أبو الحسن الحراني

283- 365 هـ

هو أبو الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني، كان طبيباً فاضلاً كثير الدراية، وافر العلم، بارعاً في الصناعة، موفقاً في المعالجة، مطلعاً على أسرار الطب، وكان مع ذلك ضنيناً بما يحسن.

 

قال عبد الله بن جبرائيل لما دخل عضد الدولة إلى بغداد كان أول من لقيه من الأطباء أبو الحسن الحراني، وكان شيخاً مسناً، وسنان وكان أصغر من أبي الحسن؛ وكانا عالمين فاضلين، وكانا جميعاً يسعران المرضى ويمضيان إلى دار السلطان، فحسن ثناؤه عليهما، ولما دخلا إلى عضد الدولة قال من هؤلاء؟ قالوا الأطباء، قال نحن في عافية، وما بنا حاجة إليهم، فانصرفا خجلين، فلما خرجا من الدهليز قال سنان لأبي الحسن يجمل أن ندخل إلى هذا الأسد؛ ونحن شيخا بغداد فيفترسنا؟ قال له أبو الحسن فما الحيلة؟ قال نرجع إليه، وأنا أقول ما عندي، وننظر أيش الجواب قال افعل، فاستأذنا ودخلا فقال سنان أطال اللّه بقاء مولانا الملك، موضوع صناعتنا حفظ الصحة لا مداواة المرضى، والملك أحوج الناس إليه، فقال له عضد الدولة صدقت، وقرر لهما الجاري السني وصارا ينوبان مع أطبائه.

 

قال عبيد اللّه بن جبرائيل ولهما أحاديث كثيرة حسنة، منها حديث قلاّء الكبود، وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود، فكانا إذا اجتازا عليه دعا لهما وشكرهما، وقام لهما حتى ينصرفا عنه، فلما كان في بعض الأيام اجتازا فلم يرياه، فظنا أنه قد شغل عنهما، ومن غد سألا عنه، فقيل لهما إنه الآن قد مات، فعجبا من ذلك، وقال أحدهما للآخر له علينا حق يوجب علينا قصده ومشاهدته، فمضيا جميعاً وشاهداه، فلما نظرا إليه تشاورا في فصده، وسألا أهله أن يؤخروه ساعة واحدة ليفكروا في أمره، ففعلوا ذلك، وأحضروا فصاداً ففصده فصدة واسعة، فخرج منه دم غليظ، وكان كلما خرج الدم خف عنه، حتى تكلم، وسقياه ما يصلح، وانصرفا عنه، ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه، فكان هذا من المعجز لهما، فسئلا عن ذلك، فقالا سببه أنه كان إذا قلى الكبود يأكل منها، وبدنه ممتلئ دماً غليظاً وهو لا يحس، حتى فاض من العروق إلى الأوعية، وغمر الحرارة الغريزية وخنقها، كما يخنق الزيت الكثير الفتيلة التي تكون في السراج، فلما بدروه بالفصد نقص الدم وخف عن القوة الحملُ الثقيل، وانتشرت الحرارة وعاد الجسم إلى الصحة، وهذا الامتلاء قد يكون من البلغم أيضاً، وقد ذكر أسبابه الفاضل جالينوس في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة، قال عبيد اللّه بن جبرائيل ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحراني أنه دخل إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر، رحمه اللّه وكان إنساناً نبيل القدر قد عارضه ضيق نفس شديد صعب فأخذ نبضه وأشار بما يستعمله، فشاوره في الفصد فقال له لا أراه وإن كان يخفف المرض تخفيفاً بيناً، وانصرف، وجاءه أبو موسى المعروف ببقة الطبيب، وأبصر نبضه وقارورته وأشار بالفصد، فقال له الشريف قد كان عندي أبو الحسن الحراني الساعة وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صواباً، فقال بقة أبو الحسن أعرف، وانصرف، فجاءه بعض الأطباء الذين هم دون هذه الطبقة، فقال يفصد سيدنا فإنه في الحال يسكن، وقوى عزمه على الفصد ولم يبرح حتى فصده فعندما فصده خف عنه ما كان يجده خفاً بيناً، ونام وسكن عنه واغتذى وهو في عافية، فعاد إليه أبو الحسن الحراني آخر النهار فوجده ساكناً قاراً، فقال له، لما رآه في تلك الحال قد فصدت؟ فقال كيف كنت أفعل ما لم تأمرني به؟ قال ما هو هذا السكون إلا للفصد، فقال له الشريف لما علمت بهذا لم لا تفصدني قال له أبو الحسن الحراني إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمى ربع سبعين دوراً، ولو أن أبقراط وجالينوس عنده ما تخلص إلاَّ بعد انقضائها، واستدعى دواة ودرجاً، ورتب تدبيره لسبعين نوبة ودفعه إليه، وقال هذا تدبيرك، فإذا انقضى ذلك جئت إليك، وانصرف، فما مضى حتى جاءت الحمى وبقيت كما قال فما خالف تدبيره حتى برئ.

 

توفي أبو الحسن الحراني ببغداد.


المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء

 



عضد الدولة