هَبُوا طيفَكُمْ أعْدى علَى النِّأْي مَسراهُ |
فَمنُ لِمَشُوقٍ أنْ يُهَوِّمَ جَفْناهُ |
وهلْ يهتدِي طيفُ الخيالِ لناحِلٍ |
إذا السُّقْمُ عنْ لحظِ العوائِدِ أخْفاهُ |
غِنى ً في يَدِ الأحلامِ لا أستفيدهُ |
ودَيْنٌ عَلى الأيَّامِ لا أتقاضاهُ |
وَما كُلُّ مَسْلُوبِ الرُّقادِ مُعادُهُ |
وَلا كُلُّ مَأْسُورِ الفُؤَادِ مُفاداهُ |
يَرى الصَّبْرَ مَحْمودَ العَواقِبِ مَعْشَرٌ |
وَما كُلُّ صَبْرٍ يَحْمَدُ المَرْءِ عُقْباهُ |
ليَ اللهُ مِنْ قَلْبٍ يُجَنُّ جُنُونُهُ |
مَتى لاحَ بَرْقٌ بِالقَرِينَيْنِ مَهْواهُ |
أحِنُّ إذا هَبَّتْ صَباً مُطْمَئِنَّة ٌ |
حَنِينَ رذايا الرَّكْبِ أوْشَك مَغْدَاهُ |
خَوامِسَ حَلاّها عَنِ الوَرْدِ مَطْلَبٌ |
بعيدٌ على البُزْلِ المصاعِيبِ مرْماهُ |
هوى ً كلَّما عادَتْ مِنَ الشَّرْقِ نَفْحَة ٌ |
أعادَ لِيَ الشَّوْقَ الَّذِي كانَ أبْداهُ |
وما شَغَفِي بالرِّيحِ إلاّ لأنَّها |
تَمُرُّ بِحَيٍّ دُونَ رامَة َ مَثْواهُ |
أُحِبُّ ثَرى الوادِي الَّذِي بانَ أهْلُهُ |
وأصْبوا إلى الرَّبْعِ الَّذِي مَحَّ مَغْناهُ |
فَما وَجَد النِّضْوُ الطَّلِيحُ بِمَنْزِلٍ |
رَأى وِرْدَهُ فِي ساحَتَيْهِ وَمَرْعاهُ |
كَوَجْدِي بِأطْلالِ الدِّيارِ وَإنْ مَضى |
علَى رسْمِها كَرُّ العُصُورِ فأبْلاهُ |
دوارِسَ عفّاها النَّحُولُ كأَنَّما |
وَجَدْنَ بِكُمْ بَعْدَ النَّوَى ما وَجَدْناهُ |
ألا حبَّا عْدُ الكَثِيبِ وناعِمٌ |
مِنَ العَيْشِ مجرورُ الذُّيولِ لبِسْناهُ |
لَيَالِيَ عاطَتْنا الصَّبابَة ُ دَرَّها |
فلمْ يبقَ منْها منهَلٌ ما وَردْناهُ |
وللَّهِ وادٍ دُونَ مَيْثاءٍ حاجِرٍ |
تَصِحُّ إذا اعْتَلَّ النَّسِيمُ خُزاماهُ |
أُناشِدُ أرْواحَ العَشِيّاتِ كُلَّما |
نَسَبْنَ إلى رَيّا الأحبَّة ِ ريّاهُ |
أناشَتْ عَرارَ الرَّمْلِ أمْ صافَحَتْ ثَرى ً |
أغَذَّ بهِ ذَاكَ الفَرِيقُ مَطاياهُ |
خَلِيلَيَّ قَدْ هَبَّ اشْتِياقِي هُبُوبُها |
حُسُوماً فهلْ مِنْ زَوْرَة ٍ تتلافاهُ |
أعِينا عَلَى وَجْدي فليسَ بنافِعِ |
إخاؤُكما خِلاًّ إذا لَمْ تُعِيناهُ |
أما سُبَّة ٌ أنْ تَخْذُلا ذَا صَبَابة ٍ |
دَعا وَجْدَهُ الشَّوْقُ القَدِيمْ فَلَبَّاهُ |
وأكَمَدُ محزُونٍ وأوْجَعُ مُمْرَضٍ |
مِنَ الوجدِ شاكٍ ليسَ تُسْمَعُ شَكْواهُ |
شَرى لُبُّهُ خَيْلُ السَّقامِ وبَاعَهُ |
وَأرْخَصَهُ سَوْمُ الغَرامِ وأغْلاهُ |
وبالجِزْعِ حيٌّ كلَّما عنَّ ذِكْرُهُمْ |
أماتَ الهوى منِّي فُؤاداً وأحْياهُ |
تَمَنَّيْتُهُمْ بِالرَّقْمَتَيْنِ وَدارُهُمْ |
بِوادِي الغَضَا يا بُعْدَ ما أتمَنَّاهُ |
سَقَى الوابِلُ الرّبْعِيُّ ماحِلَ رَبْعِكُمْ |
وَرَوَاحَهُ ما شاءَ رَوْحٌ وَغاداهُ |
وجَرَّ عليهِ ذيلَهُ كُلُّ ماطِرٍ |
إذا ما مَشَى فِي عَاطِلِ التُّرْبِ حَلاّهُ |
وَما كنْتُ لَوْلا أنَّ دَمْعِي مِنْ دَمٍ |
لأحمِلَ منّا للسحابِ بسُقياهُ |
