رأيتُ فيها برقَها لمّا وَثَبْ، |
كمثلِ طرفِ العينِ أو قلبٍ يجب |
ثمّ حدتْ بها الصبا كأنها |
فيها من البرقِ كأمثالِ الشهب |
باكية ٌ يضحَكُ فيها برقُها، |
موصلولة ٌ بالأرض مرماة ُ الطنب |
كأنها ، ورعدها مستعبرٌ |
لَجّ به على بُكاهُ، ذو صَخَب |
جاءتْ بجَفنٍ أكحلٍ، وانصرفتْ |
مرهاءَ من إسبال دمعٍ منسكب |
إذا تَعرّى البرقُ فيها خِلتَه |
بطنَ شجاعٍ في كثيبٍ يضطرِب |
وتَارة ً تُبْصِرُهُ كأَنَّهُ |
أَبْلَقُ مَاَل جُلُّهُ حِيَنَ وَثَبْ |
وتارَة ً تَخالُه، إذا بَدا |
سلاسلاً مصقولة ً من الذّهب |
و الليلُ قد رقّ وأصغى نجمهُ ، |
واستوفزَ الصبحُ، ولمّا ينتقِب |
معترضاً بفَجرِهِ في ليلة ٍ، |
كَفَرَسٍ بيضاءَ دهماءَ اللَّبَب |
حتّى ، إذا لَجّ الثّرى بمائِها، |
وملّها صَدّتْ صُدودَ مَن غَضِب |
كأنّها جمعُ خميسٍ حكَمت |
عليه أبطالُ الرجال بالهرب |
يومَ يخوضُ الحربَ مني عالمٌ ، |
إنّ يدَ الحتف تصيبُ من طلب |
كم غمرة ٍ للموتِ يُخشى خوضُها |
جرَيتُ فيها جرْيَ سِلكٍ في ثَقَب |
حتى إذا قيلَ خضيبٌ بدمٍ |
نجمتُ فيها بحسامٍ مختضب |
الموتُ أولى للفتى من أن يرى |
ظالِعَ دَهرٍ كلّما شاء انقلَب |
و صاحبٍ نبهني بكأسهِ ، |
و الفجرُ قد لاحَ سناهُ وثقب |
لا عذرَ لي في سمتي ولمتي ، |
سيّان من شَيبٍ وشَعرٍ لم يَشِب |
لأي غاياتي أجري بعدما |
رأيتُ أترابي وقد صاروا ترب |
لبستُ أطوارَ الزّمانِ كلَّها، |
فأيّ عيشٍ أرتجي وأطلب |
وسابحٍ مُسامحٍ ذي مَيعة ٍ، |
كأنّهُ حريقُ نارٍ تلتهِب |
تراهُ ، إن أبصرتهُ مستقبلاً |
كأنما يعلو من الأرضِ حدب |
عاري النَّسا يَنتهبُ التُّربَ له |
حوافرٌ باذلة ٌ ما ينتهب |
تصالحُ التربَ ، إذا ما ركضت ، |
لكنها مع الصخورِ تصطخب |
تحسبهُ يزهى على فارسهِ ، |
وإنّما يُزهى به، إذا رُكِب |
أسرعُ من لحظته ، إذا رنا ، |
أطوعُ من عِنانه، إذا جُذِب |
يبلُغُ ما تبلُغه الرّيحُ، ولا |
تبلُغ ما يبلُغه، إذا طلَب |
ذو غرة ٍ قد شدخت جبهته ، |
و أذنٍ مثل السنانِ المنتصبِ |
و ناظرٍ كأنهُ ذو روعة ٍ ، |
و كفلٍ ململمٍ ضافي الذنب |
و منخرٍ كالكيرِ لم تشقَ به |
أنفاسُه، ولم يُخنها في تَعَب |
يبعثها شمائلاً ، وينثني |
جَنائِباً إلى فُؤادٍ يَضطرِب |
قد خاض في يومْ الوغى في حلة ٍ |
حمراءَ تَسديها العَوالي والقُضُب |
في غمرة ٍ كانت رحى الموتِ بها |
تدورُ، والصّبرُ لها منّي قُطُب |
وليلة ٍ ضَمّ إليّ شطرَها |
ضيفي ، ونادى باليفاع تلتهب |
حلّت به الأقدارُ نحوَ عاشقٍ |
لحمدهِ صبٍّ بتفريقِ النشب |
يرى ابتزالَ الوفرِ صونَ عرضهِ ، |
ويجعلُ الذُّخَر له فيما يَهَب |