خليليَّ منْ عليا هلالِ بنِ عامرٍ |
بِصَنْعَاءِ عوجا اليومَ وانتظراني |
أَلم تَحْلِفا بِالله أَنِّي أَخُوكُمَا |
فلمْ تفعلا ما يفعلُ الأخوانِ |
ولم تَحْلِفا بِالله قدْ عَرَفْتُمَا |
بذي الشِّيحِ رَبْعاً ثُمَّ لا تَقِفَانِ |
ولا تَزْهدا في الذُّخْرِ عندي وَأَجْمِلاَ |
فَإنَّكُمَا بِيْ اليومَ مبتَلِيَانِ |
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنْ لَيْسَ بِالمَرْحِ كُلِّهِ |
أَخٌ وصدِيقٌ صالحٌ فَذَراني |
أفي كلِّ يومٍ أنتَ رامٍ بلادها |
بِعَيْنَيْنِ إنساناهما غَرِقَانِ |
وعينايَ ما أوفيتُ نشزاً فتنظرا |
بِمَأْقَيْهما إلاَّ هما تَكِفَانِ |
أَلاَ فَاحْمِلاَنِي بارَكَ الله فِيكُما |
إلَى حَاضِرِ الرَّوْحَاءِ ثُمَّ ذَرَانِي |
على جسرة ِ الأصلابِ ناجية ِ السُّرى |
تُقْطِّعُ عَرْضَ البيدِ بِالوَخَذَانِ |
إذا جبنَ موماة ً عرضنَ لمثلها |
جَنَادِبُها صَرْعى من الوَخَدَانِ |
ولا تعذلاني في الغواني فإنّني |
أَرَى فِي الغواني غَيْرَ ما تَرَيَانِ |
إلمّا على العفراءِ أنّكما غداً |
وَمَنْ حَلِيتْ عَيني به ولساني |
فيا واشِيَيْ عفرا دعاني ونظرة ً |
تقرُّ بها عينايَ ثمَّ دعاني |
أَغَرَّكما لا بَارَكَ الله فيكما |
قميصٌ وَبُرْدا يَمنة ٍ زَهَوانِ |
متى تكشفا عنِّي القميصَ تَبَيَّنا |
بِيَ الضُّرَّ من عَفْراء يا فَتَيَانِ |
وَتَعْتَرفَا لَحْماً قليلاً وَأَعْظُماً |
دِقَاقاً وَقَلْباً دائمَ الخَفَقانِ |
على كبدي منْ حبِّ عفراءَ قرحة ٌ |
وعينايَ منْ وجدٍ بها تكِفانِ |
فعفراءُ أرجى النّاسُ عندي مودّة ً |
وعفراء عنّي المُعْرِضُ المتواني |
أُحِبُ ابْنَة َ العُذْرِيِّ حُباً وَإنْ نَأَتْ |
وَدانَيْتُ فيها غيرَ ما مُتَدانِ |
إذَا رَامَ قلبي هَجْرَهَا حالَ دونَه |
شَفِيعانِ من قَلْبِي لها جَدِلانِ |
إذَا قلتُ لا قالا: بلي، ثمَّ أَصْبَحَا |
جَمِعياً على الرَّأْيِ الذي يَرَيانِ |
فيا ربِّ أنتَ المستعانُ على الّذي |
تحمّلتُ منْ عفراءَ منذُ زمانِ |
فيا ليتَ كلَّ اثنينِ بينهما هوى ً |
منَ النّاسِ والأنعامِ يلتقيانِ |
فَيَقْضِي مُحِبٌّ مِن حَبيبٍ لُبَانة ً |
ويرعاهما ربّي فلا يُريانِ |
أَمامي هوى ً لا نومَ دونَ لِقَائِهِ |
وَخَلْفِي هوى ً قد شفَّني وبَرَاني |
فمنْ يكُ لم يغرضْ فإنّي وناقتي |
بِحَجْرٍ إلَى أَهْلِ الحِمى غَرَضانِ |
تحنُّ فتبدي ما بها منْ صبابة ٍ |
وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني |
هوى ناقتي خَلْفِي وقُدَّامي الهوى |
وَإنِّي وَإيَّاهَا لَمُخْتَلِفَانِ |
هوايَ عراقيٌّ وتثني زمامها |
لبرقٍ إذا لاحَ النجومُ يمانِ |
هوايَ أمامي ليسَ خلفي معرَّجٌ |
وشوق قَلوصي في الغُدُو يمانِ |
لعمري إنّي يومَ بصرى وناقتي |
