحرب ضده. علماُ ان اتباع ملا مصطفى البارزاني المدعومين من الجيش العراقي والشيوعيين العراقيين في سنة 1959 هاجموا قرى العشيرة اللولانية لانهم وقفوا ضد الحاد الشيوعيين الكرد وباطنية البارزانيين بقيادة الاخوين الشيخ احمد البارزاني ( اله بارزان ) وملا مصطفى البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ايام حكم الزعيم عبدالكريم قاسم حيث كان المد الشيوعي والشعوبي في اقصى مداه.

ويعلق الصحفي الأمريكي جوناثان راندل على هذه الظاهرة في كتابه (أمة في شقاق ) بقوله: ((في الثلاثينات اتهم البريطانيون والأكراد المعادون للبرزانيين، الشيخ أحمد بأنه أوجد طائفة خاصة … تبيح أكل لحم الخنزير، وعدم أداء الصلوات الخمس يومياً، وربما يكون هدف هذه التهم تشويه صورة الشيخ أحمد وطروحاته القومية في أعين الكرد المتدينيين. لكن جبال الشرق الأوسط شكلت على مر العصور ملجأً للطوائف والأقليات الدينية المختلفة مثل العلويين (النصيرية) واليزيديين والدروز، فضلاً عن سائر المذاهب المسيحية. وقد روى لي عبد السلام البرزاني ابن الشيخ سليمان (حفيد الشيخ عبد السلام الثاني ومدير بلدية ناحية بارزان حاليا) أن أحد أتباع الشيخ أحمد قال له ذات مرة، إن الناس ينتقدونه لأنه لا يصوم ولا يصلي يومياً، فرد عليه قائلاً: (هذا هو كل ما يقولونه ؟). ورداً عن سؤال عما إذا كان الشيخ أحمد قد أسس فعلاً طائفة خاصة، أجابني عبد السلام البرزاني بحذر قائلاً: (قد لا يخلو هذا القول من الصحة) ثم استشهد بآية قرآنية (يا أيها الذين آمنوا صلوا لعلكم تذكرون) (كذا) وقال: (نحن نشدد على التذكر فقط وليس على الصلاة، فبعض الناس يؤكدون على أن الإنسان أن يصلي خمس مرات يومياً وثلاث مرات فقط في بعض الأيام، ولكن إذا كنت تتذكر الله، فستتذكره وأنت نائم، وعندما تعمل، وعندما تمشي، و في كل ما تفعله). ويبدو أن هذا إشارة إلى الأذكار الخاصة بالطريقة النقشبندية التي تعتمد على الذكر السري بعكس الطريق القادرية التي مدارها على الذكر العلني , فضلا ان هذا الشيخ البارزاني لم يستطيع الاستشهاد بصورة صحيحة بالاية القرآنية, علما ان اصغر طلاب المدارس الابتدائية في كردستان وغيرها من بقاع العالم الاسلامي يستطيعون تلاوة هذه الاية القرآنية بصورة صحيحة.

ومما تجدر الاشارة اليه ان العديد من الباحثين الكرد يؤكدون بصورة لا تقبل الشك وجود ظاهرة الغلو عند الشيخ أحمد البارزاني واتباعه ,حيث ذكر احد الكرد من اتباع العشيرة الزيبارية في مقال له طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا على حياته من هذه الاسرة الظالمة واجهزتها القمعية الرهيبة ( الباراستن وغيرها ) ما نصه: ((ومن الجدير ذكره أنه في الفترة التي اعتبر الشيخ أحمد خدان بارزان ((إله بارزان)) في نهاية سنوات العشرينات وبداية سنوات ىالثلاثينات من القرن العشرين كان يذهب في أمسيات يوم الخميس إلى أحد الكهوف الواقعة في الشمال الشرقي من قرية بارزان عند السفح الجنوبي لجبل شيرين بقصد العبادة؟ وكان يسير واءه على مسافة قليلة أحد المرافقين الأمناء، الذي كان يقبع في باب الكهف بقصد حماية الشيخ لحين الانتهاء من طقوسه ، وفي احدى الايام سولت لهذا الحارس نفسه ليرى ماذا يفعل الشيخ، وبالقاءه نظرة خاطفة على باطن الكهف من وراء أحد جدران الكهف ، لمح الشيخ احمد البارزاني وهو مضطجع على ظهره، وقد رفع رجليه إلى الأعلى بصورة قائمة على جسمه، ومن سوء طالعه فقد لمحه الشيخ مما حدا به إلى الفرار وعبور نهر الزاب ملتجئاً إلى مدينة الموصل البعيدة عن سيطرة الشيخ وأعوانه، واستقر بها إلى أن مات حيث كان يعلم بما سيئول إليه مصيره لو أمسكه الشيخ، ويبدو لي أنها إحدى الرياضات الهندية ((اليوغا)) التي تسربت إلى الشيخ إما من الضباط الإنجليز، أو بواساطة الطريقة النقشبندية التي انتقلت الى كردستان من الهند حيث تنتشر فيها الرياضات الروحية والطقوس العجيبة بتأثير الديانات البوذية والهندوسية والشامانية وغيرها )).

