أبو أيوب المورياني

توفي 154 هـ

ورد في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي:

" وزير المنصور سليمان بن أبي سليمان الخوزي تمكن من المنصور تمكناً لا مزيد عليه وكان أولاً كاتباً للأمير سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة وكان المنصور ينوب عن هذا الأمير في بعض كور فارس فيما نقله ابن خلكان. فصادره وضربه فلما صارت الخلافة إلى المنصور قتله.

 

وكان المورياني قد دافع عند سليمان كثيراً عن المنصور فاستوزره ثم غضب عليه ونسبه إلى أخذ الأموال وأضمر له فكان كلما هم به دخل أبو أيوب وقد دهن حاجبيه بدهن مسحور فسار في ألسنة العامة: دهن أبي أيوب. ثم إنه أستأصله وعذبه وأخذ منه أموالاً عظيمةً.

 

وكذلك الدنيا الدنية قريبة الرزية.

 

مات في سنة أربع وخمسين ومئة وكان من دهاة العالم وله مشاركة قوية في الأدب والفلسفة والحساب والكيمياء والسحر والنجوم ولكنه ليس بفقيه وكان سمحاً جواداً متمولاً".

 

وورد في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان:

أبو أيوب سليمان بن أبي سليمان مخلد -وقيل داود-المورياني الخوزي؛ كان وزير أبي جعفر المنصور، تولى وزارته بعد خالد بن برمك جد البرامكة وتمكن منه غاية التمكن، وسبب ذلك أنه كان يكتب لسليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وكان المنصور قبل الخلافة ينوب عن سليمان المذكور في بعض كور فارس، فاتهمه بأنه احتجن المال لنفسه، فضربه بالسياط ضرباً شديداً وأغرمه المال، فلما ولي الخلافة ضرب عنقه، وكان سليمان قد عزم على هتكه عقيب ضربه، فخلصه منه كاتبه أبو أيوب المذكور، فاعتدها المنصور له واستوزره، ثم غنه فسدت نيته فيه ونسبه إلى أخذ الأموال، وهم أن يوقع به فتطاول ذلك، فكان كلما دخل عليه ظن أنه سيوقع به ثم يخرج سالماً، فقيل إنه كان معه شيء من الدهن قد عمل فيه سحر فكان يدهن به حاجبيه إذا دخل على المنصور، فسار في العامة دهن أبي أيوب.

 

ومن ملح أمثاله أن خالد بن يزيد الأرقط قال: بينما أبو أيوب المذكور جالس في أمره ونهيه أتاه رسول المنصور فتغير لونه، فلما رجع تعجبنا من حالته، فضرب مثلاً لذلك وقال: زعموا أن البازي قال للديك: ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك، قال: وكيف ذلك؟ قال: أخذك أهلك بيضة فحضنوك، ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم ونشأت بينهم، حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ها هنا وها هنا وصوت، وأخذت أنا مسنا من الجبال، فعلموني وألفوا بي، ثم يخلى عني فآخذ صيداً في الهواء وأجيء به إلى صاحبي، فقال له الديك: إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم المعدة للشي مثل الذي رأيت من الديوك لكنت أنفر مني، ولكنكم أنتم لو علمتم ما أعلم لم تتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي.

 

ثم إنه أوقع به سنة ثلاث وخمسين ومائة، وعذبه وأخذ أمواله. ومات سنة أربع وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى.

 

