جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع

تو. 1006م

كان مشهوراً بالفضل جيد التصرف في المداواة، عالي الهمة، سعيد الجد، حظياً عند الخلفاء، رفيع المنزلة عندهم، كثيري الإحسان إليه، وحصل من جهته من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء.

قال فثيون الترجمان: لما كان في سنة خمس وسبعين ومائة، مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، فتقدم الرشيد إلى بختيشوع أن يتولى خدمته ومعالجته، ولما كان في بعض الأيام قال له جعفر أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إليه، قال له بختيشوع ابني جبرائيل أمهر مني، وليس في الأطباء من يشاكله، فقال له احضرنيه، ولما أحضره عالجه في مدة ثلاث أيام وبرأ، فأحبه جعفر مثل نفسه، وكان لا يصبر عنه ساعة، ومعه يأكل ويشرب، وفي تلك الأيام تمطت حظية الرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها، والأطباء يعالجونها بالتمريخ والأدهان، ولا ينفع ذلك شيئاً، فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قد بقيت هذه الصبية بعلتها، قال له جعفر لي طبيب ماهر، وهو ابن بختيشوع، ندعوه ونخاطبه في معنى هذا المرض، فلعل عنده حيلة في علاجه، فأمر بإحضاره، ولما حضر قال له الرشيد ما اسمك؟ قال جبرائيل، قال له أي شيء تعرف من الطب؟ فقال أبرد الحار، وأسخن البارد، وأرطب اليابس، وأيبس الرطب الخارج عن الطبع، فضحك الخليفة وقال هذا، غاية ما يحتاج إليه في صناعة الطب، ثم شرح له حال الصبية، فقال له جبرائيل إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة، فقال له وما هي؟ قال تخرج الجارية إلى هاهنا بحضرة الجمع حتى أعمل ما أريده، وتمهل علي ولا تعجل بالسخط، فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت، وحين رآها جبرائيل عدا إليها ونكس رأسه ومسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها، فانزعجت الجارية، ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضاؤها، وبسطت يديها إلى أسفل، ومسكت ذيلها، فقال جبرائيل قد برئت يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد للجارية إبسطي يديك يمنة ويسرة ففعلت ذلك، وعجب الرشيد وكل من كان بين يديه، وأمر الرشيد في الوقت لجبرائيل بخمسمائة ألف درهم، وأحبه مثل نفسه، وجعله رئيساً على جميع الأطباء، ولما سئل جبرائيل عن سبب العلة، قال هذه الجارية أنصب إلى أعضائها وقت المجامعة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة، ولا جل أنّ سكون حركةِ الجماع تكوّن بغتة جَمُدت الفضلةُ في بطون جميع الأعصاب، وما كان يحلها إلا حركة مثلها، فاحتلت حتى انبسطت حرارتها وانحلت الفضلة.

قال فثيون وكان محل جبرائيل يقوى في كل وقت، حتى أن الرشيد قال لأصحابه كل من كانت له إلي حاجة فليخاطب بها جبرائيل، لأني أفعل كل ما يسألني فيه ويطلبه مني، فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم، وحاله تتزايد، ومنذ يوم خدم الرشيد وإلى أن انقضت خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد فحظي عنده، وفي آخر أيام الرشيد، عند حصوله بطوس، مرض المرضة التي توفي فيها، ولما قوي عليه المرض قال لجبرائيل لم لا تبرئني؟ فقال له قد كنت أنهاك دائماً عن التخليط، وأقول لك قديماً أن تخفف من الجماع فلا تسمع مني، والآن، سألتك أن ترجع إلى بلدك، فأنه أوفق لمزاجك فلم تقبل وهذا مرض شديد، وأرجو أن يمن اللَّه بعافتيك، فأمر بحبسه، وقيل له أن بفارس أسقفاً يفهم الطب، فوجه من يحضره إليه، ولما حضره ورآه قال له، الذي عالجك لم يكن يفهم الطب، فزاد ذلك أبعاد جبرائيل، وكان الفضل بن الربيع يحب جبرائيل، ورأى أن الأسقف كذاب يريد إقامة السوق، فأحسن فيما بينه وبين جبرائيل، وكان الأسقف يعالج الرشيد ومرضه يزيد، وهو يقول له أنت قريب من الصحة، ثم قال له، هذا المرض كله من خطأ جبرائيل، فتقدم الرشيد بقتله، فلم يقبل منه الفضل بن الربيع، لأنه كان يئس من حياته، فاستبقى جبرائيل. ولما كان بعد أيام يسيرة مات الرشيد، ولحق الفضل بن الربيع في تلك الأيام قولنج صعب أيس الأطباء منه، فعالجه جبرائيل بألطف علاج وأحسنه، فبرأ الفضل وازدادت محبته له وعجبه به.

لبختيشوع بن جبرائيل كتاب في الحجامة على طريق المسئلة والجواب.

المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء



بختيشوع
الرشيد