خُذا مِنْ صَبا نجدٍ أماناً لقلْبِهِ |
فقدْ كادَ ريّاها يطيرُ بلُبهِ |
وإيّاكُما ذاكَ النَّسِيمَ فإنَّهُ |
إذا هَبَّ كانَ الوجدُ أيْسرَ خطْبهِ |
خَلِيليَّ لَوْ أحْبَبْتُما لعَلِمْتُما |
محلَّ الهَوى من مُغرَمِ القلبِ صبِّهِ |
تذَكَرَ والذِّكْرى تُشُوقُ وذُو الهَوى |
يَتُوقُ وَمَنْ يَعْلَقْ بهِ الحُبُّ يُصْبهِ |
غرامٌ علَى ياْسِ الهَوى ورجائِهِ |
وشوْقٌ على بُعدِ المَزارِ وقُربهِ |
وفي الرَّكْبِ مَطْوِيِّ الضُّلُوعِ على جوى ً |
متى يدعُهُ داعِي الغَرامِ يُلَبهِ |
إذا خطَرْتَ منْ جانِبِ الرَّمْلِ نفْحَة ٌ |
تضَمَّنَ منها داءهُ دُونَ صَحْبهِ |
ومُحتَجِبٍ بينَ الأسنَّة ِ مُعرِضٍ |
وفي القلْبِ منْ إعراضِهِ مثلُ حُجْبِهِ |
أغارُ إذا آنَسْتُ في الحَيِّ أنَّة ً |
حِذاراً وخوْفاً أنْ تَكُونَ لحُبِّهِ |
ويومَ الرِّضى والصَّبُّ يحمِلُ سُخطَهُ |
بقلبٍ ضعيفٍ عن تحَمُّلِ عَتْبهِ |
جلالِيَ برّاقَ الثَّنايا شَتِيتَها |
وحَلاّني عنْ بارِدِ الورْدِ عذْبِهِ |
كأنِّي لَمْ أقصُرْ بهِ اللَّيلَ زائِراً |
تَحُولُ يدِي بينَ المِهادِ وجنْبِهِ |
ولا ذُقتُ أمناً مِنْ سَرارِ حُجُولهِ |
ولا أرْتَعْتُ خوفاً منْ نَمِيمَة ِ حقْبِهِ |
فيا لسقامِي منْ هوى مُتجنِّبٍ |
بكى عاذِلاهُ رحمَة ً لمحُبِّهِ |
ومنْ ساعة ٍ للبيْنِ غيرِ حميدة ٍ |
سمحتُ بِطَلِّ الدَّمعِ فيها وسكْبهِ |
ألا لَيْتَ أنِّي لمْ تَحُلْ بينَ حاجِرٍ |
وبينِي ذُرى أعلامِ رضْوى وهَضْبِهِ |
وليتَ الرِّياحَ الرّائِحاتِ خوالِصٌ |
إليَّ ولْو لاقَيْنَ قلْبِي بكَرْبِهِ |
أهِيمُ إلى ماءِ بِبُرْقَة ِ عاقِلٍ |
ظَمِئْتُ علَى طُولِ الوُرُودِ بشُرْبِهِ |
واَسْتافُ حُرَّ الرمْلِ شوقاً إلى اللِّوى |
وقد أودَعَتْنِي السُّقْمَ قضْبانُ كثْبِهِ |
ولستُ على وَجْدِي بأوَّلِ عاشقٍ |
اصابَتْ سِهامُ الحُبِّ حبَّة َ قلْبِهِ |
صَبَرْتُ على وَعْكِ الزَّمانِ وقدْ أُرى |
خبيراً بِداءِ الحادِثاتِ وطِبِّهِ |
وأعْرَضْتُ عنْ غُرِّ القَوافِي ومنْطِقِي |
مليءٌ لمُرتادِ الكلامِ بخصْبِهِ |
وما عزَّنِي لوْ شِئْتُ مَلْكٌ مُهذبٌ |
يَرى أنَّ صَوْنَ الحمدِ عنهُ كَسَبِّهِ |
لقدْ طالمَا هوَّمْتُ في سنَة ِ الكرى |
ولا بُدَّ لِي مِنْ يقْظَة ِ المُتَنِبِّهِ |
سألقى بِعَضْبِ الدَّولة ِ الدَّهرَ واثِقاً |
بأمضى شباً مِنْ باتِرِ الحَدِّ عَضبِهِ |