وكان سبب ذلك ما حكاه المعافى بن زكريا في كتاب "الجليس والأنيس" قال: كان أبو جعفر المنصور في بعض أسفاره في أيام بني أمية تزوج امرأة من الأزد بالموصل عن ضر شديد أصابه، حتى أكرى نفسه مع الملاحين يمد في الحبل، أو فعل ذلك لأمر خافه على نفسه، فتنكر وأكرى نفسه في مدادي السفن، فخطب هذه المرأة ورغبها في نفسه ووعدها ومناها، وأخبرها أنه جليل القدر وأنه من أهل بيت شرف، وأنها إن تزوجته سعدت، ولم يزل يمنيها حتى أجابته، وأقام معها يختلف في أسبابه ويجعل طريقه عليها بما رزقه الله تعالى؛ ثم اشتملت على حمل فقال لها: أيتها المرأة، هذه رقعة مختومة عندك لا تفتحيها حتى تضعي ما في بطنك، فإن ولدت ابناً فسميه جعفراً وكنيه أبا عبد الله، وإن ولدت بنتاً فسميها فلانة، وأنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبط المطلب، فاستري أمري فإنا قوم مطلوبون، والسلطان إلينا سريع، وودعها وخرج؛ فقضي أنها ولدت ذكراً، فأخرجت الرقعة فقرأت ما فيها، وسمته جعفراً، وضرب الدهر على ذلك، ما تسمع له خبراً، ونشأ الصبي مع أخواله وأهل بيت أمه، وكان كيساً ذهناً لقناً، واستخلف أبو العباس، فقيل للمرأة: إن كنت صادقة في رقعتك وكان من كتبها صادقاً فإن زوجك الخليفة أمير المؤمنين. قالت: ما أدري، صفوا لي صفة هذا الخليفة، قالوا: غلام حين بقل وجهه، قالت: ليس هو هو، قالوا: فاستري أمرك، ولم يلبث أبو العباس أن مات واستحكم عندها اليأس، وأقبل ابنها على الأدب فتأدب وكتب ونزعت به همته إلى بغداد فدخل ديوان أبي أيوب كاتب المنصور وانقطع إلى بعض أهله فأتى عليه زمان يتقوت بالكسب ويزيد في أدبه وفهمه وخطه حتى صار يكتب بين يدي أبي أيوب، إلى أن تهيأ أن خرج خادم يوماً إلى الديوان يطلب كاتباً يكتب بين يدي المنصور، فقال أبو أيوب للغلام: خذ دواتك وقم واكتب بين يدي أمير المؤمنين، فدخل الغلام فكتب، وكان يتهيأ من أبي جعفر إليه النظرة بعد النظرة يتامله، والقيت عليه محبته واستجاد خطه واسترشق فهمه، فكتب زماناً واستراح أبو أيوب إلى مكانه، ورأى أنه قد حمل عنه ثقلاً، وبز الغلام ووصله وكساه كسوة تصلح أن يدخل بها على أمير المؤمنين؛ ثم إن أبا جعفر قال للغلام يوماً: ما اسمك؟ قال: جعفر، قال: ابن من؟ فسكت متحيراً، قال ابن من ويحك؟ قال: ابن عبد الله، قال: وأين أبوك؟ قال: لم أره ولم أعرفه، ولكن أمي أخبرتني أن أبي شريف وان عندها رقعة بخطه فيها نسبه: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، فساعة ذكر الرقعة تغير وجه المنصور فقال: وأين أمك؟ قال: في موضع كذا، قال: أتعرف فلاناً؟ قال: نعم، هو إمام مسجد محلتنا، قال: أتعرف فلاناً؟ قال: نعم، خياط في مسجدنا، قال: أفتعرف فلاناً؟ قال: نعم في سكننا، فلما رأى الغلام أبا جعفر ينزع بأسماء قوم يعرفهم أدركته هيبة له وجزع وتدمع، فأدركت أبا جعفر الرقة عليه، فلم يتمالك أن قال: فلانة بنت فلانة من هي منك؟ قال: أمي، قال: فلانة؟ قال: خالتي، قال: فلان؟ قال: خالي، فضمه إليه وبكى، وقال: يا غلام لا تعلمن أبا أيوب ولا أحداً ما دار بيني وبينك، انظر انظر، احذر احذر، فنهض الغلام وخرج، فقال له أبو أيوب: لقد احتبست عند أمير المؤمنين، قال: كتبت كتباً كثيرة أملاها علي، فأين هي؟ قال: جعلها نسخاً يردد فيها نظره حتى يحكمها، ثم خرج إلى الديوان.

 

