لقَد حازَني وَجْدٌ بمَنْ حازَهُ بُعْدُ
|
فيَا لَيْتَني بُعدٌ ويا لَيتَهُ وَجْدُ
|
أُسَرّ بتَجديدِ الهَوَى ذِكْرَ ما مضَى
|
وإنْ كانَ لا يَبقَى له الحجرُ الصّلدُ
|
سُهادٌ أتانا منكِ في العَينِ عِنْدَنَا
|
رُقادٌ وقُلاّمٌ رَعَى سَرْبُكمْ وَرْدُ
|
مُمَثَّلَةٌ حتى كأنْ لمْ تُفارِقي
|
وحتى كأنّ اليأسَ من وَصْلكِ الوَعدُ
|
وحتى تَكادي تَمْسَحينَ مَدامعي
|
ويَعْبَقُ في ثَوْبيَّ من رِيحِكِ النَّدُّ
|
إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها
|
فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ
|
وإنْ عَشِقَتْ كانتْ أشَدّ صَبابَةً
|
وإن فَرِكتْ فاذهبْ فما فِركها قَصدُ
|
وإنْ حقَدَتْ لم يَبقَ في قَلبِها رِضًى
|
وإنْ رَضِيَتْ لم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ
|
كذلِكَ أخلاقُ النّساءِ ورُبّمَا
|
يَضِلُّ بها الهادي ويخفى بها الرّشدُ
|
ولكنّ حُبّاً خامَرَ القَلْبَ في الصِّبَا
|
يَزيدُ على مَرّ الزّمانِ ويَشْتَدُّ
|
سَقَى ابنُ عَليٍّ كلَّ مُزنٍ سقَتكمُ
|
مُكافأةً يَغْدو إلَيْها كمَا تَغدُو
|
لتَرْوَى كمَا تُرْوي بلاداً سكَنْتِها
|
ويَنْبُتَ فيها فَوْقَكِ الفَخرُ والمجدُ
|
بمن تَشخَصُ الأبصارُ يوْمَ رُكوبِهِ
|
ويُخْرَقُ من زَحْمٍ على الرّجلِ البُرْدُ
|
وتُلْقي وما تَدري البَنانُ سِلاحَها
|
لكَثْرَةِ إيماءٍ إلَيْهِ إذا يَبدُو
|
ضَرُوبٌ لهامِ الضّارِبي الهامِ في الوَغى
|
خَفيفٌ إذا ما أثقَلَ الفَرسَ اللِّبْدُ
|
بَصِيرٌ بأخذِ الحَمدِ من كلّ مَوْضِعٍ
|
ولَوْ خَبَأتْهُ بَينَ أنْيابِها الأُسْدُ
|
بتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبْلَ نَيْلِهِ
|
وبالذّعْرِ من قبلِ المهنّدِ يَنْقَدُّ
|
وسَيْفي لأنْتَ السّيفُ لا ما تَسُلّهُ
|
لضرْبٍ وممّا السّيفُ منهُ لكَ الغِمدُ
|
ورُمْحي لأنْتَ الرّمحُ لا ما تَبُلّهُ
|
نجيعاً ولوْلا القَدحُ لم يُثقِبِ الزَّنْدُ
|
منَ القاسِمينَ الشّكرَ بَيني وبَينَهمْ
|
لأنّهُمُ يُسدَى إلَيهِمْ بأنْ يُسدُوا
|
فشُكري لهم شُكرانِ: شكرٌ على النّدى
|
وشكرٌ على الشّكرِ الذي وَهبوا بَعْدُ
|
صِيامٌ بأبْوابِ القِبابِ جِيادُهُمْ
|
وأشْخاصُها في قَلبِ خائِفِهمْ تَعدُو
|
وأنْفُسُهُمْ مَبْذولَةٌ لوُفُودِهم
|
وأموالهُمْ في دارِ مَنْ لم يَفِدْ وَفْدُ
|
كأنّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ
|
ففيها العِبِدَّى والمُطَهَّمَةُ الجُرْدُ
|
أرَى القمرَ ابنَ الشّمسِ قد لبسَ العُلى
|
رُوَيْدَكَ حتى يَلْبَسَ الشّعَرَ الخَدُّ
|
وغالَ فُضُولَ الدّرْعِ مِن جَنَباتها
|
على بَدَنٍ قَدُّ القَنَاةِ لَهُ قَدُّ
|
وباشَرَ أبْكارَ المَكارِمِ أمْرَداً
|
وكانَ كَذا آباؤهُ وهُمُ مُرْدُ
|
مَدَحْتُ أباهُ قَبْلَهُ فشَفَى يَدي
|
مِنَ العُدم مَنْ تُشفَى به الأعينُ الرُّمدُ
|
حَبَاني بأثْمانِ السّوابِقِ دونَهَا
|
مَخافةَ سَيرِي إنّها للنّوَى جُنْدُ
|
وشَهْوَةَ عَوْدٍ إنَّ جُودَ يَمينِهِ
|
ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ والجَوادُ بها فَرْدُ
|
فلا زِلْتُ ألقَى الحاسِدينَ بمِثْلِها
|
وفي يدهم غَيضٌ وفي يديَ الرِّفْدُ
|
وعِندي قَباطيّ الهُمَامِ ومَالُهُ
|
وعندَهُمُ ممّا ظَفِرْتُ بهِ الجَحدُ
|
يَرومُونَ شأوي في الكَلامِ وإنّمَا
|
يحاكي الفتى فيما خَلا المَنطقَ القِرْدُ
|
فَهُمْ في جُموعٍ لا يراها ابنُ دأيَةٍ
|
وهم في ضَجيجٍ لا يُحسّ به الخلدُ
|
ومني استفادَ النّاسُ كُلَّ غَريبَةٍ
|
فجازوا بتَرْكِ الذّمّ إن لم يكنْ حمدُ
|
وجَدْتُ عَليّاً وابنَهُ خيرَ قوْمِهِ
|
وهم خيرُ قوْمٍ واستوَى الحُرُّ والعبدُ
|
وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ
|
وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ
|