أبو يعقوب البويطي

توفي 231 هـ

الإمام يوسف بن يحيى البويطي ، من قرية بويط بمحافظة اسيوط مركز ساحل ستيم . صاحب الإمام الشافعي وتلميذه، وقد خلفه في حلقته،

 

من مؤلفاته كتاب المختصر فيه اختصار للعديد من دروس الإمام الشافعي.

 

امتُحن الإمام البويطي في محنة خلق القرآن، حيث أُخرج من مصر إلى بغداد، وثبت على رأيه في ذلك الأمر وقال: هو كلام الله غير مخلوق، فحبس ومات في سجنه سنة 231 هـ.

 

ورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

" أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي، صاحب الشافعي رضي الله عنه؛ كان واسطة عقد جماعته وأظهرهم نجابةً، اختص به في حياته، وقام مقامه في الدرس والفتوى بعد وفاته، سمع الأحاديث النبوية من عبد الله بن وهب الفقيه المالكي المقدم ذكره ومن الإمام الشافعي، وروى عنه أبو إسماعيل الترمذي وإبراهيم بن إسحاق الحربي والقاسم بن المغيرة الجوهري وأحمد بن منصور الرمادي وغيرهم. وكان قد حمل في أيام الواثق بالله من مصر إلى بغداد في مدة المحنة وأريد على القول بخلق القرآن الكريم فامتنع من الإجابة إلى ذلك، فحبس ببغداد، ولم يزل في السجن والقيد حتى مات، وكان صالحاً متنسكاً عابداً زاهداً.

 

قال الربيع بن سليمان: رأيت البويطي على بغل، في عنقه غل وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه الخلق بِكُنْ، فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق مخلوقاً، فوالله لأموتن في حديدي حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني الواثق.

 

وقال أبو عمر ابن عبد البر الحافظ في كتاب - الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء -: إن ابن أبي الليث الحنيفي قاضي مصر كان يحسده ويعاديه، فأخرجه في وقت المحنة في القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد، ولم يُخرج من أصحاب الشافعي غيره، وحمل إلى بغداد وحبس، فلم يجب إلى ما دعي إليه في القرآن، وقال: هو كلام الله غير مخلوق، وحبس ومات في السجن.

 

وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب - طبقات الفقهاء -: كان أبو يعقوب البويطي إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب السجن، فيقول له السجان: أين تريد؟ فيقول: أجيب داعي الله، فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني.

 

وقال أبو الوليد ابن أبي الجارود: كان البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي.

 

وقال الربيع: كان أبو يعقوب أبداً يحرك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البويطي. وقال الربيع أيضاً: كان لأبي يعقوب منزلة من الشافعي، وكان الرجل ربما يسأله عن المسألة فيقول له: سل أبا يعقوب، فإذا أجابه أخبره فيقول: هو كما قال. وقال أيضاً: ربما جاء رسول صاحب الشرطة إلى الشافعي فيوجه أبا يعقوب البويطي ويقول: هذا لساني.

 

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: لما مرض الشافعي مرضه الذي مات فيه جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، وقال ابن عبد الحكم: أنا أحق بمجلسه منك، فجاء أبو بكر الحميدي، وكان في تلك الأيام بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابي أعلم منه، فقال له ابن عبد الحكم: كذبت، فقال الحميدي: كذبت أنت وكذب أبوك وكذبت أمك، وغضب ابن عبد الحكم، فترك مجلس الشافعي وتقدم فجلس في الطاق، وترك طاقاً بين مجلس الشافعي ومجلسه، وجلس البويطي في مجلس الشافعي في الطاق الذي كان يجلس فيه.

 

وقال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم: رأيت أبي في المنام فقال لي: يا بني عليك بكتاب البويطي فليس في الكتب أقل خطأ منه.

 

وقال الربيع بن سليمان: كنت عند الشافعي أنا والمزني وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه أو جدّله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد، قال الربيع: فدخلت على البويطي أيم المحنة فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه مغلولة يداه إلى عنقه.

 

وقال الربيع أيضاً: كتب إليّ أبو يعقوب من السجن: إنه ليأتي علي أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي، فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك، واستوص بالغرباء خاصة خيراً، فكثيراً ما كنت أسمع الشافعي رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:

أهين لهم نفسي لأكرمها بهـم       ولن تكرم النفس التي لا تهينها

 

وأخباره كثيرة؛ وتوفي يوم الجمعة قبل الصلاة في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين، في القيد والسجن ببغداد، وقيل إنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، والأول أصح، رحمه الله تعالى؛ وقال ابن القرّاب في تاريخه: توفي يوم الثلاثاء في رجب، والله أعلم.

 

والبويطي، بضم الباء الموحدة وفتح الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها طاء مهملة، هذه النسبة إلى بويط، وهي قرية من أعمال الصعيد الأدنى من ديار مصر.

 

ويوسف: فيه ست لغات، ضمّ السين وفتحها وكسرها مع الواو وضم السين وفتحها وكسرها مع الهمزة عوض الواو، فالمجموع ست لغات، والياء أوله مضمومة في اللغات الست، وسيأتي نظيره في يونس".

