المكتفي بالله

236 هـ - 295 هـ

أبو أحمد علي المكتفي بالله ابن المعتضد بن أبي أحمد بن المتوكل. وأمه أم ولد تركيه اسمها جيجك. ولد سنة 236هـ. وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه المعتضد بعهد منه وذلك في ربيع الآخر سنة 289هـ. 15 أبريل 902. ولم يزل خليفة إلى أن توفي في 12 ذي القعدة سنة 295هـ. 908. فكانت مدته ست سنوات وستة أشهر و 19 يوماً.

 

حارب القرامطة وقاتلهم ببأس وشده وقتل يحيى بن زكوريه القرمطي سنة 290 للهجره. وفي سنة291 للهجره قتل كل من الحسين بن زكوريه القرمطي وغلامه الذي لقب المطوق بالنور وابن عمه عيسى بن مهوريه، وهؤلاء بحسب السيوطي من مدعى النبوه فظفر بهم وقتلهم. وفي نفس السنه زفت للمكتفي بالله اخبار فتح انطاليه وغنم المسلمون منها اموالا كثيره بحسب السيوطي.

 

توفي علي المكتفي بالله في بغداد في12 ذي القعدة 295 للهجرة وهو شاب. واخيرا قال الصولي: سمعت المكتفي يقول في علته: والله ما أسى الا على سبعمائة الف دينار صرفتها من مال المسلمين في ابنية ما احتجت إليها وكنت مستغنيا عنها اخاف ان أسأل عنها واني استغفر الله.

 

ورد في "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" الخليفة أبو محمد علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل العباسي. مولده في سنة أربع وستين ومئتين. وكان يضرب بحسنه المثل في زمانه. كان معتدل القامة دري اللون أسود الشعر حسن اللحية. بويع بالخلافة عند موت والده بعهد منه في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين فاستخلف ستة أعوام ونصفاً.

 

وتوفي أبوه وهذا غائب فقام له بالبيعة الوزير أبو الحسين القاسم بن عبيدالله وضبط له ما خلف أبوه في بيوت المال فكان من ذلك من الذهب المصري عشرة آلاف ألف دينار ومن الجواهر ما قيمته مثل ذلك ومن الدراهم والخيل والثياب نسبة ذلك وقسم القاسم في الجند العطاء فسكنوا وقدم المتكفي بغداد منحدراً في سميرية وكان يوماً مشهوداً سقط طائفة من الجسر في دجلة منهم أبو عمر القاضي فأخرج سالماً ونزل المكتفي بقصر الخلافة وتكلمت الشعراء فخلع على القاسم سبع خلع وقلده سيفاً وهدم المطامير التي عملها أبوه وصيرها مساجد ورد أملاك الناس إليهم وكان أبوه قد أخذها لعمل قصر وأحسن السيرة فأحبه الناس.

 

وفيها: عسكر محمد بن هارون وبيض والتقى متولي الري فهزم جيشه وقتله وقتل ولديه وقواده وتملك. ودامت الزلزلة ببغداد أياماً. وهبت بالبصرة ريح قلعت أكثر نخلها. وظهر زكرويه القرمطي واستغوى عرب السواد وأخاف السبل وقطع الطرق.

 

وأما ابن هارون: فاشتد بأسه وبلغ عسكره مئة ألف فسار لحربه عسكر خراسان فهزموه إلى الديلم وتفلل ذلك الجمع فالتجأ في نحو من ألف إلى الديلم.

 

وقوي أمر أبي عبد الله الشيعي داعي العبيدية بالمغرب. وصلى المكتفي بالناس يوم الأضحى بالمصلى.

 

