الا عللاني قبلَ أن يأتيَ الموتُ ، |
ويُبْنى لجُثماني بدار البِلَى بيْتُ |
ألا عَلّلاني كمْ حَبِيبٍ تَعَذّرَت |
مَودّتُه، عن وَصلِه قد تسلّيتُ |
ألا عَلّلاني ليسَ سَعيي بمُدرَكٍ، |
ولا بوُقوفي بالّذي خُطّ لي فَوتُ |
فأهلكَني ما أهلكَ النّاسَ كلَّهُم، |
صروفُ المنى والحرصُ واللوُّ والليتُ |
ألا رُبّ دَسّاسٍ إلى الكَيدِ حامِلٍ |
ضِبابَ حُقودٍ قد عَرَفتُ ودارَيتُ |
فعادَ صديقاً بعدَما كان شانِئاً، |
بَعِيدَ الرّضى عنّي، فصافى وصافيتُ |
وخِطّة ِ رِبحٍ في العُلى قد أجَبتُها، |
وخطّة ِ خَسفٍ ذاتِ بَخس تأبّيتُ |
وزادُ التّقى مثلُ الرّفيقِ مقدّماً، |
تزَوّدَ قلبي سائغاً لي وأسريتُ |
فلاقيتُهُ في منزِلٍ قد أعَدّ لي |
محلاًّ كريماً لا يرومُ ، فأقريتُ |
ومِن عَجَبِ الأيّامِ بغيُ مَعاشرٍ |
غِضابٍ عَلى سَبقي، إذا أنا جارَيتُ |
لهم رحمٌ دنيا همُ يعرفونها ، |
إذا أنهَكُوهَا بالقَطِيعَة ِ أبقيْتُ |
يَصُدّونَ عن شكري وتُهجَرُ سُنّتي |
على قربِ عهدٍ مثلَ ما يهجرُ البيتُ |
فذلك دأبُ البَرّ منّي ودأبُهم، |
إذا قتلوا نُعمايَ بالكُفرِ أحيَيتُ |
يغيظهمُ فضلي عليهم ، ونقصهم ، |
كأنّيَ قسّمتُ الحظوظَ، فحابَيتُ |
وكم كُرَبٍ أخّاذَة ٍ بحلُوقِهِمْ، |
مصممة ِ البلوى ، كشفتُ وجليتُ |
عرفتُ زماني بؤسهُ ورخاءهُ ، |
ولاقيتُ مكرُوهَ الخُطوبِ، وعانَيتُ |
و دهرٍ مؤاتٍ قد ملكتُ نعيمه ، |
و أعطيتُ من حلواءِ عيشٍ وأعطيتُ |
وآخرُ يُشجيني صَبَرتُ لمَضّهِ، |
و كم من شجى تحتَ التصبرِ قاسيتُ |
و خصمٍ يهدُّ القرمَ رجعُ جوابهِ ، |
ملأتُ له صاعَ الخصامِ ، فوفيتُ |
أصافي بني الشحناءِ ما جمجموا بها ، |
لبُقيا، فإن أغرَوا بيَ الشّرّ أغرَيتُ |
و أتبعُ مصباحَ اليقينِ ، فإنْ بدا |
ليَ الشكُّ في شيءٍ يريبُ تناهيتُ |
و يهماءَ ديمومٍ كسوتُ قفارها |
مَناسِمَ حُرْجُوجٍ، وبهماءَ عَرّيتُ |
شغلتُ همومَ النفسِ عني برحلة ٍ ، |
فأصبحتُ منها فوقَ رحلي ، وامسيتُ |
وماءِ خَلاءٍ قد طرَقتُ بسُدْفَة ٍ، |
عليه القطا كأنّ آجنه الزيتُ |
ومَرقَبَة ٍ مثلِ السّنانِ عَلَوتُها، |
كأني لأردافِ الكَواكبِ ناجيتُ |
و أمنية ٍ لم أمنعِ النفسَ رومها ، |
بلغتُ ، وأخرى بعدها قد تمنيتُ |
و حربٍ عوانٍ يثقلُ الأرضَ حملها ، |
ويلمَعُ في أطرافِ أرْماحِها الموتُ |
شَهِدتُ بصَبْرٍ لا تُوَلّي جنودُه، |
فحاسَيْتُ أكواسَ المنايَا، وساقَيتُ |
و ضيفٍ رمتني ليلة ٌ بسوادهِ ، |
فحيّاهُ بِشري، قبلَ زادي، وَحيّيتُ |
و باتَ بممسى ليلة ٍ غابَ شرها ، |
وقُمْتُ فأُطْعِمْتُ الثّناءَ، وَأُسقيتُ |
ونُعمَى تَضِيقُ النّفسُ حينَ أرُدُّها، |
شكرتُ عليها ذا البلادِ ، وكافيتُ |
و داءٍ من الأعداءِ دبتْ سمومهُ ، |
وأعيا رِفاءَ الشّرّ، بالسّيْفِ داوَيت |
و عزمٍ كمتنِ السيفِ لي ولصاحبي ، |
فما أظهَرتْهُ بَوحة ٌ، مُنذُ أخفَيتُ |
و راحٍ كلونِ التبرِ يضحكُ كأسها ، |
صبحتُ بها شرباً كراماً ، وغاديتُ |
وبيضاءَ تُعطي العينَ حُسناًونَضرة ً، |
شغلتُ بها عصرَ الشّبابِ، وأفنيتُ |
سموتُ لها ، والليلُ قد لاحَ نجمه ، |
فلاقيتُ بدراً في الدُّجى ، حين لاقيتُ |
وكنتُ امرأً منّي التّصابي الذي ترَى ، |
فقد بلَغتْ منّي النُّهى ، فتناهَيتُ |
و قلتُ ألا يا نفسِ هل بعدَ شيبة ٍ |
نذيرٌ ، فما عذري ، غذا ما تماديتُ |
و قد أبصرتْ عيني المنية َ تنتضي |
سيوفَ مشيبي فوق رأسي وأشفيتُ |
فخلّيتُ سُلطانَ التّصابي لأهلِهِ، |
و أدبرتُ عم شأنِ الغويّ ، ووليتُ |
فما انا لولا الذكرُ ما قد علمتمُ ، |
أطعتُ عَذولي، بعدما كنتُ عاصَيتُ |
و قالوا : مشيبُ الرأس يحدو إلى الردى ، |
فقلتُ: أراني قد قَرُبتُ، ودانيتُ |
تبدّلَ قلبي ما تبدّلَ مَفرِقي، |
بياضُ تُقاي، قد نزَعتُ وأبقيتُ |
و قد طالَ ما أترعتُ كأسي من الصبا ، |
زماناً، فقد عطّلتُ كأسي، وأفضَيتُ |