على أنَّ فخرَ المُلْكِ للأرضِ كافِلٌ |
بِفَيْض نَدى ً لا يَبْلُغُ القَطْرُ شَرْوَاهُ |
بصُرْتُ بأمّاتِ الحَيا فظننتُها |
أنامِلَهُ إنَّ السَّحائِبَ أشْباهُ |
أخُو الحزْمِ ما فاجاهُ خطبٌ فكادَهُ |
وذُو العزمِ ما عانهُ أمرٌ فعنّاهُ |
وَساعٍ إلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّة ٍ |
مِنَ المَجْدِ ما جاراهُ خَلْقٌ فَباراهُ |
بهِ رُدَّ نحوِي فائتُ الحَظِّ راغِماً |
وأسْخَطَ فِيَّ الدَّهْرُ مَنْ كَانَ أرْضاهُ |
تَحامَتْنِي الأيَّامُ عِنْدَ لِقائهِ |
كأنِّي فِيها بأسُهُ وَهْيَ أعْداهُ |
إليكَ رحلْتُ العِيسَ تَنْقُلُ وقرَها |
ثناءً وللأعلى يجهَّزُ أعلاهُ |
وَلا عُذْرَ لِي إنْ رابَنِي الدَّهْرُ بَعْدَما |
تَوخَّتْكَ بِي يا خَيْرَ مَنْ تَتَوَخّاهُ |
وَرَكْبٍ أماطُوا الهَمَّ عَنْهُمْ بهِمَّة ٍ |
سَواءٌ بها أقْصى المَرامِ وأدْناهُ |
قطعتُ بهمْ عرْضَ الفلاة ِ وطالَما |
رمى مقتَلَ البيداء عزمِي فأصْماهُ |
وَسَيْرٍ كإيماضِ البُرُوقِ ومَطْلَبٍ |
لبِسْنا الدُّجى منْ دُونِهِ وخلَعْناهُ |
إلى المَلِكِ الجَعْدِ الجزِيلِ عطاؤُهُ |
إلى القَمَرِ السَّعْدِ الجَمِيلِ مُحَيّاهُ |
إلى رَبْعِ عمّارِ بنِ عمارٍ الذي |
تكفَّلَ أرْزاقَ العُفاة ِ بجدواهُ |
ولَمّا بَلَغْناهُ بَلَغْنا بهِ المُنى |
وشِيكاً وأعطَيْنا الغِنى منْ عطاياهُ |
فتى ً لمْ نَمِلْ يوماً برُكْنِ سماحِهِ |
على حَدَثانِ الدَّهرِ إلا هدمْناهُ |
مِنَ القَوْمِ ياما أمْنَع الجارَ بَيْنَهُمْ |
وَأحْلى مَذاقَ العَيْشِ فِيهِمْ وَأمْراهُ |
وأصْفى حياة ً عندهُمْ وأرقَّها |
وأبرَدَ ظِلاً في ذَراهُمْ وأنداهُ |
أغَرُّ صبيحٌ عرضُهُ وجبينُهُ |
كأنَّهُما أفْعالُهُ وَسَجاياهُ |
لكَ اللهُ ما أغراكَ بالجودِ همَّة ً |
سرُوراً بما تحبُو كأنَّكَ تُحباهُ |
دعوْنا رَقُدَ الحظَّ باسمِكَ دعْوة ً |
فَهَبَّ كأنَّا منْ عِقالٍ نَشَطْناهُ |
وجُدْتَ فأثْنَيْنا بحمدِكَ إنَّهُ |
ذمامٌ بحُكْمِ المَكْرُماتِ قضَيْناهُ |
مَكارِمُ أدَّبْنَ الزَّمانَ فَقَدْ غَدا |
بِها مُقْلِعاً عَمّا جَنَى وَتَجَنّاهُ |
أيامَنْ أذالَ الدَّهْرُ حَمْدِي فَصانَهُ |
وقلَّصَ ظِلَّ العَيْشِ غنِّي فأضفاهُِ |
وعلَّمنِي كَيْفَ المطالِبُ جُودُهُ |
وما كنْتُ أدرِي المطالِبُ لَولاهُ |
لأنْتَ الَّذِي أغْنَيْتَنِي وَحَمَيْتَنِي |
لَيالِيَ لا مالٌ لَدَيَّ وَلا جاهُ |
أنلتَنِيَ القدرَ الذي كنتُ أرتجِي |
وأمَّنَتنِي الخَطْبَ الَّذِي كُنْتُ أخْشاهُ |
وأمضَيْتَ عضْباً منْ لسانِيَ بَعدما |
عمرْتُ وحداهُ سواءُ وصَفحاهُ |
وسرْبَلَتْنِي بالبِرِّ حتّى تركتْتنِي |
بِحَيْثُ يَرانِي الدَّهْرُ كُفْؤاً وَإيّاهُ |
فدُونَكَ ذا الحمدَ الذي جلَّ لفظُهُ |
ودقَّ على الإفهامِ في الفضلِ معناهُ |
فَلا طُلَّ إلاّ مِنْ حَبائِكَ رَوْضُهُ |
ولا باتَ إلاّ في فِنائِكَ مَأْواهُ |