وأسمُو عنِ الآمالِ همًّا وَهِمَّة ً |
سُمُوَّ جمالِ المُلْكِ عنْ كُلِّ مُشْبِهِ |
هو الملْكُ يدعُو المُرْمِلينَ سماحُهُ |
إلى واسِعٍ باعَ المكارِمِ رَحْبهِ |
يُعنَّفُ مَنْ لم يأتهِ يومَ جُودِه |
ويَعْذَرُ مَنْ لمْ يَلْقَهُ يومَ حرْبِهِ |
كأنِي إذا حَيَّيْتُهُ بِصِفاتِه |
أمُتُّ إلى بدْرِ السَّماءِ بِشُهْبهِ |
هوَ السَّيفُ يغْشِي ناظِراً عندَ سَلِّهِ |
بهاءٍ ويُرضِي فاتِكاً يومَ ضَرْبهِ |
يَرُوقُ جمالاً أوْ يَرُوعُ مهابَة ً |
كصَفحِ الحُسامِ المشرَفِيِّ وغَربهِ |
هُمامٌ إذا أجْرى لغايَة ِ سُؤْدُدٍ |
أضَلَّكَ عنْ شَدِّ الجَوادِ وخَبِّهِ |
تَخَطّى إليْها وادِعاً وكأنَّهُ |
تمطّى على جُرْدِ الرّهانِ وقُبِّهِ |
وما أَبْقٌ إلا حياً مُتهَلِّلٌ |
إذا جادَ لمْ تُقلِعْ مَواطِرُ سُحبِهِ |
أغَرُّ غِياثٌ للأنامِ وعِصمَة ٌ |
يُعاشُ بِنُعماهُ ويُحْمى بِذَبِّهِ |
يقولونَ تِربٌ للغَمامِ وإنَّما |
رَجاءُ الغَمامِ أنْ يُعدَّ كتِرْبهِ |
فتى ً لمْ يَبِتْ والمَجْدُ مِنْ غيرِ همِّهِ |
ولمْ يحتَرِفْ والحَمدُ منْ غيرِ كسبِه |
ولم يُرَ يوماً راجِياً غيرَ سيفِهِ |
ولمْ يُرَ يوماً خائِفاً غيرَ رَبِّهِ |
تنزَّهَ عنْ نَيلِ الغِنى بِضَراعَة ٍ |
وليسَ طعامُ الليثِ إلاّ بغَصْبِهِ |
ألا رُبَّ باغٍ كانَ حاسمَ فقْرهِ |
وباغٍ عليهِ كانَ قاصِمَ صُلْبهِ |
ويومِ فخارٍ قدْ حوى خصْلِ مجدهِ |
وأعْداؤُهُ فِيما ادَّعاهُ كحِزبهِ |
هوَ السَّيفُ لا تلقاهُ إلا مُؤهلاً |
لإيجاب عِزٍّ قاهرٍ أو لسلبهِ |
منَ القومِ راضو الدَّهْرِ والدَّهرَ والدَّهرُ جامِحٌ |
فراضُوهُ حتّى سكَّنُوا حدشَغْبهِ |
بحارٌ إذا أنحتْ لوزِبُ محلِهِ |
جِبالٌ إذا هبَّتْ زعازِعُ نُكبهِ |
إذا وهَبُوا جادَ الغَمامُ بِصَوْبهِ |
وإن غضِبُوا جاءَ العَرِينُ بغُلْبِهِ |
إذا ما وردْتَ العِزَّ يوماً بنصرِهمْ |
أملَّكَ مِنْ رَشفِ النَّميرِ وعَبِّهِ |
أجابَكَ خطِّيُّ الوشيجِ بلُدْنِهِ |
ولَبّاكَ هندِيُّ الحدِيدِ بقُضْبهِ |
أُعيدَ لهمْ مَجْدٌ على الدَّهرِ بعْدما |
مضى بقبيلِ المجدِ منهُمْ وشعبهِ |
بأرْوَعَ لا تَعْيا لديهِ بمطْلَبٍ |
سِوى شكلهِ فِي العالمينَ وضرْبهِ |
تُروِّضُ قبلَ الروضِ أخلاقُهُ الثَّرى |
وتَبْعثُ قبلَ السُّكرِ سُكراً لشربهِ |
وتفخرُ دارٌ حلَّها بمُقامهِ |
وتَشْرُفُ ارْضٌ مرَّ فيها برَكْبِهِ |
ولما دَعَتْهُ عنْ دمشقَ عزيمة ٌ |
