يعقوب بن كلس

310- 380 هـ

أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن هارون بن داود بن كلس، وزير العزيز نزار بن المعز العبيدي صاحب مصر. كان يعقوب أولاً يهودياً يزعم أنه من ولد هارون بن عمران أخي موسى بن عمران، عليهما السلام، وقيل إنه كان يزعم أنه من ولد السموأل بن عاديا اليهودي صاحب الحصن المعروف بالأبلق، وهو المشهور بالوفاء، وقصته مع امرئ القيس الكندي الشاعر المشهور مشهورة مستفيضة بين العلماء في الوفاء له في ودائعه.

 

ولد يعقوب بن كلس ببغداد ونشأ بها عند باب القز، وتعلم الكتابة والحساب، وسافر به أبوه من بغداد إلى الشام، وأنقذه إلى مصر سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة فانقطع إلى بعض خواص الأستاذ كافور الإخشيدي فجعله كافور على عمارة داره، ثم صار ملازماً لباب داره، فرأى كافور من نجابته وشهامته وصيانته ونزاهته وحسن إدراكه ما نفق عليه، فاستحضره وأجلسه في ديوانه الخاص، وكان يقف بين يديه ويخدم ويستوفي الأعمال والحسابات، ويدخل يده في كل شيء، ثم لم تزل أحواله تتزايد مع كافور حتى صار الحجاب والأشراف يقومون له ويكرمونه، ولم تتطلع نفسه إلى اكتساب مال، وأرسل له كافور شيئاً فرده عليه وأخذ منه القوت خاصة، وتقدم كافور إلى سائر الدواوين أن لا يمضي دينار ولا درهم إلا بتوقيعه، فوقع في كل شيء. وكان يبر ويصل من اليسير الذي أخذه، هذا كله وهو على دينه. ثم إنه أسلم يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ست وخمسين وثلثمائة، ولزم الصلاة ودراسة القرآن الكريم، ورتب لنفسه رجلاً من أهل العلم شيخاً عارفاً بالقرآن المجيد والنحو حافظاً لكتاب السير، فكان يبيت عنده ويصلي به ويقرأ عليه، ولم تزل حاله تزيد وتنمي مع كافور إلى أن توفي .

 

وكان أبو الفضل جعفر بن الفرات وزير كافور يحسده ويعاديه، فلما مات كافور قبض ابن الفرات على جميع الكتاب وأصحاب الدواوين، وقبض على يعقوب بن كلّس في جملتهم، فلم يزل يتوصل ويبذل الأموال حتى أفرج عنه، فلما خرج من الاعتقال اقترض من أخيه ومن غيره مالاً وتجمل به وسار مستخفياً قاصداً بلاد المغرب فلقي القائد جوهر بن عبد الله الرومي مولى المعز العبيدي المقدم ذكره في الطريق، وهو متوجه بالعساكر والخزائن إلى الديار المصرية ليملكها، فرجع في الصحبة، وقيل إنه استمر على قصده وانتهى إلى إفريقية وتعلق بخدمة المعز العبيدي المقدم ذكره ثم رجع إلى الديار المصرية، ولم يزل يترقى إلى أن ولي الوزارة للعزيز نزار بن المعز معد، وعظمت منزلته عنده وأقبلت عليه الدنيا، وانثال الناس عليه ولازموا بابه، ومهّد قواعد الدوله وساس أمورها أحسن سياسة، ولم يبق لأحد معه كلام. وكان في أيام المعز يتصرف في الخدم الديوانية، ثم انتقل إلى العزيز من بعده وتولى وزارة العزيز يوم الجمعة ثامن عشر رمضان سنة ثمان وستين ثلثمائة.

 

وقال ابن زولاق في تاريخه، بعد ذكر المعز وتاريخ وفاته، ما مثاله: وممن وزر للمعز الوزير يعقوب بن كلّس، وهو أول من وزر للدولة الفاطمية في الديار المصرية، وكان من جملة كتاب كافور، فلما وصل المعز أحسن في خدمته وبالغ في طاعته إلى أن استوزره.

 

وقال غيره: كان يعقوب يحب أهل العلم ويجمع عنده العلماء، ورتب لنفسه مجلساً في كل ليلة جمعة يقرأ فيه لنفسه مصنفاته على الناس، وتحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من وجوه الدولة وأصحاب الحديث، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح.

 

وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب، حتى الطب، ويعارضون ويشكلون المصاحف وينقطونها. وكان من جملة جلسائه الحسين بن عبد الرحيم المعروف بالزلازلي مصنف كتاب الأسجاع. ورتب في داره القراء والأئمة يصلون في مسجد اتخذه في داره؛ وأقام في داره مطابخ لنفسه ولجلسائه، ومطابخ لغلمانه وحاشيته وأتباعه، وكان ينصب كل يوم خواناً لخاصته من أهل العلم والكتاب وخواص أتباعه ومن يستدعيه، وينصب موائد عديدة يأكل عليها الحجاب وبقية الكتاب والحاشية. وصنع في داره ميضأة للطهور بثمانية بيوت تختص بمن يدخل داره من الغرباء. وكان يجلس كل يوم عقب صلاة الصبح ويدخل عليه الناس للسلام. وتعرض عليه رقاع الناس في الحوائج والظلامات. وقرر عند مخدومه العزيز جماعة جعلهم قواداً يركبون بالمواكب والعبيد، ولا يخاطب واحد منهم إلا بالقائد، وكان من جملة هؤلاء القواد القائد أبو الفتوح فضل بن صالح الذي تنسب إليه منية القائد فضل، وهي بليدة بالأعمال الجيزية من الديار المصرية.

 

شرع يعقوب بن كلس في تحصين داره ودور غلمانه بالدروب والحرس والسلاح والعدد، وعمرت ناحيته بالأسواق وأصناف ما يباع من الأمتعة ومن المطعوم والمشروب والملبوس. ويقال إن داره كانت بالقاهرة في موضع مدرسة الوزير صفي الدين أبي محمد عبد الله بن علي المعروف بابن شكر المختصة بالطائفة المالكية، وإن الحارة المعروفة بالوزيرية التي بالقاهرة داخل باب سعادة منسوبة إلى أصحابه، لأنهم كانوا يسكنونها.

 

كانت هيبته عظيمة وجوده وافراً، وأكثر الشعراء من مدائحه.

المرجع: وفيات الأعيان

  


امرئ القيس
الشام