نعاءِ إلى كلِّ حيٍّ نعاءِ |
فَتَى العَرَبِ احتَلَّ رَبْعَ الفَنَاءِ |
أُصِبْنَا جَمِيعاً بسَهْمِ النضَالِ |
فهَلاَّ أُصِبْنَا بِسَهْمِ الغِلاَءِ!! |
ألا أيُّها المَوْتُ فَجَّعْتَنا |
بِمَاءِ الحَيَاة ِ ومَاءِ الحَيَاءِ |
فماذا حضرتَ بهِ حاضراً |
وماذا خبأتَ لاهلِ الخباءِ ! |
نعاءِ نعاءِ شقيقَ الندى |
إليهِ نَعِيّاً قَلِيلَ الجَدَاءِ |
وكانا جميعاً شريكيْ عنانٍ |
رضيعيْ لبانٍ خليليْ صفاءِ |
على خالدِ بن يزيدَ بن مزْ |
يَدِ امْرِ دُمُوعاً نَجيعاً بِمَاءِ |
ولا تَريَنَّ البُكَا سُبَّة ً |
ألصقْ جوى ً بلهيبٍ رواءِ |
فقدْ كثرَ الرزءُ قدرَ الدموعِ |
وَقَدْ عَظّم الخَطْبُ شَأْنَ البُكَاءِ |
فباطنه ملجأ للأسى |
وظاهرهُ ميسمٌ للوفاءِ |
مَضَى المَلِكُ الوَائِليُّ الذي |
حَلَبْنا به العَيْشَ وُسْعَ الإنَاءِ |
فأودى الندى ناضرَ العودِ والـ |
ـفتوة ُ مغموسة ً في الفتاءِ |
فأضحتْ عليهِ العلى خشعاً |
وبَيْتُ السَّمَاحَة ِ مُلْقَى الكِفَاءِ |
وقدْ كانَ مما يضيءُ السريرَ |
والبَهْوَ يَمْلأَه بِالبَهَاءِ |
المُلْكَ عَنْ خالدٍ والمُلُوكَ |
بقمعِ العدى وبنفيِ العداءِ |
أَلَمْ يَكُ أَقْتَلَهُمْ لِلأسُودِ |
صبراً وأوهبهمْ للظباءِ ؟! |
ألمْ يجلبِ الخيلَ من بابلٍ |
شوازبَ مثلَ قداحِ السراءِ |
فمدَّ على الثغرِ إعصارها |
برأي حسامٍ ونفسٍ فضاءِ |
فلما تراءتْ عفاريتُهُ |
سنا كوكبٍ جاهليِّ السناءِ |
وقَدْ سَدَّ مَنْدُوحَة َ القاصِعَاءِ |
مِنهُمْ وأمسَكَ بالنافِقَاءِ |
طَوَى أمرَهُمْ عَنْوَة ً في يَدَيْهِ |
طَيَّ السجِلّ وَطَيَّ الردَاءِ |
أقروا ـ لعمري ـ بحكمِ السيوفِ |
وكانتْ أحقَّ بفضلِ القضاءِ |
وما بالولاَية ِ إقرَارُهُمْ |
ولكنْ أَقرُّوا لَهُ بالوَلاَءِ |
أُصِبْنَا بِكَنْزِ الغِنَى والإمَامُ |
أمسى مصاباً بكنزِ الغناءِ |
وما إن أصيبَ براعي الرعية ِ |
لاَ بَلْ أُصيبَ بِرَاعي الرعَاءِ |
يَقُولُ النطَاسِيُّ إِذْ غُيبَتْ |
عن الداءِ حيلتُه والدواءِ |
ونُبُوُّ المَقيلِ بهِ والمَبيتِ |
أقعصهُ واختلافُ الهواءِ |
وقَدْ كانَ لَوْ رُدَّ غَرْبُ الحِمَامِ |
شَدِيدَ تَوَقٍّ طَوِيلَ احتِمَاءِ |
مُعَرَّسُهُ في ظِلال السُّيُوفِ |
وَمَشْرَبُه مِنْ نَجِيعِ الدمَاءِ |
ذُرَى المِنْبَرِ الصَّعْبِ منْ فُرْشِهِ |
ونارُ الوغا نارُه للصلاءِ |
ومَا مِن لَبُوسٍ سِوَى السَّابِغَاتِ |
تَرقْرَقُ مِثْلَ مُتُونِ الإضَاءِ |
فهلْ كانَ مذْ كانَ حتى مضى |
حَمِيداً لَهُ غيرُ هذا الغِذَاءِ |
