يوسف كمال

1932- 2004م
ولد يوسف كمال بمدينة الشهداء في محافظة المنوفية بمصر. كان أول الأبناء الثلاثة لأسرة متوسطة حرصت، شأنها شأن الأسر المصرية الريفية، على تعليم أبنائها القيم والأخلاق والمحافظة على الصلاة، وقد اعتنى والده المزارع بتعليمه. فالتحق يوسف بعد أن نال الشهادة الثانوية عام 1951 بجامعة القاهرة وتخرج فيها حاصلا على بكالوريوس التجارة في عام 1955 ليكون ترتيبه الأول على دفعته في شعبة الاقتصاد. وقد حصل على جائزتين في العام نفسه ، رشحته لهما الكلية: الأولى تكريما له لحصوله على أكبر مجموع في مادة الاقتصاد، والثانية لكونه أنبغ طالب في مادة الاقتصاد. كما رشح من قبل الكلية لبعثة إلى الخارج، ولكن حال دونها اعتقاله بعد تخرجه بقليل.

كان يوسف كمال من المعجبين بشخصية حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين فانضم إلى الحركة في 1951 وهو العام الذي شهد ما يشبه الثورة والتململ الدائب للحركة الطلابية ضد الاحتلال الإنكليزي، فأقيمت معسكرات الجهاد في كل جامعات
مصر، حيث انتظم هو كواحد من هؤلاء الشباب الذين التحقوا في صفوف التدريب استعدادا للجهاد. ولكن الاحتلال انتهى قبل أن ينهي يوسف تدريبه. غير أن تعلق يوسف كمال بالجهاد كان شديدا، فشارك في معسكرات الجهاد على ضفاف القناة عام 1953. وحين وقع العدوان الثلاثي 1956 كتب من خلف القضبان إلى والده وأسرته يستحثهم على الجهاد وعن أمنيته أن يكون هو وإخوانه خارج السجن للمشاركة في القتال.

لم يكن دور يوسف كمال فقط في الجامعة هو الانخراط في صفوف الجماعة والمشاركة في معسكرات الجهاد، ولكنه كان أشبه بمنظر طلاب الإخوان المسلمين لمواجهة الفكر الشيوعي الذي بدأ في التسرب إلى الجامعة، وقد أخذت هذه المواجهة صور المناقشات والمناظرات وكشف العيوب ونقاط الضعف في الفكر الماركسي.

في عام 1954 شهدت جماعة الإخوان المسلمين حملة من الاعتقالات والمحاكمات من قبل ضباط ثورة يوليو، وشهدت العديد من أسر المعتقلين ارتباكا في حياتها المعيشية، فأخذت مجموعة من الإخوان على عاتقها جمع التبرعات وتقديم العون لهذه الأسر. وكان يوسف كمال واحدا من هؤلاء الذين جندوا أنفسهم لهذا الأمر فاعتقل فيما سمي بقضية "تنظيم التمويل" ومكث في السجن ما يزيد عن 9 سنوات بشهرين. وحين خرج لم ينعم بنسيم الحرية أكثر من 9 أشهر فدخل السجن ثانية مع شهر أغسطس من عام 1965 حتى أكتوبر 1968، ثم عاد إليه ثالثة في عام 1981 ليمضي فيه 4 أشهر.

تميز يوسف كمال بالمحافظة على الوقت واستثماره في القراءة، في الأوقات التي كان يسمح له فيها بذلك في فترة الاعتقال. فكان يمضي معظم الوقت المسموح به في المكتبة. ويعرف عنه أنه كان يجمع الورق الملقى على الأرض في ساحة المعتقل، فإذا ما كانت الأوراق فارغة استغلها في الكتابة وإن كانت مطبوعة كانت فرصة للقراءة والاطلاع. وقد كتب أنه اطلع من أجل مناقشته في بحث لنيل درجة الدكتوراه في مطلع الستينيات على نحو 500 كتاب بين العربية والإنكليزية في مجال الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والفقه والتفسير والحديث. وكان قد وفق لإنجاز أول أعماله البحثية بعنوان "الأمة الإسلامية، أصولها الفلسفية والاقتصادية"، والذي وقع في 1000 صفحة مكتوبة بخط اليد. وفي عام 1963 خاطب الجامعات المصرية لمناقشة بحثه هذا لنيل درجة الدكتوراه.

كان قد حرص قبل إقدامه على هذه الخطوة على أن يمر بالخطوات الإجرائية بالجامعات للانتظام في سلك الدراسات العليا. فكتب إلى كلية التجارة بجامعة القاهرة في أكتوبر من عام 1958 للالتحاق بالدراسات العليا وهو خلف القضبان، فأرسلت إليه الكلية بعدم قبوله بسبب استحالة المشاركة في التدريبات العملية التي تتطلبها الدراسة في هذه المرحلة.

بعد الإفراج الأول له في عام 1964، عمل في شركة المقاولين العرب كمحاسب، إلى أن أحيل للمعاش في عام 1992. إلا أن ذلك لم يمنعه من العمل في وظائف أخرى بعد حصوله منها على إجازة بدون أجر، فعمل لست سنوات محاضرا بقسم الاقتصاد الإسلامي بكلية الشريعة، ثم في جامعة أم القرى خلال الفترة من عام 1980– 1986م. أشرف خلالها على العديد من الرسائل العلمية لطلاب الماجستير والدكتوراه. كما سافر كأستاذ زائر بالأكاديمية الإسلامية للعلوم والتقنية ببيشاور في باكستان عام 1990 لمدة عام واحد. وعمل أستاذا للاقتصاد الإسلامي بالدراسات العليا في جامعة عين شمس خلال الفترة من 1987 – 1997، وعمل بالوظيفة نفسها بجامعة الإسكندرية خلال الفترة 1995 – 1999، وشارك في مناقشة العديد من الرسائل العلمية الخاصة بالماجستير والدكتوراه بجامعتي الإسكندرية وعين شمس فيما يتعلق بجانب الاقتصاد الإسلامي، كما عين خبيرا اقتصاديا بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي.