ليسَ البُكاءُ وإنْ أُطيلَ بمقنِعي |
الخطْبُ أعظمُ قيمة ً من أدْمُعي |
أوَكلَّما أوْدى الزّمانُ بمنْفِسٍ |
مِنِّي جعَلْتُ إلى المَدامِعِ مَفْزَعي |
هلاّ شَجانِي أنَّ نَفْسِي لمْ تَفِظْ |
اسفاً وأنَّ حشايَ لمْ تتقطَّعِ |
ما كانَ هذا القلْبُ أوَّلَ صخْرَة ٍ |
ملمومَة ً قُرِعَتْ فلم تتصدَّعِ |
ألقى السلامَ على أبَرَّ مؤَمَّلٍ |
وحثا الترابَ على أغرَّ سميدَعِ |
يا للرجالِ لنازِلٍ لمْ يُحْتَسَبْ |
ولِحادِثٍ ما كانَ بالمُتوقَّعِ |
ما خِلتُني ألجا إلى صبرٍ على |
زَمنٍ بتفْريقِ الأحبَّة ِ مُولَعِ |
تاللهِ ما جازَ الزمانُ ولا اعتَدى |
بأشدَّ منْ هذا المُصابِ وأوْجَعِ |
خَطْبٌ يُبرِّحُ بالخُطوبِ وفادِحٌ |
مَن لم يمُتْ جزَعاً لهُ لم يَجزَعِ |
لا أسمَعَ النّاعِي فأيسَرُ ما جَنى |
صدْعُ الفُؤادِ بهِ ووقْرُ المسْمَعِ |
يا قُولُ قولَة ُ مُكمَدٍ مُستَنْزِرٍ |
ماءَ الشؤُون لهُ ونارَ الأضْلُعِ |
شاكِي النهارِ إذا تأوَّبَ ليلُهُ |
هَجَعَ السَّلِيمُ وطَرْفُهُ لم يَهْجعِ |
ملآنَ مِن حُزْنٍ فليسَ لِتَرْحَة ٍ |
أوْ فرحَة ٍ بفُؤادِهِ منْ مَوْضِعِ |
يبكِي لهُ منْ ليسَ يبكِي منْ أسى ً |
وجْداً ويُصْدَعُ قلْبُ مَنْ لمْ يُصْدِعِ |
أشكُو إلى الأيامِ فِيكَ رَزِيَّتِي |
لوْ تسمَعُ الأيّامُ شكوى مُوجَعِ |
وأبِيتُ ممنوعَ القَرارِ كأنَّني |
ما راعَنِي الحدَثانُ قطُّ بأرْوَعِ |
ورَنِينِ مفْجوعٍ لديْكَ وصلْتُهُ |
بحنِينِ باكِيَة ٍ عليكَ مُرَجَّعِ |
غلب الأسى فيك الأساة فلا أرى |
منْ لا يُكاثِرُ عبْرَتِي وتفَجُّعي |
فإذا صبرتُ فقدْتُ مثليَ صابِراً |
وإذا بكيتُ وجدْتُ مَنْ يبْكي مَعي |
قدْ غَضَّ يومُكَ ناظِرِي بلْ فضَّ فقْـ |
ـدُكَ أضلُعِي وأقَضَّ بعدُكَ مَضْجَعِي |
أخضَعْتَنِي للنّائِباتِ وَمَنْ يُصَبْ |
يوماً بمِثلِكَ يَستَذِلَّ ويَخضَعِ |
وأهانَ خطْبُكَ ما بِقَلْبِي ومنْ جَوى ً |
كالسَّيْلِ طمَّ علَى الغديرِ المُتْرَعِ |
يا قُولِ ما خانَ البقاءُ وإنَّما |
صُرِعَ الزمانُ غداة َ ذاكَ المصرعِ |
ماكُنْتُ خائِفها عليْكَ جِنايَة ً |
لوْ كانَ هذا الدَّهْرُ يَعْقِلُ أو يَعِي |
صُلْ بعدَها يا دهْرُ أوْفَا كفُفْ وخُذْ |
