أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
|
أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
|
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ،
|
ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
|
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
|
وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
|
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
|
إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
|
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ،
|
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
|
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا
|
و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
|
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ
|
لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
|
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً
|
هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
|
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي
|
لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
|
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني
|
أرى أنَّ داراً ، لستِ من أهلها ، قفرُ
|
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ
|
وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
|
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ
|
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
|
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ
|
لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
|
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،
|
فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
|
تسائلني: " منْ أنتَ ؟ " ، وهي عليمة ٌ ،
|
وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
|
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى :
|
قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
|
فقلتُ لها: " لو شئتِ لمْ تتعنتي ،
|
وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
|
فقالتْ: " لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!
|
فقلتُ: "معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
|
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ
|
إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
|
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ
|
إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
|
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛
|
وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
|
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ،
|
إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
|
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها،
|
لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
|
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً
|
على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
|
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما
|
تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
|
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ
|
ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
|
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ
|
إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
|
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ
|
معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
|
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ
|
كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
|
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا
|
وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
|
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ،
|
وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
|
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ
|
طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
|
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ
|
هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
|
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا
|
فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
|
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ
|
و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
|
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى
|
و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر
|
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟
|
إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
|
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ،
|
ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
|
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء ٍ
|
فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
|
وقالَ أصيحابي: " الفرارُ أوالردى ؟ "
|
فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
|
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني،
|
وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
|
يقولونَ لي: " بعتَ السلامة َ بالردى "
|
فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
|
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ،
|
إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
|
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه،
|
فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
|
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ
|
كما ردها ، يوماً بسوءتهِ " عمرو"
|
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما
|
عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
|
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ
|
وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
|
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ،
|
" وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ "
|
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه
|
و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
|
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ
|
وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
|
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛
|
وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
|
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا،
|
لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
|
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا،
|
و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
|
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ،
|
وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ
|