صاحب إربل

549 – 630 هـ
السلطان الدين الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي ابن بكتكين بن محمد التركماني صاحب إربل وابن صاحبها وممصرها الملك زين الدين علي كوجك.

كان كوجك شهماً شجاعاً مهيباً، تملك بلاداً كثيرة، ثم وهبها لأولاد صاحب
الموصل، وكان يوصف بقوة مفرطة، وطال عمره، وحج هو والأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي، توفي في سنة ثلاث وستين وخمس مئة، له أوقاف وبر ومدرسة بالموصل. فتملك إربل ابنه هذا وهو مراهق، وصار أتابكه مجاهد الدين قيماز، فعمل عليه قيماز وكتب محضراً بأنه لا يصلح للملك وقبض عليه وملك أخاه زين الدين يوسف، فتوجه مظفر الدين إلى بغداد فما التقوا عليه، فقدم الموصل على صاحبها سيف الدين غازي بن مودود، فأقطعه حران، فبقي بها مدة، ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وغزا معه، وتكمن منه، وأحبه، وزاده الرها، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية. وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين، وبين، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترد منه حران والرها.

كان محباً للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم ديناراً ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى والأضراء، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويبساطه ويمزح معه. وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ورتب بها وارد، ويعطي كل ما ينبغي له. وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيراً، لم يكن له لذة في شيء غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلاً للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات. وأما احتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياماً، ويخرج من البقر والإبل الغنم شيئاً كثيراً فتنحر وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالاً جزيلة. وقد جمع له ابن دحية كتاب المولد فأعطاه ألف دينار.

كان متواضعاً، خيراً، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين، وربما أعطى الشعراء، وما نقل أنه انهزم في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان واعتذر من التقصير.

قال ابن الساعي: طالت عليه مداراة أولاد العادل، فأخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسلم ذلك إلى المستنصر في أول سنة ثمان وعشرين، قال: فاحتفلوا له، واجتمع بالخليفة وأكرمه، وقلده سيفين ورايات وخلعاً وستين ألف دينار.

وقال سبط الجوزي: كان مظفر الدين ينفق في السنة على المولد ثلاث مئة ألف دينار، وعلى الخانقاه مئتي ألف دينار، وعلى دار المضيف مئة ألف. وعد من هذا الخسف أشياء.
وقال: قال من حضر المولد مرة: عددت على سماطه مئة فرس قشلميش، وخمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومئة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلواء.

قلت: ما أعتقد وقوع هذا، فعشر ذلك كثير جداً.

مات ليلة رابع عشر رمضان وعمل في تابوت، وحمل مع الحجاج إلى
مكة، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم الماء، فدفن بالكوفة.

وعاش أبوه فوق المئة، وعمي وأصم، وكان من كبار الدولة الأتابكية، ما انهزم قط. ومدحه الحيص بيص، فقال: ما أعرف ما تقول، ولكني أدري أنك تريد شيئاً! وأمر له بخلعة وفرس وخمس مئة دينار.

المرجع: سير أعلام النبلاء

  


شيركوه
بغداد
حطين