أذهلَ بنَ شيبانَ ذُهلَ الفخارِ |
وذُهْلَ النَّوَالِ وذُهْلَ العَلاءِ |
مضى خالدُ بن يزيدَ بن مزْ |
يَدَ قَمَرُ اللَّيلِ شَمْسُ الضَّحاءِ |
وخلَّى مساعيهُ بينكمْ |
فإِيَّايَ فيها وَسَعْيَ البِطَاءِ |
ردوا الموتَ مراً ورودَ الرجالِ |
وبَكُّوا عليهِ بُكاءَ النساءِ |
غَليلي علي خالدٍ خالدٌ |
وضيفُ همومي طويلُ الثواءِ |
فلَمْ يُخْزِني الصَّبْرُ عنه ولا |
تَقَنَّعتُ عاراً بِلُؤمِ العَزَاءِ |
تَذَّكرْتُ خَضْرَة َ ذَاكَ الزَّمَانِ |
لديهِ وعمران ذاكَ الفناءِ |
وزوارُه للعطايا حضورٌ |
كأَنَّ حضُورَهُمُ للعطَاءِ |
وإذْ علمُ مجلسِهِ موردٌ |
زلالٌ لتلكَ العقولِ الظماءِ |
تحولُ السكينة ُ دونَ الأذى |
بهِ والمُرُوَّة ُ دُونَ المِرَاءِ |
وإذْ هوَ مطلقٌ كبلِ المصيفِ |
وإذْ هو مفتاحُ قيدِ الشتاءِ |
لَقَدْ كانَ حَظي غيرَ الخَسِيسِ |
مِنْ رَاحَتَيْهِ وغَيْرَ اللَّفَاءِ |
وكنتُ أَرَاهُ بِعَيْنِ الرَّئيس |
وكان يراني بعين الإخاءِ |
ألهفي على خالد لهفة ً |
تكونُ أمامي وأخرى ورائي |
ألهفي إذا ما ردى للردى |
ألهفي إذا ما احتبى للحباءِ |
أَلَحْدٌ حَوَى حَيَّة َ المُلْحِدينَ |
ولَدْنُ ثَرى حَالَ دُونَ الثَّرَاءِ؟! |
جزتْ ملكاً فيه ريَّا الجنوبِ |
ورائحة ُ المُزْنِ خَيْرَ الجَزَاءِ |
فكَمْ غَيَّبَ التَّرْبُ مِنْ سُؤْدَد |
وغَالَ البِلَى مِنْ جِمِيلِ البَلاَءِ! |
أَبَا جَعْفَرٍ ليُعِرْكَ الزَّمانُ |
عزاً ويكسبكَ طولَ البقاءِ |
فما مزنُكَ المرتجى بالجهامِ |
ولارِيحُنا مِنكَ بالجِرْبِيَاءِ |
ولا رجعتْ فيكَ تلكَ الظنونُ |
حيارى ولا انسدَّ شعبُ الرجاءِ |
وقد نُكِسَ الثَّغْرُ فابعَثْ لَهُ |
صدورَ القنا في ابتغاءِ الشفاءِ |
فَقَدْ فاتَ جَدُّكَ جَدَّ المُلُوكِ |
وعُمْرُ أَبِيكَ حَدِيثُ الضيَاءِ |
ولَمْ يَرْضَ قَبْضَتَهُ لِلحُسَامِ |
ولا حملَ عاتقِهِ للرداءِ |
فما زالَ يفرعُ تلكَ العلى |
مع النجمِ مرتدياً بالعماءِ |
ويصعدُ حتى لظنَّ الجهولُ |
أنَّ لَهُ مَنْزِلاً في السَّماءِ |
وقَدْ جَاءَنا أَنَّ تِلْكَ الحُرُوبَ |
إذا حديتْ فالتوتْ بالحداءِ |
وعاودَها جَرَبٌ لَمْ يَزَلْ |
يعاوِدُ أسعافَها بالهناءِ |
ويمتحُ سجلاً لها كالسجالِ |
ودلواً إذا أفرغتْ كالدلاءِ |
ومِثْلُ قُوَى حِبْلِ تلْكَ الذرَاعِ |
كانَ لزازاً لذاكَ الرشاءِ |
فلا تخزِ أيامَه الصالحاتِ |
وما قدْ بنى من جليلِ البناءِ |
فَقدْ علِمَ اللَّهُ أَنْ لَنْ تُحِبَّ |
شيئاً كحبكَ كنزَ الثناءِ |