 

وورد في كتاب "الفهرست" لابن النديم:

" البويطي واسمه يوسف بن يحيى ويكنى أبا يعقوب روى عن الشافعي قال الربيع كتب إلي البويطي من السجن يوصيني بأهل حلقتي ويقول اصبر نفسك عليهم فإني كنت اسمع الشافعي يقول:

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها      ولن يكرم النفس الذي لا يهينها

 

وللبويطي من الكتب كتاب المختصر الكبير كتاب المختصر الصغير كتاب الفرائض وروى عن البويطي الربيع بن سليمان وأبو إسماعيل الترمذي المزني وهو أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم المزني من مزينة قبيلة من قبائل اليمن أخذ عن الشافعي وكان ورعا فقيها على مذهب الشافعي ولم يكن في أصحاب الشافعي أفقه من المزني ولا أصلح من البويطي وتوفي بمصر يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس سلخ شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين وصلى عليه الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي وله من الكتب كتاب المختصر الصغير الذي بيد الناس وعليه يعول أصحاب الشافعي وله يقرأون وإياه يشرحون وله روايات مختلفة وأكثرها ما رواه النيسابوري الأصم واسمه وابن الأكفاني عبد الله بن صالح وأخو حروري الجوهري واسمه أحمد بن موسى كتاب المختصر الكبير وهو متروك كتاب الوثائق.

 

وجاء في "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" الإمام العلامة سيد الفقهاء يوسف أبو يعقوب بن يحيى المصري البويطي صاحب الإمام الشافعي لازمه مدة وتخرج به وفاق الأقران.

وحدث عن: ابن وهب والشافعي وغيرهما.

 

روى عنه: الربيع المرادي وإبراهيم الحربي ومحمد بن إسماعيل الترمذي وأبو محمد الدارمي وأبو حاتم وقال: هو صدوق وأحمد بن إبراهيم بن فيل والقاسم بن هاشم السمسار وآخرون.

 

وكان إماماً في العلم قدوة في العمل زاهداً ربانياً متهجداً دائم الذكر والعكوف على الفقه.

 

بلغنا أن الشافعي قال: ليس في أصحابي أحد أعلم من البويطي.

 

وقال الربيع بن سليمان: كان البويطي أبداً يحرك شفتيه بذكر الله وما أبصرت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله من البويطي ولقد رأيته على بغل في عنقه غل وفي رجليه قيد وبينه وبين الغل سلسلة فيها لبنة وزنها أربعون رطلاً وهو يقول: إنما خلق الله الخلق ب "كن" فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق بمخلوق ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني: الواثق ولأموتن في حديدي هذا حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.

 

قال ابن خزيمة: كان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أعلم من رأيت بمذهب مالك فوقع بينه وبين البويطي عند موت الشافعي فحدثني أبو جعفر السكري قال: تنازع ابن عبد الحكم والبويطي مجلس الشافعي فقال البويطي: أنا أحق به منك وقال الآخر كذلك فجاء الحميدي وكان بمصر فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف ليس أحد من أصحابي أعلم منه فقال ابن عبد الحكم: كذبت قال: بل كذبت أنت وأبوك وأمك وغضب ابن عبد الحكم فجلس البويطي في مكان الشافعي وجلس ابن عبد الحكم في الطاق الثالث.

 

القاضي زكريا بن أحمد البلخي: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد الترمذي حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان البويطي حين مرض الشافعي بمصر هو وابن عبد الحكم والمزني فتنازعوا الحلقة فبلغ ذلك الشافعي فقال: الحلقة للبويطي فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم الشافعي وأصحابه وكانت أعظم حلقة في المسجد فكان البويطي يصوم ويتلو غالباً في اليوم والليلة ختمة مع صنائع المعروف إلى الناس. وبه إلى الربيع قال: فسعي بالبويطي وكان أبو بكر الأصم ممن سعى به وما هو بابن كيسان الأصم وكان أصحاب ابن أبي دواد وابن الشافعي ممن سعى به حتى كتب فيه ابن أبي دواد إلى والي مصر فامتحنه فلم يجب وكان الوالي حسن الرأي فيه فقال له: قل فيما بيني وبينك قال: إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى قال: وقد كان أمر أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطل حديد.

 

قال الربيع: وكان المزني ممن سعى به وحرملة.

 

قال أبو جعفر الترمذي: فحدثني الثقة عن البويطي أنه قال: برئ الناس من دمي إلا ثلاثة: حرملة والمزني وآخر.

 

قلت: استفق ويحك وسل ربك العافية فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب وقع فيه سادة فرحم الله الجميع.

 

قال الربيع: كتب إلى أبو يعقوب البويطي أن أصبر نفسك للغرباء وحسن خلقك لأهل حلقتك فإني لم أزل أسمع الشافعي يقول كثيراً ويتمثل:

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها

 

ولن تكرم النفس التي لا تهينها

 

مات الإمام البويطي في قيده مسجوناً بالعراق في سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

 

عندي حديث في مسند أبي محمد الدارمي: حدثنا أبو يعقوب البويطي حدثنا الشافعي فذكره".