منْ شئْتَ يا صَرْفَ المنِيَّة ِ أوْ دَعِ |
قدْ بانَ بالمعرُوفِ أشجى بائِنٍ |
ونَعى إلينا الجُودُ أعلى مَنْ نُعي |
غاضَ الحِمامُ بزاخِرٍ مُتدَفِّقٍ |
وهَوى الحُسامُ بِباذِخٍ مُتَمَنِّعِ |
منْ دوحَة ِ الحَسَبِ العَلِيِّ المُنْتَمى |
وسُلالَة ِ الكَرَمِ الغزِيرِ المَنْبَعِ |
إنْ أظلَمَتْ تِلكَ السَّماءُ فقَدْ خَلا |
مِنْ بدْرِها الأبْهى مكانُ المَطْلَعِ |
أو أجدَبَتْ تِلْكَ الرِّباعُ فبَعْدَما |
ودَّعْتَ تَودِيعَ الغَمامِ المُقلِعِ |
أعزز عليَّ بمثْلِ فقدِكَ هالِكا |
خلَعَ الشبابَ وبُرْدَهُ لمْ يخلَعِ |
لَوْ أمْهِلَتْ تِلكَ الشَّمائِلُ لمْ تفُزْ |
يوْماً بأغرَبَ مِنْ عُلاكَ وأبدَعِ |
قلْ لي لأيِّ فضيلة ٍ لمْ تُبْكِنِي |
إنْ كانَ قلْبِي ما بَكاكَ ومدْمَعِي |
لجَمالِكَ المشْهُورِ أمْ لكَمالِكَ الـ |
ـمَذْكورِ أمْ لِنَوالِكَ المُتَبَرِّعِ |
ما خالفَ الإجماعَ فِيكَ مقالَتِي |
فأُقِيمَ بيِّنة ً على ما أدَّعِي |
أيُضَيِّعُ الفِتْيانُ عهْدَك إنَّهُ |
ما كانَ عِنْدَكَ عَهْدُهُمْ بمُضَيَّعِ |
قد كنتَ أمرَعَهُمْ لمُرتادِ الندى |
كفّاً وأسرَعَهُمْ إلى المُسْتَفْزِعِ |
حَلَيْتَ مَجالِسُهُمْ بِذِكْرِكَ وحْدَهُ |
وعطَلْنَ منْ ذاكَ الأبيِّ الأروَعِ |
والدَّهْرِ يقْطَعُ بعدَ طُولِ تَواصُلٍ |
وَيُشِتُّ بعدَ تَلاؤمٍ وتَجمُّعِ |
قُبْحاً لِعادِيَة ٍ رَمَتْكَ فإنَّها |
عَدَتْ الذَّلِيلَ إلى الأعَزِّ الأمْنَعِ |
ما كنتُ أحسِبُ أنَّ ضيْماً واصِلٌ |
بِيَدِ الدَّنِيِّ إلى الشَّرِيفِ الأرفَعِ |
قدرٌ ترفَّعَ يومَ رُزْئِكَ هَمُّهُ |
فَرَمى إلى الغَرَضِ البَعيدِ المَنْزَعِ |
كيفَ الغِلابُ وكيفَ بطشُكَ واحِداً |
فرْداً وأنْتَ منَ العدى في مجمَعِ |
عزَّ الدِّفاعُ وما عدِمْتَ مُدافِعاً |
لَوْلا مَقادِرُ ما لها مِنْ مدْفَعِ |
ولقَدْ لَقيتَ الموتَ يَوْمَ لَقِيتَهُ |
كرماً بأنجَدَ منْهُ ثمَّ وأشْجَعِ |
عِفْتَ الدنيَّة َ والمنيَّة ُ دُونَها |
فَشَرَعْتَ فِي حدِّ الرِّماحِ الشُّرَّعِ |
ولو کنَّكَ اخْتَرْتَ الأمانَ وَجَدْتَهُ |
أنّى وخَدُّ اللَّيثِ لَيْسَ بِأضْرَعِ |
مَنْ كانَ مِثْلَكَ لَمْ يَمُتْ إلاّ لقى ً |
