لعزّة أطلالٌ أبتْ أنْ تكلّما |
تهيجُ مغانيها الطَّروبَ المتيَّما |
كأنَّ الرّياحَ الذّارياتِ عشيّة ً |
بأطْلالها يَنْسِجنَ رَيْطاً مُسهَّما |
أَبَتْ وأَبَى وَجْدِي بِعَزَّة َ إذْ نَأْتْ |
على عدواءِ الدَّارِ أنْ يتصرَّما |
ولكنْ سقى صوبُ الرّبيعِ إذا أتى |
على قَلَهيَّ الدَّارِ والمُتَخَيَّما |
بغادٍ من الوسميِّ لمّا تصوَّبتْ |
عثانينُ واديهِ على القعرِ ديِّما |
سقى الكُدرَ فاللَّعباءَ فالبُرقَ فالحمى |
فلوذَ الحصى من تغلمينِ فأظلَما |
فأروى جنوبَ الدَّونكينِ فضاجعاً |
فدرَّ فأبلى صادقَ الوبلِ أسحما |
تثُجُّ رواياهُ إذا الرَّعدُ زجَّها |
بشابة َ فالقُهبِ المزادَ المُحذلما |
فأصبح من يرعى الحمى وجنوبَهُ |
بذي أَفَقٍ مُكّاؤهُ قد تَرَنَّما |
دِيَارٌ عَفَتْ مِنْ عَزَّة َ الصَّيْفَ بعدما |
تُجدُّ عليهنَّ الوشيعَ المثمّما |
فإنْ أَنْجَدَتْ كان الهوى بكَ مُنجداً |
وإنْ أتْهَمَتْ يوماً بها الدَّارُ أتْهما |
أجدَّ الصِّبا واللّهوُ أن يتصرّما |
وأنْ يعقباكَ الشَّيبَ والحلمَ منهُما |
لَبِسْتَ الصِّبَا واللَّهْوَ حتَّى إذا انقضى |
جَدِيدُ الصِّبَا واللّهوِ أعرضت عنهما |
خليلينِ كانا صاحبيكَ فودّعا |
فخذْ منهما ما نوَّلاكَ ودعهُما |
على أنَّ في قلبي لِعزَّة وَقْرَة ً |
مِنَ الحُبِّ ما تَزْدَادُ إلا تتيُّما |
يطالبُها مستيقناً لا تثيبُهُ |
ولكن يُسلّي النّفسَ كي لا يلوَّما |
يَهَابُ الَّذي لم يُؤْتَ حلماً كلامَها |
وإنْ كان ذا حلمٍ لديها تحلَّما |
تَرُوكٌ لِسِقْطِ القَوْلِ لا يُهتَدَى به |
ولا هيَ تستوصى الحديثَ المُكتَّما |
وَيَحْسَبُ نسْوانٌ لهنَّ وسيلة ً |
من الحُبّ، لا بَلْ حُبُّها كان أقدما |
وعُلّقْتُها وَسْطَ الجواري غَرِيرَة ً |
وما قُلّدَتْ إلا التّميمَ المنظَّما |
غيوفُ القذى تأبى فلا تعرفُ الخنا |
وترمي بعينيها إلى مَنْ تَكَرَّما |
إلى أن دعتْ بالدَّرعِ قبلَ لداتِها |
وعادتْ تُرى منهنَّ أبهى وأفخما |
وغالَ فضولَ الدَّرع ذي العرضِ خلقُها |
وَأَتْعَبَتِ الحجْلَينِ حتَّى تقَصَّما |
وكظّتْ سواريْها فلمْ يألُوانِها |
لدنْ جاورا الكفّينِ أنْ يتقدّما |
وتُدني على المتنينِ وحفاً كأنّهُ |
عَنَاقِيدُ كَرْمٍ قد تَدَلّى فأنعما |
من الهيفِ لا تخزى إذا الرّيحُ ألصقتْ |
على متنِها ذا الطُرَّتين المنَمنما |
وكنتُ إذا ما جئتُها بعدَ هجرة ٍ |
تقاصرَ يومئذٍ نهاري وأغيما |
فأقسمتُ لا أنسى لعزَّة َ نظرة ً |
لها كدتُ أُبدي الوجد منّي المجمجِما |
عَشِيَّة َ أوْمتْ، والعيونُ حواضِرٌ |
إليَّ برجعِ الكفِّ أنْ لا تكلَّما |
فأعرضتُ عنها والفؤادُ كأنّما |
يرى لو تناديهِ بذلك مغنما |
فإنّكَ -عمري- هل أريكَ ظعائناً |
بصحنِ الشَّبا كالدَّومِ من بطنِ تريما |
نَظَرْتُ إليها وَهْيَ تَنْضُو وَتَكْتَسِي |
من القفرِ آلاً كلَّما زالَ أقتَما |
وقد جعلَتْ أشجانَ بركٍ يمينَها |
وَذَاتَ الشّمَالِ مِنْ مُريخة َ أشْأما |
مولِّية ً أيسارها قطنَ الحمى |
تواعدنَ شرباً من حمامة َ مُعلما |
نَظَرْتُ إليها وهيَ تُحْدى عشيّة ً |
فأتبعتُهمْ طرفيَّ حتّى تتمّما |
تروعُ بأكنافِ الأفاهيدِ عيرُها |
نعاماً وحقباً بالفدافدِ صيّما |
ظَعَائِنُ يَشْفِينَ السَّقِيمَ مِنَ الجَوَى |
بهِ يُخبِّلنَ الصّحيحَ المُسلَّما |
يُهِنَّ المُنَقَّى عِنْدَهُنَّ من القَذَى |
ويُكْرِمْنَ ذا القاذورة ِ المتكرِّما |
وكنتُ إذا ما جئتُ أجللنَ مجلسي |
وأبدين منّي هيبة ً لا تجهُّما |
يُحَاذِرْنَ مِنّي غَيْرَة ً قد عَلِمْنها |
قديماً فما يَضْحَكْنَ إلاَّ تبسُّما |
يُكَلّلنَ حَدَّ الطَّرفِ عن ذي مهابة ٍ |
أبانَ أولاتِ الدَّلِّ لمّا توسَّما |
تَرَاهُنَّ إلاَّ أنْ يؤدّينَ نظرَة ً |
بمؤخِرِ عَيْنٍ أو يُقلِّبْنَ مِعْصَمَا |
كواظمَ لا ينظقنَ إلاّ محورة ً |
رجيعة َ قولٍ بعدَ أنْ يُتفهَّما |
وَكُنَّ إذا ما قُلْنَ شيئاً يسُرُّهُ |
أَسَرَّ الرِّضا في نفسه وتجرّما |
فأَقْصَرَ عن ذاك الهَوَى غيرَ أنَّهُ |
إذا ذُكِرَتْ أَسْمَاءُ عَاجَ مُسلِّما |