رضي الدين الرحبي

534- 631هـ

هو الشيخ الحكيم الإمام العالم رضي الدين أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي، من الأكابر في صناعة الطب، والمتعينين من أهلها، وله القدر والاشتهار والذكر الشائع عند الخواص والعوام، ولم يزل مبجلاً عند الملوك وغيرهم، كثيري الاحترام له.

 

كان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التحقيق حسن السيرة، محباً للخير وأهله، شديد الاجتهاد في مداواة المرض، رؤوفاً بالخلق، طاهر اللسان، ما عرف منه في سائر عمره أنه آذى حداً ولا تكلم في عرض غيره بسوء، وكان والده من بلد الرحبة، وله أيضاً نظر في صناعة الطب، إلا إن صناعة الكحل كانت أغلب عليه وعرف بها.

 

ولد الشيخ رضي الدين بجزيرة ابن عمر ونشأ بها وأقام أيضاً بنصيبين وبالرحبة سنين، وسافر إلى بغداد وإلى غيرها، واشتغل بصناعة الطب وتمهر فيها، واجتمع أيضاً في ديار مصر بالشيخ الموفق المعروف بابن جميع المصري، وانتفع به، وكان وصوله مع أبيه إلى دمشق في سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان في ذلك الوقت ملكها السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وأقام رضي الدين ووالده بدمشق سنين، وتوفي والده بها ودفن بجبل قاسيون، وبقي رضي الدين قاطناً بدمشق، وملازماً للدكان لمعالجة المرضى ونسخ بها كتاباً كثيرة، وبقي على تلك الحال مدة. واشتغل على مهذب الدين بن النقاش الطبيب ولازمه فنوه بذكره وقدمه، وتأدت به الحال إلى أن اجتمع بالملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فحسن موقعه عنده، وأطلق له في كل شهر ثلاثين ديناراً، ويكون ملازماً للقلعة والبيمارستان، فبقي كذلك مدة دولة صلاح الدين بأسرها، وكان صلاح الدين قد طلبه للخدمة في السفر فلم يفعل، ولما توفي صلاح الدين رحمه اللّه بدمشق، وذلك في ليلة الأربعاء ثلث الليل الأول سابع وعشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وانتقل الملك عن أولاده ألى أخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب واستولى على البلاد أمر بأن يكون في خدمته في الصحبة فلم يجب إلى ذلك، وطلب أن يكون مقمياً بدمشق فأطلق له الملك العادل ما كان مقرراً باسمه في أيام صلاح الدين، وأن يبقى مستمراً على ما هو عليه، وبقي على ذلك أيضاً إلى أن توفي الملك العادل، وملك بعده الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل فأجرى له خمسة عشر ديناراً، ويكون متردداً إلى البيمارستان فبقي متردداً إليه إلى أن توفي .

 

وكان مولد الشيخ رضي الدين الرحبي في شهر جمادى الأولى بجزيرة ابن عمر، وكان أول مرضه في يوم عيد الأضحى من سنة ثلاثين وستمائة، ووفاته رحمه اللَّه بكرة يوم الأحد العاشر من المحرم بدمشق، ودفن بجبل قاسيون، فعاش نحو المائة سنة، ولم يتبين تغير شيء من سمعه ولا بصره، وإنما كان في آخر عمره قد عرض له نسيان للأشياء القريبة العهد المتجددة، وأما الأشياء البعيدة المدة التي كان يعرفها من زمان طويل فإنه كان ذاكراً لها، وخلف ولدين الأكبر منهما شرف الدين أبو الحسن علي، والآخر جمال الدين عثمان، وحكي لي بعض أهله ممن لازمه في المرض أنه عند موته جس نبض يده اليسرى بيده اليمنى، وبقي كالمتأمل المفكر في ذلك، ثم ضرب بيديه كفاً على كف لأنه علم أن قوته قد سقطت، قال وعدّل زورقية كانت على رأسه بيديه، واستبسل للموت ومات بعد ذلك.

 

ولرضي الدين الرحبي من الكتب بتهذيب شرح ابن الطيب لكتاب الفصول لأبقراط، اختصار كتاب المسائل لحنين، كان قد شرع في ذلك ولم يكمله.

 


المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء

 



نصيبين
بغداد
مصر
دمشق