أمَّا الرُّسُومُ فقد أذكَرْنَ ما سَلَفَا |
فَلا تَكُفَّنَّ عَنْ شَأْنَيْكَ أَوْ يَكِفَا |
لا عذرَ للصبِّ أنْ يقنى الحياءَ ولا |
للدمعِ بعدَ مضيِّ الحيِّ أنْ يقفا |
حَتَّى يَظَلَّ بماءٍ سافِحٍ ودمٍ |
في الربعِ يحسبُ منْ عينيهِ قد رعفا |
وفي الخدورِ مهاً لو أنها شعرتْ |
إذاً ظغتْ فرحاً أو أبلستْ أسفا |
لآلىء ُ كالنجومِ الزهرِ قد لبستْ |
أَبشَارُها صَدَفَ الإحسان لا الصَّدفَا |
منْ كلِّ خودٍ دعاها البينُ فابتكرتْ |
بكراً ولكنْ غدا هجرانها نصفا |
لا أَظْلِمُ النَّأْيَ قَدْ كانَتْ خلاَئِقُها |
منْ، قبل وشكِ النوى عندي نوى ً قذفا |
غَيْدَاءُ جَادَ وَلِيُّ الحُسْنِ سُنَّتَها |
فصَاغَها بِيَدَيْهِ رَوْضَة ً أُنُفَا |
مصقولة ٌ سترتْ عنا ترائبها |
قَلْباً بَرئياً يُنَاغِي ناظِراً نَطِفَا |
يُضْحِي العَذُولُ على تَأنِيِبه كَلِفاً |
بعُذْرِ مَنْ كانَ مَشْغُوفاً بها كَلِفا |
ودعْ فؤادكَ توديعَ الفراقِ فما |
أَراهُ مِنْ سَفَرِ التَّوْدِيعِ مُنْصَرفا |
يُجَاهِدُ الشَّوْقَ طَوْراً ثُمَّ يَجْذِبُه |
جِهَادُه للقَوافِي في أَبِي دُلفَا |
بِجُودِهِ انصاتَتِ الأَيَّامُ لابِسَة ً |
شَرْخَ الشبابِ وكانت جِلَّة ً شُرُفا |
حتَّى لوَ انَّ اللَّيالي صُورَتْ لَغَدَتْ |
أَفْعالُه الغُرُّ في آذَانِها شُنُفَا |
إِذَا عَلاَ طَوْدَ مَجْدٍ ظَلَّ في نَصَبٍ |
أو يَعْتَلي مِنْ سِواه ذِروة ً شَعَفا |
فلَوْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ لا لِسَانَ لَهُ |
لَقَدْ دعَتْهُ المعَالي مِلَّة ً طُرُفا |
جَمُّ التَّواضُعِ والدُّنْيا بِسُؤْدَدِه |
تَكَادُ تَهْتَزُّ مِنْ أَطْرَافِها صَلَفَا |
قصدُ الخلائقِ إلا في وغى ً وندى ً |
كِلاهُما سُبَّة ٌ ما لَمْ يَكُنْ سَرَفَا |
تُدْعَى عَطَايَاهُ وَفْراً وَهْيَ إنْ شُهِرَتْ |
كانتْ فخاراً لمنْ يعفوه مؤتنفا |
ما زلتُ منتظراً أعجوبة ً عنناً |
حتى رأيتُ شؤالاً يجتنى شرفا |
يقولُ قولَ الذي ليسَ الوفاءُ له |
عَزْماً ويُنْجزُ إنجازَ الذي حَلَفا |
رأَى الِحِمَامَ شَقِيقَ الْخُلْفِ فاتَّفَقَا |
في ناظريهِ وإنْ كانا قدِ اختلفا |
كِلاَهُما رَائِحٌ غَادٍ يَذُلُّ على |
معروفهِ وعلى حوبائهِ ائتلفا |
ولو يقالُ اقرِ حدَّ السيفِ شرهما |
ما شام حديهِ حتى يقتل الخلفا |
إِنَّ الخلِيفَة َ والأفشِينَ قد عَلِما |
من اشتفى لهما منْ بابكٍ وشفى |
في يومِ أرشقَ والهيجاءُ قدْ رشقتْ |
مِنَ المنيَّة ِ رِشْقاً وابِلاً قَصِفَا |
فكانَ شَخْصُكَ في أَغْفَالِها عَلَماً |
وكانَ رَأْيُكَ في ظَلْمائِها سَدَفا |
نضوتهُ دلفياً منْ كنانتهِ |
فأصبحتْ فوزة ُ العقبى لهُ هدفا |
