لقد كنتَ للمظلومِ عزّاً وناصراً |
إذا ما تَعَيَّا في الأمورِ حُصُونُها |
كما كانَ حصناً لا يُرامُ ممنَّعاً |
بأشبالِ أُسدٍ لا يُرامُ عرينُها |
وَلِيتَ فَمَا شَانَتْكَ فينا ولا ية ٌ |
ولا أَنْتَ فيها كنتَ ممّن يَشينها |
فعفَّتْ عن الأموالِ نفسُكَ رغبة ً |
وأكرِمْ بنفسٍ عندَ ذاكَ تصونُها |
وعطَّلتَها منْ بعد ذلك كالّذي |
نَهى نَفْسَهُ أنْ خالَفَتْهُ يُهينها |
كَدَحْتَ لها كَدْحَ امرىء ٍ مُتحرّجٍ |
قدَ أيقنَ أنَّ اللهَ سوفَ يدينُها |
فَمَا عَابَ مِنْ شَيءٍ عليهِ فإنَّهُ |
قد اسْتَيْقَنَتْ فيه نفوسٌ يقينها |
فعِشتَ حميداً في البريَّة ِ مقسطاً |
تؤدّي إليها حقَّها ما تخونُها |
ومُتَّ فقيداً فهيَ تبكي بعولة ٍ |
عليكَ وَحُزْنٍ، ما تجفُّ عيونها |
إذا ما بدا شجواً حمامٌ مغرِّداً |
على أَثْلَة ٍ خَضْرَاءَ دانٍ غصونها |
بَكَتْ عُمَرَ الخَيْرَاتِ عَيني بعَبْرَة ٍ |
على إثرِ أخرى تستهلُّ شؤونُها |
تَذَكَّرْتُ أيّاماً خَلَتْ وليالياً |
بها الأمنُ فيها العدلُ كانتْ تكونُها |
فإنْ تصبحِ الدُّنيا تغيَّرَ صفوُها |
فَحالتْ وأمْسَتْ وهي غَثٌّ سمينها |
فقد غَنِيتْ إذْ كُنْتَ فيها رخيّة ً |
ولكنَّها قِدْماً كَثيرٌ فنونها |
فلو كانَ ذاقَ الموتَ غيرُكَ لم تجدْ |
سَخِيّاً بها ـ ما عِشْتَ فيها ـ يمونها |
فَمَنْ لِلْيتامى والمَسَاكِينِ بَعْدَهُ |
وأرملة ٍ باتتْ شديداً أنينُها |
وليسَ بها سقمٌ سوى الجوعِ لم تجدْ |
على جُوعِها من بَعْدِها مَن يُعينها |
وكنتَ لها غيثاً مَريعاً ومَرْتعاً |
كما في غمارِ البحرِ أمرعَ نونُها |
فإن كانَ للدُّنيا زوالٌ وأهلِها |
ـ لعدل إذا ولّى ـ فقد حان حينها |
أقامتْ لكم دُنْيا وزال رَخَاؤها |
فلا خيرَ في دنيا إذا زالَ لينُها |
بَكَتْهُ الضَّواحي واقشعرَّتْ لفَقْدِهِ |
بحزنٍ عليهِ سهلُها وحزونُها |
فكلُّ بلادٍ نالها عدلُ حكمِهِ |
شِدُيدٌ إليها شَوْقُها وحنينُها |
فلمّا بكتهُ الصَّالحاتُ بعدلهِ |
وما فاتها منهُ بكتهُ بطونُها |
ولمّا اقشعرَّتْ حينَ ولّى وأيقنت |
لقد زالَ منها أنسُها وأمينُها |
وقالتْ لهُ أهلاً وسهلاً وأشرقتْ |
بنورٍ له مستشرفاتٍ بُطُونُها |
فإنْ أشْرَقَتْ منها بَطونٌ وأبْشرَتْ |
لهُ إذْ ثوى فيها مقيماً رهينُها |
وقد زانها زيناً لهُ وكرامة ً |
كما كانَ في ظهر البلادِ يزينُها |
لقد ضُمّنَتْهُ حُفْرَة ٌ طَابَ نَشْرُهَا |
وَطَابَ جنيناً ضُمّنَتْهُ جنينُها |
سقى ربُّنا من ديرِ سمعانَ حفرة ً |
بها عُمَرُ الخيْراتِ رَهْناً دَفِينها |
صوابحَ منْ مزنٍ ثقالٍ غوادياً |
دوالحَ دهماً ماخضاتٍ دجونُها |