وَبِيضٍ كَأرْآمِ الصّرِيمِ ادّرَيْتُهَا |
بَعَيْني وقَد عارَ السِّماكُ وَأسحَرَا |
وَسُودِ الذُّرَى بِيض الوُجُوهِ كأنّها |
دُمى هَكِرٍ يَنضحنَ مِسكاً وَعَنبرَا |
تَرَاخَى بهِنّ اللّيْلُ يَتْبَعْنَ فَارِكاً |
يضِيءُ سَنَاهَا سَابِرِيّاً مُزَعْفَرَا |
وَقُلنَ لها: يا هِندُ! لا تَبْعدي بِنَا، |
فإنّا نَخَافُ اللّيْلَ أنْ يَتَقَفّرَا |
عَلَينا، ونَخشَى النّاسَ أنْ يَشعرُوا بِنا |
فَيُصْبِحَ ما نخشَى عَلَينا مُشَنَّرَا |
فجئتُ من الجَنبِ الجَحيشِ وَقد أرَى |
مَخافَةَ مَنْ يأتي الرَّبَابَ وَشَعفَرَا |
فَعَاطَيْننَا الأفْوَاهَ، حَتى كَأنّمَا |
شَرِبْنا بِرَاحٍ مِنْ أبَارِيقِ تُسْتَرَا |
فَلَمْ أدْرِ ما بُرْدايَ حَتى إذا انجَلى |
سوَادُ الدُّجى عن وَاضِحِ اللوْن أشقرَا |
تَنَعَّلْنَ أطْرَفَ الرِّيَاطِ، وَواءَلَتْ |
مَخافَةَ سَهْلِ الأرْضِ أن يَتقفّرَا |
وَقُلْتُ لَهُنّ: احْذُونَنا، فحَذَوْنَنا |
شَبَارِيقَ رَيْطٍ، أوْ رِداءً مُحَبَّرَا |
فَلَمْ أرَ قَوْماً يَحْتَذُونَ فعَالَنا، |
ولا مَجِلساً أحْلى حَدِيثاً وَأنْضَرَا |
مِنَ المَجْلِسِ المُسْتَأنِسِينَ كأنّهُمْ |
لَدَى حَرْمَلِ البَطحَاءِ جنّانُ عَبقَرَا |
مَتى مَا تَرِدْ يَوْماً سَفَارِ تَجِدْ بهَا |
أُدَيْهِمَ يَرْمي المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرَا |
يَظلّ إلى أنْ تَغرُبَ الشمسُ قَائِماً |
تشمُّسَ حِرْباءِ الصُّوَى حينَ أظهَرَا |
يُطَرِّدُ عَنْهَا الجَائِزِينَ، كَأنّهُ |
غُرَابٌ عَلى أنْبَاثِهَا غَيرُ أعْوَرَا |
أأسْقَيْتَهَا وَالعُودُ يَهتَزّ في النّدى |
كَأنّ بجَنْبَيْهِ زَرَابيَّ عَبْقَرَا |
فَلَمّا رَجَعْنا للّذِي قُلْتَ قَائِظاً، |
أبَيْتَ، وَكانَتْ عِلّةً وَتَعَذُّرَا |
فَلَمّا احتَضَرْنَا للجَوَازِ وَقَوّمَتْ |
على الحَوْض رَاموها من الشُّرْبِ مُنكَرَا |
فَقالوا: ألا قَبْرُ الهُذَيْلِ مَجازُها؟ |
فقلتُ لهمْ: لمْ تُصْدروا الأمرَ مُصْدَرَا |
أتَشرَبُ أسلابَ امرِىءٍ كانَ وَجْهُهُ |
إذا أظلمتْ سِيما امرِىءِ السوء أسفرَا |
كَذَبتُمْ وَآياتِ الهُدى لا تَذُوقُهُ |