أبى أنْ يُخِلَّ البدْرُ فيها بقُطْبِهِ |
ترحَّلَ عنْها فهيَ كاسِفَة ٌ لهُ |
وعادَ إليها فهيَ مُشْرِقة ٌ بهِ |
وإنَّ محلاًّ أوطِئَتْهُ جِيادُهُ |
لحَقٌّ على الأفواهِ تقبيلُ تُرْبِهِ |
رأيتُكَ بينَ الحَزْمِ والجُودِ قائماً |
مقامَ فتى المجدِ الصَّمِيمِ وندْبِهِ |
فمنْ غِبِّ لا تُساءُ بوِردِه |
ومِنْ وردِ جُودٍ لا تُسَرُّ بغبِّهِ |
ولمّا اسْتَطالَ الخطْبُ قصَّرْتَ باعَهُ |
فعادَ وَجِدُّ الدَّهْرِ فيهِ كلَعبهِ |
وما كانَ إلاّ العَرَّ دَبَّ دَبِيبُهُ |
فأمنْتَ أنْ تُعْدى الصِّحاحُ بجُرْبِهِ |
وصدْعاً من المُلْكِ استغاثَ بكَ الوَرى |
إليهِ فَما أرجأتَ في لَمِّ شَعْبِهِ |
فغاضَ أَتِيٌّ كنتَ خائِضَ غمرِهِ |
وأصْحَبَ خَطْبٌ كُنْتَ رائِضَ صَعْبِهِ |
حُبِيتَ حياءً في سَماحٍ كأنَّهُ |
رَبيعٌ يَزِينُ النَّوْرُ ناضِرَ عُشْبهِ |
وأكثرْتَ حُسّادَ العُفاة ِ بنائلٍ |
متى ما يُغِرْ يوماً على الحمدِ يسبهِ |
مناقِبٌ يُنْسِيكَ القدِيمَ حدِيثُها |
ويخجَلُ صدْرُ الدهرِ فيها بعَقُبِهِ |
لئِنْ خَصَّ مِنْكَ الفَخْرُ ساداتِ فُرْسِهِ |
لقدْ عمَّ مِنْكَ الجُودُ سائرَ عُربهِ |
إذا ما هززتُ الدهرَ باسمكَ مادِحاً |
تَثَنّى تثَنِّي ناضِرِ العُودُ رَطْبهِ |
وإنَّ زماناً أنْتَ منْ حسَناتِهِ |
حقيقٌ بأنْ يختالَ مِنْ فرطِ عُجْبِهِ |
مضى زمنٌ قدْ كانَ بالبُعدِ مُذْنِباً |
وحَسْبِي بهذا القُرْبِ عُذْراً لذَنْبِهِ |
وما كنتُ بعدَ البيْنِ إلاّ كمُصْرِمٍ |
تذَكَّرَ عهْدَ الرَّوْضِ أيامَ جَدبهِ |
وعندِي على العِلاّتِ دَرُّ قرائِحٍ |
حوى زُبَدَ الأشعارِ ماخِضُ وطْبهِ |
ومِيدانُ فِكْرٍ لا يُحازُ لهُ مدى ً |
ولا يبْلُغُ الإسهابُ غاية َ سَهْبهِ |
يُصَرِّفُ فيهِ القولَ فارِسُ مَنطِقٍ |
بصِيرٌ بارْخاءِ العنانِ وجذْبِهِ |
وغِرّاءُ ميَّزْتُ الطوِيلأَ بخفْضِها |
فطالَ على رفعِ الكلامِ ونَصبهِ |
مِنَ الزُّهرِ لا يُلْفَينَ إلاّ كواكِباً |
طَوالِعَ في شَرْقِ الزَّمانِ وغَرْبِهِ |
حوالِيَ مِنْ حُرِّ الثناءِ ودُرِّهِ |
كواسيَ من وَشْيِ القريضِ وعَصْبِهِ |
خَطَبْتَ فلمْ يْحجُبْكَ عنها وَليُّها |
إذا رُدَّ عنها خاطِبٌ غيرَ خِطبهِ |
ذخَرْتُ لكَ المدْحَ الشَّرِيفَ وإنَّما |
على قدْرِ فضْلِ الزَّنْدِ قيمَة ُ قلْبِهِ |
فجُدْهُ بِصَوْنٍ عنْ سِواكَ وَحَسْبُهُ |
مِنَ الصَّوْنِ أنْ تُغْرِي السَّماحَ بِنَهْبهِ |