بهِ بَسَطْتَ الخُطَا فاسْحَنْفَرتْ رَتَكاً |
إلى الجلادِ وكانتْ قبلهُ قطفا |
خطواً ترى الصارمَ الهنديَّ منتصراً |
بهِ منَ المَارِنِ الخَطي مُنْتَصِفَا |
ذمرتَ جمعَ الهدى فانقضَ منصلتاً |
وكانَ في حلقاتِ الرعبِ قد رسفا |
ومرّ بابكُ مرَّ العيشش منجذماً |
مُحلَوْلياً دَمُهُ المَعْسُولُ لو رُشِفا |
حَيرَانَ يَحسَبُ سَجْفَ النَّقْعِ مِنْ دَهَشٍ |
طوداً يحاذرُ أنْ ينقضَّ أو جرفا |
ظَلَّ القَنَا يَسْتَقي مِنْ صَفهِ مُهَجاً |
إمَّا ثِماداً وإمَّا ثَرَّة ً خُسُفَا |
منْ مشرقٍ دمهُ في وجههِ، بطلٍ، |
وَوَاهلٍ دَمُهُ للرُّعْبِ قد نُزِفَا |
فذاكَ قد سقيتْ منه القنا جرعاً |
وذَاكَ قد سُقِيتْ مِنْه القَنَا نُطُفَا |
مثقفاتٍ سلبنَ الرومَ زرقتها |
والعُرْبَ سُمْرَتَها والعاشِقَ القَضَفا |
ما إن رأيتُ سواماً قبلها هملاً |
يرعى فيهدي إليه رعيهُ عجفا! |
ورُبَّ يَوْمٍ كأيَّامٍ تَرَكْتَ بهِ |
مَتْنَ القَناة ِ ومَتْنَ القِرْنِ مُنْقَصِفا |
أزرتَ آبرشتويماً والقنا قصدٌ |
غيابة َ الموتِ والمقورة َ الشسفا |
لَمَّا رَأَوْكَ وإيَّاها مُلَمْلَمَة ً |
يظلُّ منها جبينُ الدهر منكسفا |
ولوا وأغشيتهمْ شماً غطارفة ً |
لِغْمرَة ِ الموتِ كَشَّافِينَ لا كُشُفَا |
قد نَبَذُوا الْحَجَفَ المحُبوكَ مِنْ زُؤُدٍ |
وصيروا هامهمْ بل صيرتْ حجفا |
أغشيتَ بارقة َ الأغمادِ أرؤسهمْ |
ضَرْباً طِلَخْفاً يُنَسي الجانِفَ الجَنَفَا |
بَرْقٌ إذا بَرْقُ غَيْثٍ بَاتَ مُخْتطِفاً |
لِلطَّرْف أصبَحَ للأعناقِ مُخْتطِفَا |
بالبيضِ قد أنفَتْ إنَّ الحُسَامَ إذا |
هجيرة ٌ حرضته ساعة ً أنفا |
كَتَبْتَ أَوْجُهَهُمْ مشقاً ونَمْنمَة ً |
ضَرْباً وطَعْناً يُقَات الهَامَ والصُّلُفَا |
كتابة ً لا تني مقروءة ً أبداً |
وما خططتَ بها لاماً ولا ألفا |
فإنْ ألظوا بإنكارٍ فقدْ تركتْ |
وُجُوهُهُمْ بالّذي أولَيْتَها صُحُفَا |
وغيضة َ الموتِ أعني البذَّ قدتَ لها |
عَرَمْرَماً لِحُزُونِ الأَرْضِ مُعْتَسِفَا |
كانَتْ هيَ الوسَطَ الممنوعَ فاستَلبتْ |
ما حَوْلَها الخيلُ حتى أصبحَتْ طَرَفَا |
وظَلَّ بالظَّفَرِ الأَفشِينُ مُرْتَدِياً |
وباتَ بابكها بالذلِّ ملتحفا |
أعطى بكلتا يديهِ حينَ قيلَ له |
هذا أبو دلفَ العجليُّ قدْ دلفا |
تركتَ أجفانه مغضوضة ً أبداً |
ذلاً تمكنَ منْ عينيهِ، لا وطفا |
يا ربَّ مكرمة ٍ تجفى ، إذا نزلتْ |
قدْ عرفتْ في ذراكَ البرَّ واللطفا |
لَوْ لَمْ تَفُتَّ مُسِنَّ المَجْدِ مُذْ زَمَنٍ |
بالجُودِ والبأْسِ كانَ المجدُ قد خَرِفَا |
نامتْ هموميَ عني حينَ قلتُ لها |
حسبي أبو دلفٍ، حسبي بهِ وكفى |