ألا استَهْزَأتْ مني هُنَيدَةُ أنْ رَأتْ |
أسِيراً يُداني خَطْوَهُ حَلَقُ الحِجلِ |
وَلَوْ عَلِمَتْ أنّ الوَثَاقَ أشَدُّهُ |
إلى النّارِ قالتْ لي مَقالةَ ذي عَقلِ |
لَعَمْرِي لَئِنْ قَيّدْتُ نَفْسي لطالما |
سَعَيتُ وأوْضَعْتُ المَطِيّةَ للجَهلِ |
ثَلاثِينَ عاماً ما أرَى مِنْ عَمَايَةٍ، |
إذا بَرَقَتْ، إلاّ شَدَدْتُ لها رَحْلي |
أتَتْني أحادِيثُ البَعِيثِ وَدُونَهُ |
زَرُودٌ فشاماتُ الشّقيقِ إلى الرّمْلِ |
فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخَبِيثَةِ أنّني |
شُغِلْتُ عن الرّامي الكِنانَةَ بالنَّبْلِ |
فإنْ يَكُ قَيْدي كان نَذراً نَذَرْتُهُ، |
فما بي عَنْ أحْسابِ قَوْميَ من شغلِ |
أنا الضّامنُ الرّاعي عَلَيْهِمْ، وَإنّما |
يُدافَعُ عنْ أحسابهِمْ أنا أوْ مِثْلي |
ولَو ضَاعَ ما قالُوا ارْعَ منّا وَجَدتَهم |
شِحاحاً على الغالي من الحَسبِ الجَزْلِ |
إذا ما رَضُوا مني، إذا كنتُ ضَامِناً |
بأحسابِ قَوْمي في الجبِالِ وفي السّهلِ |
فَمَهما أعِشْ لا يُضْمِنُوني وَلا أضَعْ |
لهُمْ حَسَباً ما حَرّكَتْ قَدَمي نَعْلي |
وَلَستُ إذا ثَارَ الغُبارُ على امرِىءٍ، |
غَداةَ الرّهانِ، بالبَطيء ولا الوَغْلِ |
وَلَكِنْ تُرى لي غَايَةُ المَجْدِ سابقاً، |
إذا الخَيلُ قادَتها الجيادُ معَ الفَحلِ |
وَحَوْلَكَ أقَوامٌ رَددْتَ عُقُولَهُمْ |
عَلَيهمْ لكانوا كالفَرَاشِ من الجَهلِ |
رَفَعْتُ لهُمْ صَوْتَ المُنادي فأبصرُوا |
على خَدِباتٍ في كَواهِلِهمْ جُزْلِ |
وَلوْلا حَيَاءٌ زِدْتُ رَأسَك هَزْمَةً، |
إذا سُبِرَتْ ظَلّتْ جَوانِبُها تَغْلي |
بَعِيدَةُ أطْرَافِ الصُّدُوعِ كَأنّهَا |
رَكِيّةُ لُقْمَانَ الشّبِيهَةُ بالذَّحْلِ |
إذا نَظَرَ الآسُونَ فِيهَا تَقَلّبَتْ |
حَماليقُهمْ من هَوْلِ أنيابِها الثُّعْلِ |
إذا ما رَأتْها الشّمسُ ظَلّ طَبِيبُهَا |
كمَن ماتَ، حتى اللّيلِ مُختَلَس العقلِ |
يَوَدّ لَكَ الأدْنَوْنَ لوْ مُتّ قَبْلَها، |
يَرَوْنَ بهَا شَرّاً عَلَيْكَ من القَتْلِ |
تعرَى في نَواحِيها الفِرَاخَ، كَأنّما |
جَثَمْنَ حَوَاليْ أُمّ أرْبَعَةٍ طُحلِ |
شَرَنْبَثَةٌ شَمْطَاءُ مَنْ يَرَ ما بِها |
تُشِبْهُ وَلَوْ بَينَ الخِماسِيّ وَالطِّفْلِ |
إذا ما سَقَوْها السّمن أقْبَلَ وَجهُها |
بعَينيْ عَجوزٍ من عُرَينَةَ أوْ عُكلِ |
جَنَادِفَةٍ سَجْرَاءَ، تَأخُذُ عَيْنُها |
إذا اكتحَلتْ نصْفَ القفيزِ من الكُحلِ |
وَإني لَمِنْ قَوْمٍ يَكُونُ غَسُولُهمْ |
قِرَى فأرَةِ الدّارِيّ تُضرَبُ في الغَسلِ |
فما وَجَدَ الشّافُونَ مثلَ دِمائِنا |
شِفاءً ولا السّاقونَ من عسل النّحلِ |