لَبُوني وَإنْ أمْسَتْ خَوَامسَ ضُمَّرَا |
أنَفْتُ لَهُ بِالسّيْفِ لَمّا رَأيْتُهَا |
تَدُكّ بِأيْدِيهَا الرَّكِيَّ المُعَوَّرَا |
يَفُضّ عَرَاقِيبَ اللّقَاحِ، كَأنّهُ |
شِهَابُ غَضاً شَيّعْتَهُ فَتَسَعّرَا |
ألَيْسَ امرُؤٌ ضَيْفاً وَقد غابَ رَهطُهُ |
وَلَوْ سِيمَ حَيّاً مِثلَ هذا لأنْكَرَا |
أجادَتْ بِهِ مِنْ تَغْلِبَ ابنَةِ وَائِلٍ |
حَصَانٌ لقَرْمٍ من رَبِيعَةَ أزْهَرَا |
فَمَنْ مُبْلِغٌ فِتْيَانَ تَغْلِبَ أنّني |
عَقَرْتُ على قَبْرِ الهُذَيلِ ليُذكَرَا |
وَرُحْنا بأُخْرَى ما أجازُوا وَبَرّكَتْ |
على الحَوْضِ مِنها جِلّةٌ لَنْ تَثَوَّرَا |
رَأتْ ذائداً حُرّاً، فَطَيّرَ سَيْفُهُ |
عَنِ الحَوْضِ أولادها فأجلَينَ نُقَّرَا |
وَباتَتْ بِجُثْمَانِيّةِ المَاءِ بَيْتُهَا |
إلى ذاتِ رِجْلٍ كَالمَآتِمِ حُسَّرَا |
يُحَبِّسُهَا جَنبَي سُفَيرٍ، وَيتّقي |
عَلَيْها ضَغَابيسَ الحِمى أنْ تُعقَّرَا |
وَقَدْ سُمّنَتْ حَتى كَأنّ مَخاطَها |
هِضَابُ القَليبِ أوْ فَوادِرُ عَضُوَرَا |
فَأصْبَحَ رَاعِيهَا تَخَالُ قَعودَهُ |
من الجَهدِ قد مَلّ الرّسِيمَ وَأقصَرَا |
مُطِلاًّ على آثَارِهَا مُسْتَقِدّةً، |
كَأنّ بِجَنْبَيْهِ عَقابِيلَ خَيْبَرَا |
وَلَمّا رَأتْ رَأسَ الجُذاعِ كَأنّهُ |
يُعَامِسُ لُجّاً أوْ يُنازِعُ مَعْبَرَا |
تَباشَرْنَ واعصَوْصَبْنَ لَمّا رَأيْنَهُ |
بمُنْصَلِتٍ لا يَرْتَجي مَا تَأخّرَا |
فصَبّحْنَ قَبلَ الوَارِدَاتِ مِنَ القَطا، |
ببَطحَاءِ ذي قَارٍ، فَضَاءً مُفَجَّرَا |
تَبَلَّعُ حِيتَانَ الفَضَاءِ وَتَنْتَحِي |
بِأعْنَاقِهَا في سَاكِنٍ غَيرِ أكَدَرَا |
إذا الحُوتُ مِنْ حَوماتهنّ اختَلَجَنَهُ |
تَزعّمَ في أشْداقِهِنّ، وَجَرجَرَا |
فَوَلّتْ أُصَيْلالاً وَقَد كانَ بَعدَهَا |
ضفَادِعُ ما نَالَتْ مِنَ العَينِ خُزَّرَا |
فَأضْحَتْ غَداةَ الغِبِّ عَنّا كَأنّما |
يُدالي بهِا الرّاعي غَماماً كَنَهْورَا |
وَلَو شاءَ يَعسُوبُ الطُّفاوَة أصْبَحَتْ |
رِواءً بجَيّاشِ الخَسِيفَةِ أقْمَرَا |
وَلاقَتْ مِنَ الحِرْمازِ أوْلادَ مِجشَإٍ |
وَمِنْ مَازِنٍ شَرِّ القَبَائِلِ مَعشَرَا |