بين الصَّوارِمِ والقَنا المتقطِّعِ |
جادَتْكَ واكِفَة ُ الدُّموعِ ولَمْ تَكُنْ |
لوْلاكَ مخجِلة َ الغُيُومِ الهُمَّعِ |
وبكاكَ منهَلُّ الغَمامِ فإنَّهُ |
ما كانَ منكَ إلى السماحِ بأسرَعِ |
وتعهدتْ مغناكَ سارِية ٌ مَتى |
تَذْهَبْ تَعْدُو وَمَتى تُفارِقْ تَرْجِعِ |
تَغْشاكَ تائِقَة ً تَزُورُ وتَنْثَنِي |
بمُسَلِّمٍ مِن مُزْنِها ومُوَدِّعِ |
تحبُوكَ مُوْشِيَّ الرياضِ وإنما |
تُهْدِي الرَّبِيعَ إلى الرَّبِيعِ المُمْرِعِ |
لا يُطمِعِ الأعداءَ يَومٌ سَرَّهُمْ |
إنَّ الرَّدى فِي طَيِّ ذاكَ المطْمَعِ |
الثَّأرُ مَضْمُونٌ وَفِي أيمانِنا |
بِيضٌ كخاطِفَة ِ البُروقِ اللُّمَّعِ |
وذَوابِلٌ تَهْوى إلى ثُغَرِ العِدى |
تَوْقَ العِطاشِ إلى صَفاءِ المشْرَعِ |
قدْ آنَ للدَّهْرِ المُضِلَّ سَبيلَهُ |
أنّ يستَقِيمَ على الطَّرِيقِ المَهيْعِ |
مستدْركاً غلطَ الليالِي فيكُمُ |
مُتَنَصِّلاً مِنْ جُرْمِها المُسْتَفْظَعِ |
أفَغَرَّكُمْ أنَّ الزَّمانَ أجرَّكُمْ |
طولاً بغيِّكُمُ الوَخِيمِ المرتَعِ |
هَلاّ وَمَجْدُ الدِّينِ قَدْ عَصَفَتْ بِكُمْ |
عَزَماتُهُ بالغَوْرِ عَصفَ الزَّعْزَعِ |
وغَداة َ عَلْعالَ الَّتي رَوَّتْكُمُ |
بِالبِيضِ مِنْ سُمِّ الضِّرابِ المُنْقَعِ |
لا تأْمَنُنَّ صريمَة ً عضْبيَّة ً |
منْ أنْ تُقيمَ الحقَّ عندَ المقطَعِ |
بقناً لغيرِ رداكمُ لمْ تُعْتَقَلْ |
وظُبى ً لغيرِ بوارِكمْ لم تُطْبَعِ |
يا خيرَ منْ سُمِّي وأكْرَمَ منْ رُجِي |
وأبرَّ مَنْ نُودِي وأشْرَفَ مَنْ دُعِي |
إنّا وإنْ عَظُمَ المُصابُ فلا الأَسى |
فِيهِ العَصِيُّ ولا السُّلُّوُ بِطَيِّعِ |
لنَرى بقاءَكَ نِعْمَة ً مَحقُوقَة ً |
بالشُّكرِ ما سُقِي الأنامُ وما رُعِي |
ولقَدْ عَلِمْتَ ولمْ تَكُنْ بمُعَلَّمٍ |
أنَّ الأسى والوَجْدَ ليسَ بِمُنْجِعِ |
هَيْهاتَ غيرُكَ منْ يَضِيقُ بحادِثٍ |
وسِواكَ منْ يعي بحمْلِ المُضْلِعِ |
دانَتْ لَكَ الدُّنْيا كأحْسَنِ رَوْضَة ٍ |
شُعِفَ النسيمُ بنَشْرِها المُتَضوِّعِ |
لا زالَ ربْعُ عُلاكَ غيرَ مُعطلٍ |
أبداً وسِربُ حماكَ غيرَ مروَّعِ |
ما تاقَ ذُو شجنٍ إلى سكنٍ وما |
وجدَ المُقيمُ علاقَة ً بالمُزْمِعِ |