لَمُخْتَلِفَا الأَهْواءِ مُصْطَحَبانِ |
فَلَوْ تَرَكَتْنِي ناقتي من حَنِينَها |
وما بي منْ وجدٍ إذاً لكفاني |
متى تَجْمعي شوقي وشوقَكِ تُفْدحِي |
وما لكِ بِالْعِبْءِ الثَّقِيلِ يَدَانِ |
يا كبدينا منْ مخافة ِ لوعة ِ |
الفراقِ ومنْ صرفِ النّوى تجِفانِ |
وإذْ نحن منْ أنْ تشحطَ الدّارُ غربة ً |
وإنْ شقَّ البينُ للعصا وجلانِ |
يقولُ ليَ الأصحابُ إذ يعذلونني |
أَشَوْقٌ عِراقيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ |
وليسَ يَمانٍ للعِراقيْ بِصَاحِبٍ |
عسى في صُرُوفِ الدَّهْرِ يَلْتَقِيانِ |
تحمّلتُ منْ عفراءَ ما ليسَ لي بهِ |
ولا للجبالِ الرّاسياتِ يدانِ |
كَأَنَّ قَطاة ٌ عُلِّقَتْ بِجَناحَهَا |
على كبدي منْ شدّة ِ الخفقانِ |
جعلتُ لعرّافِ اليمامة ِ حكمهُ |
وَعَرّافِ حَجْرٍ إنْ هما شَفيانِي |
فَقالاَ: نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلَّهِ |
وقاما مع العُوَّادِ يُبتَدَرانِ |
ودانَيْتُ فيها المُعْرِضُ المُتَوَانِي |
لِيَسْتَخْبِرانِي. قُلْتُ: منذ زمانِ |
فما تركا من رُقْيَة ٍ يَعْلمانِها |
ولا شُرْبَة ٍ إلاَّ وقد سَقَيَانِي |
فما شفا الدّاءَ الّذي بي كلّهُ |
وما ذَخَرَا نُصْحاً، ولا أَلَوانِي |
فقالا: شفاكَ اللهُ، واللهِ ما لنا |
بِما ضُمِّنَتْ منكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ |
فرُحْتُ مِنَ العَرّافِ تسقُطُ عِمَّتِي |
عَنِ الرَّأْسِ ما أَلْتاثُها بِبَنانِ |
معي صاحبا صِدْقٍ إذَا مِلْتُ مَيْلَة ً |
وكانَ بدفّتي نضوتي عدلاني |
ألا أيّها العرّافُ هل أنتَ بائعي |
مكانكَ يوماً واحداً بمكاني؟ |
أَلَسْتَ تراني، لا رأَيْتَ، وأَمْسَكَتْ |
بسمعكَ روعاتٌ منَ الحدثانِ |
فيا عمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتَلى ً |
حليفاً لهمٍّ لازمٍ وهوانِ |
غدرتَ وكانَ الغدرُ منكَ سجيّة ً |
فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ |
وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرة ً |
وأورثتَ عيني دائمَ الهملانِ |
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلَى مَنْ هويتهُ |
وقلبكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ |
وإنّي لأهوى الحشرَ إذ قيلَ إنّني |
وعفراءَ يوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ |
وَإنَّا على ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنَا |
مِنَ الحبِّ يا عفرا لَمُهْتَجِرانِ |
تحدّثَ أصحابي حديثاً سمعتهُ |
ضُحَيّاً وَأَعْنَاقُ المَطِيِّ ثَوانِ |
فقلتُ لهم: كلاّ. وقالوا. جماعة ً |
بلى ، والذي يُدْعى بِكلِّ مكانِ |
ألا يا غرابيّ دمنة ِ الدّارِ بيّنا |