وعندما اعلنت الوهية الشيخ احمد بين اتحاد القبائل البارزانية وقيام اتباعه (الديوانة) بهدم المساجد وقتل المصلين حتى الذين يحاولون تأدية الصلوات في مزارعهم او على ضفاف الانهر , قام علماء الدين الاسلامي (الملالي) الاكراد من عشيرة مزوري بالا (العليا) بتعرية وفضح ممارسات الشيخ احمد بارزاني ومساعده (الملا جوجه) واتباعهم , حتى اصدر الشيخ احمد قرارا بتصفية هؤلاء العلماء (أي بعبارة اخرى اغتيال جميع ائمة مساجد اتحاد قبائل بارزان) وهكذا بحلول سنة 1944 – 1945 تم اغتيال كل من : الملا يونس من اهالي قرية شنيكل، الملا ياسين علي من اهالي قرية بتلي، الملا جسيم بن ملا سليم من اهالي قرية بيندرو، المختار عبدالرحمن آغا رئيس قرية اركوش، محاولة قتل اسعد آغا شيتنه وقتل عمه.

ومما تجدر الاشارة اليه ان الشيخ احمد البارزاني عندما مات لم يوصي لاحد بتزعم مشيخة بارزان حسب رواية الكاتب البارزاني ايوب, غير ان مصادر اخرى موثوقة تشير الى ان الشيخ احمد لم يرى في ولديه الشيخ عثمان والشيخ محمد خالد الكفاءة لتولي منصب المشيخة, حيث اودعها الى ابن اخته (خورشيد) الذي استطاع احتواء اغلب اتباع الشيخ احمد من البارزانيين الذين يعتبرونه تجسيدا لرب العالمين (خودان بارزان – إله بارزان) ، وتمكن خورشيد من اضافة طقوس سرية الى اتباعه ومريديه (الديوان) الذين سموا فيما بعد بـ (الخورشيديين) وكان هؤلاء طوع بنانه, لذلك كثيرا ما تحدث خلافات بينه وبين البارزانيين الاخرين الذين كانوا يدينون بالولاء للشيخ عثمان بن الشيخ احمد او للزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني. وهولاء الخورشيديون كانوا من سكنة مجمع ( قوشتبه ) جنوب شرق اربيل ومجمع حرير وهم الذين تمت تصفيتهم مع زعيمهم خورشيد على يد السلطات العراقية عام 1983 بعد تعاون مسعود واخيه ادريس مع الايرانيين في هجومهم على قاطع حاج عمران.

ويذكر كثير من المعمرين من افراد العشيرة الزيبارية والشيروانية المجاورين لهؤلاء البارزانيين الحكايات الغريبة والعجيبة عن تصرفاتهم الهوجاء البعيدة عن كل قيم الاسلام والحضارة, فعلى سبيل المثال لهم صيحاتهم الغريبة خاصة عندما يطوفون حول قبور شيوخ بارزان في المقبرة الواقعة غرب بارزان اسفل الطريق العام, او عندما يتلون اذكارهم واورادهم الباطنية الخاصة بهم في التكية البارزانية ، كما انهم لايؤدون شعائر الاسلام من صلاة وزكاة وحج وصوم ولذلك لا ترى لهم مساجد في القرى المحسوبة عليهم بعكس القرى الكردية من العشائر الاخرى حيث يتواجد مسجد في كل قرية ولو كانت عبارة عن عدة بيوت , كما ان هؤلاء الخورشيديين (الديوانة) مستعدون غاية الاستعداد للانقضاض على كل من تسول له نفسه النيل من قدسية شيوخ بارزان لانهم يعتبرون انفسهم عبيداً لهؤلاء , فضلا ان أي شخص ارتكب خطأ ما او جريمة بمجرد وصوله الى مقبرة بارزان حيث قبور شيوخها فانه سيكون في مأمن كما انه لو دخل مكانا مقدسا او ضريحا لاحد القديسين او الاولياء عند اتباع الديانات الاخرى.

المرجع: شبكة العراق الثقافية