وقتل الأمير بدر وكان المعتضد يحبه وكان شجاعاً جواداً وقد كان القاسم الوزير هم عند موت المعتضد بنقل الخلافة إلى غير ابنه وناظر بدراً في ذلك فأبى عليه ثم خاف منه ومات المعتضد واتفق غيبة بدر بفارس وكان بينه وبين المكتفي شيء فأشار القاسم على المكتفي أن يأمر بإقامة بدر هناك وخوف المكتفي منه فكتب إليه مع يانس الموفقي وبعث إليه بخلع وعشرة آلاف ألف درهم فقال: لا بد من القدوم لأشاهد مولاي فقال الوزير للمكتفي: قد جاهرك ولا نأمنه وكاتب الوزير الأمراء الذين مع بدر بالمجيء فأروا بدراً الكتب وقالوا: قم معنا حتى نجمع بينكما ثم فارقوه وقدموا ثم جاء بدر فنزل واسطاً فبعث إليه أبو خازم القاضي وقال: اذهب إلى بدر بالأمان والعهود فامتنع أبو خازم وقال: لا أؤدي عن الخليفة إلا ما أسمعه منه فندب الوزير أبا عمر القاضي فسارع واجتمع ببدر وأعطاه الأمان عن المكتفي فنزل في طيار ليأتي فتلقاه لؤلؤ غلام الوزير في جماعة فأصعدوه إلى جزيرة فلما عاين الموت قال: دعوني أصلي ركعتين وأوصي فذبحوه وهو في الركعة الثانية الجمعة السابع والعشرين من رمضان وذم الناس أبا عمر.

 

وفيها: دخل عبيد الله المهدي إلى المغرب متنكراً فقبض عليه متولي سجلماسة.

 

وسار يحيى بن زكرويه القرمطي وحاصر دمشق وبها طغج فضعف عن القراطمة فقتل يحيى في الحصار وقام بعده أخوه الحسين وسار المكتفي بجيوشه إلى الموصل وتقدمه إلى حلب أبو الأعز فبيتهم القرمطي فقتل من المسلمين تسعة آلاف ووصل المكتفي إلى الرقة وعظم البلاء بالقرامطة ثم أوقع بهم العسكر وهربوا إلى البادية يعيثون وينهبون وتبعهم الحسين بن حمدان وعدة أمراء يطردونهم وكان يحيى المقتول يدعي أنه حسيني رماه بربري بحربة ثم قتل أخوه الحسين صاحب الشامة.

 

وفي سنة إحدى وتسعين ومئتين: زوج المكتفي ولده ببنت الوزير على مئة ألف دينار وخلع الوزير يومئذ على الأعيان أربع مئة خلعة. وفيها: أقبلت جموع الترك فبيتهم والي خراسان إسماعيل وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأقبلت الروم في مئة ألف وأتوا إلى الحدث فأحرقوه وقتلوا وسبوا.

 

وفيها: سار عسكر طرسوس فافتتحوا أنطاكية وحصل سهم الفارس ألف دينار وأسر صاحب الشامة وقرابته المدثر وعدة فقتلوا وأحرقوا.

 

وفي سنة اثنتين وتسعين: سار محمد بن سليمان بجيوش المكتفي إلى مصر فالتقوا غير مرة ثم اختلف جيش مصر فخرج ملكهم هارون بن خمارويه ليسكنهم فرماه مغربي بسهم قتله واستولى محمد بن سليمان على مصر وأسر بضعة عشر قائداً ودانت البلاد للمكتفي وزادت دجلة حتى بلغت أحداً وعشرين ذراعاً وأخرجت مالا يعبر عنه.

 

وفي آخرها: خرج بمصر الخلنجي وتمكن فتجهز فاتك لحربه.

 

وفي سنة ثلاث: التقي الخلنجي وجيش المكتفي بالعريش فهزمهم أقبح هزيمة ونازل دمشق أخو القرمطي واستباح طبرية وساروا على السماوة فنهبوا هيت ووثبت القرامطة يوم النحر على الكوفة فحاربهم أهلها ثم حاربوا عسكر المكتفي أيضاً وهزموه.

 

والتقى فاتك المعتضدي والخلنجي فانهزم عسكر الخلنجي واختفى هو ثم أسر هو وعدة.

 

وفي سنة أربع وتسعين ومئتين: أخذ زكرويه القرمطي ركب العراق وكن نساء العرب يجهزن على الجرحى فيقال: قتلوا عشرين ألفاً وأخذوا ما قيمته ألفا ألف دينار ووقع النوح في المدن وجهز المكتفي جيشاً لحربه فلا تسأل ما فعل هذا الكلب بالوفد ثم التقوا فقتل عامة أصحاب زكرويه وأسر هو وعدة ثم مات من جراحه وأحرق هو وجماعة.

 

وفي سنة خمس وتسعين: كان الفداء بين المسلمين والروم فافتك نحو ثلاثة آلاف نفر.

 

ومات المكتفي شاباً في سابع ذي القعدة من السنة.

 

ذكر أبو منصورالثعالبي قال: حكى إبراهيم بن نوح أن المكتفي خلف من الذهب مئة ألف ألف دينار هكذا قال وهو بعيد جداً قال: وخلف ثلاثة وستين ألف ثوب وبويع بعده أخوه المقتدر.