أَبَا الصَّرْمِ من عفراءَ تَنتحبانِ؟ |
فَإنْ كَانَ حقاً ما تقُولاَنِ فاذهبا |
بلحمي إلى وكريكما فكلاني |
إذَنْ تَحْمِلاَ لَحْماً قلِيلاً وَأَعْظُماً |
دِقَاقاً وقَلْباً دائمَ الخفَقَانِ |
كُلاَني أَكْلاً لَم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ |
ولا تهضما جنبيَّ وازدرداني |
ولا يعلمنَّ النّاسُ ما كانَ ميتتي |
ولا يَطْعَمَنَّ الطَّيْرُ ما تَذَرَانِ |
أَنَاسِيَة ٌ عَفْراءُ ذكريَ بَعْدَما |
تركتُ لها ذِكْرا بِكُلِّ مَكَانِ |
ألا لعنَ اللهُ الوشاة َ وقولهمْ |
فُلاَنَة ُ أَمْسَتْ خُلَّة ٌ لِفُلاَنِ |
فَوَيْحَكُمَا يا واشِيَيُ أَمِّ هَيْثَمٍ |
ففيمَ إلى منْ جئتما تشيانِ؟ |
ألا أيّها الواشي بعفراءَ عندنا |
عَدِمْتُكَ مِنْ واشٍ أَلَسْتَ ترانِي؟ |
أَلَسْتَ ترى لِلْحُبِّ كيف تَخلَّلَتْ |
عناجيجهُ جسمي، وكيفَ براني؟ |
لو أنَّ طبيبَ الإنسِ والجنِّ داوياً |
الّذي بيَ منْ عفراءَ ما شفياني |
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذّهُ |
تَواشَوا بِنَا حتى أَمَلَّ مكاني |
تكنّفني الواشونَ منْ كلِّ جانبٍ |
ولو كانَ واشٍ واحدٍ لكفاني |
ولو كانَ واشٍ باليمامة ِ دارهُ |
وداري بأعْلى حَضْرَمُوت أَتَانِي |
فَيَا حَبَّذَا مَنْ دونَهُ تَعْذِلونَنِي |
ومنْ حليتْ بهِ عيني ولساني |
ومنْ لو أراهُ في العدوِّ أتيتهُ |
وَمَنْ لو رآنِي في العَدُوِّ أَتَانِي |
ومنْ لو أراهُ صادياً لسقيتهُ |
ومَنْ لو يرَانِي صادياً لَسَقَانِي |
ومنْ لو أراهُ عانياً لكفيتهُ |
ومَنْ لَوْ يَرانِي عانِياً لَكَفَانِي |
ومنْ هابني في كلِّ أمرٍ وهبتهُ |
ولو كنتُ أمضي منْ شباة ِ سنانِ |
يُكَلِّفُنِي عَمِّي ثمانين بَكْرَة ً |
ومالي يا عفراءُ غيرُ ثمانِ |
ثَمانٍ يُقْطِّعْنَ الأَزِمَّة ِ بالبُرى |
ويقطعنَ عرضَ البيدِ بالوخدانِ |
فيا ليتَ عمّي يومَ فرّقَ بيننا |
سُقيْ السُّمَّ ممزوجاً بِشَبِّ يَمانِ |
بنيّة ُ عمّي حيلَ بيني وبينها |
وضجَّ لِوَشْكِ الفُرْقَة ِ الصُّرَدانِ |
فيا ليتَ محيّانا جميعاً وليتنا |
إذا نحنُ متنا ضمّنا كفنانِ |
ويا ليت أَنَّا الدَّهْرَ في غيرِ رِيبة ٍ |
بعيرانِ نرعى القفرَ مؤتلفانِ |
يُطْرِّدُنا الرُّعْيَانُ عَنْ كُلِّ مَنْهَلٍ |
يقولونَ بَكْرا عُرَّة ٍ جَربَانِ |
فواللهِ ما حدّثتُ سرّكِ صاحباً |
أَخاً لِي ولا فَاهَتْ بِهِ الشَّفَتانِ |
سِوى أَنَّنِي قد قُلْتُ يوماً لِصَاحبي |
ضُحى ً وقَلوصانا بنا تَخِدَانِ |
ضُحَيّاً وَمَسَّتْنَا جَنوبٌ ضَعيفة ٌ |
نسيمٌ لريّاها بنا خفقانِ |
تحمّلتُ زفراتِ الضّحى فأطقتها |
وما لي بزفراتِ العشيِّ يدانِ |
فيا عَمِّ لا أُسْقِيتَ من ذي قَرابَة ٍ |
بلالاً فقدْ زلّتْ بكَ القدمانِ |
فأنتَ ولم ينفعكَ فرّقتَ بيننا |
