وَطَارِقِ لَيْلٍ مِنْ عُلَيّةَ زَارَنَا، |
وَقَد كادَ عَني اللّيْلُ يَنفَدُ آخِرُهْ |
فَقُلْتُ لَهُ: هَذا مَبِيتٌ، وَعِنْدَنا |
قِرَى طَارِقٍ مِنّا، قَرِيبٍ أوَاصِرُهْ |
كَرِيمٍ عَلَيْنَا زَارَنا عَنْ حَنَابَةٍ |
بهِ اللّيلُ إذْ حَلّتْ علينا عَساكِرُهْ |
فَبَاتَ وَبِتْنَا نَحْسِبُ اللّيلَ مُصْبحاً |
بها عندَنا، حَتى تَجَرّمَ غَابِرهْ |
فَلَوْ لمْ تكنْ رُؤياً لأصْبَحَ عِنْدَنَا |
كَرِيمٌ من الأضْيافِ عَفٌّ سَرَائرُهْ |
فَيا لَعِبَادِ الله! كَيْفَ تَخَيّلَتْ |
لَنَا بَاطلاً لَمّا جَلا اللّيْلَ نائرُهْ |
إلى أسَدٍ سِيري فَإنّ لِقَاءَهُ |
حيا الغيثِ يُحيي ميّتَ الأرْضِ ماطرُهْ |
إلَيْكَ أبَا الأشبالِ سارَتْ وَخَاطَرَتْ |
عَوَادِيَ لَيْلٍ كَانَ تُخشَى بَوادرُهْ |
لِتَلْقَى أبَا الأشْبَالِ، وَالمُسْتَغِيثُهُ |
من الفَقْرِ أوْ خَوْفٍ تُخافُ جَرَائرُهْ |
كَفاهُ الذي تَخشَى منَ الخَوْفِ نفسُه |
وَسُدّتْ بإعطاءِ الألُوفِ مَفاقِرُهْ |
دَعاني أبُو الأشْبَالِ وَالنِّيلُ دُونَهُ، |
وَأيُّ مُجِيبٍ إذْ دَعَاني وَزَائِرُهْ |
وَما زَالَ مُذْ كَانَ الخُماسِيَّ يَشترِي |
غَوَاليَ مِنْ مَجْدٍ عِظَامٍ مَآثِرُهْ |
يَعُودُ على المَوْلى نَدَاهُ وَمَالُهُ، |
وَقد عزّ وَسطَ القَوْمِ من هَو ناصِرُهْ |
عَلَتْ كَفُّكَ اليُمنى، طِعاناً ونائلاً، |
يَدَيْ كلِّ مِعْطَاءٍ وقِرْنٍ تُساوِرُهْ |
وَأنْتَ الذي تُسْتَهْزَمُ الخَيْلُ باسمهِ |
إذا لحِقَتْ وَالطّعْنُ حُمْرٌ بَصَائرُهْ |
وَدَاعٍ حَجَزْتَ الخَيْلَ عنهُ بطَعنةٍ |
لهَا عَانِدٌ لا تَطْمَئِنّ مسابِرُهْ |
وَقَد عَلِمَ الدّاعِيكَ أنْ ستُجيبُهُ |
بحَاجِزَةٍ، وَالنّقْعُ أكْدَر ثَائِرهْ |
عطَفْتَ عليهِ الخيلَ من خَلفِ ظهرِهِ |
وَقَدْ جاءَ بالمَوْتِ المُظلِّ مَقادِرُهْ |
رَدَدْتَ لَهُ الرّوحَ الذي هوَ قَدْ دَنَا |
إلى فِيهِ مِنْ مَجْرٍ إلَيْهِ يُبَادِرُهْ |
وَأنْتَ امْرُؤٌ يَبْتَاعُ بالسّيْفِ ما غَلا |
وَبالرّمح لمّا أكْسَدَ الطّعنَ تاجِرُهْ |
مَكارِمَ يُغْلِيها الطِّعَانُ إذا التَقَتْ |
عَوالٍ مِنَ الخَطّيّ، صُمٌّ مكاسِرُهْ |
وَأنْتَ ابنُ أمْلاكٍ وَكانتْ إذَا دَعَا |
إلَيْها نِسَاءُ الحَيّ تَسْعَى حرَائرُهْ |
يَداكَ يَدٌ إحداهُما النّيلُ وَالنّدى، |
ورَاحَتُهَا الأخْرَى طِعَانٌ تُعاوِرُهْ |
ولَوْ كانَ لاقاهُ ابنُ مامَةَ لانتَهَى |
وَجُودُ أبي الأشبالِ يَعلُوهُ زَاخرُهْ |
فَما أحيَ لا أجعَلْ لساني لِغَيْرِكُمْ، |
وَلا مِدَحي مَا حَيّ للزّيتِ عاصِرُهْ |
فَلَوْلا أبُو الأشْبَالِ أصْبَحْتُ نَائِياً |
وَأصْبَحَ في رِجْلَيَّ قَيْدٌ أُحَاذِرُهْ |
تَدارَكَني مِنْ هُوّةٍ كانَ قَعْرُهَا |
بَعِيداً وَأعْلاها كَؤودٌ مَصَادِرُهْ |
فَأصْبَحْتُ مِثْلَ الظّبْيِ أفلتَ بعدما |
منَ الحَبلِ كانَتْ أعلَقَتهُ مَرَائِرُهْ |
طَلِيقاً لِرَبّ العالَمِينَ، وَللّذِي |
يَمُنّ عَلى الأسْرَى وَجَارٍ يُجاوِرُهْ |
طَلِيقَ أبي الأشْبَالِ، أصْبَحَ جَارُهُ |
على حَيثُ لا يدنو من الطَّوْدِ طَائِرُهْ |
فَمَا أنَا إلاّ مِنْكُمُ مَا تَعَلّقَتْ |
حَيَاتي إلى اليَوْمِ الّذي أنَا صَائِرُهْ |
وَمَا لي شَيْءٌ كَانَ يُوفي بِنِعْمَةٍ |
عَليّ لَكُمْ مِنْ فَضْلِ ما أنا شاكِرُهْ |
وَلَوْ أنّ نَفْساً لي تَمَنّتْ سِوَى الذي |
لَقِيتُ لَكَانَ الدّهْرُ بي ذَلّ عاثِرُهْ |