عماد الدين ابن المشطوب

توفي 619 هـ

أبو العباس أحمد ابن الأمير سيف الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن أبي الهيجاء ابن عبد الله بن أبي الخليل ابن مرزبان الهكاري المعروف بابن المشطوب الملقب عماد الدين، والمشطوب لقب والده، وإنما قيل له ذلك لشطبة كانت بوجهه.

 

كان أميراً كبيراً وافر الحرمة عند الملوك، معدوداً بينهم مثل واحد منهم، وكان عالي الهمة غزيرة الجود واسع الكرم شجاعاً أبي النفس تهابه الملوك وله وقائع مشهورة في الخروج عليهم.

 

وكان من أمراء الدولة الصلاحية، فإن والده لما توفي وكانت نابلس إقطاعاً له، أرصد منها السلطان صلاح الدين الثلث لمصالح بيت المقدس وأقطع ولده عماد الدين المذكور باقيها. وجده أبو الهيجاء كان صاحب العمادية وعدة قلاع من بلاد الهكارية.

 

ولم يزل قائم الجاه والحرمة إلى أن صدر منه في سنة دمياط ما قد شهر، فانفصل عن الديار المصرية، وآلت حاله إلى أن حوصر في شهر ربيع الآخر بتل يعفور القلعة التي بين الموصل وسنجار، فراسله الأمير بدر الدين لؤلؤ أتابك صاحب الموصل ولم يزل يخدعه ويطمنه إلى أن أدعن للانقياد، وحلف له على ذلك، فانتقل إلى الموصل، وأقام بها قليلاً، ثم قبض عليه، وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة وأرسله إلى الملك الأشرف مظفر الدين ابن الملك العادل. وإنما قبض عليه تقريباً إلى قلبه، فإن خروجه في هذه الدفعة كان عليه، فاعتقله الملك الأشرف في قلعة حران، وضيق عليه تضييقا شديدا، من الحديد الثقيل في رجليه والخشب في يديه، وحصل في رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير على ما قيل.


ومكث على تلك الحال إلى أن توفي في الاعتقال في شهر ربيع الآخر، وبنت له ابنته قبة على باب مدينة رأس عين، ونقلته من حران إليها ودفنته بها.

أما والده سيف الدين المشطوب فإن السلطان صلاح الدين كان قد رتبه في
عكا لما خاف عليها من الفرنج، هو بهاء الدين قراقوش، ولم يزل بها حتى حاصرها الفرنج بها وأخذوها. ولما خلص منها وصل إلى السلطان وهو بالقدس، يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. قال ابن شداد: دخل علي السلطان بغته، وعنده أخوه الملك العادل، فنهض إليه واعتنقه، وسر به سروراً عظيماً، وأخلى المكان وتحث معه طويلاً.

وكانت وفاة سيف الدين يوم الخميس السادس والعشرين من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بنابلس، هكذا ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في كتاب البرق الشامي. وقال بهاء الدينبن شداد في كتابه سيرة صلاح الدين إنه توفي يوم الاحد الثالث والعشرين من شوال من السنة المذكورة بالقدس الشريف، ودفن في داره بعد أن صلي عليه بالمسجد الأقصى.

ولم يكن في أمراء الدولة الصلاحية أحد يضاهيه ولا يدانيه في المنزلة وعلو المرتبة، وكانوا يسمونه الأمير الكبير، وكان ذلك علماً عليه عندهم لا يشاركه فيه غيره.


المرجع: وفيات الأعيان