 

واسم أم المكتفي: جنجق التركية. مات في ثالث عشر ذي القعدة وعاش إحدى وثلاثين سنة وأشهراً. وخلف من الأولاد: محمداً وجعفراً والفضل وعبدالله وعبد الملك وعبدالصمد وموسى وعيسى. ومات وزيره القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومئتين فوزر له العباس بن الحسن.

وكان على شرطته مؤنس والواثقي ثم سوسن مولاه وحاجبه وعلى قضاء بغداد يوسف بن يعقوب القاضي وابنه محمد وأبو خازم عبدالحميد وعبدالله بن علي بن أبي الشوارب بعد أبي خازم".

 

وجاء في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير المؤرخ:

" ولما توفي المعتضد كتب الوزير إلى أبي محمد علي بن المعتضد وهوالمكتفي بالله يعرفه بذلك بأخذ البيعة له وكان بالرقة فلما وصله الخبر أخذ البيعة على من عنده من الأجناد ووضع لهم العطاء وسار إلى بغداد ووجه إلى النواحي من ديار ربيعة ومضر ونواحي العرب من يحفظها ودخل بغداد لثمان خلون من جمادى الأولى فلما سار إلى منزله أمر بهدم المطامير التي كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم‏.‏

 

وفي هذا اليوم الذي دخل فيه المكتفي بغداد قتل عمروبن الليث بن الصفار ودفن من الغد‏.‏

 

وكان المعتضد بعدما امتنع من الكلام أمر صافيًا الخرمي بقتل عمروابن الليث بالإيماء والإشارة ووضع يده على رقبته وعلى عينه بأن اذبح الأعور وكان عمرو أعور فلم يفعل ذلك صافي لعلمه بقرب وفاة المعتضد وكره قتل عمرو فلما وصل المكتفي بغداد سأل الوزير عنه فقال هو حي فسر بذلك وأراد الإحسان إليه لأنه كان يكثر من الهدية إليه لما كان بالري فكره الوزير ذلك فبعث إليه من قتله"‏.‏

 

 

ذكر استيلاء المكتفي على الشام ومصر وانقراض ملك الطولونية

وفي المحرم منها سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون‏.‏

 

وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي وعاد عن محاربة القرامطة واستقصى محمد في طلبهم فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق فأتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون وكتاب فائق وهما بدمشق يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر بساعداه على أخذها فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المكتفي فأمره بالعود وسير معه الجنود والأموال ووجه المكتفي دميانة غلام بازمار وأمره بركوب البحر إلى مصر ودخول النيل وقطع المواد عن مصر ففعل وضيق عليهم‏.‏

 

وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجوش في البر حتى دنا من مصر وكاتب من بها من القواد وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسرهم ذلك وتتابعه المستأمنة من قواد المصريين فلما رأى ذلك هارون في بعض الأيام عصبية فاقتتلوا فخرج هارون يسكنهم فرماه بعض المغاربة بمرزاق معه فقتله فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده وبذل المال للجند فأطلقوه وقاتلوا معه فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان فأجابوه إلى ذلك‏.‏

 

فلما علم محمد ين سليمان الخبر سار إلى مصر فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان فأجابه فخرج إليه ليلًا ولم يعلم به أحد من الجند فلما أصبحوا قصدوا داره ولم يجدوه فبقوا حيارى ولما وصل محمد مصر دخلها واستولى على دور طولون وأموالهم وأخذهم جميعا وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم وحبسهم واستقصى أموالهم وكان ذلك في صفر وكتب بالفتح إلى المكتفي فأمره بإشخاص آل طولون وأسبابهم من مصر والشام إلى بغداد ولا يترك منهم أحد أن ثم ظهر بمصر إنسان يعرف بالخلنجي وهومن قوادهم وكان تخلف عن محمد بن سليمان فاستمال جماعة وخالف على السلطان وكثر جمعه وعجز النوشري عنه فسار إلى الإسكندرية ودخل إبراهيم الخلنجي مصر وكتب النوشري إلى المكتفي بالخبر فسير إليه الجنود مع فاتك مولى المعتضد وبدر الحمامي فساروا في شوال نحو مصر"‏.‏

  



المتوكل
القرامطة
الحسين
بغداد
البصرة
دمشق