أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا |
سوالفَ أيامٍ سبقنَ وأخرا |
وسكرَة َ عيَشٍ فارغٍ من هُمومِه، |
و معروفَ حالٍ لم نخفْ أن ينكرا |
وعصرَ شَبابٍ كانَ مَيعَة َ حُسنِه، |
وظِلاًّ من الدّنيا علَيهِ مُنَشَّرَا |
إذا كنا لا يرددنَ ما فاتَ من هوى ، |
فلا تدعِ المخزونَ أن يتصبرا |
و قالوا : كبرتَ فانتضيتَ من الصبا ، |
فقلتُ لهم: ما عشتُ إلاّ لأكبَرَا |
إذا لاحَ شَيبُ الرّأسِ يوماً ولَيلَة ً، |
فما أجدرَ الإنسانَ أن يتغيرا |
ولَبثي وإخلافي أُناساً فَقِدتُهُم، |
و ما كنتُ أرجو بعدهم أن أعمرا |
هُمُ طرَدوا عن مُقلتي رائدَ الكَرى ، |
و شكوا سوادَ القلبِ حتى تفطرا |
و أجلوا همومي من سواهم وأطبقوا |
جفوني فما أهوَى من العيشِ مَنظرَا |
وأصبَحتُ مُعتَلَّ الحَياة ِ كأنّني |
أسِيرٌ رأى وَجهَ الأميرِ، ففَكّرَا |
فإما تريني بالذي قد نكرته ، |
فيا رُبّ يومٍ لم أكنْ فيه مُنكَرَا |
أروحُ كغصنِ البانِ بيتهُ الندى ، |
و هزّ بأنفاسٍ ضعافٍ وأمطرا |
فمالَ على ميثاءَ ناعمة ِ الثرى ، |
تغلغلَ فيها ماؤها وتحيرا |
كأنّ الصَّبا تُهدي إلَيها إذا جرَتْ |
على تُربِها، مِسكاً سَحيقاً وعَنبرَا |
سقتهُ الغوادي والسواري قطارها ، |
فجنّ كما شاءَ النباتُ ونورا |
و حلتْ عليهِ ليلة ٌ أرحبية ٌ ، |
غذا ما صفا فيها الغديرُ تكدرا |
كأنّ الغواني بينَ بينَ رياضهِ ، |
فغادرنَ فيهِ نشرَ وردٍ وعبهرا |
طويلة َ ما بين البياضينِ ، لم يكدْ |
يُصَدَّقُ فيها فجرُها حينَ بَشّرَا |
إذا ما ألحتْ قشرَ الصخرَ وبلها ، |
و همتْ غصونُ النبعِ أن تتكسرا |
فباتتْ إذا ما البرقُ أوقدَ وسطَها |
حَريقاً أهَلّ الرّعدُ فيهِ وكَبّرَا |
كأنّ الربابَ الجونَ دونَ سحابهِ |
خليعٌ من الفِتيانِ يَسحبُ مِئزَرَا |
إذا لحقَتهُ رَوعَة ٌ من وَرائِهِ |
تَلَفّتَ واستَلّ الحُسامَ المُذكَّرَا |
فأصبحَ مستورَ الترابِ كأنما |
نشرتَ عليهِ وشيَ بردٍ محبرا |
به كلُّ موشيّ القوائمِ ناشطٌ ، |
و عينٌ تراعي فاترَ اللحظِ أحورا |
تُطيفُ بذَيّالٍ كأنّ صُوارَهُ |
غدائرُ ذي تاجٍ عتا وتجبرا |
يحكُّ الغصونَ المورقاتِ بروقه |
كخصفك بالإشفى نعالاً فخصرا |
وذي عُنُقٍ مثلِ العصا شُقّ رأسها |
وشُذّبَ عَنها جِلدُها فتَقَشّرَا |
و ساقٍ كشطرِ الرمحِ صمّ كعوبه |
تردى على ما فوقها وتأزرا |
فبادرتهُ قبلَ الصباح بسابحٍ |
جوادٍ ، كما شاءَ الحسودُ وأكثرا |
إذا ما بدا أبصرتَ غرة َ وجهه |
كعُنقودِ كَرمٍ بَينَ غُصنَينِ نوّرَا |
و سالفتي ظبي من الوحشِ سانحٍ ، |
غذا ما عراهُ خوفُ شيءٍ تبصرا |
وَرِدْفاً كظَهرِ التُّرسِ أُسبِلَ خَلفَه |
عَسيبٌ كفَيضِ الطَّودِ لمّا تحدّرَا |
وأرسَلتُهُ مُستَطعِماً لعِنانِهِ، |
أخا ثقة ٍ ما أنتَ إلاّ مبشرا |
و همٌّ أتتني طارقاتُ ضيوفهِ |
فما كانَ إلاّ اليعملاتِ له قرى |
بوَحشيّة ٍ قَفرٍ تَخالُ سَرابَها |
مهاً لامعاتٍ ، أو ملاءً منشرا |
فلما تبدى الليلُ يحدو بنجمهِ ، |
لبسنا ظلاماً لم يكدْ صبحهُ يرى |
و طافَ الكرى بالقومِ حتى كأنهم |
نشاوى شرابٍ دبّ فيهم وأسكرا |
فمن كلّ هذا قد قضيتُ لبانتي ، |
و ولى ، فلم أملكْ أسى ، وتذكرا |
ويومٍ من الجَوزاءِ أصلَيتُ نارَه، |
وقد سترَ الكنّاسُ إذ بانَ مُشترَى |
وقد أكلَتْ شمسُ النّهارِ ظِلالَهُ، |
وصارَتْ كحِرباءِ الهواجرِ معفَرَا |
و كم من عدوٍ رامَ قصفَ قناتنا ، |
فلاقَى بنا يوماً من الشرّ أحمَرَا |
إذا أنتَ لم تَركَبْ أدانيَ حادِثٍ |
من الأمرِ لاقَيتَ الأقاصيَ أوعَرَا |