ونحنُ جمعٌ شعبنا متدانِ |
وَمَنَّيْتَنِي عَفْراء حتى رَجَوْتُها |
وشاعَ الذي مَنَّيْتَ كُلَّ مكانِ |
منعّمة ٌ لمْ يأتْ بينَ شبابها |
ولا عَهْدِها بِالثَّدْيِ غيرُ ثَمانِ |
ترى بُرَتَيْ سِتِّ وستِّين وافياً |
تهابانِ ساقيها فتنفصمانِ |
فواللهِ لولا حبُّ عفراءَ ما التقى |
عليَّ رواقا بيتكِ الخلِقانِ |
خُلَيْقانِ هَلْهالانِ لا خَيْرَ فيهما |
إذَا هَبَّتِ الأَرْواحُ يَصْطَفِقَانِ |
رواقانِ تهوي الرّيحُ فوقَ ذراهما |
وبِاللّيْلِ يسرِي فيهما اليَرقانِ |
ولم أَتْبَعِ الأَظْعَانِ فهي رَوْنَقِ الضُّحَى |
ورحلي على نهّاضة ِ الخديانِ |
ولا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِأَغْبَرَ نازِحٍ |
ولا ما نحتْ عينايَ في الهملانِ |
كَأَنَّهُمَا هَزْمَانِ من مُسْتَشِنَّة ٍ |
يُسْدانِ أَحْيَاناً وَيَنْفَجِرانِ |
أرى طائريَّ الأوّلينِ تبدّلا |
إلَيَّ فما لي منهما بَدَلاَنِ |
أَحَصّانِ من نَحْوِ الأَسَافِلِ جُرِّدا |
أَلفّانِ مِنْ أَعلاهما هَدِيان |
لِعَفْراءَ إذْ في الدَّهرِ والنَّاسِ غَرَّة ٌ |
وَإذْ حُلُقَانَا بِالصِّبَا يَسَرانِ |
لأَدنُو مِنْ بيضاءَ خَفَّاقَة ِ الحشا |
بنيّة ِ ذي قاذورة ٍ شنآنِ |
كأنَّ وشاحيها إذا ما ارتدتهما |
وقامتْ عِنانا مُهْرَة ٍ سَلِسَانِ |
يَعَضُّ بَأَبْدَانِ لها مُلْتَقَاهما |
ومثناهما رخوانِ يضطربانِ |
وتحتهما حقفانِ قدْ ضربتهما |
قطارٌ منَ الجوزاءِ ملتبدانِ |
أَعَفْراءُ كم مِنْ زَفْرَة ٍ قد أَذقْتِنِي |
وحزنٍ ألجَّ العينَ بالهملانِ |
فلو أنَّ عينيْ ذي هوى ً فاضتا دماً |
لفاضتْ دماً عينايَ تبتدرانِ |
فهلْ حاديا عفراءَ إنْ خفتَ فوتها |
عَلَيَّ إذَا نَادَيْتُ مُرعَويانِ |
ضَرُوبانِ للتّالِي القطوفِ إذَا وَنَى |
مشيحانِ منْ بغضائنا حذرانِ |
فما لكما من حادِيَيْنِ رُمِيتُما |
بحمّى وطاعونٍ إلا تقفانِ؟ |
فما لكما من حادِيَيْنِ كُسِيتُما |
سرابِيلَ مُغْلاَة ً من القَطِرانِ |
فويلي على عفراءَ ويلٌ كأنّهُ |
على النَّحْرِ والأَحشاءِ حَدُّ سِنَانِ |
ألا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عفراءَ مُلْتقى |
نَعَمْ وألا لا حيث يَلْتَقِيانِ |
أحقاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ زائراً |
عفيراءَ إلا والوليدُ يراني |
لَوْ أَنَّ النَّاسِ وَجْدا وَمِثْلَهُ |
مِنَ الجنِّ بعد الإنس يلتقيان |
فيشتكيان الوجدَ تمَّت أشتكي |
لأَضْعَفَ وَجْدِي فوقَ ما يَجِدانِ |
وما تَرَكَتْ عفراءُ مِنْ دَنَفٍ دوى ً |
بِدِوْمة ٍ مَطْويٌّ له كَفَنَانِ |
فقد تَرَكْتَنِي ما أَعِي لمحدِّثٍ |
حديثاً وإنْ ناجيتهُ ونجاني |
وقد تَرَكَتْ عفراءُ قلبي كَّأَنَّهُ |
جَنَاحُ غُرابٍ دائمُ الخَفَقَانِ |