لولا يدا بشر بن مروان لم أبل الفرزدق

لَوْلا يَدا بِشْرِ بنِ مَرْوَانَ لمْ أُبَلْ

تَكَثُّرَ غَيْظٍ في فُؤادِ المُهَلَّبِ

فإنْ تُغلِقِ الأبَوابَ دُوني وَتَحتَجبْ

فَمَا ليَ مِنْ أُمٍّ بِغَافٍ وَلا أبِ

وَلَكِنّ أهْلَ القَرْيَتَينِ عَشِيرَتي،

وَلَيسوا بوَادٍ مِنْ عُمانَ مَصَوِّبِ

غَطارِيفُ من قَيسٍ مَتى أدْعُ فيهمِ

وَخِندِفَ يَأتُوا للصّرِيخِ المُثَوِّبِ

ولمّا رَأيْتُ الأزْدَ تَهْفُو لحاهُمُ

حَوَاليْ مَزَوْنِيٍّ لَئِيمِ المُرَكَّبِ

مُقَلَّدَةً بَعْدَ القُلُوسِ أعِنّةً

عَجِبتُ، وَمَن يَسمَعْ بذلك يَعجبِ

تَغُمُّ أُنُوفاً لَمْ تَكُنْ عَرَبِيّةً

لِحَى نَبَطٍ، أفْوَاهُهَا لَمْ تُعَرَّبِ

فكَيْفَ وَلمْ يَأتُوا بمَكّةَ مَنسِكاً؛

ولمْ يَعبُدوا الأوْثَانَ عِندَ المحصَّبِ

ولمْ يَدْعُ داعٍ: يا صَباحاً، فيَرْكَبوا

إلى الرّوْعِ إلاّ في السّفِينِ المُضَبَّبِ

وَمَا وُجِعَتْ أزْدِيّةٌ مِنْ خِتَانَةٍ،

وَلا شَرِبَتْ في جِلدِ حَوْبٍ مُعَلَّبِ

وَما انْتابَها القُنّاصُ بالبَيْضِ وَالجنا،

وَلا أكَلَتْ فَوْزَ المَنِيحِ المُعَقَّبِ

وَلا سَمَكَتْ عَنها سَمَاءً وَلِيدَةٌ،

مَظَلّةُ أعْرَابِيّةٍ فَوْقَ أسْقُبِ

ولا أوْقَدَتْ ناراً لِيعْشُوَ مُدْلِجٌ

إليها، وَلمْ يُسْمَعْ لها صَوْتُ أكْلُبِ

ولا نَثَرَ الجاني ثِبَاناً أمَامَهَا؛

وَلا انتَقلتْ من رَهبةٍ سَيلَ مِذنَبِ

وَلا أرْقَصَ الرّاعي إلَيهَا مُعَجِّلاً

بِوَطْبِ لَقَاحٍ أوْ سَطيحَةِ مُعزِبِ