ثم إن أبا جعفر جعل يقول في بعض الأيام لأبي أيوب: هذا الغلام الذي يكتب بين يدي استوص به، فاتهم أبو أيوب الغلام أنه يلقي إلى أبي جعفر الشيء بعد الشيء من خبره، ثم لم يلبث أن سأله مرة بعد مرة، فقذف في بلب أبي أيوب بغض الغلام وأنه يقوم مقامه إن فقده أبو جعفر، وأبو جعفر يزداد ولها إلى الغلام ويجن به جنوناً وليس يمنعه من إدنائه وإظهار أمره إلا أمر يريد الله، فلما رأى أبو أيوب ذلك احتبسه عنده عناداً، ثم قال المنصور للخادم: اخرج إلى الديوان فجئني بفلان، فإن بعث معك بغيره فقل: أمرني أمير المؤمنين لا يدخل عليه غيره، ففعل الخادم ذلك، واستحكم في قلب أبي أيوب ما حذره وحدثته به نفسه، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين قد تعرفت من أبي أيوب البغض وله غوائل لا يحيط بها علمي وأنا أخاف على نفسي، فقال له أبو جعفر: يا بني قد حاك ذلك في صدري، فإذا كان الغد فتعرض لأن يغلظ لك فإذا أغلظ فقم وانصرف كأنك مغضب ولا تعد إلى الديوان، واجعل وجهك إلى أمك وأوصل إليها هذا العقد وهذا الكيس وكتابي هذا واحمل أمك ومن اتبعها من قرابتك وأقبل فانزل في موضع كذا فغني منفذ إليك خادما يتفقد أمورك ويعرف خبرك، فلا تطلعن أحداً من الخلق على ما معك وامض بهذا المال وهذا العقد وأحرزه أولاً قبل رجوعك إلى الديوان؛ ثم قال للخادم: أخرجه من باب كذا وكذا، فخرج الغلام فأحرز ما كان معه ثم رجع إلى بهج مسرور لا يخفى ذلك عليه وظهر الفرح في وجهه وشمائله، فقال أبو أيوب: أحلف بالله لقد رجع هذا الغلام بغير الوجه الذي مضى به، ولقد دار بينه وبين أمير المؤمنين من ذكري ما سره، فاستشعر الوحئة منه وصرف أكثر عمه عنه، ثم لم ينشب أن أغلظ له فقال الغلام: أنا إنسان غريب أطلب الرزق وأنت تستخف بي فأني قد ثقلت عليك فأتنحى عنك قبل أن تطردني، ثم قام وانصرف فافتقده أبو أيوب أياماً ورأى أن أبا جعفر لا يسأل عنه ولا يذكره، ثم إن نفس أبي أيوب نازعته إلى علم حقيقة خبره فأرسل من يسأل عنه في الموضع الذي كان نازلاً به، فقيل له إنه قد تهيأ وتجهز جهازاً حسناً وشخص إلى أهله بالموصل، فقال أبو أيوب في نفسه: ومن أين له ما يتجهز به، وكم مبلغ ما ارتزق معي وارتفق به لهذا الأمر؟ وجعلت نفسه تزداد وحشة منه ومن خبره إلى أن قيل له: قد كان أبو جعفر وصله بمال ووهب له شيئاً، فقال في نفسه: هذا الذي ظننت، وقد نصبه مكاني، ويجوز أن يكون استأذنه في أن يخرج إلى أهله فيسلم عليهم ثم يرجع إليه فيقلده مكاني، فقال لرجل من أصحابه: اخرج إلى طريق الموصل قرية قرية براً وبحراً فإذا عرفت موضعه فاقتله وجئني بما معه، فشخص.

 

وإن الغلام لما خرج من بغداد رأى أنه قد أمن في مسيره، وكان يقيم في الموضع الذي يستطيبه اليوم واليومين والأكثر والأقل، فلحقه رسول أبي أيوب وعرفه فباتا في قرية فقام الرسول إليه فخنقه وطرحه في بئر وأخذ خرجه وخرائط كانت معه وركب دابة له ورجع إلى أبي أيوب فسلم ذلك إليه وشرح له الخبر، ففتش أبو أيوب متاعه فإذا المال والعقد فعرفه، وإذا كتاب المنصور بخطه إلى أمه، فوجم أبو أيوب وندم، وعلم أنه قد عجل وأخطأ وأن الخبر لم يكن كما ظن، وعزم على الحلف والمكابرة إن عثر على شيء من أمره.

 

وأبطأ خبر الغلام واستبطأه في الوقت الذي ضربه له فدعا خادماً من ثقاته ورجلاً من خاصته وقال لهما: استقريا المنازل إلى الموصل منزلاً منزلاً وقرية قرية وأعطيا صفة الغلام حتى تدخلا ثم اقصدا موضع كذا من الموصل فاسألا عن فلانة-ووصف لهما كل ما أراد-ففعلا، فلما انتهيا إلى الموضع الذي أصيب فيه الغلام أعلما خبره، وذكرا الوقت الذي أصيب فيه فإذا التاريخ بعينه، ثم مضيا إلى الموصل فسألا عن أمه فوجداها أشد الخلق ولهاً على ابنها وحاجتها إلى علم خبره، فأطلعاها على حاله وأمرها أن تستر نفسها، ولم ترد الدنيا بعده فكان المنصور يذكره واستصفى أمواله وأموال أهل بيته ثم قتلهم جميعاً واباد خضراءهم، وكان إذا ذكر أبا أيوب لعنه وسبه وقال: ذاك قاتل حبيبي.

 

والمورياني: بضم الميم وسكون الواو وكسر الراء وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى موريان، وهي قرية من قرى الأهواز، ذكره ابن نقطة، من أعمال خوزستان.

 

والخوزي نسبة إلى خوزستان-بضم الخاء الموحدة وسكون الواو وكسر الزاي وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون-وهي بلاد بين البصرة وفارس، وقيل إنما قيل له الخوزي لشحه، وقيل لأنه كان ينزل شعب الخوز بمكة.

 



المنصور
فارس